في ضوء الدعوة لمناقشة مفتوحة / من أجل تعزيز الديمقراطية والمشاركة الجماعية


رشيد غويلب
2021 / 5 / 23 - 22:44     

في إطار الاستعدادات لعقد مؤتمره الحادي عشر طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي النظام الداخلي للمناقشة العامة بهدف تعزيز النقاش الداخلي الذي بدأ خلال الأشهر الأربعة او الخمسة الماضية، ولتوسيع دائرة المشاركين داخل الأطر التنظيمية للحزب وخارجها. وكنت أتمنى ان لا تحتوي الدعوة الإشارة الى: “لا يعني هذا استنساخا لتجارب بعض الأحزاب الشيوعية أو اليسارية في أوروبا والبلدان المتطورة الأخرى، التي قطعت شوطاً كبيراً في دمقرطة مجتمعاتها والأحزاب نفسها”، لأنها قد تفهم وكأنها محاولة للدخول في مناقشات مشروطة. بالإضافة ان وجود الحزب الشيوعي او اليساري في بلد متطور ديمقراطيا، يجعله اكثر تقبل للديمقراطية من أحزاب مماثلة في بلدان أخرى.
يكاد الحزب الشيوعي العراقي ينفرد، عن الطيف السياسي العراقي، في ترسيخ هذه الممارسة الديمقراطية، بغض النظر عن الحصيلة المتحققة منها في المرات السابقة، ففي نهاية الأمر تحدد المنهجية، والآليات السائدة في الحزب حدود وطبيعة التغيير المتحقق، والتي يمكن القول انها ظلت محدودة، منذ الانطلاقة النوعية التي جسدها المؤتمر الخامس (تشرين الأول 1993)، والذي مثل خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح شمل مجمل جوانب نشاط الحزب السياسية والتنظيمية والفكرية.
ان ما تحقق في المؤتمر الخامس، وطبيعة النقاشات التي سبقت انعقاد المؤتمر، ودارت في اروقته، واستمرت لسنوات قليلة من بعده، فقدت من زخمها الكثير، ولذلك بقي ما تحقق، على أهميته محدودا. وبقدر تعلق الأمر بالنظام الداخلي، لم تمس جميع التغييرات جوهر الوثيقة التي تعود جذورها التاريخية الى عام 1903، أي قبل 118 عاما. ومن هنا يتضح حجم المراوحة في انجاز مهمة شديدة التأثير في حياة الحزب، في سياق محاولات نقله الى واقع أفضل. وهنا يمكن القول “ ان تأتي متأخرا خيرا من ان لا تأتي “
ان مناقشة النظام الداخلي لا تنحصر في مراجعة الوثيقة المقرة واجراء تعديلات على بعض صياغاتها، وأحيانا محتواها كما حدث في المؤتمر العاشر، عندما تم تحديد تولي الموقع الأول في الحزب بدورتين. ان التغيير المطلوب يجب ان يشمل الرؤية الفكرية والسياسية التي يستند عليها اعداد وثيقة عصرية ومرنة لتنظيم حياة الحزب الداخلية. وكذلك ضرورة ان تساعد عصرنة الوثيقة على تحجيم وإزالة ارث ثقيل من التقاليد التنظيمية المرتبطة بعقود العمل السري الشاق، والتأثير السلبي للحقبة الستالينية، والتي ما تزال بعض ملامحها حاضرة في حياة الحزب الداخلية، في تعارض جلي مع انفتاح الحزب الفكري والسياسي، والذي تقدم كثيرا على عشرات الأحزاب الشيوعية والمنظمات الماركسية شديد الانشداد للماضي والغارقة في جمود فكري مقيت، رغم ان هذه الأحزاب تعيش وتعمل في البلدان المتطورة سواء في المراكز الرأسمالية الاساسية او خارجها، كما ان تطور الحراك السياسي والاجتماعي في العراق، ونزوع أوساط واسعة في المجتمع، وخصوصا الشبيبة، يعكس ضرورة ملحة الى تبني الحزب لنظام داخلي جديد عصري في المحتوى والشكل. ان التغييرات الشكلية لم تعد كافية، وتشكل كابح لانطلاق الحزب وملامسته لنبض الحياة وحاجات الناس.
ان التقليد الذي اتبع منذ عدة مؤتمرات وطنية، بطرح النظام الداخلي المقر في المؤتمر السابق، كمشروع للمناقشة تحضيرا لمؤتمر مقبل هي طريقة شكلية وغير منتجة. فالمعروف ان مناقشة هكذا وثائق تقوم على دراسة المتغيرات في الحياة التنظيمية للحزب ما بين مؤتمرين، والعوامل المؤثرة فيها سلبا وايجابا سياسيا وفكريا. باعتبار ان كل شيء في حياتنا متحرك وفي تغيير مستمر. لذلك تعمد قيادات الغالبية العظمى من الأحزاب الشيوعية واليسارية الى طرح مشاريع جديدة للمناقشة في كل مؤتمر، يعكس تقييمها لتجربة العمل، كونها الأكثر اطلاعا على التفاصيل، وكذلك يجعل جميع رفيقات ورفاق الحزب على دراية بالتوجه الأولي لأعداد الوثيقة، وفي أحيان ليست قليلة يجري طرح أكثر من مشروع للمناقشة، وفق حاجات الحزب المعني وطبيعة الصراع الداخلي فيه. والصراع الجدلي هنا ظاهرة صحية لتطوير مشروع الحزب وادائه، وليس سلبيا كما توحي مفردة “صراع”، او يراد لها ان تفهم كذلك. وبعيدا عن المبالغة، اعتقد بان حزبنا ينفرد بتقليد طرح الوثيقة المقرة، كمشروع للمناقشة، الذي قد يسهل المهمة، ولكنه يراكم النمطية في حياة الحزب.
هناك اهداف يجب ان تحقق من خلال إقرار نظام داخلي جديد للحزب: توسيع المشاركة في اتخاذ القرارات المفصلية على الأقل، وضمان وصول المعلومات الملموسة لجميع أعضاء الحزب، وهو حق نص عليه أيضا النظام الداخلي النافذ، واعتماد هرم تنظيمي سلس وبسيط، وإلغاء المبادئ والصياغات التي تؤكد المركزية، والتي يمكن ان تصبح بلا ديمقراطية، إذا طبقت بشكل سيء، فضلا عن تطبيق فعلي ومرن للنظام الداخلي وعدم وضع الكثير من مواده على الرف بطريقة انتقائية، وتبرير ذلك بالصعوبات الموضوعية، وعدم طرح المشاكل الماثلة على طاولة الحل، وبدون تأخير، لان التجربة العملية المعاشة تؤكد ان جانب من مشاكل العمل اليومي مرتبطة بهذا الترحيل. وسأحاول الإشارة الى ذلك من خلال نماذج لعدد من فقرات ومواد النظام الداخلي الحالي التي من الضروري تغييرها، واحياء أخرى معلقة عمليا.

