ورقة عمل حول/ تاريخ الحركة النقابية العمالية الفلسطينية


سلامه ابو زعيتر
2019 / 7 / 25 - 00:31     

بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة عمل حول / تاريخ الحركة النقابية العمالية الفلسطينية
إعداد/ د. سلامه أبو زعيتر
مقدمة:
إن التنظيم النقابي في فلسطين بدأت إرهاصاته ما بعد الثورة الصناعية وما تبعها من تحولات في النظم الاقتصادية والبنى الاجتماعية، في مطلع القرن العشرين استناداً للقانون العثماني الصادر سنة 1909، والذي جرى بمقتضاه تشكيل روابط اجتماعية تقدم خدمات إنسانية واجتماعية للمجتمع المدني بعيدة عن الشؤون السياسية، وهذا أسس أرضية للعمل الجماعي والتطوعي والمدني على صعيد المجتمع الفلسطيني، أما الظهور الفعلي للنشاط النقابي النضالي في فلسطين وفق معايير العمل الدولية وحرية التنظيم النقابي والحق بالإضراب كان ما بين 1920م الى 1925م، حيث تشكلت جمعية العمال العرب الفلسطينية، وأُعلن عنها رسمياً في 21 مارس 1925 م، وذلك إثر زيادة الوعي النقابي بين العمال، نتيجة انتصار الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي من ناحية، ومن ناحية أخرى ارتبط بخصوصية واقع الصراع بين المشروع القومي التحرري الفلسطيني والمشروع الصهيوني، الذي سعى لتكريس أدواته الاقتصادية والسياسة العسكرية، بما في ذلك تأسيس الاتحاد العام للعمال اليهود (الهستدروت) عام1920، والتي لم تطلع بدورها النقابي العمالي، بل استمرت في ترسيخ ركائز المشروع السياسي الصهيوني، وإتباع سياسة عنصرية إزاء العمال الفلسطينيين العرب، مما دفع العمال إلى التنظيم النقابي، بالاستفادة من قانون الجمعيات العثماني الذي كان معمولاً به في فلسطين، والذي يسمح لثمانية أشخاص فأكثر أن يؤلفوا فيما بينهم جمعية لرعاية مصالح الأعضاء المنتسبين إليها، ورفع مستواهم مادياً وثقافياً واجتماعياً وتدافع عن مصالحهم، ومن خلال هذه الورقة سيتم تسليط الضوء على أبرز المحطات النقابية ومراحل تكوين ونشأة التنظيم النقابي في فلسطين بشكل مختصر، بهدف الوقوف على المراحل التاريخية للعمل النقابي وأهم الأحداث والمراحل حيث ستتناول الورقة عدة مراحل لتاريخ العمل النقابي في فلسطين، وهي:
- مرحلة ما بعد الثورة الصناعية فترة الانتداب البريطاني (1920-1948).
- مرحلة بعد نكبة (1948-1967) ضفة /أردن وغزة/مصر.
- مرحلة الاحتلال الضفة وغزة (1967-1994).
- مرحلة ما بعد إنشاء السلطة الفلسطينية 1994-الآن
اولا: المرحلة الاولى:( 1920- 1945) مرحلة الانتداب البريطاني:
تأسست أول حركة اجتماعية تهتم بالشئون العمالية تحت اسم جمعية العمال العربية الفلسطينية وكانت هي نواتها الأولى كحركة خيرية في سنة 1920 تشكلت من عمال سكك الحديد في حيفا، وكانت أبرز اهتماماتها وأدوارها مساعدة المرضى من العمال وعائلات المتوفين من زملائهم العمال من خلال ما تجمع من التبرعات. وكانت البداية مبادرة من النقابي عبد الحميد حيمور، وهو من أصل دمشقي، واستمرت بنشاطاتها الاجتماعية حتى عام 1924 رأت الجماعة النقابية أن تفتح نادياً خيرياً باسم "النادي الخيري لعمال سكك الحديد"، وفي 21/3/1925 قدمت طلباً إلى الحكومة لتسجيل النادي بشكل رسمي، وتطورت هذه الفكرة إلى فكرة تأسيس جمعية عامة للعمال في السكة الحديدية وخارجها، وبتاريخ 9/5/1925 قُدِّم إلى الحكومة طلب تسجيل جمعية باسم "جمعية العمال العربية الفلسطينية"، وبتاريخ 8/8/1925 أبلغت الحكومة أصحاب الطلب أن جمعيتهم قد سُجِّلت رسمياً.
