أَوْضَاع المُجْتَمَع وَأَدْوَار اليَسَار


عبد الرحمان النوضة
2021 / 11 / 20 - 16:56     

هذا مُلَخَّص عَرْض قَدَّمَه رحمان النوضة، خلال ندوة، نظمها سعيد العمراني، في برنامج "رَادَاسْ تِيفِي" (Radas TV)، وشَارك في الندوة: رحمان النوضة، وعبد المجيد أزرياح، في يوم الإثنين 15 نونبر 2021. ومُدّة الفِيدِيُو هي قرابة ساعتين. ورابط الفِيدِيُو هو :
https://web.facebook.com/watch/live/?ref=watch_permalink&v=4513835045338915


الجزء الأول: الأوضاع المُجتمعية
- يعيش الشعب مشاكل مُجتمعية مؤلمة، ومنذ زمان، مثل القمع، البطالة، والاستغلال الرأسمالي، والتهميش، والحرمان من خدمات مجتمعية مثل التعليم، والصحة، والسكن، وغيرها. رغم أن الشعب يؤدّي ضرائب ثَـقِيلَة. ولماذا لا يقدر هذا الشعب على إسماع صوته، ولا على الدفاع عن مصالحه؟ الأسباب كثيرة، ومتداخلة، ومعـقّدة. يمكن تلخيص الأسباب في :
- فقدان الثـقافة العامّة،
- وفقدان الوعي السياسي الثوري،
- وفقدان التنظيمات الجماهيرية القاعدية، والمُستقلّة، ولثورية، والمناضلة،
- وفقدان التقاليد الكفاحية،
- وفقدان أخلاق التضامن السياسي الثوري،
- وَتَخَلُّف قِوَى اليسار.
ويمكن تفسير ضعف الشعب بعبارة أخرى، وهي : طُغْيَان القِيَم الرأسمالية، مثل الأنانية، والفردانية، والانتهازية، والتحايل، والغِشّ، والخَوْف من القمع. ولا يقدر على القيّام بِمهام توعية الشعب وتنظيمه، سوى قِوَى اليسار الثورية.
- وفي مٌقابل طبقات الشعب، تُوجد الطبقات المُستغِلَّة. وتَتمتّع باكتساب الوعي السياسي، وبالتنظيم المُحْـكَم، وتستغلُ أجهزةَ الدولة لتحقيق مصالحها، ولو بواسطة التضليل، والقمع، والاستبداد.
- المغرب مُجتمع متخلّف على جميع الأصعدة. وتَخَلُّف المجتمع يتجلّى في ظواهر مُجتمعية ثابتة، وثُبُوتها يعني أنها تدوم منذ عشرات السنين. ومنها ما يلي :
* تستهلك البلاد أكثر مما تُنتج.
* تستورد البلاد أكثر مما تُصدّر.
* الديون الخارجية للبلاد تتزايد باستمرار، وقد بلغت تقريبًا 100 % من "الناتج الداخلي الخام". ويكون الحُصول على الدين الخارجية بشرط الخُضوع لإملاءات سياسية.
- ومنذ استـقلال البلاد في سنة 1956 إلى الآن، يعجز النظام السياسي القائم على تحقـيق التـنمية الاقتصادية. ويتـراوح المعدّل السنوي لِلنمو الاقتصادي بين 1،5 و 3 %. لكن تحقيق تـنمية اقتصادية حقـيقية، حسب الاقتصاديّين التـقدّميّين، يستوجب أن يكون معدّل النمو الاقتصادي هو قرابة 9 %، خلال 25 أو 30 سنة مُتَوَالِيَة (مثلما حدث في الصين).
- مستوى التـعليم والتـكوين لدى الشبان ينـقص باستمرار، وجودة التـعليم تَتَدَهْوَر، ويُعوّض التـعليم العُمومي بِتـعليم ديني إسلامي أصولي وَهَّابِي.
