الشيوعي العراقي ومجلس حكم بول بريمر


قاسم علي فنجان
2020 / 12 / 19 - 22:22     

((وفي اثناء ما كنا نعمل على توسيع مجلس الحكم في الأسبوع الأول من تموز 2003 جاء البريطانيون بفكرة ضم شخص ما من الحزب الشيوعي العراقي...وسألوني ما إذا كان لدي اعتراض مبدئي على الفكرة، فأجبت بالنفي، شريطة ان نجد شخصا نبذ الأفكار الشيوعية الخاطئة من أساسها حول كيفية إدارة الاقتصاد)) بول بريمر، عام قضيته في العراق.
في الثالث عشر من تموز 2003 أعلنت سلطة الائتلاف الموقتة في العراق بقيادة بول بريمر عن تشكيل ما سمي ب"مجلس الحكم الانتقالي" وقد كان الخطوة الأولى في اعلان الفوضى في العراق، فالمجلس شكَّله الامريكيون من خليط ما يسمى ب "الفسيفساء العراقية" فتكون المجلس من ((14 شخصية شيعية عربية، و4 شخصيات سنية عربية، و5 شخصيات كردية سنية، وسيدة تركمانية وشخصية مسيحية)) لكن ظل هذا المجلس ناقصا في فهم الساسة الامريكان والبريطانيين، فهو ينقصه الوجه "الشيوعي" ومعروف لدى الامريكان ان الشيوعيين موجودون في العراق، وقد حضروا مؤتمراتهم قبل 2003، فلا يمكن التخلي عن الاصدقاء، وهم ايضا يريدون ان يظهروا امام العالم بأنهم جادون في ترسيخ الديموقراطية في العراق، وبعد بحث شاق التقى بريمر شخصيتين قياديتين من الحزب الشيوعي "عزيز محمد وحميد مجيد موسى" وبعد مناقشات طويلة مع تلك الشخصيتين، وقع اختياره على الرفيق حميد مجيد موسى، فهو قد استوفى كل الشروط التي اعلنها الرفيق بول بريمر، واهمها "نبذ الأفكار الشيوعية".
أصدر الحزب الشيوعي بيانا في 13-7-2003 مرحبا ومثنيا على تشكيل هذا المجلس ((ان مجلسا بهذه الصفات هو وحده القادر على كسب ثقة العراقيين، واشاعة الامل في نفوسهم، وهو الوحيد المؤهل لاستقطاب تأييد اوسع الجماهير وتحشيد اسنادهم له)) فهذا المجلس، وحسب البيان ذاته هو ((توافق بين الرغبة العامة للعراقيين لتأسيس حكومة ائتلافية وطنية عراقية مؤقتة وبين نظام الحكم الذي اقره مجلس الامن الدولي بقراره المرقم 1483)) وقد أوقف الحزب بعد مشاركته في هذا المجلس جميع انتقاداته للأمريكان، وبدأ حملة البراءة من منتقدي الدين، وبدأ بترديد وتكرار القول "ان حزبنا يحترم القناعات الدينية" واي شخص ينتقد الدين لا يمثل رأي الحزب ((ان البعض من هؤلاء الذين يراد لهم ان يحسبوا علينا ظلما، هم معادون ، بل مسعورون ضدنا اكثر مما هم ضد الاخرين، والاذى الذي يسببونه لنا اذى ليس قليلا ابدا)) وبدأ يقدم مشاريعه ورؤيته لمجلس الحكم حول بناء عراق "فدرالي وطني"، وبدأ يندد ويستنكر مقتل "رموز المعارضة الوطنية" محمد باقر الحكيم وعز الدين سليم ((ان استشهاد آية الله السيد محمد باقر الحكيم "وفي هذا الظرف العصيب بالذات" هو خسارة كبيرة للحركة الوطنية والديمقراطية العراقية ولمجلس الحكم الانتقالي ولمستقبل العراق السياسي)) ((إذ ندين ونستنكر بشدة جريمة اغتيال الشخصية الوطنية عز الدين سليم ومرافقيه، وننعاهم إلى جماهير شعبنا العراقي..... كما نتقدم بأحر مشاعر المواساة والتعازي إلى رفاقهم في حركة الدعوة الاسلامية وأصدقائهم وأهلهم وذويهم)) والمشكلة ان هذه القوى الإسلامية لم تشاركه احزانه وتصدر بيانا واحدا حول اغتيال كامل شياع مثلا، لكن لم يفعلوا ذلك وهم القتلة.
لقد استنفد هذا الحزب كل طاقته وقوته في مجلس الحكم، أراد تحقيق شعاره "وطن حر وشعب سعيد"، لكنه تحول الى حزب طائفي "شيعي" فقد أزال من برنامجه كل إشارة الى "الاستعمار" و"الامبريالية" و"الاستقلال الوطني" و"الدفاع عن الوطن" حسبما يقول تنظيم "الكادر" الذي انشق عن الحزب الشيوعي العراقي.