تنص الفقرة (1) من المادة الأولى على: “ قيادة واحدة للحزب، تمثل هيئته التنفيذية العليا، وتنتخب بطريقة ديمقراطية، وتعبر عن إرادته بجميع أعضائه ومنظماته، وتقدم تقاريرها الدورية إلى المنظمات الحزبية وتخضع لرقابتها المنتظمة”. ان تطبيق هذه الفقرة يجري لحد الان وفق مقاسات العمل السري والانتقائية، فالرسائل الداخلية الصادرة عن الفعاليات التنظيمية المركزية، عادة ما تحتوي تقييمات واشارات عاملة، بلا ارقام وبلا ملموسية، بحيث يصعب على أعضاء الحزب التعرف على حقيقة الواقع التنظيمي تقدما وتراجعا، وليس هناك ارقام او مقارنات يمكن من خلالها وضع حلول او اقتراح تدابير بالاتجاه المطلوب. وهذا يشمل جميع جوانب الحياة الداخلية للحزب. وهكذا امر مفهوم جدا في حزب يعمل سريا، ولكنه غير مطلوب في حزب يعمل على تعبئة قاعدته الحزبية وجماهيره وناخبيه في معارك سياسية مكشوفة بالكامل. لقد ودعت الأحزاب الشيوعية العلنية هذه الأساليب، باستثناء تلك التي لا زالت تمارس العلنية بأدوات العمل السري، وبرؤية فكرية وسياسية استنفذت كل امكانياتها. ويجب ان لا تشكل مثل هذه المطالبات ازعاجا لاحد، فتنوع الرؤى مدخلا لا غنى عنه للتغيير.

الفقرة (2) من نفس المادة والمتعلقة بمبدأ المركزية الديمقراطية، ووحدة الإرادة والعمل.
لقد رفع مبدأ المركزية الديمقراطية في المؤتمر الخامس كنص مباشر من النظام الداخلي، ولكن جرى وبوعي من المشرعين الحفاظ على مضمونه. ولا تستطيع أي قيادة حزبية مهما كانت ديمقراطية ان تطبق مبدأ المركزية الديمقراطية ووحدة الإرادة والعمل في الحياة العلنية، لان الأولى ترتبط بالعمل السري، شبه العسكري، والثانية بديهية في كل مجموعة عمل، إذا اقترنت بالديمقراطية الحقة، التي بدونها تتحول الى شكل من اشكال الفرض الفوقي. فأبداء الراي في الهيئة الحزبية قضية مفيدة في حال اخذت الهيئات العليا بها، اما إذا مورست بشكل شكلي فلا فائدة مرجوة منها، ففي النهاية يجري الاستماع للآراء فقط، مقابل الالتزام بالسياسة المقرة، أي يبقى الحال على ما هو عليه، ولذا فان ابداء الراي في هيئة الحزبية، ليس بديلا عن المناقشة الواسعة، بحيث يصبح بإمكان الأكثرية العظمى من أعضاء الحزب ومناصريه الاطلاع على المناقشات الجارية والبدائل المطروحة. وهذه القضية تشبه مسالة حصر الديمقراطية السياسية والاجتماعية بأجراء الانتخابات فقط، وهو نقد محق يسجله الحزب على الكتل المتنفذة.