- لكي يوجد إنـتاج (صناعي، وفلاحي، وخدماتي)، يجب أن يُوجد تـعليم عُمومي مُعَمَّم، وأن يكون ذي طبيعة عِلْمِيَة، وأن يكون مِن مُستوى عِلْمِي عال. لكن النظام السياسي الـقائم يرفض الاستـثمار في التـعليم والتكوين. بل يُراهن على تجهيل الشعب.
- تـكوين وتشغيل الشباب ظلّ أقل من الحاجيات المطلوبة. عشرات الآلاف من المواطنين الشباب لا يجدون من إمكانية للشُّغْل، وللعيش، سوى عبر تـرك وطنهم، والشروع في مُغامرة الهجرة السرية نحو أوطان أجنـبية، تظهر ديموقراطية وتـقدّمية، وتطاردهم كحيوانات ضَالّة.
- ميزة المرحلة التاريخية الحالية في المغرب، هي مرحلة التـراكم البدائي للرأسمال (l accumulation primitive du capital). وتستـعمل فيه الطبقات المُستـغِلَّة كل الوسائل المُتاحة، ليس فـقط تَـكْتِيـق الاستـغلال الرأسمالي، بل تستـعمل أيضا التَضْلِيل، والتحايل، والغِشّ، والـقمع، والعنـف، والسَّطْو، والنَهْب.
- تـكبر أعداد أفراد البرجوازية الصغيرة، والبرجوازية المتوسطة، وتـزداد ثرواتها في حدود ضيّقة، لكن فعلها يَبقى حبيس مجال التجارة. أي ضمن حدود شراء السّلع وإعادة بيعها. ومعظم هاتين البرجوازيتين تَبْـقَى بَعيدة عن الإنتاج الصناعي، وعن المعرفة، والعلوم. وميزة هاتين البرجوازيتين: الأنانية، والانـتهازية، والتَحَايُل، والغِشّ، والتهرّب من الضرائب.
- جماهير الشعب تـعيش في الجهل، والـفقر، والتخلّف، والمعتـقدات الخُرافية، والاِسْتِيلَاب بِسبب الدِّين. شعبـنا هو من بين الشعوب الأكثر تخلـفًا في العالم. مثلما أ، معظم شعوب البلدان المُسلمة، أو الناطقة بِالعربية، هي الأكثر تَخَلُّفًا مِن بين شعوب العالم.
ولكي يعيش أفراد الشعب، يضطرون إلى تـقليد الحكام، فيمارسون هم أيضا: الأنانية، والانـتهازية، والغش، والتحايل، والسَّطْو، والنَهْب.
- غالبية موظفي الدولة يمارسون "الاتجار في استـغلال سلطة إتّخاذ القرار" (Trafic d influence)، وسُلطة مَنْح الرُّخَص الإدارية. ويمارسون الرشوة، ويغتـنون بشكل غير قانوني، ويتحوّلون إلى مُسْتَثْمِرِين وَمُقاولين مُفْتَرِسِين.
- والأشخاص الذين يمارسون مسؤوليات سياسية في أجهزة الدولة، يتحوّلون إلى أغنياء، وإلى مُقاولين. كما أن المقاولين الكبار الأغنياء، يتحوّلون إلى مسؤولين سياسيّين في مواقع المسؤولية العُليا في أجهزة الدولة. وتمتـزج هكذا السُلطة السياسية بالثروة الاقتصادية.
- توجد عدّة جيوش من الأجهزة الأمنية القمعية. وهي مُتـنوّعة، وضخمة، وَعَرَمْرَمَة، ومجهّزة. وكلـفتها هائلة، وتـنـقص ميزانياتها من إمكانيات الاستـثمار العمومي. وبقدر ما يخاف النظام السياسي الـقائم من ثورة الشعب، بقدر ما يزيد في خلـق وتـكوين أجهزة قمعية، واستخباراتية إضافية. ولا تصلح هذه الأجهزة القمعية سوى لـقمع الشعب. وتـقتصر على قمع الناقدين، والمعارضين السياسيين، والمتظاهرين. ولا تهتم الأجهزة القمعية بجرائم المقاولين الرأسماليين، وبجرائم الموظفين العاملين في أجهزة الدولة.