وقت مستقطع
هذا التنظيم "الكادر" كان من البؤس بما لا يقاس، او قد يكون هو الوجه الاخر للحزب الشيوعي ذاته، فأي قراءة لبياناته ومنشوراته ترديك صريعا من الضحك، فمثلا نقرأ بيانا بعنوان ((أيها المقاومون: حيث ثقفتموهم !!)) جاء فيه ((وقد إستشهد للعراقيين في هذه العملية أربعة، إرتفعت أرواحهم الطاهرة، كالشموع، إلى بارئها راضية مرضيّة، لتحيى قريرة عنده في عليّن)) او بيان بعنوان (الغوث يا سيد المخلصين) جاء فيه ((مولانا الحسين بن على بن أبي طالب في مثل هذا اليوم وقبل دهور وعصور، تجسدت ثانية وعدت إلى طوف، من أرض كربلاتو ومنجوف، أرض الأولين ومهبط الملاك الأعلى لشنعار وحارسها وروح قدسها العظيم - يس. وهو على أية حال واحد من أجداك الخالدين)) وإذا أكمل أي شخص قراءة هذا البيان فلا استبعد حصول "جلطة" له، لكن لا نستبعد ذلك فالحزب الشيوعي ذاته يعلق اللافتات على مقره تقول "تعلمنا من الحسين الثورة"، او نقرأ مثلا (إيضاح عن بيان العلماء السعوديين) جاء فيه ((نشر ثلة من العلماء السعوديين الأفاضل بيان يناصر القضية العراقية ويدعو المسلمين إلى التكاثف ورص الصفوف لمقاومة الغزو القادم، من حيث هو غزو سيبدأ في العراق وبعده السعودية وبقية العالم الإسلامي)) او بيان (الدين والاحتلال، وحلف السلفيين والعلمانيين المقدس) جاء فيه ((نحن المتدينين السلفيين منهم واللا سلفيين، البعثيين والقوميين والشيوعيين وكل الوطنيين العلمانيين بغض النظر عن العرق والطائفة، العراقيين وغير العراقيين، نحن ومنذ اليوم، نشكل خطا جهاديا واحدا ويربطنا حلف مقدس واحد. عدونا الأول هو الإمبريالية ووليدتها الصهيونية. وهدفنا الآني هو تحرير العراق وفلسطين وأفغانستان)) لا فرق كبير بين الحزب الشيوعي ومتفرعه "الكادر"، سوى ان هذا "الكادر" كان صريحا جدا، ويعلن سياساته ورؤاه بشكل علني ودون مواربة.
عودة الى الرفيق بريمر
كان بريمر سعيد جدا بعثوره على شخصية تخلصت من الأفكار الشيوعية الخاطئة، وهو أيضا أراد اكمال المجلس من النسبة الغالبة ان تكون "شيعية"، وهو ما جعله يستبعد عزيز محمد، فقد رأى في عزيز محمد "سنيا"، اما حميد مجيد فقد كان "شيعيا محبوبا" ((واثبت موسى، وهو شيعي، انه أحد أكثر أعضاء مجلس الحكم تأثيرا وشعبية))، لقد كان بريمر يؤسس لواقع طائفي وقومي، وقد نجح في ذلك، فقد جمع ملوك الطوائف والقوميات ورؤساء العشائر والعصابات والمافيات، وكون بهم مجلس الحكم، وحتى يجمل هذا المجلس فقد ضم اليه الحزب الشيوعي العراقي، ليضمن عدم وجود أي معارضة في الشارع.
لقد تخلى الحزب الشيوعي العراقي عن كل الأفكار الاشتراكية، وأضحى حزبا منتميا لطائفة معينة، مع صبغة لبرالية، وبدأ يلعب مع منظريه ومثقفيه وأكاديمييه لعبة "نحن فقط الشيوعيين" فكأن بريمر اعطاهم الخطة "أي حزب سياسي يظهر ويقول انه شيوعي اهجموا عليه واتهموه بالبورجوازية، لكن ابدا لا تصفوا الأحزاب الإسلامية والقومية بالبورجوازية" وهذا ما فعلوه ويفعلوه، فادبياتهم تخلو تماما من وصف القوى الإسلامية والقومية ب "البورجوازية"، حتى لا يجرحوا احاسيس هذه القوى الصديقة على قلوبهم.
اما "منظروه" فيكتبون عن الشيوعية وكأنهم حضروا دروسا لماركس، ومن جانب آخر هم يقبلون ايادي الرفيق بول بريمر، واغلب هؤلاء "المنظرون" توسلوا ان يكون لهم مكان في هيئات مجلس الحكم، ثم بعد ذلك مسحوا اكتاف السيد، وتعلقوا بجبته؛ ويتفاخرون بأنهم دخلوا مجلس الحكم، وانشأوا تحالفا مع السيد، انه حزب بائس جدا، وقد فقد كل مبررات استمراره، وها نحن نعيش سنواته الأخيرة.
وعلى شيوعية الشيوعي العراقي نلتقي...