حجم العضوية النقابية في العمال العربية الفلسطينية:
ومارست الجمعية نشاطاتها وفتحت أبواب العضوية وقد بلغ عدد أعضاء الجمعية 11004 أعضاء عام 1935، و50 ألف عضو عام 1945 (حسب تقرير وفد الجمعية إلى مؤتمر النقابات الدولي المنعقد في لندن بتاريخ 6/2/1945)، و89 ألف عامل حسب ما ورد في كلمة عبد أبو ربه مشرف نائب رئيس المؤتمر الثاني للجمعية في 29/8/1946، و120 ألف عامل مثلهم في المؤتمر الثالث 120 مندوباً انتخبهم 80 ألف عامل منظم، حسب رواية حسني صالح الخفش في مذكراته عن المؤتمر الثالث للجمعية المنعقد في آب 1947.
ولتسهيل الوصول للقواعد العمالية وخدمة الأعضاء فتحت الجمعية فروعاً لها في كل أنحاء فلسطين، وكانت في البداية عشرة فروع، ثم أصبحت 46 فرعاً، حضر ممثلون عنهم مؤتمر الجمعية الثاني.
المؤتمرات النقابية للجمعية:
عقدت الجمعية ثلاثة مؤتمرات، المؤتمر الأول في حيفا من 11-12/1/1930، بحضور 61 مندوباً يمثلون 3020 عاملاً في تسعة فروع هي: حيفا ويافا ونابلس واللد وعكا وشفا عمرو والناصرة ولفتة. وانصبَّ البحث في المؤتمر على وضع أسس لشروط استخدام العمال التي يجب المطالبة بها في كل مكان من فلسطين، وتعرض هذا المؤتمر لحركة شغب منظمة من الحركة العمالية الصهيونية (الهستدروت).
ثم عقدت الجمعية مؤتمرها الثاني في حيفا في 29/8/1946. وقد شهد هذا المؤتمر تطوراً فكرياً وسياسياً في بناء الجمعية وأهدافها ووضع تصور لتطوير عملها ودورها النقابي والوطني، وقرر المؤتمر بقراره رقم 3/ اعتبار اليهود العرب الذي كانوا يقطنون فلسطين قبل العام 1918، ومن تناسل منهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات أسوة بالعمال الفلسطيني والعربي.
النشاطات النقابية للجمعية للدفاع عن مصالح العمال:
قامت جمعية العمال العربية الفلسطينية بنشاط نقابي واسع للدفاع عن حقوق العمال، تمثل في سلسلة من الإضرابات في الأعوام 1927، 1933، و1935. واستطاعت الجمعية أن تحقق مجموعة من الانجازات النقابية للعمال منها:
- زيادة أجور العمل.
- تنظيم الإجازات المرضية والدينية وإجازات الأعياد، وكان بعضها بأجور كاملة وبعضها بنصف أجر.
- جعل يوم العمل 8 ساعات في جميع الشركات الكبرى، و9 ساعات في الميناء التابع للحكومة.
- قامت الجمعية بنشاط كبير في إضراب 1936، فأسست لجاناً تولت تنظيم الجماهير وتقديم الاعانات والرد على الدعايات المضادة، وكان سامي طه يمثل الجمعية في “اللجنة القومية العربية العليا” في القدس، في حين كان بعض أعضاء الجمعية يمثلونها في اللجان القومية العربية الفرعية في المدن.
عاشت الحركة النقابية مرحلة صعبة وضعف عام إثر اندلاع الإضراب عام 1936 حتى عام 1939، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والتحديات التي عانت منها الحركة العمالية نتيجة موقف الانتداب البريطاني، ونظرته للحقوق العمالية الفلسطينية وانحيازه للعمال المهاجرين من اليهود والهستدروت، ثم دبت الحياة من جديد في مكاتب جمعية العمال العربية الفلسطينية، وتألفت نقابات جديدة انضمت إلى مجموعة النقابات السابقة، منها: نقابة عمال معسكرات الجيش البريطاني، ونقابة عمال البرق والبريد والهاتف، ونقابة عمال دوائر الأشغال العامة، ونقابة عمال شركة “سبني” التجارية البريطانية، ونقابة عمال شركة تكرير البترول، ونظمت الجمعية في هذه المرحلة سلسلة من الإضرابات الشاملة أبرزها:
1. الإضراب من أجل مساواة الأجور بين العمال العرب واليهود. وهي سلسلة إضرابات عمالية على امتداد عامي 1942 و1943. وقد نجحت في تحقيق أهدافها.
