القائد النقابي الوطني الشهيد فرحات حشاد خاض معركة كفاحية من أجل ترسيخ دور الاتحاد التونسي للشغل


جهاد عقل
2019 / 1 / 26 - 10:53     

في ذكرى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل:
القائد النقابي الوطني الشهيد فرحات حشاد خاض معركة كفاحية من أجل ترسيخ دور الاتحاد التونسي للشغل



*اعتراف فرنسي باغتياله بعد عشرات السنين من إنكار ذلك*قيادة الاتحاد التونسي للشغل تواصل طريقه النضالي، أن لا فصل بين النضال النقابي والسياسي*



إرهاب الاستعمار
رفض حشّاد تصريحات قادة الاستعمار الفرنسي في تونس بقولهم أن تونس ليست للتونسيين بل هي للفرنسيين وقال عن ذلك: ليس هناك في أي نقطة في العالم قانون يُلزم بالضيافة الاجبارية، ليس بالامكان أن يحتضنك وطن وفي نفس الوقت تعلن الحرب ضد شعبه. وأدى هذا الى وضعه لدى قوى الامن الفرنسي الاستعماري على لائحة مقاومة نشاطه. حيث جرت عملية اغتياله في الخامس من كانون الاول ١٩٥٢ قامت بها وحدة إرهابية فرنسية


تابعنا خلال الفترة الاخيرة، النضال النقابي العنيد الذي يخوضه الاتحاد العام التونسي للشغل، ضد سياسة الحكومة التونسية التي تنساق في مضمونها مع المسار النيوليبرالي، الذي يعتمد على مواصلة إلغاء حقوق للموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص، وتقليص حقوق المتقاعدين، ورفع سن التقاعد والخطوات التي أملتها قوى الهيمنة الاقتصادية العولمية المتمثلة بكل من صنوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذا بالاضافة الى الادعاء الحكومي وبدعم قوى رأس المال المحلي، بأنّ أي رفع في أجور العاملين أو رفع أجر الحد الادنى للأجور سيؤدي الى انهيار الاقتصاد التونسي، وهو نفس الادعاء الذي نسمعه في جميع الدول التي تتبنى هذا النهج الاقتصادي النيوليبرالي، بالرغم من مواصلة رفع أسعار الحاجيات الضرورية أو الاساسية، مثل المواد الغذائية كأسعار الخبز والحليب وأسعار المياه والكهرباء والمواصلات وغيرها، مما يعني تآكل القيمة الشرائية لأجور العاملين على مختلف مهنهم .
ضمن معركته النضالية في مواجهة هذه السياسة لدى الحكومة التونسية خاض الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابًا يوم ١٧ كانون الثاني الحالي، بحيث وُصِفَ بأنه كان عامًّا وشاملًا،على الرغم من حملات التهديد والوعيد التي قامت بها الحكومة ضد الاضراب،وضمن مرحلة الحشد للإضراب التي قامت بها قيادة الاتحاد التونسي للشغل في مختلف أنحاء تونس، القى النقابي نور الدين الطبوبي الامين العام للإتحاد التونسي الشغل كلمة له يوم ١٤يناير/كانون الثاني الحالي في المناسبة الثامنة لـ "ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية "، حيث جاء في كلمته الهامة هذه ما يلي: "نقول ونعيد، مُستَلْهِمين من فكر حشّاد العظيم، لا خير في سياسة أو في اقتصاد لا يكون في خدمة المواطن ولا يلبي حاجيات الاخير، في العيش الكريم وفي التمتع بثمار الثروة الوطنيّة على قاعدة العدل والانصاف، ولا يوفر له الحماية ضد غلاء المعيشة وضد البطالة وضد المرض والشيخوخة والعجز وبعد الوفاة، وضدّ الفقر والخصخصة، وضد التمييز والحيف، وضد الاستبداد والتسلّط والفساد." تُرى من هو حشّاد الذي ذكره القائد النقابي نور الدين الطَبوبي؟.


