معاً «نساء ورجال» لمجتمع أفضل


يانا السمراني
الحوار المتمدن - العدد: 6506 - 2020 / 3 / 5 - 23:08
المحور: ملف 8 آذار/مارس يوم المرأة العالمي 2020 - مكانة ودور المرأة في الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي.     

لشهر آذار عطرٌ مميز، نَفَسُ الأرض هي الأنثى الأصل، رحيق تجدّد الزهر. لشهر آذار رائحة تفوح مع كلّ وردة تُهدى للنساء الجميلات، القويّات، القادرات، المفكّرات، المناضلات، والمقاومات. إنها ذكرى نضال شرس، حيث خطَتْ نساء العالم أولى الخطوات نحو المساواة في العمل والحقوق. وهذا النضال يقع في صلب الصراع الطبقي السياسي، من مواقع الفكر الماركسي، فالنضال من أجل تحرّر النساء لا ينفصل عن النضال لإلغاء المجتمع الطبقي. فهو لا ينحصر فقط بتحقيق المطالب المحقّة بل يتعدّاها إلى كونه جزءاً لا يتجزّأ من الصراع السياسي ضد المجتمع الذكوري والنظام البطريركي والتقاليد الدينية والنظام الرأسمالي.
بات نوعاً من النمطية المقلقة، تعميم يوم 8 آذار، في كلّ سنة، كعيد تكريمي لنساء مميزات وإبرازهن كظاهرات فريدات في المجتمع ضمن احتفالية يشوبها اللون الزهري دلالة على الجنس اللطيف. فإننا لا نحتفل اليوم لكي نؤكّد المؤكّد، فالنساء كلّ النساء من كلّ الطبقات الاجتماعية وفي كلّ المجالات، إذا ما تحققت لهن الشروط المُنصفة والقوانين العادلة، هنّ قادرات على فهم نَفَس ومحرّك هذه الحياة واستيعاب لبّ هذا الصراع. إنه يوم احتفالي بانتصارات الحركة النسوية وبمتابعة الصراع في شقّيه السياسي والاجتماعي. من هنا تأتي التحية لكلّ النساء المناضلات في كلّ الحراكات والثورات، من كندكات السودان اليوم حيث يرفعن الصوت عالياً في وجه الظلم بعد أن عانين صنوفاً من الاعتقال والتعذيب؛ إلى جفرا فلسطين وآخرها خالدة جرار التي خرجت إلى الحرية من سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ إلى مناضلات تونس ومصر، واليمن، وسوريا؛ إلى كلّ من حملت سلاحاً وأطلقت الصوت عالياً من أجل العدالة والمساواة والحرية.
من هنا لا بد من التوقف والتأمل ملياً بوضع النساء اليوم، بدءاً من قراءة الهوّة بين أجور النساء وأجور الرجال على الصعيد العالمي التي بلغت بنحو 22% في عام 2018. ما يدل على ما تعانيه النساء في البلدان العربية وباقي العالم من منظومة تمييزية واسعة ضدّ الحقوق الاقتصادية للنساء. لا يقتصر هذا التمييز على العمل خارج المنزل بل يتعداه أيضاً إلى التقسيم غير العادل في الواجبات المنزلية حيث تسيطر العقلية الذكورية.
أما على الصعيد السياسي، فلا بد من الاعتراف بأن توزير أربع نساء في الحكومة اللبنانية تعتبر بشرى خير، لكنها لا تزال عاجزة عن تحقيق المساواة السياسية المطلوبة، خاصة في مسألة مشاركة النساء الفعّالة في القرار السياسي. فنحن بحاجة إلى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي يرتكز على التمثيل النسبي، على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد نظام الكوتا النسائية بنسبة 30% على الأقل، كخطة مرحلية ومؤقتة. فمن غير المقبول في لبنان، حيث تشكل النساء حوالى 50% من إجمالي القضاة، أن تحرم النساء من حق المشاركة في التشريع والحكم.
المعركة لا تقتصر على الشقين الاقتصادي والسياسي، بل تتجاوزهما إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ تطالعنا الصحف يومياً بأبشع أنماط العبودية الحديثة التي تجلت في أسواق النخاسة في الموصل واعتقال وسبي الإيزيديات ومختلف أشكال التحرش الجنسي، لا يمكن أن نطالب بالعدالة المنقوصة، ولا نرى حجم وتداعيات المشاكل الاجتماعية التي نتجت عن النزوح والهجرة بسبب الحروب والقتل والتطرف الديني.
