موبقات الرأسمالية: عدد الجوعى في العالم ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص عام 2021


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 7310 - 2022 / 7 / 15 - 23:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تُظهر التقارير الصادرة عن مختلف المؤسسات بما فيها التابعة للأمم المتحدة، عمق الأزمة الرأسمالية والنظام الرأسمالي، الذي يؤدي الى اتساع عمق الفجوة ما بين الأغنياء الذين يحصدون الأرباح، حتى في ظل الأزمات، ومنها جائحة كورونا، ففي هذه التقارير يتضح أن "ثروات أغنياء العالم المدرجين على مؤشر بلومبرغ للمليارديرات يرتفع العام الماضي الى مبلغ ٨,٤ تريليون دولار " الأمر الذي يعني بانها "تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول عدا أمريكا والصين".

اما تقرير مجلة "فوربس" الصادر في شهر آذار من العام الحالي، يؤكد لنا وجود " ٢٦٦٨ ملياردير لعام ٢٠٢٢ " وان ثرواتهم تبلغ ١٢،٧ تريليون دولار.

أمام هذه المعطيات التي نلاحظ من خلالها تكديس الثروات بأيدي وجيوب وحسابات عدد محدود من الأفراد، الذين يحصلون عليها من خلال مشاريع لهم، من كد بقية المواطنين وفي ظل حماية ضرائبية توفرها لهم حكومات تعتمد النظام الاقتصادي النيو ليبرالي، وما يسمى بـ"حرية السوق" هذا النظام يمنح هؤلاء الأثرياء المناخ المناسب وغير المعتدل لجني هذه الثروات، على حساب بقية سكان الكرة الأرضية، ومنهم المليارات من الافراد الذين يعيشون في ظل ظروف يفقدون فيها الأمن الغذائي ويتعرضون للجوع وسوء التغذية، مما يعني فقدان العدالة الاجتماعية، في ظل هذا النظام الرأسمالي المتوحش والبغيض.



تقرير الأمم المتحدة بخصوص الأمن الغذائي

صدر مطلع الشهر الحالي تموز 2022 تقرير عن الأمم المتحدة "عن حالة الأمن الغذائي والتغذية يُظهر انتكاس جهود العالم للقضاء على الجوع وسوء التغذية" حيث تظر لنا من خلاله معطيات فاضحة للسياسات التي تنتهجها الحكومات الرأسمالية، والتي تؤدي الى إثراء عدد محدود من الأثرياء لديها مقابل فقدان الأمن الغذائي، وتغلغل ظاهرة الجوع لدى مختلف سكان العالم، ويشير التقرير الى وجود 828 مليون شخص جوعى في العالم في العام 2021 مما يؤكد لنا عمق أزمة هذه الأنظمة التي تسيطر عليها الحكومات وفكرها الرافض للنمط الإشتراكي.

وما جاء في مقدمة التقرير يوضح لنا فداحة معاناة الملايين من سكان الكرة الأرضية جاء ما يلي بأنه: "قدّم أدلة جديدة على أن العالم يبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله بحلول عام 2030، بأن عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع في العالم قد ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021، أي بزيادة قدرها نحو 46 مليون شخص منذ عام 2020 و150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كوفيد-19”.

وأضاف بخصوص تفاقم الوضع بما يتعلق بالجوع الذي يجتاح سكان كُثر من العالم: ”ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعانون من الجوع في عام 2020 بعدما بقيت ثابتة نسبيًا منذ عام 2015، وواصلت ارتفاعها في عام 2021 لتبلغ 9,8 في المائة من سكان العالم، وذلك مقارنة بنسبة 8 في المائة في عام 2019 و9,3 في المائة في عام 2020.”



الوضع الأكثر خطوره لدى النساء والأطفال

أما بما يتعلق بالقضية الجندرية نجد أن النساء أكثر عرضة لحالات فقدان الأمن الغذائي والجوع والفقر وعن ذلك كتب معدو التقرير: ”استمر اتساع الفجوة بين الجنسين على صعيد انعدام الأمن الغذائي في عام 2021 - حيث عانت نسبة 31,9 في المائة من النساء في العالم من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد مقارنة بنسبة 27,6 في المائة من الرجال – ما يمثل فجوة تزيد عن أربع نقاط مئوية مقارنة بثلاث نقاط مئوية في عام 2020”.