الفقرة 3 (ج) من المادة الأولى: “ حق الأقلية في مناقشة سياسة الحزب العامة، وسياسته التنظيمية، وفي ابداء الاعتراض عليها أمام الهيئات الحزبية المسؤولة بما فيها المؤتمر، والتعبير عن رأيها في منابر الحزب الاعلامية، على ألا يعيق ذلك التزامها تنفيذ قرارات الهيئات القيادية”.
الجزء المتعلق بأبداء الراي بسياسة الحزب العامة وسياسته التنظيمية في منابر الحزب الإعلامية لحد الآن يعاني من الارباك ويخضع لتقدير الرفاق المعنيين في منابر الحزب الإعلامية، بل ابعد من هذا في حالات لا تنشر مقالات سياسية ووجهات نظر حول الكثير من الأسئلة الآنية، باستثناء تلك المقالات والمساهمات المؤيدة لما هو عام، والتي تخلو من رؤية نقدية. طبعا ليس المقصود المطالبة بنشر كل شيء، وخصوصا محاولات الإساءة لمشروع الحزب وتاريخه النضالي. لقد أدت هذه الذهنية الى كف الكثيرين من طرح وجهات نظرهم ومقترحاتهم، وكذلك الى خسارة منابر الحزب لمساهمات كثيرة من أسماء معروفة بما فيها مثقفون وصحفيون مرموقون أعضاء في الحزب، ولكنهم اختاروا العمل في منابر إعلامية أخرى، لكي يتجنبوا الاحتكاكات المحتملة بسبب شدة الرقابة. ان حدوث حلحلة في السنة الأخيرة بهذا الخصوص، لا يلغي المطالبة بمراجعة تفصيلية، واحياء فقرات النظام الداخلي المتعلقة بذلك.

الفقرة (6 ب) من المادة الأولى: “ رجوع الهيئات القيادية الى الرأي العام الحزبي عند بحث القضايا الاساسية المستجدة وذلك بأجراء استفتاء داخلي، وطرح الوثائق الخاصة بتلك القضايا للمناقشة الحزبية العامة قبل اتخاذ قرارات بشأنها”.
العمل بهذه الفقرة محدود جدا، ولم يحدث ان طرحت وثائق بهدف الاستفتاء عليها، وتستبدل عادة بالاستفسارات الشفهية السريعة، وعلى طريقة استطلاعات الراي العامة. ثم تعلن نسبة عامة كما حدث في التعامل مع إقرار المشاركة في تحالف سائرون.

المادة الثانية الفقرة (2) من واجبات العضو: “يعمل في إحدى منظماته” وهذا ليس التزام بحضور جميع الاجتماعات. ومعروف ان تلكأ اشتراط حضور جميع الاجتماعات يأخذ حصة الأسد في اجتماعات الهيئات الحزبية، لمناقشة ظاهرة الغيابات واقتراح التدابير لمعالجتها، والنجاحات محدودة في هذا الجانب. وعليه فمن المفيد ان يصبح حضور الاجتماعات اختياريا، اما في الهيئات الأعلى والمختصات، فيفترض ان تكون ظاهرة الغياب محدودة جدا، او بأعذار مشروعة حقا.
المادة السادسة عشر (3 ) قواعد الانتخاب ونسب التمثيل تحددها اللجنة المركزية، مع الاخذ بنظر الاعتبار ضرورة تناسب التمثيل في المؤتمر مع مجموع عدد اعضاء الحزب في كل منظمة.
من الضروري ان يقر المؤتمر نصا ملزما يثبت في النظام الداخلي المقبل، ولا يجري تعديلها الا من قبل مؤتمر الحزب، وهذا ما يضمن ممارسة ديمقراطية يتحمل مسؤوليتها كامل الحزب، ولأيتم حصر هذه المهمة باللجنة المركزية. ان نقل هذه المهمة من اللجنة المركزية الى مؤتمر الحزب او فعالية تنظيمية تمنح صلاحياته تعزز المشاركة في اتخاذ القرار، وتمنح الجماعية في الحزب حيوية استثنائية.