لن أطيل الكلام عن كمية الإجحاف على صعيد القوانين غير المنصفة للنساء في لبنان، لكن من الضروري التوقف في بداية شهر آذار، عند حادثة مقتل فتاة في السادسة عشر من عمرها على يد زوجها وأخيها، بحجة الدفاع «عن شرف العائلة». إنه ليس بجديد، تزويج الأطفال كجزء من صفقة تجارية، أرقام مقلقة انتشرت في صفوف اللاجئين، إنه شكل من أشكال البغاء المُقنّع والمُشرّع. أصبحت الفتيات الصغيرات هدفاً تجارياً وجنسياً رخيصاً، بالإضافة إلى كونه وسيلة لضمان جهل وتبعية النساء وحرمانهن من حق تقرير مستقبلهن والوقوف أمام أي شكل من أشكال تحرّر المرأة اجتماعياً واقتصاياً وتكريس التبعية الذكورية تحت غطاء ديني. من هنا، ظهرت الضرورة الملحة للضغط بهدف استكمال تعديل قانون العقوبات اللبناني وتنزيهه من المواد المجحفة بحق المرأة، فكلّ عملية قتل مدانة. يضاف إلى ذلك، ضرورة إقرار التعديلات على قانون حماية المرأة من العنف الأسري وإقرار قانون يحدّد سِنّ الزواج ويحمي القاصرات.
في خضم كلّ هذه المشاكل الاجتماعية لا تزال أبسط حقوق النساء مرتبطة بقوانين طائفية تخضع لسلطة محاكم دينية مستقلة، حيث يوجد 15 قانوناً مختلفاً للأحوال الشخصية باختلاف الطائفة، في ظل غياب قانون مدني موحّد لتنظيم قضايا الطلاق والملكية ورعاية الأطفال والولاية على القاصر وغيرها. واللامساواة هنا لا تختلف فقط بين حقوق الرجل والمرأة بل بين حقوق النساء أنفسهن وفقاً لقوانين المحاكم الدينية الخاصة بكلّ طائفة. وهذا لا يعود إلى نصوص التشريع وحسب، إنما لممارسات يدأب عليها بعض رجال الدين بما يتجاوز حدود النصوص إلى تمييز فعلي يطاول النساء. من هنا الضرورة الملحة - وهي أم المعارك - اليوم لاستحداث قانون مدني ملزم وموحّد للأحوال الشخصية يُطبّق على جميع اللبنانيين. ومنح الحق للمرأة اللبنانية بمنح الجنسية لأطفالها إذا كانت متزوجة من أجنبي.
جبهات النضال النسوي عديدة، منها الفلسفي والفكري والاجتماعي والسياسي، وهي جزءٌ لا يتجزأ من المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحزب. لذلك كله، يتوجّب التعاطي مع القضايا النسوية بشكل كلّي. فالنواة الأولى لانتصار هذه المعركة تنطلق من الداخل، من القواعد الحزبية، عبر إفساح المجال أمام المساواة في المهام والمسؤوليات. إن العمل على زيادة أعداد النساء في مواقع القرار داخل الحزب، لهو من المهمات الرئيسية لمكتب شؤون النساء، من خلال توفير الظروف المحفّزة والمشجّعة لتولّي الرفيقات المناضلات المسؤوليات الحزبية والسعي لاقتراح أنظمة وقواعد تنظيمية تشجيعية من خلال اعتماد المناصفة. ومن أهم شروط تحقيق ذلك: زيادة الوعي الحزبي النسوي وتبنّي الرفاق المفاهيم النسوية كقضايا أساسية للنضال الحزبي. من هنا نعلن عن إطلاق المدوّنة النسوية قمرية في 8 آذار كفسحة للنقاش الفكري النسوي.
«إن الثورة أمر ضروري، ليس فقط لأن الطبقة الحاكمة لا يمكن الإطاحة بها بأي طريقة أخرى، ولكن لأن الطبقة التي ستطيح بها يمكنها فقط، في قلب الثورة، أن تنجح في تخليص نفسها من كلّ الحماقات القديمة لتصبح جاهزة لإقامة المجتمع الجديد». كارل ماركس...