أما وضع الأطفال الذين يعيشون في الجوع وشحة التغذية جاء ما يلي: ”عانى ما يقدّر بنحو 45 مليون طفل دون الخامسة من العمر من الهزال، وهو أحد أشكال سوء التغذية الأكثر فتكًا والذي يزيد خطر وفاة الأطفال بما يصل إلى 12 ضعفًا. إضافة إلى ذلك، عانى 149 مليون طفل دون الخامسة من العمر من توقف النمو والتطور بسبب النقص المزمن للمغذيات الأساسية في أنماطهم الغذائية، بينما عانى 39 مليون طفل من الوزن الزائد”.



اكثر من 3 مليار شخص عاجزون عن كُلفة نمط غذائي صحي



وفي مكان آخر من التقرير الذي يكشف لنا عُمق أزمة الجوع وفقدان توفير التغذية لسكان العالم جاء : “عانى حوالي 2,3 مليارات شخص في العالم (29,3 في المائة) من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2021 – أي 350 مليون شخص إضافي مقارنة بما قبل تفشي جائحة كوفيد󈚷. وعانى حوالي 924 مليون شخص (11,7 في المائة من سكان العالم) من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ما يمثل زيادة قدرها 207 ملايين شخص في غضون سنتين”.

وأضاف التقرير بخصوص العجز الذي يواجهه العدد الهائل من الناس بإمكانية تحمل كلفة نمط غذائي صحي : "عجز حوالي 3,1 مليار شخص عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020، أي بزيادة قدرها 112 مليون شخص مقارنة بعام 2019، ما يعكس آثار تضخم أسعار استهلاك الأغذية نتيجة الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والتدابير المتخذة لاحتوائها”.



المطالبة بتعيير السياسات الحكومية بالنسبة لدعم الزراعة



ينتقد معدو التقرير السياسات القائمة لدى الحكومات بالنسبة لدعم الزراعة والمزارعين، من أجل توفير سلة الغذاء الأساسية من جهة وسلة الغذاء التي تضمن الأمن الغذائي المطلوب للإنسان، مؤكدين أن هذا الدعم يهدر ولا يأت بنتائج ايجابية لعم استثماره في مختلف المواد المطلوبة لضمان الغذاء المفيد وعن ذلك جاء في التقرير: "غير أن القدر الأكبر من هذا الدعم مشوّه للأسواق، كما أنه لا يصل إلى العديد من المزارعين، ويلحق الضرر بالبيئة، ولا يشجّع إنتاج الأغذية المغذية التي يتألف منها النمط الغذائي الصحي. ويعزى ذلك جزئيًا إلى كون الإعانات تستهدف في كثير من الأحيان إنتاج الأغذية الأساسية والألبان والأغذية الأخرى الحيوانية المصدر، وبخاصة في البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة العليا. ويُعدّ الأرزّ والسكر واللحوم بمختلف أنواعها السلع الغذائية التي تحظى بأكبر قدر من الحوافز في العالم، في حين أن الفواكه والخضروات تتلقى قدرًا أقل نسبيًا من الدعم، لا سيما في بعض البلدان المنخفضة الدخل”. ويواصل التقرير انتقاد السياسات الحكومية والمطلوب منها لتغيير الأنماط القائمة في الختام :” وفي ظل ما يلوح في الأفق من خطر حدوث انكماش عالمي وما يترتب عن ذلك من تداعيات على الإيرادات والنفقات العامة، تتمثل إحدى وسائل دعم التعافي الاقتصادي في إعادة توجيه الدعم الغذائي والزراعي نحو الأغذية المغذية حيث لا يتناسب نصيب الفرد الواحد من استهلاكها بعد مع المستويات الموصى بها للتمتع بأنماط غذائية صحية.







وتشير الأدلة إلى أن الحكومات ستساهم في خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحمّلها وجعلها متوافرة بصورة متساوية للجميع إذا ما أعادت توجيه الموارد التي تستخدمها لتحفيز إنتاج الأغذية المغذية وعرضها واستهلاكها”. ويؤكد أن الحكومات – لو أرادت - “ قادرة على بذل المزيد للحد من الحواجز التجارية أمام الأغذية المغذية، مثل الفواكه والخضروات والبقول”. ولا يغفل التقرير تأثير النزاع في أوكرانيا وتأثير ذلك على الوضع الغذائي في كون كل من روسيا وأوكرانيا أكبر منتج ومصدر للحبوب وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.



فشل السياسات الحكومية وخطط المتحدة والخطر القادم



جدير بالذكر انه شارك في إصدار هذا التقرير الهام، كل من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية.