2. إضراب العمالي العام الذي أعلنته الحركة العمالية الفلسطينية في 10/4/1946، ودام حتى 20/4/1946، احتجاجاً على رفض رئيس دائرة البريد والبرق والهاتف البريطاني في يافا الاعتراف بجمعية العمال العربية الفلسطينية ممثلة للعمال، وقد تعطلت نتيجة هذا الإضراب وسائل المواصلات، والدوائر الحكومية، والمؤسسات الرسمية.
3. إضراب عمال محاجر الصادق على شركة “سوليل بونيه” الصهيونية وتميز هذا الإضراب باعتصام العمال وتهيئة عناصر مسلحة للدفاع عنهم.
العلاقات النقابية على المستوى الدولي:
على صعيد العلاقات النقابية الدولية لقد نجحت الجمعية في الوصول إلى المجال الدولي، وشاركت لأول مرة في مؤتمر النقابات الدولي بلندن الذي عقد في الفترة من 6-22/2/1945، وترأس وفد الجمعية إلى المؤتمر سامي طه يرافقه المستشار القانوني حنا عصفور، واستطاع الوفد أن يوصل رسالة بالحق الفلسطيني النقابي والوطني وقام بتوضيح الواقع الفلسطيني وما يحدث من مخططات استعمارية من خلال تفنيد فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين، والرد على حجج ممثل الهستدروت الذي حاول التكلم باسم عمال فلسطين العرب واليهود.
كما شاركت الجمعية للمرة الثانية في مؤتمر النقابات الدولي الذي عقد في باريس في شهر أيلول 1945، ومثلها فيه سامي طه وحنا عصفور.
العلاقة مع الهستدروت في فترة 1920- 1948:
اتسمت هذه المرحلة بمرحلة صراع ونزاع شديد على شرعية التمثيل من أهم مراحلها:
- محاولات الهستدروت منع تشكيل جهة عربية لتمثيل العمال نقابياً لضرب التجمع النقابي وجمعية العمال العربية وتماشي سلطات الانتداب البريطاني من 1920 حتى 1925
- استطاعت الجمعية أن تمنع الهستدروت من تنظيم إضراب لعمال معسكرات الجيش البريطاني في 10/4/1943؛ حتى لا يمكنه ذلك من إثبات ادعائه بأنه الممثل الشرعي للطبقة العاملة في فلسطين
- عندما اشتد نشاط المؤسسات الصهيونية وحامياتها واعتداءاتها على العمال العرب الفلسطينيين ومحاربتهم بلقمة العيش وملاحقتهم، وطردهم من مختلف الأعمال، اقترح بعض النقابيين وخاصة الشيوعيين منهم في جمعية العمال العرب تشكيل “الحاميات العربية” في مواجهة “الحاميات اليهودية”. وأصدرت الجمعية بياناً في أيلول 1934، دعت فيه العمال العرب الفلسطينيين إلى تشكيل الحاميات العربية لمقاومة “اعتداءات الحاميات اليهودية عن العمال العرب، والتهديد والوعيد والاضطهاد التي يلاقيها أخواننا العمال العرب في كافة أنحاء فلسطين، من دخلاء البلاد الأجانب والمهاجرين اليهود، الذين اغتصبوا لقمة العامل العربي والفلسطيني.