- أهم ميزات النظام السياسي المخزني الـقائم هي أنه استبدادي، ومبـني على أساس الزبونية، والرّيع، والفساد. ويحتـكر فيه رئيس الدولة كل السلط، وبلا أيّ استثناء. وهذا النظام السياسي هو تَبَعِي للإمبريالية ولِلصهيونية الـقائمة في إسرائيل. وقد فَرّط النظام السياسي في استـقلال الوطن، وفي سيّادته. وهو "مُـقْـفَـل" (verroillé). أي أنه يستحيل تـغييره من الداخل، أي بالطرق الديموقراطية.
ومن ميزاته أيضا: غياب الشفافية، وغياب الوصول إلى المعلومات، وغياب المُراقبة والمحاسبة، وغياب الـقضاء النزيه، وغياب دولة القانون.
- يجب الانـتباه إلى أن مَعَانِـيَ المُصْطَلَحَات السياسية في المغرب، تختلـف عن مقابلها في البلدان المتـقدّمة في أوروبا. فمثلا مصطلحات: الحكومة، والبرلمان، والانـتخابات، والديموقراطية، والـقضاء، والـقانون، والدولة، إلى آخره، كلها لها معاني مغشوشة، وَمُلَوَّثَة، ومزوّرة، بالمقارنة مع ما هو قائم في البلدان الغربية المتقدمة.
- أرقام الإحصائيات الرسمية غير موثوقة. لأنها مخدومة لِتَلْمِيع صورة النظام السياسي.
مثال: الإحصائيات الرسمية حول كوفيد 19 ظلّت أقل بِكَثِير من الواقع، بسبب غياب تـعميم استـعمال الـفحوص (testes)، وغياب تـعميم مناهج صارمة في مجال تسجيل الحالات المريضة. وكذلك بسبب إرادة النظام السياسي تجميل صورة المغرب لدى الخارج، ولو عبر تَقْلِيص حجم الأرقام.
- تختلـف البرجوازية المتوسطة، والبرجوازية الكبيرة، في المغرب (وكذلك في البلدان الأخرى المُسلمة، أو الناطقة بالعربية)، عن مثيلاتها في البلدان المتـقدمة الغربية والآسيوية. حيث أنها هاتين البرجوازيّتين في المغرب تتميّزان بِـ : ضعف التـكوين، وضعف الثـقافة، والحَذَر المُفرط، والتهرّب من الاستـثمار، والأنانية، والـفردانية، والانـتهازية، والتحايل، والغش، والانهزامية تُجاه القـوى الأجنـبية، والإفراط في الاستهلاك والتبذير. بينما البرجوازيتين المتوسّطة والكبيرة في البلدان المتـقدمة في آسْيَا وأوروبا تتميّز بِـ : جودة التـعليم والتـكوين، جودة الثـقافة، والذكاء، وقـوّة الإرادة، والثـقة في الاستـثمار الاستـراتيجي، والإبداع، وروح الوطنية، وحَدّ أَدْنَى مُتَـقَدِّم مِن التضامن المُجتمعي، والـقبول بالمغامرة، والرؤية الاستباقـية، إلى آخره.
- تَشَوُّه العلاقة بين الاستـثمارات العُمومية، والاستـثمارات الخُصوصية. تستـفيد طبقة المُستـغِلِّين الكبار مما تـقدّمه الدولة من تسهيلات ومساعدات، لكن طبقة المستـغِلين الكبار لا تـقوم بواجباتها تجاه المُجتمع.
