لينين و المسألة القومية


ابو منصور حرب
2019 / 5 / 23 - 03:49     

” إن من يتصور على أن الثورة الاجتماعية يجب عليها أن تكون نقية، لن يعيش ليراها ” لينين

يحدث اليوم لتعاليم لينين ما حدث قبله لماركس ) وقد أشاره لينين للمسألة يا من مرة ) وللعديد من المفكرين الثوريين وقادة الطبقات المظلومة، ففي حياتهم طاردتهم الطبقات الحاكمة ونكلت بهم وضربت طوقا حول أفكارهم وشوهتها ياما تشويه، وعند وفاتهم حولت تلك الافكار الى ايقونات لا نفع يرجى منها ، لكن الطريف في الأمراليوم أن ذلك الارث العظيم للينينية اصبح يشوه لا من طرف الطبقات الحاكمة وفقط ، بل حتى من طرف من ينتسبون الى اللينينة نفسها ( قولا على الاقل ) في العديد من القضايا وعلى رأسها المسألة القومية .
لقد تحولت اللينينية لدى بعض الباحثين الى انتقائية مقيتة ومسرح للعرائس حيث تحول الجدل المادي لديهم الى سفسطة و التحليل المادي التاريخي الى تجريد لا تاريخي ، حيث تحولت مواقف ونصوص لينين الى دمية في مسرح عرائس ينطقوها كما يشاؤون سواء في معرض التأييد للنزعة القومية أو في معرض معارضة النزعة القومية وشجبها كما يحصل اليوم في المسألة الكردية والكتالونية بإسبانيا .
وعيب هؤلاء أنهم يتعاملون مع فكر لينين ومواقفه كعقيدة جامدة نزلت من السماء هكذا دفعة واحدة ، حيث تم فصلها عن سياقها التاريخي والشروط التي بلورة تلك الفكرة أو الافكار . فإذا أردت من لينين أن يندد بكل شعار حول النزعة القومية ، ما عليك سوى مراجعة نصوصه مابين 1913و 1914 والموجهة للجدال مع المدرسة النمساوية ، لكن إذا أردت من لينين نفسه تأييد كل شعار حول النزعة القومية ما عليك سوى مراجعة نصوصه ما بين 1922 و1923 الموجهة للاشادة بحركات التحررالقومي في الشرق و المستعمرات ! نفس الشيء يمكن أن تطبقه حول نزعة الدفاع عن الوطن و الوطنية، فلينين ندد وصارع ضد نزعة ” الدفاع عن الوطن ” لدى فرسان الاممية الثانية سنة 1914 واعتبر أن ” العمال لا وطن لهم ” ولكن في سنوات 1918-1919 تجده يشيد بنزعة الدفاع عن الوطن ابان الحصار الامبريالي للدولة السوفياتية ! وهكذا دوليك فالانتقائية تنتقي من لينين ما تريد وتجعل فكره ملتوي لا منطق له ! .
إذن كيف تنظر الماركسية للمسألة القومية اليوم على ضوء ما قدمه لينين من إضافات نوعية حول المسألة ؟ وكيف يجب علينا نحن كماركسين أن نتناول المسألة على ضوء التطورات التي يشهدها الصراع الطبقي سواء محليا أو اقليميا أو أمميا ؟
يعيش العالم اليوم على ايقاع هجوم امبريالي مسعور زادت من حدثه الأزمة العامة التي يعيشها النظام الرأسمالي وخاصة الأزمة المالية التي ألمت به سنة 2008 وقد واكب هذا الهجوم انتعاشة ملحوظة لقوى اليمين المتطرف الفاشي حيث اصبح يحصد الالاف من الاصوات ويقرع طبول الحرب داخل البرلمانات الاوربية حيث رصدت أجهزة المخابرات الالمانية مؤخرا خطة تحاكي حربا أهلية يتداولها انصار اليمين المتطرف في ألمانيا ، أما في فرنسا فالجبهة الوطنية صارت قوة رئيسية في البلاد تنافس على السلطة ، في إسبانيا كذلك ولأول مرة يدخل حزب فوكس (VOX) اليميني المتطرف البرلمان الاسباني بعد غياب دام 40 سنة ، وقد زاد من نفوذ هذا الحزب المتشدد التطورات التي تعرفها المسألة الكاتالونيا حيث بنى مشروعه الانتخابي على نقد تهاون الحكومة اتجاه الانفصالين في كاتالونيا وقضية المهاجرين ، نفس الامر يمكن أن نسوقه في البرازيل التي صار يحكمها يميني متطرف مدعوم من المؤسسة العسكرية …
إن التاريخ هنا يعيد نفسه، فبحكم الأزمة الخانقة التي يعشها النظام الرأسمالي العالمي صار اليمين المتطرف يجدد جلده من جديد على خطى أسلافه ، فالأزمة التي عرفها العالم سنة 1929 حملت معها النازية و الفاشية الى سدة الحكم ، فكثرين من ضيقي التفكير يرون في الفاشية و اليمين المتطرف شيء ” شاذ ” ينمو على هامش البرجوزاية الليبرالية المحتضرة ، في حين أن الفاشية و اليمين المتطرف هما برجوازية عصر الازمة العامة للرأسمالية .
لقد خص لينين ثلث إنتاجه الفكري و السياسي لمعالجة المسألة القومية ، والحق يقال أن الوضع الذي كانت تعيشه الامبراطورية الروسية التي كانت تضم تحت جناحها العديد من الشعوب جعل من الضروري على الحركة الثورية الروسية إيجاد التعبير النظري لحلها من أجل التقدم في انجاز مهام الثورة ، مع ما شكلته الحرب الامبريالية الاولى 1914-1918 من انقسامات في صفوف الماركسيين حول المسألة القومية .
في السابق كانت المسألة القومية محصورة كحق للشعوب المتمدنة وخاصة الاوربية أما باقي الشعوب الافريقية و الاسيوية فكانت خارج نطاق المسألة ، لكن الرجة التي عرفها العالم ابان اندلاع الحرب الامبريالية الاولى سنة 1914 جعلت لينين يغير نظرته بصدد المسألة القومية ، حيث وسع المسألة القومية وربطها بمسألة المستعمرات وحركات التحرر الوطني إذ تحولت المسألة القومية من مسألة داخلية خاصة بالدول الى مسألة عامة أممية مرتبطة بتحرير الشعوب المضطهدة في البلدان التابعة و المستعمرات ضد سلطة الاستعمار و الامبريالية .