- وفي بداية عام 1936، قدمت الجمعية مذكرة نقابية للمندوب السامي البريطاني تتضمن اثني عشر بندًا حول البطالة والهجرة الصهيونية، وقد انتقدت الجمعية في المذكرة اعتماد حكومة الانتداب في فلسطين على إحصاءات الهستدروت لتحديد قدرة فلسطين على استيعاب المزيد من المهاجرين، ومدى حجم البطالة بين العمال اليهود، ووضحت المذكرة أن تقديرات الهستدروت لحجم البطالة بين العمال اليهود هي أقل من حجمها الحقيقي، وأن حجم البطالة بين العمال العرب الفلسطينيين قد تم تجاهله، وكشفت المذكرة عدم حيادية حكومة الانتداب ودعمها للهستدروت، ولا سيما في مجال إعطاء المقاولات، وفي تشغيل العمال اليهود على حساب العمال العرب، وبينت المذكرة أن “قوة الاستيعاب لا تسمح بدخول مهاجر واحد” بسبب البطالة الواسعة التي بلغت معها أعداد العمال العاطلين عن العمل قرابة ستة آلاف عامل يهودي وثلاثة وعشرين ألف عامل عربي.
أدت هذه التطورات إلى سن قانون نقابات العمال لسنة 1947، إلا أن نكبة فلسطين عام 1948 شكلت طعنة عميقة للتنظيم النقابي الفلسطيني؛ بعد أن تشتت الآلاف من العمال، وتشتت الشعب الفلسطيني، ودمرت البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية، وفاتت فرصة الاستفادة من القانون الجديد.
ثانيا: المرحلة الثانية: الحركة النقابية من 1948 – 1967 (بعد النكبة)
بعد النكبة 1948 نُقِل مقر جمعية العمال العربية الفلسطينية من حيفا إلى نابلس، ولم يمضِ زمن طويل على مؤتمر العمال العرب حتى أقدم على خطوة الأسرلة، وتحول اسمه إلى اتحاد عمال إسرائيل، وقرر مؤتمر العمال العربي في مؤتمره السنوي المنعقد في العام 1953 توقيف أعماله، ودعا العمال العرب إلى دخول النقابات المهنية والمؤسسات الاجتماعية والصحية والهستدروتية، الأمر الذي عرّض التنظيم النقابي الفلسطيني إلى نكبة بعد تفرُّق القادة النقابيون وتشتيتهم وهجرة بعضهم قسراً في مختلف التجمعات الفلسطينية، وبرغم ذلك بذلوا العديد من المحاولات لإقامة تنظيمات نقابية للعمال الفلسطينيين، وأهمها:
- نكبة 1948 التي سحقت التنظيم النقابي الفلسطيني مع تشتت آلاف العمال والشعب الفلسطيني ككل، ودمرت بنيته التحتية الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية، وتفككت الجمعية بعد النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وهجّرت قياداتها وتشتت في بقاع المعمورة، حيث انتقل مركز العمل النقابي بعد النكبة من حيفا إلى نابلس، وفي عام 1950م، تم ضم الضفة الغربية إلى الأردن، وخضع قطاع غزة للإدارة المصرية، وحصل تباعد بين المنطقتين اللتين خضعتا لنظامين مختلفين، مما عكس تطوراً متبايناً في الحركة النقابية، وتشتت العمل النقابي، خاصة وأن الجزء الأكبر من القيادات النقابية انتقل إلى الأردن، وأصبح العمل النقابي شبه سري، وكان ثِقَل العمل النقابي في عمان، حيث كان مقر معظم النقابات الكبيرة.
- صدور قرار المجلس الأعلى للجمعية باستئناف العمل النقابي انطلاقاً من عمان بعد أن غيرت جمعية العمال الفلسطينية اسمها عام 1952 إلى جمعية العمال الأردنيين، ولم يلقَ هذا الأمر ترحيبًا وقبولاً؛ ما دفع البعض لمواصلة العمل بشكل غير علني؛ فقامت الحكومة الأردنية بسن قانون نقابات العمال رقم 53 لسنة 1953 بعد أن حلت النقابات العمالية الموجودة في الضفة الغربية سنة 1952.
- بعد سن قانون نقابات العمال، دخل التنظيم النقابي مرحلة جديدة وفتح المجال لتأسيس نقابات جديدة، إذ نص القانون على أنه يحق لكل سبعة عمال فأكثر يعملون في مهنة واحدة أو شركة واحدة، تأسيس نقابة خاصة بهم. وفي ضوء ذلك تم تسجيل 21 نقابة كمقدمة لتأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن عام 1955.
