هوس الحزب الشيوعي العراقي في التحالف


قاسم علي فنجان
2020 / 9 / 20 - 19:16     

هوِس القومُ: وقعوا في حيرة واضطراب وفساد. معاجم اللغة العربية
الهوس: هي حالة من الانفعال أو ارتفاع المزاج بشكل غير طبيعي. ويكيبيديا.
عند الكتابة عن الحزب الشيوعي العراقي، يجب عليك توخي الحذر، فالحزب يمر بأوقات عصيبة، خصوصا بعد احداث 2003، فهو في حالة عدم استقرار، بسبب السياسات التي تخطها قياداته، وتوخي الحذر بسبب الانفعالية والردود الغاضبة التي يمكن ان ينالها أي شخص يوجه نقدا لهذا الحزب، فهو يتمتع بصبغة مقدسة جدا عند اعضاءه، خصوصا كبار السن، وهم الغالبية، قداسة اشبه بقداسة افراد منتمين لدين ما، وقد تكون هذه القداسة نابعة من شكل تقاربه مع الأديان، وبالأخص الإسلام، فهو دائما يوصي اعضاءه ب "احترام خصوصية المجتمع" "احترام طقوس المجتمع" "احترام ديانة المجتمع" (حزبنا يحترم الدين والقناعات الدينية لشعبنا. حميد مجيد موسى)، وصدى هذه التوصيات تجدها متمثلة بالممارسة السياسية للحزب، فعند مرورك بساحة الاندلس، حيث مقر الحزب الشيوعي، دائما سترى الافتات معلقة "نعزي الامة الإسلامية باستشهاد الحسين" "نهنئ الامة الإسلامية بولادة الرسول" "نهنئ المسلمين بعيد الفطر او الأضحى" نهنى المسيحيين بأعياد راس السنة"، او يشاركون في طقوس عاشوراء "مواكب في الكاظمية والنجف" ونسمع ان هناك "مصلى" داخل المقر، للمؤمنين من أعضاء الحزب، يجري ذلك تحت مسمى "حرية شخصية" او "شأن شخصي".
يعد الحزب الشيوعي العراقي أحد أقدم الأحزاب الشيوعية في المنطقة "تأسس 1934"، تمتع على مدى تاريخه الطويل بشعبية واسعة، رغم هذه الشعبية الا انه لم يكن يطمح الى استلام السلطة، كان يساعد فقط الذين يريدون الاستيلاء على السلطة، لهذا فأن مجمل سياساته كانت تقوم على التحالف مع أطراف سياسية أخرى، وحتى عندما يدعو هو لتحالف، او ينظم الى تحالف، فأنه لم يستطع ان يكون قائدا لهذا التحالف او ذاك.
اغلب التحالفات التي دخل بها او عقدها الحزب جرّت عليه مأسي كثيرة، فتحالف 1957 "جبهة الاتحاد الوطني" بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث" هذا التحالف يراه الكثير انه أنتج كارثة 1963، هذا الحزب دعم مجموعة الضباط بقيادة انقلاب 1958 الا انه طٌرد من العملية السياسية بعد نجاحها، حتى جاءت فاصلة شباط الأسود، على رؤوس أعضاءه وعوائلهم، على يد القوميين والبعثيين الذين تحالف معهم وبمساعدة فتاوى محسن الحكيم "الشيوعية كفر والحاد"، ثم ليكرر الحزب تلك المأساة بتحالفه مع البعثيين عام 1973 بقيام ما سمي ب "الجبهة الوطنية" بعد مجازر ناظم كزار 1970-1971، وهذه الجبهة توجت بنهاية مؤلمة بمجازر 1078، ويستمر الحزب بتحالفاته "الوطنية" التي دائما يعللها "بالدفاع عن مصالح الوطن" "والحفاظ على اللحمة الوطنية"، واخيرها، وبالتأكيد ليس اخرها، تحالفه المشين جدا مع قوى الإسلام السياسي الفاشية "سائرون"، والتي لم تنجب غير ثمار الإحباط والانكسار عند اعضاءه وجمهوره، الذين يكابرون على قول الحقيقة المرة، لكن ماذا يفعلون وهم مقمطون بجهاز مفاهيم " العمل المشترك، التنسيق المشترك، وحدة الحركة الوطنية".
ان نظرة فاحصة ودقيقة للأوضاع التي يمر بها هذا الحزب، تعطيك انطباعا بأنه يمر بمخاض "التفتت"، فمحاولة تغيير اسمه المستمرة "منذ مؤتمر الحزب الخامس 1993، جرت مناقشة تغيير اسم الحزب"، هذه المحاولات دليل على المعاناة التي اصابته، فهو لا يعرف اية استراتيجية يسير بها، فهل يبقى على "شيوعيته" وما تحمله من مفردات ومفاهيم "طبقة، علاقات انتاج، رأسمالية، بورجوازية، بروليتاريا" ام يصبح "ديمقراطيا علمانيا وطنيا" بمفاهيم "وطنا، شعبنا، جيشنا، عشائرنا"، مع انه ميال جدا للثانية، ويستخدمها أكثر في ادبياته.
الجماهير الواعية في مدينة الناصرية كانت قد هدمت مقرات الأحزاب الإسلامية، وقد نال الحزب الشيوعي العراقي حصته من هذا التهديم، فالجماهير أدركت ان المتحالف مع الإسلاميين اما انه يغطي على جرائمهم او هو شريك فيها، الحزب الشيوعي ليس شريكا في النهب والفساد والقتل، لكنه من الذين حسنوا وجملوا صورة الإسلاميون بتحالفه معهم وبدخوله العملية السياسية، نتمنى ان لا يتكرر سيناريو 63 او 78، فالإسلاميين ليسوا اقل اجراما من القوميين او البعثيين إذا ما انقلبوا على شركائهم الشيوعيين.
ان هذا الحزب يعيش عزلة واغتراب، وقد أصبح كهلا، فالعناصر الشابة لم يستطع كسبها، وبقي فقط على الشباب الذين كان ابائهم او امهاتهم شيوعيين، وعلى قول أحد المتظاهرين في ساحة التحرير عندما كنا نمر بخيمتهم قال "هذوله ضلوا بطرگ حاسبينك وحسبالي".