بيانات وتجمّعات عمّالية وهيئات قطاعية… هل تحرّكت “ماكينة” الاتحاد؟
حبيب الزموري
2024 / 3 / 17 - 12:12
يراقب عديد المتابعين للشأن العام التونسي، سواء كانوا في الداخل أو الخارج، وسواء كانوا ينتمون إلى أجهزة رسمية أو أجهزة غير حكومية، باهتمام بالغ تصاعد وتيرة أنشطة الاتحاد العام التونسي للشغل بالتزامن مع تصاعد حدة الرسائل التي تحملها بياناته وتصريحات قياداته المركزية، وقد شكل التجمّع العمالي يوم 2 مارس ذروة هذه الأنشطة، ولن يكون آخرها حسب التصريحات النقابية والبلاغات الصادرة عن المكتب التنفيذي الوطني التي ما انفكت تحثّ النقابيات والنقابيين على مزيد الاستعداد والوحدة للتصدي لكافة الحملات التي تستهدف الحق النقابي والاتحاد العام التونسي للشغل. ولعلّ غياب الأنشطة النقابية المركزية ذات الطابع الجماهيري منذ مسيرة 4 مارس 2023 هو ما أدى إلى مثل هذا الاهتمام بهذا التصعيد النقابي، لا سيّما أن مسار استهداف الحق النقابي والحريات العامة والفردية بالبلاد كان واضحا منذ مدة كي لا نقول منذ انقلاب 25 جويلية 2021، بل حتى قبل ذلك من خلال تصريحات قيس سعيد إبّان حملته الانتخابية وبعد صعوده إلى سدة الحكم من خلال ترذيله المستمر للحياة السياسية المدنية وتخوينه للفاعلين السياسيين والحقوقيين إلى أن وصل الأمر إلى الاعتقالات والسجون على خلفية التعبير عن الرأي ومعارضة التوجهات الشعبوية التي يبشر بها، ولم يعد خافيا على أحد أن لا مكان للأحزاب والمنظمات في التصوّر الشعبوي لنظام الحكم. إن توقف الأنشطة الكبرى عن الساحة النقابية منذ 4 مارس 2023 يخفي في الحقيقة أزمة وعي حقيقية داخل الاتحاد العام التونسي للشغل بتشخيص المرحلة التي تمرّ بها البلاد ويمرّ بها الاتحاد العام التونسي للشغل، وأبرز دليل على أزمة الوعي هذه ما أثارته كلمة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في بطحاء محمد علي التي خصّ فيها بالتحية المساجين السياسيين بالمرناقية من لغط وجدل بين النقابيين وصل إلى حد مطالبة الأمين العام بالاعتذار والتراجع عن ذلك التصريح، وهو ما يعني عمليا غياب وحدة الوعي بالأزمة والمخاطر التي تتهدد البلاد. بل إن هناك من النقابيين من القاعدة إلى القمة من يعتبر أن الحديث عن أزمة وانحراف من السلطة التنفيذية نحو التسلط والاستبداد ليس سوى وهم وانخراط في المؤامرات التي تستهدف الخيارات الوطنية والشعبية التي يجسّدها مسار 25 جويلية حسب زعمهم، وأصبح كل تحرك نقابي قطاعي أو وطني محطّة للفرز داخل الاتحاد العام التونسي للشغل بين من نصّب نفسه مدافعا عن المنظومة الشعبوية من داخل منظمة حشاد دون الإعلان الصريح عن ذلك بطبيعة الحال وبين المدافعين عن استقلالية المنظمة ولو أدّى الأمر إلى الصِّدام مع السلطة الساعية إلى تفكيك المنظمة وإلغاء دورها الوطني والاجتماعي بل وقامت بانتداب من رأت أنه يتمتع بالخبرة، والتجربة النقابية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف. هذا هو جوهر الصراع اليوم داخل هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل من النقابات الأساسية وصولا إلى المكتب التنفيذي الوطني ولن يستطيع الاتحاد التقدم في أداء مهامه بما فيها الدفاع عن استقلاليته دون حسم هذا الصراع داخل أطره وبقوانين المنظمة. ولئن كانت خطوة التجمع العمالي بساحة القصبة خطوة أولى في اتجاه ترجيح كفّة موازين القوى داخل المنظمة لفائدة التيّار المدافع عن استقلاليتها ضدّ تغوّل السلطة دون إغفال التناقضات التي تشقّ هذا التيار بدوره نتيجة تداعيات المؤتمر الاستثنائي والانقلاب على مبدأ التداول على المسؤوليات النقابية المركزية. وفي هذا السياق بالذات فإنّ صمود هذا التيار في مواجهة طابور السلطة في الداخل وكافة الحملات والمخططات التي تستهدف المنظمة من الخارج يستوجب فتح الملفّات الخلافيّة للنقاش العام داخل المنظمة على رأسها ملف الديموقراطية النقابية الذي يمثل الفصل 20 أحد نقاطه الرئيسية، بالإضافة إلى عدّة نقاط أخرى أفرزها هذا الصراع وفي مقدمتها مدى التزام الأقلية بقرارات الأغلبية. إن تفعيل آليات الاجتماعات العامة وندوات الإطارات والمنتديات النقابية أصبح اليوم ضرورة ملحّة لإعادة القيمة للنضال النقابي وتجسير الفجوات بين الهياكل وقواعدها، فالاتحاد العام التونسي للشغل شأنه شأن كل التنظيمات السياسية والمدنية والحقوقية كان ضحيّة الركض وراء التحركات التي عمّت البلاد منذ 2011، وقد كان ذلك في أغلب الأحيان على حساب تقاليد وقواعد العمل النقابي التي تأسست عليها المنظمة. وقد حاولت مختلف الحكومات التي تداولت على السلطة، بما فيها المنظومة الحالية، استغلال هذه الظرفية لافتكاك المواقع داخل المنظمة وتفكيكها من الداخل. إن المطروح اليوم أمام النقابيات والنقابيين عبر سلطات القرار داخل منظمتهم العمل على تحقيق المراكمة النضالية على تحرك 2 مارس واستخلاص الدروس من التحركات السابقة والتوقف في منتصف الطريق في ظلّ غياب الهدف الواضح المحدد، لأن نوايا السلطة نحو المنظمة ونحو الطبقة العاملة لم تعد خافية، ولم يعد الخطاب الشعبوي والشعارات الرنانة قادرة على إخفاء لهيب الأسعار وندرة المواد الأساسية وارتفاع نسب التضخم والبطالة ومأزق المالية العمومية. الاتحاد العام التونسي للشغل مُقدم على أزمة جديدة تحت الشعار نفسه الذي عاش تحته الأزمات السابقة، وهو الدفاع عن الحق النقابي وعن استقلالية المنظمة ولكن ظرفية ومظاهر هذه الأزمة تعتبر أعمق وأخطر بالنظر لوضعية الاتحاد نفسه ووضعية قوى الدعم والإسناد الوطنية والديموقراطية في البلاد ككلّ وبالنظر أيضا لطبيعة هذه السلطة التي تختلف عن طبيعة الأنظمة السّابقة.