رحلة مع الخيال


صباح ابراهيم
الحوار المتمدن - العدد: 6917 - 2021 / 6 / 3 - 19:04
المحور: الادب والفن     

كان يوم أمس نهارا جميلا مشمسا دافئا، والشمس فيها نوع من السخونة الغير معتادة، فقد تعودنا على البرد ايام الشتاء المزعجة، ارتفعت درجة الحرارة الى 20 درجة مئوية، وهذا يعتبر جيد جيدا في جو السويد البارد، اختفت الغيوم الداكنة من السماء، فكان منظر السماء المنيرة بشمسها الذهبية يبعث على الفرح والانفتاح والارتياح بعكس الأيام السابقة الملبدة بالغيوم الداكنة والممطرة أحيانا مصحوبة برياح مزعجة وباردة .
استبشر الناس بهذا النهار خيرا، وكنا نشتاق لقضاء نهارا دافئا خارج البيت بعد الحضر الاختياري الذي فرضناه على أنفسنا تجنبا من انتقال عدوى فيروس كورونا اللعين الذي لا نعرف كيف يدخل اجسادنا مع الهواء الذي نتنفسه ، وما هو مصدره. ولهذا كنا نمتنع عن الزيارات المنزلية حتى لأقرب الناس لنا خوفا من تسرب الفيروس من حيث لا نعلم من اية جهة يأتينا. ولهذا فضلنا ان نلتقي مع اصدقائنا وأحبتنا من الأهل والأقرباء في خارج المنزل وفي الهواء الطلق حيث يكون هناك الجو الأمثل والمفتوح لعدم انتقال العدوى في الغرف الضيقة.
رن هاتف قريب لي وصديق عزيز علي، اقترح ان نخرج من السجن الاختياري الى الفضاء المفتوح حيث الشمس الدافئة والنهار الجميل القليل البرودة لنقضي بضع ساعات مع العائلة قرب البحيرة الموجودة في المنطقة القريبة من مدينتنا والتي تغفو هادئة بالقرب من غابة خضراء رائعة الجمال ذات اللون الأخضر الزاهي في هذا الفصل الربيعي، وحيث الزهور الصفراء منتشرة فوق الأعشاب التي تغطي أي أرض تذهب إليها .
رحبت بالفكرة، فأنا احتاج للترفيه عن النفس في الخلاء والفضاء المفتوح لأستمتع بدفء الشمس ونورها الذهبي بعد شتاء داكن بارد مزعج يسبب الكآبة للنفوس .
انطلقنا بالسيارات للبحيرة التي تبعد بحدود عشرين دقيقة بالسيارة، واخذنا معنا بعض المأكولات الخفيفة ومشروبات الطاقة المنشطة للجسم.
كان المكان زاهيا جميلا بخضرته ، ورائعا بزرقة مياه البحيرة المنعكس من لون السماء الفيروزي، تحيط بساحل البحيرة الرملي حديقة غناء بعشبها الأخضر المزين بورود صفراء تبعث على البهجة وتشرح النفس .
بلدية المدينة تهتم بهذا المكان حيث قد نصبت فوق المياة القريبة من الساحل منصة خشبية جديدة للتنزه فوقها والسباحة حولها في مياه البحيرة الضحلة قرب الساحل . ووضعت مساطب ومناضد خشبية لجلوس العوائل والمتنزهين في الحدائق المطلة على ساحل البحيرة. المكان نظيف جدا، وقد تم تثبيت وسائل لممارسة الرياضة في حديقة مجاورة قريبة من ساحل البحيرة، صنعت تلك الأدوات كلها من جذوع الأشجار بطريقة فنية جميلة .
بعد استقرارنا هناك، اخترنا إحدى مصاطب الجلوس القريبة من شاطئ البحيرة، اخذت جولة فوق منصة السباحة فوق مياه البحيرة، ادقق النظر في صفاء المياه الباردة، وارى مراكب العبّارات الحديثة تمخر عباب المياه تنقل المواطنين وسياراتهم من الجزيرة المقابلة الى شاطئ العاصمة حيث البحيرة عريضة جدا ولا يمكن عمليا تأسيس جسر طويل هناك، جهزت الحكومة عبارات على شكل مراكب حديثة كبيرة المساحة والحجم لنقل الناس الساكنين على الضفة الأخرى من البحيرة مع سياراتهم، تنطلق عبارتان باتجاهين متعاكسين كل ربع ساعة للنقل طوال النهار وحتى الساعة الحادية عشر ليلا.
تجولت في حديقة الألعاب الرياضية وعملت بعض التمارين الرياضية ، ثم عدت الى مسطبة الجلوس للراحة وتناول علبة من مشروب الطاقة لإنعاش الجسد، وتبادل الأحاديث مع الأصدقاء واخذ بعض الصور التذكارية .
في ذلك الجو الدافئ والشمس المشرقة والسماء الصافية، استذكرت مثلا جميلا يقال عند التقاء الماء والخضراء والوجه الحسن، لكن للاسف ذات الوجه الحسن والقلب الجميل المملوء حبا كانت حاضرة بروحها ولكنها بعيدة بجسدها عني . كنت اسرح بنظرة طويلة تأخذني بعيدا إلى اعماق البحيرة متخيلا حبيبتي الجميلة حورية تسبح بماء البحيرة، تلاعب أمواجها تارة وتغوص مختفية مع ابتسامتها ودلالها تحت الماء تارة اخرى، واناجيها ان تخرج الى لقائي لنتعانق ونقبل بعضنا وتطفئ لهيب اشتياقنا، فكانت تبتسم وتهرب بعيدا ، ثم تشق سطح الماء كاشفة عن جمال وجهها وروعة تناسق جسدها .
كنت ابتسم مع تخيلاتي وانا احدق في الماء، فجأة .... انتبه احد الحاضرين لابتسامتي وانا سارح بنظري الى موجات الماء المتتابعة والتي تعانق بعضها بعضا، فسألني أحدهم : اراك سارحا مع ابتسامتك وانت تحدق بالماء، فمن الذي شغل فكرك ومع من تبتسم، وهنا استيقظت من حلمي الجميل، وقلت للصديق متداركا الموقف، انا ابتسم للسمك السابح تحت الماء والذي يبحث عن غذاء يأكله وحبيب يلتقي به .
انقضت ثلاث ساعات جميلة في ذلك الجو الدافئ والشمس الساطعة مع خيالي مع الحبيب البعيد عني القريب مني والذي يسكن قلبي، لكني لا استطيع ان اراه . اهٍ و اهٍ لقساوة البعد وفراق الحبيب .