- وفي الضفة الغربية تم تسجيل 40 نقابة تضم أربعة آلاف عامل، وترافق هذا التزايد مع تأسيس نقابات عمالية بالتشريع العمالي، وصدر قانون التعويض رقم 17 لعام 1955، ثم قانون العمل رقم 21 لعام 1960، والقانون المعدل رقم 3 لعام 1965، والذي ارتفع بموجبه الحد الأدنى لعدد العمال الذين يحق لهم المطالبة بتسجيل نقابة، من سبعة إلى عشرين عاملاً.
- استمر العمل النقابي تحت ضغط وتحديات جسام حتى نكسة 1967التي شهدت (مرحلة الأحكام العرفية)، وتدخلاً سافراً في شئون العمل النقابي، وصل حدّ حلّ بعض المجالس النقابية وتعيين لجان حكومية، وتعرض بعض النقابيين للطرد والاعتقال، وتم تشديد الرقابة على العمل النقابي، والقمع والإغلاق من قبل الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في مدينة القدس المحتلة.
- تأخرت الحركة النقابية في قطاع غزة من 1948 حتى 1964 وتأسس في عام 1964 وبداية 1965 ست نقابات عمالية كونت فيما بينها الاتحاد العام نقابات عمال فلسطين عام 1965، بالتزامن مع تشكيل الاتحاد العام لعمال فلسطين أحد أذرع منظمة التحرير الفلسطينية وتوجهاتها لإطلاق الاتحادات النقابية في نضالها الوطني والاجتماعي.
ثالثا: المرحلة الثالثة: (1967-1994) وتأسيس اتحاد نقابات عمال فلسطين
كان للاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية أثر كبير على كل مناحي الحياة الفلسطينية ومنها واقع العمل النقابي وسنتناول هذا الأثر على واقع التنظيم النقابي في الضفة الغربية وقطاع غزة على التوالي:
أولا الحركة النقابية في الضفة الغربية:
انقطعت العلاقات ولم يعد أي صلة بين الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، عمدت سلطات الاحتلال إلى إغلاق المقرات النقابية في العديد من المناسبات، وإبعاد النقابيين إلى خارج الوطن، ووضعهم في السجون والمعتقلات لفترات طويلة من الاعتقال الإداري، كما حرمتهم من التنقل بحرية، وأخضعت الكثير منهم إلى الإقامة الجبرية، ومنع السفر إلى خارج البلاد، غير أن كل هذه الإجراءات أدت إلى نتيجة واحدة وهي الإصرار على مواصلة بناء النقابات العمالية، فقد اجتمع النقابيون الفلسطينيون عام 1969م في الضفة، وانتخبوا لجنة تنفيذية جديدة لإحياء فرع الاتحاد وتنشيط النقابيين في العمل النقابي، برغم مواجهة الاحتلال بالكثير من العنف والقمع للحريات، إلا أنه حقق نشاطاً ما، وفي عام 1973م قاموا بفك الارتباط بالاتحاد العام في عمان، وأطلقوا اسم الاتحاد العام لنقابات العمال في الضفة الغربية، وفي الخامس عشر من يونيو 1979م تمت انتخابات اللجنة المركزية للاتحاد، حيث يقف الاتحاد على رأس نضالات الجماهير العمالية في مدن ومناطق الضفة، ويضم ثماني عشرة نقابة وهي النقابات العاملة في الضفة ، وتميزت الحركة النقابية بالأنشطة والعمل المستمر، وتأطير العمال في النقابات العمالية، وأدى هذا التمييز إلى صراع بين القوى السياسية الفلسطينية، وذلك لتدخلها في شؤون الحركة النقابية، وهيمنتها عليها مما أفشل العمل وأدى لأن يكون لكل فصيل سياسي نقابته الخاصة به، ليصبح هناك ثلاث اتحادات عمالية، اتحاد الشبيبة العمالية، واتحاد الكتلة التقدمية، واتحاد كتلة الوحدة العمالية ، وهذا ساهم في زيادة عدد النقابات العمالية، ليصل إلى 150 نقابة، رغم ضعف نسبة الانتساب لهذه النقابات، وتركز الصراع بين مجموعة من النقابيين المهيمنين، والذين يمثلون كتلاً سياسية حصلت ضمن نظام المحاصصة على مواقع متقدمة، وهذا أدى إلى تغييب العمل النقابي الديمقراطي الحقيقي، فلم تكن هناك انتخابات أو طرح لبرامج انتخابية، مما ساهم في فقدان الثقة بالنقابات العمالية كمؤسسات لخدمة العمال، حيث كانت تعتبر مؤسسات تابعة للفصائل السياسية ، واستمر تنفيذ الأنشطة النقابية من خلال الكتل النقابية المختلفة، التي تشكلت طيلة مدة الاحتلال، وكانت المنافسة بين هذه الكتل حزبية سياسية أكثر منها نقابية، وأدى ذلك لفتح الكثير من الحوارات من أجل تشكيل اتحاد عام يضم كل هذه الكتل النقابية والتي تكللت بالنجاح عام 1992 وأُنشاء الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين على الأراضي الفلسطينية .