- تخلـف المغرب يرتبط أيضا بتخلـف الرأسمالية الـقائمة فيه، حيث تبقى هذه الرأسمالية تَبعية للإمبريالية، ومريضة بانحرافاتها الانتهازية، مثل الريع، والـفساد، والغش، والتحايل، والانـتهازية، والاحتـكارات، والتهرّب من الضرائب، وتلافي الاستـثمار في البحوث العلمية، الخ.
- لماذا يتطوّر الوضع المُجتمعي في المغرب نحو الإفلاس، والانهيّار ؟ لأن النظام السياسي يعجز، ومنذ عُـقُود، على معالجة المشاكل الأساسية للمجتمع. ولأنه عاجز على تلبية الحاجيات الأساسية للشعب. ولأن تطوّر المُجتمع يخضع لقـوانين، أو قواعد. ولأن النظام مهوُوس بشيء واحد، هو خدمة مصالح طبقة المُسْتَغِلِّين الكبار التبعية للإمبريالية.
- بما أن النظام السياسي الـقائم يُضَحِّي بالشعب لِإِنْـقَاذ نظام الملكية المَخْزَنِيَة، فإنه يحقّ للشعب أن يُضَحِّيَ بالنظام الملكي المخزني لِـإِنْـقَاذ مصير الشعب، ولتحرير نـفسه بنفسه.
- استـقلال المغرب ناقص. وسيادة الدولة المغربية ناقصة. لأن السيادة الحقـيقـية تتـنافى مع الـقَبُول بالإملاءات الخارجية، مثلًا من طرف صندوق النـقد لدولي، والبـنك العالمي. وتتـنافى مع الخُضوع لِرَغبات للشركات الأجنـبية المتـعددة الجنسيات. وتتـناقض مع الرُّضُوخ لِـإِمْلَاءَات الحلـفاء الاستـراتيجيّين للنظام السياسيين، والمتجلّين في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وأوروبا، وإسرائيل.
- التـناقض بين النظامين الـقائمين في بَلَدَي المغرب والجزائر، لا ينـتج فـقط عن قضية الصحراء الغربية، وإنما ينـتج أيضا عن التـناقض بين نظامين سياسيين مُتَضَادَّين. والحرب الباردة المتواصلة بين دولتي المغرب والجزائر (وليس بين الشعبين المغربي والجزائري) تُكَلِّفُهما جزءا هامًّا من "الناتج الداخلي الخام". وكثير من المشاكل المُجتمعية الـقائمة في المغرب، تُوجد مَثِيلَتُهَا أيضًا في الجزائر. كما الكثير من المشاكل المُجتمعية الموجودة في الجزائر، تُوجد أيضا في المغرب. فَالمُهِم ليس هو شكل النظام السياسي (ملكية أم جمهورية)، وإنما المهم هو مضمون هذا النظام السياسي، وَنَوْعِيَة العلاقات المُجتمعية والسياسية والاقتصادية الـقائمة داخل هذا النظام السياسي.
- الرأسمالية، مغربيا وعالميا، عاجزة على اتخاذ مجمل الـقرارات الضرورية لتـقليص الاحتباس الحراري في حدود أقل من 1،5 درجة مئوية (℃)، مثلما يُطالب بذلك العلماء. وبالثالي، فالخراب آتٍ لَا شَكَّ فيه.
الجزء الثاني: أدوار قِوَى اليسار
- الفرق بين الفاعلين اليمينيين واليساريين: هو أن اليمينيين ينطلقون من الفرد، ويزعمون أنه أساس كل شيء، وأنه هو الفاعل الأساسي. بينما اليساريون يعتبرون أنه لا يمكن للفرد أن يُوجد بوحده، ولا يقدر الفرد على العيش وحده، ولا يقدر على إنجاز أيّ شيء وحده. ويعتبرون اليساريون أن الأساس هو المُجتمع. وما الفرد سوى مظهر مُضَلِّل من مظاهر المُجتمع. وبدون تنظيم وتعميم التضامن المُجتمعي، يستحيل تحقيق أي هدف مُجتمعي.