وجاء تصريح جيلبرت ف. هونجبو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية معبراً بصدق عن فشل السياسات الحكومية والخطط التي تم وضعها من قبل الأمم المتحدة من أجل القضاء على الفقر والجوع حتى نهاية العقد الحالي أي حتى العام 2030 بقوله: "هذه الأرقام محبطة للبشرية. فنحن نواصل الابتعاد شيئًا فشيئًا عن هدفنا المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030. ومن المرجح أن تؤدي الآثار المتلاحقة للأزمة الغذائية العالمية إلى تفاقم النتائج مجددًا خلال العام المقبل. ونحن بحاجة إلى اتباع نهج مكثّف للقضاء على الجوع، وإنّ الصندوق الدولي للتنمية الزراعية على أهبة الاستعداد للاضطلاع بدوره من خلال توسيع نطاق عملياته والأثر المتوخى منها. وإننا نتطلع إلى الحصول على دعم الجميع".

أما ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي فقال بخصوص التقرير ونتائجه: "هناك خطر فعلي في أن تزداد هذه الأعداد بقدر أكبر خلال الأشهر المقبلة. فالارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للأغذية والوقود والأسمدة الذي نشهده اليوم بسبب الأزمة في أوكرانيا يهدد بدفع البلدان من حول العالم إلى دائرة المجاعة. وسيؤدي ذلك إلى عدم استقرار عالمي والتضور جوعًا وهجرة جماعية على نطاق غير مسبوق. لذا، يجدر بنا العمل اليوم لتجنب وقوع هذه الكارثة الكامنة".



يموت كل سنة 11 مليون شخص بسبب الأنماط الغذائية غير الصحية





وجاء تصريح تيدروس أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ليكشف حقيقة مؤلمة بخصوص وفاة ملايين بسبب سوء التغذية بقوله: "يموت كل سنة 11 مليون شخص بسبب الأنماط الغذائية غير الصحية. وارتفاع أسعار الأغذية يعني أن الأوضاع ستزداد سوءًا بالتأكيد. وإنّ منظمة الصحة العالمية تؤازر جهود البلدان لتحسين النظم الغذائية من خلال فرض ضرائب على الأغذية غير الصحية ومنح إعانات للخيارات الصحية، وحماية الأطفال من ممارسات التسويق المضرّة، وضمان استخدام بطاقات توسيم واضحة على المستوى الغذائي. ويجدر بنا العمل معًا لتحقيق مقاصد التغذية العالمية بحلول سنة 2030، ولمكافحة الجوع وسوء التغذية، لضمان أن تكون الأغذية مصدر صحة للجميع".



الحل في تغيير السياسات القائمة



وأخيراً لا بد من الإشارة الى ما يواجهه المواطن اليوم في بلادنا وفي أصقاع الأرض عامة، من عاصفة الغلاء في المواد الغذائية الأساسية وتآكل القيمة الشرائية للأجور ولكافة الإعانات الاجتماعية، بسبب هذا الغلاء الفاحش، مما سيؤدي الى أنماط غذائية شحيحة، أي الى ظروف الجوع والتغذية ذات الجودة الغذائية الغير مفيدة، الأمر الذي سيؤثر سلباً على حياة المواطن كفر والعائلة بل والمجتمع عامة، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على الوضع الصحي والاجتماعي للمليارات من سكان العالم، وبرأيي أن الحل يكمن في تغير السياسات الاقتصادية والسياسية التي تنتهجها الحكومات في عالمن والتي تعمل على إغناء شريحة قليلة في عالمنا الأمر الذي يعني اتساع دئرة الفقر والجوع وعدد الفقراء.



هوامش المصطلحات وفق التقرير:

1) انعدام الأمن الغذائي الحاد: هو انعدام الأمن الغذائي الذي يوجد في منطقة محدَّدة عند نقطة زمنية محدَّدة وبدرجة من الشدة تُهدِّد الحياة أو سُبل العيش أو كليهما معًا، بصرف النظر عن أسبابه أو سياقه أو مدته. وهو مجدٍ لإعطاء توجيهات استراتيجية للإجراءات التي تركز على الأهداف القصيرة الأجل لمنع انعدام الأمن الغذائي الشديد أو التخفيف من حدته أو خفضه.

2) الجوع: هو شعور غير مريح أو مؤلم سببه عدم استهلاك طاقة غذائية كافية. الحرمان من الغذاء. ومصطلح الجوع في هذا التقرير هو مرادف للنقص التغذوي المزمن، ويجري قياسه بواسطة معدل انتشار النقص التغذوي.



3) سوء التغذية: هو حالة فسيولوجية غير طبيعية يُسببها نقص المغذيات الكبيرة و/أو المغذيات الدقيقة أو عدم توازنها أو الإفراط في تناولها. ويشمل سوء التغذية نقص التغذية (التقزم والهزال لدى الأطفال، ونقص الفيتامينات والمعادن) فضلًا عن الوزن الزائد والسمنة.