ثانيا/ الحركة النقابية العمالية في محافظات غزة:
بعد نكبة 1948م اعتبرت السلطات المصرية آنذاك أن جميع النشاطات العمالية والنقابية حركات شيوعية، يعاقب عليها القانون وقد بقي الحال حتى عام 1964م، حيث بدأت تظهر المؤسسات الاجتماعية كالنقابات والجمعيات، فغياب الحركة النقابية العمالية في قطاع غزة يعود لقصور القوى السياسية التي تعمل، وتعكس مصالح الطبقة العاملة، فمنذ عام (1965م-1967م) أُسست ست نقابات عمالية فقط، وذلك بناء على طلب قدم للإدارة المصرية لإنشائها، عكست طبيعة المهن التي كان يمارسها سكان القطاع في تلك الحقبة الزمنية، وهي:
- نقابة العمال العرب للأعمال التجارية والخدمات العامة 11/ 10/ 1964.
- نقابة عمال الخياطة والنسيج تأسست في 22/10/1964.
- نقابة عمال السائقين العرب وتأسست بتاريخ 22/10/1964.
- نقابة عمال الصناعات المعدنية وتأسست بتاريخ 14/11/1964.
- نقابة عمال النجارة والبناء وتأسست بتاريخ 13/1/1965.
- نقابة عمال الزراعة العرب وتأسست بتاريخ 28/ 4/1965.
وبعد ذلك قامت بتوحيد جهودها في إطار واحد، وأسست اتحاد النقابات العمالية في قطاع غزة عام 1965 ، الذي مارس نشاطات حتى عام 1967، حيث أغلق الاحتلال الإسرائيلي النقابات العمالية، لغاية 1980 حتى سمح بفتح المقرات للعمل بشروط تعجيزية, منع على أثرها النقابات من إجراء الانتخابات أو التنسيب أو أي عمل نقابي، وعدم التدخل في قضايا العمال الذين يعملون داخل (إسرائيل) الخط الأخضر، ورغم ذلك تمكنت بعض القيادات العمالية الشابة في النقابات من ضمِّ أعضاء جدد، وإجراء الانتخابات متحدية الاحتلال، وبدأت الحركة النقابية في قطاع غزة تنتعش منذ منتصف الثمانينات ، وتم تجديد الهيئات الإدارية للنقابات بعد عقد مؤتمراتها، وإجراء الانتخابات بدوافع وطنية تحدت فيها السياسات الإسرائيلية المعادية للحريات النقابية, حيث تمكن العمال الشباب المحسوبون على الكتل العمالية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من الفوز بتشكيل الهيئات الإدارية للنقابات الست, وسرعان ما ثارت الجماهير الفلسطينية بالانتفاضة عام 1987 ضد الاحتلال (الاسرائيلي)، وقد لعبت النقابات العمالية والاتحاد دوراً بارزاً في قيادة الانتفاضة، والتي انخرط فيها معظم أعضاء الهيئات الإدارية الجديدة بحكم انتماءاتهم السياسية وتعرض معظمهم للاعتقال، وبرغم ذلك قامت نقابات الاتحاد بتقديم مساعدات إغاثية للأسر المحتاجة، والفقيرة وهي بداية للانتقال إلى مرحلة المشاركة في العمل الوطني والاجتماعي بحكم القاعدة الواسعة التي يمثلها.