- الانطلاق من الفرد يُبرر الملكية الخاصة، ويبرر اختيار الرأسمالية. بينما الانطلاق من المُجتمع، يبرر الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، ويبرّر اختيار الاشتراكية وَتَبِعَاتِهَا.
- هل نعيش كأفراد، أم كَمُجتمع ؟ هل نعيش كأفراد أنانِيِّين، مُتفرقين، مُتنافسين، مُتناقضين (مثلما يريد الرأسماليون)؟ أم هل نعيش كَمُجتمع مُتضامن، مُتعاون، وَمُتَـكَامِل (مثلما يُريد الاشتراكيون)؟ الرأسمالية تدفعنا نحو الاختيار الأول. ونتائجه مُفلسة. بينما الاشتراكية تَحُثُّنَا على الاختيار الثاني، وآفاقه هَائِلَة. الأغنياء يريدون الحفاظ على الملكية الخاصة، والمُسْتَغَلُّون يريدون إلغاء هذه الملكية الخاصة، وتعويضها بالملكية المُجتمعية لكل الثروات.
- من هو الحزب اليساري؟ هو الذي يلتزم بمبادئ فكرية ثورية، ويتميّز بممارسة نضالية ثورية، وينحاز إلى جانب الجماهير الكادحة والمُسْتَغَلَّة، ويهدف إلى تحقيق الاشتراكية الثورية.
- مِن مَن يتكون اليسار في المغرب؟ يتكوّن من أربعة أحزاب: الاشتراكي المُوحّد، الطليعة، المؤتمر الاتحادي، والنهج. وتوجد مجموعات، وتيّارات، وشخصيات، يسارية أخرى. أما حزبي "الاتحاد الاشتراكي"، و"حزب التقدّم والاشتراكية"، فإنهما تحوّلا إلى أحزاب يمينية، وأصبحت من خُدّام النظام السياسي القائم، ولا تختلف عن أحزاب مثل: حزب الاستقلال، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، وتجمّع الوطن الأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة. وهي كلها يمينية، ورأسمالية، وبدون مبادئ، وفاسدة.
- ليست يَسارِيَة قِوَى اليسار صفة ثابتة عبر الزمان، ولكنها صفة مُتغيّرة، ومتحوِّلَة، ومتطوّرة. حيث يمكن لحزب يساري أن يتحوّل إلى حزب يميني، دون أن يَعِيَ حُدُوثَ ذلك التَحَوِّل. مثال: حزب "الاتحاد الاشتراكي" بالمغرب. وترتبط اليسارية بممارسة نضالية، وثورية، واشتراكية.
- في سنة 2011، فضح حِراك "حركة 20 فبراير"، أن قوى اليسار في المغرب (وفي كثير من البلدان المسلمة أو الناطقة بالعربية) هي ضعيفة، ودون المستوى المطلوب. حيث لم تقدر قوى اليسار على تحويل هذا الحراك إلى انتفاضة شعبية، أو إلى ثورة مُجتمعية. ولو أن "حركة 20 فبراير" كانت جماهيرية، عميقة، وهائلة، وفي تجاوب مع انتفاضات ما سمّاه الصحفيّون بِـ "حِراك الربيع العربي". وجاءت حِرَاكَات شعبية أخرى في المغرب، مثل حِرَاك الرِّيف، واجْرَادَة، وَزَاكُورَة، وغيرها، وأكّدت كلها ضعف قوى اليسار.
- تأثير قوى اليسار بالمغرب على الطبقة العاملة، وعلى النقابات، والفلاحين، والشباب، والنساء، والمُثـقّـفِين، والبرجوازية الصغيرة، ضعيف جدًّا، أو منعدم. وتخلّف قِوَى اليسار بالمغرب لَا يرتبط فقط بِتخلّف الأشخاص الذين يَقُودون قِوَى اليسار، بل يرتبط أيضا بِتَخَلُّف الدولة، وبتخلّف النظام السياسي، وكذلك بتخلّف الشعب. ويرتبط أيضا بِهيمنة الدعاية السياسية للقوى الرجعية، وللنظام السياسي القائم، وللإمبريالية. كما أنه يرتبط بشدّة القمع السياسي، وبالدولة البُوليسية، وبِـإِرْهَاب الدولة.
