أيوب..الرهان الجائر وجدلية الايمان والتجديف(2).

من هو ايوب؟.سؤال تعددت الرؤى والاراء حوله،وتضاربت الفرضيات والتخمينات بصدده،وطالت حتى حقيقة وجوده الواقعي التاريخي.فهل كان شخصا حقيقيا عاش فعلا،وحمل اسم ايوب؟!.وعلى افتراض وجوده،فمن كان؟.فهل كان:وليا من اولياء الله؟.ام كان مجرد رجلا من الوجهاء او العامة؟رجلا تقيا صالحا،مشهورا بالغنى والسخاء.اكان ايوب نبيا من انبياء العهد القديم-الانبياء الصغار-؟.دين آخر هو الاسلام،يعده نبيا،وكما ورد في القرآن:ينسبه الى زمرة الانبياء، في:سورة الانبياء،وسورة ص،وبشكل مختزل-استلهم محمد من حكايته،الاصرار والصبر لمواجهة اذى قريش له في مكة-.ولكن في سفرأيوب التوراتي لانجد أي اشارة على نبوته المجزوم بها في القرآن!.فقد كان مجرد عبدا صالحا،ورجلا ورعا كريما،وكما هو واضح في سفره الخاص:سفر ايوب.من الجانب الآخر،نحن ايضا لانعرف زمن تأليف او كتابة السفر الايوبي،ولاحتى من هو الكاتب؟.ومن اين سمع او قرأ او نقل تلك الحكاية؟.ومن اي فولكلور؟.ام لاهذا ولا ذالك،بل هي رواية عبرية اصيلة نتاج خالص لثقافة العبرانين،وغير مقتبسة من اقوام اخرى.ولكننا نستطيع مقاربة زمن الكتابة بتخمين مشكوك فيه ايضا،وكما يعتقد الكثير من المؤرخين والباحثين في تاريخ الاديان:ان سفر ايوب كتب مابين600و400ق.م،ويظن البعض ان السفر كتب بعد هذا الزمن بقليل،اي في بداية العصر الهيليني.ولكن مقارنة مع نسبه-ان صح نسبه-الذي ينتهي بأبراهيم جده الاخير،وليس بينهما الا اربعة اجيال،فهو:ايوب بن موص بن رعويل بن العيص بن اسحق بن ابراهيم.مما يجعل من تاريخ ايوب ووجوده الافتراضي،قبل موسى بقرون!.وما يؤيد ذلك من اقوال-وايضا ان صح ذلك-غير موثقة،تقول:ان زوج ايوب هي ابنة لوط!.وقول آخر:ان ايوب نفسه كان حفيدا ليوسف ابن يعقوب!.ولكن ايما تكن توقيتات التأرخة وتفاوت زمن كتابة التناخ،وسفر ايوب،مع الفترة التي عاشها،وقبل ان تكتب قصته بزمن طويل،ونسبه الصحيح المختلف عليه،الا ان حكاية ايوب تبقى قصة شعبية فردية محكية اولا،ونقلت عبر السماع والتداول شفاها،لتصل الى المبدع الذي دونها مع شيء كثير من الخيال والاسلوب الادبي،ضمن العهد القديم،لتصبح جزءا ثابتا من اسفاره ال39وبنية التناخ الكاملة.
قصة ايوب..ذلك الرجل الصالح،البار،التقي،الكريم،والممتحن،الذي اثيب على صبره،وبلواه المؤلمة،طيلة18عاما من العذاب،متمسكا بأيمانه.هي قصة قديمة جدا،وردت في الادب المصري القديم،وفي الادب البابلي،لتحفظ بعد ذلك في التناخ العبراني.لذا لايمكن البت بموثوقيتها التاريخية ابدا،وايضا لايمكن الجزم باصلها اليهودي،اواقتباسها،لامن القصة الشعبية،ولامن حقيقة او خيال وجود ايوب نفسه،والحكم بيهوديته او خلافها.فشخص مجهول من كتب النص-السفر الايوبي،قديكون المؤلف قد سمع بالحكاية او قرأ عنها في اثر ادبي غابر،ثم دونه،ليكون سفرا ملحقا ببقية الاسفار المسماة:بالعهد القديم.على السطح،تبدو قصة ايوب هي عن الايمان الراسخ،والصبر على النوائب،وقد ابدع الكاتب بخياله المجنح،فجعل منها تحفة شعرية-قصصية-فلسفية-دينية،وحتى دراما تصلح للعرض المسرحي.وكبرهة تأمل في الوضع البشري،وعلاقته بالقدر الالهي الذي يجمع الاضداد وينظم الفوضى،ويسن شرائعه الخاصة.سفر ايوب الذي بات ايقونة مشهورة تحيل الى الايمان بالله والصبرعلى الرزايا،والتعويض الالهي،والصراع بين الله والشيطان للسيطرة على الانسان.فأيوب التناخ هو حكاية:ايمان نوعي خاص،يتميز بيقين ثابت،ولكنه ينزلق عند بلوغه حدوده القصوى،ليصطدم بالضعف البشري،وحدود الاحتمال الانساني،فيتحول الى غضب وثورة،ورفض وشك ،ونكران لاجراءات الاله،وعدله المطلق!.بدأ كل شيء في حكاية ايوب بمعزل عنه،وخلف ظهره.فقد كان هو الثيمة الرئيسية لدراما الرهان الالهي-الشيطاني.وكماكان آلهة الاولمب يتدخلون في حياة البشر،ويقرروا مصائرهم ويتفرجون عليهم وهم يتخبطون في فخاخهم الالهية،هنا ايضا ومع ايوب نجد الله والشيطان،قد قررا التنافس في رهان بينهما،وموضوع رهانهم هذا كان:ايوب الغافل،منكود الحظ ،البريء التعيس.السفر الايوبي..وفي افتتاحيته كان عبارة عن:لعبة رهان سمجة،ولكن دموية!.رهان الهي-شيطاني،مجاني وصفيق،ولكنه مدمر واجرامي!.له سوابق وبدايات،وايضا له لواحق مرسلات-فعلى مسرح الفردوس التراجيكوميدي،وبعد التمرد او العصيان لتعليمات الرب،وقرار الطرد الالهي لآدم وحواء من الجنة،سمح الاله للشيطان بالتدخل الابدي بشؤون البشر،فكان من المنظرين للوقت المعلوم،بأن يسعى جاهدا لاغواء بني الانسان جميعا،ولم ينجو حتى العباد الصالحين منه،بان يزين لهم المعاصي والخطايا،فوافق الرب وبلا اعتراض!-ومن هنا بدأت مأساة الانسان وقدريته كموضوع دائم لمهزلة الرهان والتنافس،بين الخير المزعوم والشر المعلوم،بين الله والشيطان في مباراة كونية لاتهدأ ولاتنتهي،ميدانها العالم كله.وكان ايوب سيء الحظ واحدا من ضحايا تلك التجارب الصراعية الصبيانية بين الاله والشيطان-وكأن الشيطان رب اخر وند وشريك في الالوهية!-.
.................................................................................................................................................................................

يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...