فرحات حشّاد مؤسس الاتحاد التونسي للشغل
كانت بداية النشاط النقابي في تونس أواسط عشرينيات القرن الماضي، بقيادة النقابي محمد علي الحامي المولود في بلدة حامة، حيث بادر لتأسيس نواة نقابية مع عدد من رفاقه منهم الطاهر الحداد، الامر الذي أزعج،بل أثار غضب قوات الاستعمار الفرنسي لتونس، حيث قدمته أي محمد علي الحامي للمحكمة وأصدرت قرارا بنفيه عن تونس لمدة عشر سنوات، مما اضطره للانتقال الى إيطاليا، ومن هناك وبعد التنقل لعدة دول استقر في الحجاز وتوفي هناك في حادث يثير العديد من التساؤلات.
نواة النشاط النقابي لمحمد علي الحامي خبت، خاصة وأن الاستعمار الفرنسي حاول الهيمنة على القضية النقابية من خلال ضم العاملين للكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية، لاعتباره تونس وغيرها من دول المغرب العربي دول محمية من قبل هذا الاستعمار طامعًا بضمها لفرنسا.
ولد فرحات حشّاد يوم الثاني من شهر فبراير/شباط العام ١٩١٤م في قرية "العباسية" بجزيرة قرقنة بولاية صفاقس بتونس لأسرة فقيرة الحال هو وإخوته الثلاثة، حيث عمل والده صيّاد سمك، تعلم فرحات حشّاد في المدرسة العربية الفرنسية الابتدائية في قرية "الكلابين" التي تبعد كيلومترين عن مسقط رأسه، وأنهى هذه المرحلة بتفوق في العام ١٩٢٩م.
وكان يرغب في مواصلة تعليمه، الا أنّ وفاة والده، اضطرته الى البحث عن عمل من أجل المساهمة في إعالة عائلته، حيث عمل في مهن نقل البضائع وغيرها من فرص العمل لدى التجار والشركات بمدينة صفاقس، بعدها انتقل للسكن في مدينة سوسة لدى أخواله الذين سكنوا في حي "وادي الخرّوب" واستقر في منزل خاله حسن بن رمضان.
حصل على فرصة عمل في الشركة التونسية للنقل بالسيارات في الساحل، حيث تفوق في عمله وخلال فترة قصيرة تبوأ وظيفة كاتب إداري مما منحه فرصة الاحتكاك بمختلف العاملين في الشركة على اختلاف مهنهم والاطلاع على ظروف عملهم ومعاناتهم. مثل عمال الشركة الكونفدرالية العامة للشغل الـ: سي جي تي فرع تونس، انضم للنشاط النقابي فيها وخلال فترة قصيرة شغل منصب قيادة عمال الشركة نقابيًا، بعدها انتخب لمنصب كاتب عام مساعد للاتحاد النقابي المحلي بسوسة، خلال هذه المرحلة، أي العمل والنشاط النقابي، واصل حشّاد تثقيف نفسه بالمطالعة العامة والتخصص النقابي، وكتب عدة مقالات في المجال الاخير في النشرة التي أصدرتها الكونفدراليه للشغل باللغة الفرنسية، وربطته علاقة خاصة مع النقابي الفرنسي المعروف بإسم ألبار بوزنكي الذي شغل منصب الامين العام لاتحاد النقابات في تونس (السي جي تي) حيث كان حشّاد مساعدًا له أو نائبًا.
وتم إنتخاب حشّاد في مرحلة لاحقة عضوًا في الهيئة الادارية للكونفدرالية العامة للشغل .



حل النقابات في مرحلة الاحتلال من قبل دول المحور
تمكنت دول المحور،إيطاليا والمانيا واليابان من احتلال تونس ومن الخطوات التي قامت بها، حل النقابات العمالية ضمن قرار صدر في تشرين الثاني العام ١٩٤٠م، مما دفع فرحات حشّاد الى العودة الى بلده في جزيرة قرقنة وقُبل هناك للعمل في الاشغال العمومية،وانتدب من قبلها للعمل بمدينة صفاقس حيث واصل التحرك والتعرف على مناضلين تونسيين أصبحوا رفاق دربه النضالي، وبعد طرد بل هزيمة دول المحور عادت القوى النقابية الى دورها واستغل فرحات حشّاد ذلك في هذه المرحلة بالبدء في هيكلة النقابات المحلية في صفاقس مع زميله الحبيب عاشور (تولى لاحقًا منصب الامين العام للاتحاد التونسي للشغل) وغيره، وقام معهم بتأسيس اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب وتولى قيادتها الحبيب عاشور ورشيد الفلال وعبد العزيز بوراوي ومحمد الحلواني وذلك في التاسع عشر من تشرين الثاني ١٩٤٤م.
واصل فرحات حشّاد ورفاقه نشاطهم النقابي وتوسيع دائرة تأطير العمال، وكان لهم خلاف مع العديد من الجهات، وفي تاريخ ٢٠ كانون الثاني/يناير ١٩٤٦م، تم الاعلان عن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل وانتخب فرحات حشّاد كاتبًا عامًا (أمينا عاما) له ومحمد الفاضل رئيس شرف للإتحاد، هذا الاعلان أدى الى تعرضه ورفاقه الى هجوم عام من قبل قيادة الكونفدرالية العامة للشغل في تونس وهي كما ذكرنا جزء من الكونفدرالية في فرنسا، واتهامه بالقيام بتفسيخ الوحدة النقابية في تونس وفرنسا.