- ضعف قوى اليسار يُوجد على كل المستويات : المستوى الفكري، والثـقافي، والمَنْهَجِي، والفلسفي، وعلى مستوى الأساليب التنظيمية، والأساليب النضالية، والأساليب التواصلية، وأساليب العمل الداخلي، ونوعية العلاقات المُـقَامَة مع مختلف أنواع الجماهير الشعبية، وعلى مستوى التكتيكات، وعلى مستوى التصورات الاستراتيجية، إلى آخره. (أنظر كتابي: "نقد أحزاب اليسار بالمغرب"، https://livreschauds.wordpress.com/2012/06/15/كتاب نقد أحزاب اليسار بالمغرب/ ).
- ما المقصود من نقد قوى اليسار؟ أنا أحترم قوى اليسار، وقياداتها، ومسؤوليها، ومناضليها، وأعتبرهم نزيهين. لكن الاحترام لا يمنع النقد. وعندما أنتقد قوى اليسار، فإنني لا أهينها، ولا أعاديها، ولا أتعالى عليها، وإنما أريد منها أن تكون أكثر نضالية، وثورية، وفعالية. أنا مثلا أعتبر أن القيادات الحالية لِقِوَى اليسار أصبحت متجاوزة، ودون المستوى المطلوب، ويجب تعويضها، لفتح آفاق جديدة لقيادات أخرى جديدة.

الجزء الثالث: أهم الأطروحات السياسية الخاطئة لدى قوى اليسار في المغرب
- أطروحة الإسلاميين الأصوليين تدّعي أن سبب كل مشاكل المُجتمع تنتج عن ضعف الإيمان، وعن قِلَّة العبادة. وهذا وهم. لأن الزيادة أو النقصان في العبادة لا يُعالج مشاكل المجتمع. ولأن الإله لا يتدخّل في شؤون المجتمع، لا بالإيجاب، ولا بالسّلب.
- يدعو البعض داخل قوى اليسار بالمغرب إلى أطروحة التعاون بين اليساريّين والإسلاميين. وهي أطروحة خاطئة. لأن كل الحركات الإسلامية لها برنامج واحد، هو إخضاع كل مُكَوِّنَات المُجتمع إلى الشريعة الإسلامية، وبواسطة القوّة. وفي تجربة إيران عبرة لمن لا يَعْتَبِر. حيث أن الاشتراكيين تعاونوا مع حركة الإمام الخُميني، ولمّا سقط الشّاه، قام الإسلاميون بذبح الاشتراكيين والشيوعيّين، حلفائهم السابقين. والسياسة هي شأن عُمُومي، بينما الدين هو شأن شخصي خُصوصي. ولا يُـقبل التعايش مع أية حركة إسلامية إلَّا إذا إلتزمت بِمبادئ الفصل بين الدين والسياسية، والفصل بين الدين والدولة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة.
- أطروحة شائعة تدّعي إمكانية تحقيق الديموقراطية في إطار هيمنة النظام السياسي المخزني الحالي، وتحت حكم هيمنة البرجوازية الكمبرادورية. وهذا وَهْمٌ يستحيل تحقيقه. حيث أنه، تحت هيمنة النظام الملكي المخزني، وتحت سيطرة البرجوازية الكمبرادورية التبعية، لا يمكن أن تُوجد سوى ديكتاتورية البرجوازية العميلة للإمبريالية وللصهيونية.