المادة السابعة عشر المجلس الحزبي: “للجنة المركزية ان تدعو لعقد مجلس حزبي عام كلما دعت الظروف السياسية أو أوضاع الحزب الداخلية الى ذلك”.
هناك ضرورة لتغيير هذه الصيغة والالزام بعقد مجلس حزبي، بعد سنتين من انعقاد المؤتمر الوطني، كمحطة للمراجعة والتقييم وعدم تركه لخيارات اللجنة المركزية، فمعروف ان الحزب فد غادر عقد المجالس الحزبية طيلة هذه السنوات التي كانت مليئة بالمصاعب والملفات الشائكة، فلو كان هناك إلزام بعقد المجلس الحزبي، لكان بالإمكان تجاوز الكثير من عدم الدقة وما يترتب عليها من تكاليف سياسية وتعبوية.

المادة الثامنة عشر اللجنة المركزية (2) تحدد سياسة الحزب ومواقفه، في إطار برنامج الحزب وخطه السياسي العام المعتمد، وتعمل على تعبئة وتنظيم القوى الحزبية والجماهيرية، واقامة التحالفات السياسية الضرورية لتحقيق الاهداف والمهمات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية.

وكذلك المادة الحادية والعشرين/ احكام ختامية: “للجنة المركزية للحزب صلاحية اتخاذ قرار الدخول في تحالفات مع احزاب وكتل سياسية أخرى”.
نقل مهمة تحديد الخط السياسي العام وإقرار التحالفات السياسية والانتخابية الى مؤتمر حزبي العام. وعند الحاجة الدعوة الى مجلس حزبي، او مؤتمر مصغر، لإقرار التحالفات السياسية الأساسية والتحالفات الانتخابية، ووضع قوائم المرشحين، وهذا الأسلوب الأكثر ديمقراطية، ومعمول به في الغالبية العظمى من الأحزاب الشيوعية والسياسية الأخرى في العالم المعاصر، لأنه يجعل القرار قرار الحزب، ويجنبه نقاشات تحميل المسؤولية، ويعفي اللجنة المركزية من تحمل نتائج عدم النجاح بمفردها، وعندها ينفتح الباب واسعا للتبرير في محاولة لعدم الإقرار بخطأ الأداء والاختيار.
ونفس الشيء ينطبق على الوارد في الفقرات (4 و5 و6) من نفس المادة والتي تبدأ بمفردة تحدد اللجنة المركزية السياسة التنظيمية، والمالية، والإعلامية. في ظروف العمل العلني وفي حزب “ديمقراطي في جوهره” كحزبنا يجب ان يقوم المؤتمر بتحديد هذه السياسات كتوجهات ملزمة، وتقوم الهيئة القيادية بتنفيذها بالتفاصيل بأبداع وإيجاد البدائل والحلول في ضوء التوجهات. واغلب تجارب الأحزاب الشيوعية واليسارية تشير الى ذلك، لان ذلك يتيح لمجموع الحزب عبر مؤتمرة تحديد هذه السياسات.

المادة التاسعة عشر لجنة الرقابة الحزبية
هذه اللجنة حديثة العهد في حزبنا، ولم يأتي قرار تشكيلها نتيجة لدراسة الحاجة الموضوعية لوجودها، بل جاء رد فعل وتنفيذ لما يشبه الفرض. ولذلك جاءت مهامها نسخة عراقية غير مسبوقة، ووفق مقاسات موضوعة سلفا. ان مراجعة لأنظمة داخلية لأحزاب شيوعية ويسارية تبين ان مهام هذه اللجنة تنحصر في مراقبة مجمل عمل الحزب من خلال مراقبة تطبيق النظام الداخلي، وكذلك النظر في الشكاوى والاعتراضات التي ترد اليها من منظمات الحزب ورفاقه، أي انها تمثل السلطة القضائية في الحزب وهي مستقلة بالكامل عن اللجنة المركزية (القيادة التنفيذية)، ومحاسبة فقط امام مؤتمر الحزب لأنها منتخبة منه.
فلا علاقة لها بحضور اجتماعات اللجنة المركزية، او المشاركة في الإشراقات الحزبية، او اعداد دراسات تنظيمية. وهي لا تجتمع الا عند الحاجة. ويمكن في هذا الصدد مراجعة عدد من الانظمة الداخلية للأحزاب الشيوعية واليسارية والاستفادة بهذا الشأن منها.
وأخيرا اقترح رفع المادة الخاصة بالعلاقة بالحزب الشيوعي الكردستاني، العلاقة الرفاقية والتضامنية بين حزبين شيوعيين مستقلين بالكامل عن بعضهما لا تحتاج الى نص في النظام الداخلي.