رابعاً: المرحلة الرابعة:( 1994- الان) مرحلة السلطة الفلسطينية:
ساهمت الحركة النقابية الفلسطينية بدور واضح في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، ومساندتها في مواقفها السياسية، كما أعلن معظمها التأييد لاتفاق أوسلو السياسي، حيث كانت رؤية الاتحاد والنقابات لهذا الاتفاق، منسجمة مع مصالح العمال التي تسعى للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بشكل يضمن توفير فرص العمل، لرفع مستوى المعيشة والأجور، وضمان الحياة الكريمة لهم، إضافة إلى رغبته في إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية على أساس قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، ضمن حدود الرابع من حزيران، ومنذ قدوم السلطة عام 1994 وصدور قرار الرئيس أبو عمار بتفعيل القوانين وتوفيق الأوضاع في المؤسسات الوطنية، لعبت النقابات العمالية والاتحاد دوراً فعالاً في الدفاع عن مصالح العمال، والمشاركة في إصدار تشريعات العمل، والتدريب والتثقيف للعمال، وتكثيف الأنشطة التي تعزز الحضور النقابي في المجتمع من خلال استهداف العمال بالبرامج التنموية عبر الاهتمام بالعامل وبظروف عمله وبتنمية قدراته ومهاراته العملية والحياتية وتحديث ثقافته وتطويرها، حيث وسعت قاعدة المشاركة العمالية باستحداث نقابات جديدة تمثل قطاعات عمالية عريضة لتغطي كافة المهن والقطاعات الإنتاجية العمالية، حسب التصنيف المهني النقابي.
كما وعملت قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين على توحيد قيادة العمل النقابي بين قطاع غزة والضفة الغربية برغم كل التحديات والصعوبات لوجود مرجعيات وقوانين مختلفة وخصوصية جغرافية وتشكيلات نقابية، وتم وضع حجر الأساس لوحدة العمل النقابي، على ان يتبعه خطوات عملية للوحدة في كافة المستويات والهيئات النقابية، وعقد المؤتمر الدستوري للاتحاد عام 2004 حيث وضع دستور موحد لتنظيم الحياة النقابية، وتلي ذلك عقد عدة مؤتمرات 2012-2018.
أبرز نشاطات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين:
- الضغط لإصدار تشريعات عمل موحدة وكان برزها اصدار قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 وقانون الضمان الاجتماعي وقانون التنظيم النقابي.
- إدارة حملات ضغط ومناصرة حول العديد من القضايا العمال مثل تطبيق الحد الأدنى للأجور والعمل اللائق وحماية حقوق النساء والشباب.. الخ.
- عقد العديد من اتفاقيات العمل الجماعية والتي تخص قطاعات عمالية.
- تشكيل نقابات عمالية والتوسع الأفقي للنقابات العمالية القطاعية في كل أماكن تواجدها.
- تعزيز مبدأ الحريات والتعددية النقابية واللامركزية في العمل النقابي على جميع الأصعدة النقابية والمهنية العمالية والجغرافيا.
- حافظ الاتحاد العام برأسه امينه العام / شاهر سعد ونائبه/ راسم البياري على وحدة الحركة العمالية بين شطري الوطن وعقد عدة مؤتمرات موحدة 2012-2018 لتوحيد النضال النقابي في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني بوحدة الاتحاد على أسس مبادئ الحريات اللامركزية والإدارة الرشيدة والديمقراطية والحوكمة.
- عمل الاتحاد جاهداً لاسترداد الحقوق العمالية في مناطق السلطة بالنضال القانوني والقضائي والنضال المطلبي وداخل الخط الأخضر عبر المحاكم الإسرائيلية وبالاتصال والتفاوض، وعبر المذكرات القانونية وبدعوة التدخل من المنظمات الدولية خاصة منظمة العمل الدولية واستخدام وسائل الضغط والمناصرة...
- يعمل الاتحاد جاهداً على تعزيز ظروف العمل اللائقة وإنسانية للعمال بهدف الحدِّ من الهجرة غير المنظّمة ومحاربة ظاهرة الاتجار بلقمة والعمل الأسود وبيع التصاريح "غير القانوني" والتهرب من دفع الحقوق العمالية ومصادرتها.