لقد ربط لينين المسألة القومية بعدة قضايا أهمها :
1- يغدو العالم يوما بعد أخر منقسم الى معسكرين : حفنة من الدول الامبريالية تقبض بيدها على الرأسمال المالي وتستثمر الأكثرية العظمى من الشعوب المضطهَدة والمستثمرة في المستعمرات والبلدان التابعة.
2- أن المستعمرات والبلدان التابعة التي تضطهدها الامبريالية وتستثمرها، تشكل احتياطياً هائلاً للاستعمار ومورد قوي له و أي ضربة تأتيه من المناطق التي يبسط سيطرته عليها تشكل تغرة في حائط التبعية وتضعف الامبريالية وأن النضال الثوري للشعوب المضطهدة في البلدان المستعمرة والتابعة، ضد الاستعمار، هو الطريق الوحيد لتحررها من الاضطهاد والاستثمار. إن مصالح الحركة الثورية وخاصة الطبقة العاملة في البلدان المتقدمة والحركة الثورية القومية التحررية في البلدان التابعة ، تتطلب أن يتحد هذان المظهران للحركة الثورية في جبهة مشتركة ضد العدو المشترك، ضد الاستعمارو الامبريالية إن انتصار الطبقة العاملة في البلدان المتطورة، وتحرير الشعوب المضطهدة من نير الاستعمار، أمران مستحيلان، بدون تأليف وتوطيد جبهة أممية ثورية مشتركة مناهضة للامبريالية ومحبة للسلام و التعاون بين مختلف الشعوب .
لقد ربط لينين و الفكر الماركسي عامة المسألة القومية بالصراع الطبقي الجاري على المستوى الاممي ، ففي عصر الامبريالية يشهد العالم موجات من الانفجارات الاجتماعية قد تتخد أشكالا من النضال القومي وتتطور في اتجاه معاداة الامبريالية ( كما يحدث اليوم في السودان والجزائر وفنزويلا …) فلينين حذر من وضع تمايز بين مهام الثوريين في البلدان المضطهدة و البلدان التي تتعرض للاضطهاد ، فمهام الثوريين في الدول الامبريالية هو النضال ضد برجوازيتهم الشوفينية التي تضطهدة الامم الاخرى و رفع مطلب حق الامم في تقرير مصيرها دون تقزيم للصراع الطبقي لصالح الصراع القومي ، أما في البلدان التابعة و التي تتعرض لهيمنة الامبريالية فيجب على الثوريين الدمج الخلاق بين معاداة الامبريالية و النضال من أجل الاستقلال الوطني وقطع حبل التبعية في افق بناء الوحدة الاممية لعمال وكادحي العالم .