الربط بين النضال النقابي والوطني
في مسيرته النقابية بدأت تتكشف لدى حشّاد قضايا التمييز بين الفرنسيين ممثلي الاستعمار الفرنسي، والعمال المحليين، في الاجور والشروط الاجتماعية ومع الوقت بدأ يربط ما بين نضاله النقابي ونضاله الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وقال في إحدى خطبه، أنه لا يمكن الحصول على كامل الحقوق النقابية "ما دامت البلاد ترزح تحت النظام الاستعماري". واستشهد بنضال الكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا ضد الاحتلال الالماني لفرنسا.
وبذلك سار حشّاد على الطريق النضالي الوطني من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي وتجييش القوى العمالية في هذا النضال وعدم التمركز في النضال النقابي فقط، وارتبط بعلاقات مع القوى الوطنية التي تخوض معارك ضد هذا الاستعمار من أجل الوصول الى الاستقلال، وخاض حملة نقابية على الصعيد النقابي الدولي ضمن الاتحادات النقابية العالمية طارحًا قضية حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة ومنها تونس . وتصريحه هناك بأن الكفاح النقابي يجب أن يكون أداة لتحرير الشعب وتخليصه من الاستعمار ورفض تصريحات القادة الفرنسيين للاستعمار في تونس بقولهم أن تونس ليست للتونسيين بل هي للفرنسيين وقال عن ذلك حشّاد: ليس هناك في أي نقطة في العالم قانون يُلزم بالضيافة الاجبارية، وان ليس بالامكان أن يحتضنك وطن وفي نفس الوقت تعلن الحرب ضد شعبه.
أدى هذا الى وضعه لدى قوى الامن الفرنسي الاستعماري على لائحة مقاومة نشاطه هذا بل القيام باغتياله. حيث جرت عملية اغتياله في الخامس من كانون الاول/ديسمبر العام١٩٥٢م، قامت بها وحدة إرهابية فرنسية وهو في طريقه الى نادي الاتحاد العام التونسي للشغل. وتم تنظيم جنازة مهيبة له.
في مرحلة لاحقة وبعد نضال نقابي ووطني متواصل تم الكشف أن الاستعمار الفرنسي كان قد شكّل مجموعة للتصفيات -أي الاغتيالات للمناضلين ضد الاستعمار الفرنسي في دول المغرب العربي عامة وفي تونس خاصة، في ظل تنامي النضال الوطني ضد قوى الاستعمار الفرنسي من أجل تحقيق الاستقلال حيث أطلق على هذه المجموعة الارهابية اسم "اليد الحمراء" وفق ما تم الكشف عنه من وثائق الارشيف الفرنسي، وهي التي قامت باغتيال النقابي فرحات حشّاد، وضمن الحراك المذكور أعلاه تم نشر بعض تلك الوثائق، وجرت محاولات على الصعيد الفرنسي الرسمي بما فيها إحضار وثائق متعلقة بالقضية من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته لتونس العام ٢٠١٣م كشفت ما قامت به هذه المجموعة وتنفيذ الاغتيال بحق الشهيد فرحات حشّاد.
تم رفع دعوى قضائية من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل وعائلة الشهيد، في فرنسا، وضمن نضالهم جرى تشييد نصب تذكاري للشهيد فرحات في ميدان بالدائرة ١٣ بالعاصمة الفرنسية باريس . مما يؤكد أنه مهما بلغت بشاعة الاستعمار وقواه فإن المنتصر في النهاية إرادة الشعوب رغم ما تقدمه من تضحيات، ولتبق ذكرى الشهيد النقابي فرحات خالدة.