- يطلب البعض من النظام السياسي القائم أن يُحقِّـق "الملكية البرلمانية". وهذا وَهْمٌ يستحيل تحقيقه. لأن طبيعة النظام السياسي المخزني تفرض عليه بأن يكون مُطلقًا، واستبداديًّا، وبكل الوسائل، بما فيها القمع، والتَضْلِيل، والفساد، وبأن يستحوذ على كل السلطات، وعلى كل الثروات، وبأن يقضي على كل سلطة مُستـقلّة، أو نَاقِدَة، أو مُعارضة، أو مُضَادة.
- كثيرون من مناضلي قوى اليسار يظنون أن ضُعف قوى اليسار يأتي فقط من تَشَتُّتِ أحزابه أو تنظيماته. وأن الحل يكمن في توحيد مُجمل قوى اليسار في حزب واحد مُوحّد. وهذه أطروحة خاطئة ومستحيلة التحقيق. بينما الحل الثوري لِضعف قوى اليسار يتطلّب مساهمة مُجمل قوى اليسار في خوض النضالات الجماهيرية المشتركة. وهذه النضالات الجماهيرية المُشتركة هي التي سَتَخْلُق دينامية ثورية، تُؤدّي إلى التَقَارُب، والتعاون، والتكامل، والتفاعل، والتَثْوِير، فيما بين مُجمل مُناضلي قوى اليسار. وهذه الدِينَامِيَة هي التي سَتُنْضِجُ في المُستقبل شروط التوحد في حَرَكَة واحدة، أو في حزب ثوري واحد.
- بعض مناضلي اليسار يظنّون أنه يمكن إخراج المغرب من التخلف بواسطة الرأسمالية. وهي أطروحة خاطئة. وقد ضَحَدْتُ هذه الأطروحة في كتابي المُعنون بِـ : "يستحيل الخروج من التخلف بواسطة الرأسمالية" . ويمكن تنزيل هذا الكتاب من مدوّنتي الشخصية (https://livreschauds.wordpress.com/2021/11/04/impossible-de-sortir-du-sous-developpement-avec-le-capitalisme/).
- يتباهى النظام السياسي بتميّز المغرب بالاستقرار، والأمن. لكن في نفس الوقت، يقمع النظام السياسي كل المنتـقدين، والمعارضين. وهذا الاستقرار يُشبه استقرار نظام زين العابدين قُبَيْلَ سُقوطه، أو نظام حسني مبارك قبل انهياره. فهو استقرار مُضَلِّل.
- أطروحة أن المغرب حالة "استثنائية"، ويُخالف جميع قوانين تطور المجتمعات، هي أطروحة خاطئة. والمغرب، مثله مثل كل مجتمع، يخضع بالضرورة لقوانين تطور المجتمعات.
- أطروحة أخرى شائعة تدّعي إمكانية خروج المغرب من التخلّف المُجتمعي، كَبَلَد مُنفصل ومستقل عن باقي بلدان شمال إفريقيا. وهذا وَهْمٌ. حيث لا يُمكن لأي بلد من بين بُلْدَان شمال إفريقيا أن يخرج من التخلّف المُجتمعي إلّا إذا إِتَحَدَ مع باقي بلدان شمال إفريقيا، في إطار إِتِحاد، أو فيديرالية، تجمع مُجمل بلدان شمال إفريقيا الخَمْسَة.
- تُوجد أطروحة أخرى تَدَّعِي أن مُشكلنا المُجتمعي يَـكمُن في فَـقْر الفَرْد، وأنه يجب إغناء الفرد بواسطة الرأسمالية. وهي أطروحة خاطئة. لأن مشكلنا ليس هو فقر الفرد، وإنما هو تَخلّف المُجتمع على جميع الأصعدة. ولا يمكن تغيير المُجتمع سوى عبر ثورة مُجتمعية، شمولية، ومتواصلة.
هذا تلخيص لما يمكن حاليا قوله. ولمن أراد تفاصيل إضافية، يمكن أن يرجع إلى مدوّنتي، التي نشرتُ عليها مقالات وكتب مختلفة.
مع تحياتي.

رحمان النوضة،
(وحرّر في يوم الاثنين، 15 نونبر 2021).