مسرحية (كان ياما كان)


حسن قاسم محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 09:42
المحور: الادب والفن     

إعداد: قاسم محمد
إخراج: قاسم محمد
سنة العرض: 1976
اسم الفرقة: الفرقة القومية للتمثيل
مكان العرض: بغداد- قاعة المسرح القومي

الممثلون حسب الظهور على المسرح:
1- خليل شوقي/ بدور القاريء.
2- هدية حسين/ بدور ام حسن.
3- افراح عباس/ بدور بدور.
4- عز الدين طابو/ بدور البستاني.
5- قائد النعماني /بدور حسن.
6- طارق سعيد بدور السماك.
7- غني جبر/ بدور الرجل المشيع.
8- عادل كريم/ بدور عابر السبيل.
9- فلاح حسن/ بدور عامل الاحزمة.
10- اميرة جواد/ بدور جارة ام حسن.
11- قاسم الملاك/ بدور الحيال.
12- فاطمة الربيعي/ بدور زوجة الحيال.
13- فوزي مهدي/ بدور البزاز.
14- شكري احمد/ بدور الملك.
15- حاتم سلمان/ بدور الوزير.
16- زهرة محمد/ بدور شموس.
17- هناء محمد/ بدور نجوم.
18- صلاح عبد الرحمن/ بدور الحاجب.
19- اياد فليح حسن/ بدور الدلال.
20- حسين سلمان/ بدور الرجل الاول.
21- صالح مهدي/ بدور الرجل الثاني.
22- عبد المطلب خلف/ بدور الرجل الثالث.
23- عماد بدن/ بدور بائع الباقلاء.
24- كريم عواد/ بدور ابو الملك.
25- عزيز خيون/ بدور ابو العقل.
26- غازي محي /بدور التعبان.
27. خالد صباح/ بدور بائع البلبل.
28. احمد عبد الامير/ بدور بائع البطيخ.
29. ناصر عبد الكريم/ بدور احد افراد المجموعة.
30. طلبة معهد الفنون الجميلة بدور الحراس.

الحكاية:
ملك يسال بناته الثلاث حول الفرق بين الرجل والمراة، وايهما افضل العقل ام المال، التدبير ام التبذير، وايهما المدبر الرجل ام المراة، فتاتي اجابة البنت الصغرى (بدور) على خلاف اجابة اختيها (شموس) و(نجوم)، متحاشية سلوكهما النفاقي من اجل المصلحة الشخصية، فتاتي الاجابة بما لا يهوى الوالد (الملك).
(بدور) ترى ان اساس كل شيء، واساس التدبير العقل، جاءت اجابتها بعد تلقيها دروساً من (البستاني)، فيقرر (الملك) بسبب اجابتها غير المتوقعة، وكونها كانت اقرب اخواتها واحبهن اليه يقرر الحكم عليها بحكم غريب لاجل ان يضعها في تعاسة دائمة، فتطرد من القصر بلا مال بعد ان يزوجها ابوها من اكسل واغبى رجال مملكته، ويتحداها في ان تصنع منه انساناً عاقلا ونافعاً، فتبدأ بدور بالعمل في حياكة السجاد ويبقى زوجها (حسن) وحيداً يخوض سلسلة من المواقف اذ يتعرض للاضطهاد والعذاب والاستغلال، فيبدا باثارة الاسئلة والبحث عن (بدور) حتى صار يعرف الكثير بفعل بحثه فيعلم الناس من عقله وخبرته:
حسن/ اسمع يا تعبان اني راح انطيك حكمتين وانته جرب بيهه عقلك التعبان
التعبان/ بفلوس لو ابلاش
حسن/ بلاش بس اذا ما استفاديت منهه تصير عليك بثمن كلش غالي وتخسر من وراهه الاول والتالي اول حكمة كل شيء سوية بوكته
التعبان/ يمعود هوة وين وكت اللي يستنظر اني أسوي كل شيء اريد اشوكت ما أريد
حسن/ كيفك الحكمة الثانية لا تجاوب اذا ما يسالوك

بعد اختطاف (بدور) وسجنها تقوم بحياكة بساط عجيب تكتب عليه عنوان سجنها على شكل نقوش يفكها زوجها (حسن) الذي تصادف وجوده في سوق العجائب ملتقى الصراع واطراف الصراع وحله.
حسن/ لا اني افتهمت بعد ازيد من هاي الحزورة مولاي
الملك/ شفتهمت كلي خل نفتهم بالله
حسن/ ها..لو اخذنه من كل كلمة بهاي الحزورة حرف، ومن كل شطر اخنه كلمة، ورتبناهه يطلع المعنى، يعني يطلع العنوان الي بيه بدور محبوسة

فيلقي القبض على التاجر، وتعود (بدور) الى زوجها الذي اصبح بعقله وحكمته مختلفاً تماماً عما كان عليه، ويرفضان الانتماء قصر الملك، والعيش تحت كنفه، حين يضعان البديل في الانتماء الى الرعية، والعيش عبر العمل وبالعقل.
يمكن القول ان الفكرة الاساسية في هذا العمل تفرز الحكمة السياسية القائلة (التراكم الكمي يولد وعي نوعي) وقد سبق لـ(بيتر فايس) توظيفها في مسرحية (كيف يتم تخليص السيد منكيموت من الامة).

العرض/
يبدا العرض بمجموعة جالسين في مقهى يتوسطهم القاريء (خليل شوقي) يوحي شكلهم بانهم ابناء بغداد المعاصرة (انذاك) في سبعينيات القرن الفائت عن طريق ملابسهم الشعبية البغدادية، ومن ثم يبدا (القاريء) برواية قصة حدثت في زمان قديم يمكن تحديده بالعهد العثماني، فيتداخل في المسرحية أكثر من مستوى زمني.
اعتمد (قاسم محمد) المعد المخرج شكلاً تداخلت فيه مسرحيتين في ان واحد: (مسرحية القاريء والمجموعة) و(المسرحية الرئيسة) (كان ياما كان)، فتحقق المسرحية الاولى المشاركة الايجابية بينها وبين المتلقي، ليس نتيجة وجود الراوي والمجموعة، بل لوجود جسر قوي من التقارب الوجداني والعاطفي، فتمكن (قاسم محمد) من شد خيوط هذا التقارب القوية وغير المرئية بتوظيفه للتراث الشعبي بالاعتماد على تحوير الاغنية والمقام والبستة وحتى الأهزوجة، والتي لها الصدى الكبير في ذوق المشاهد ووجدانه، وتوظيفها لمضمون العمل الدرامي وهدفيته وتصاعد احداثه، ومن ثم على الامثال الشعبية في تضادها الايجابي ضد السلبي حتى تنتصر الامثال الايجابية التي تفيد غنى المرحلة وتوجهها، جاء توظيف الممثل الشعبي هنا لتوكيد فعل التراث العراقي من جهة واصدار الحكمة التي تفي بغرض المسرحية من جهة اخرى.
كل المصادر اغنت النص المكتوب بالعامية والعملية الاخراجية ومن ثم الاداء التمثيلي. تحولت المفردات والصياغات الى افعال درامية، وان بدت احيانا زائدة او ضعيفة، واتخذت الافعال مبررا للاغتراف من هذا الكنز الفريد ولكي يوضح المخرج للمتلقي وجود بعدين او شكلين من العرض عمد الى ادارة احداث المسرحية الثانية داخل المسرح، وادار احداث المسرحية الاخرى المكونة من (القاريء) و(المجموعة) و(الارملة) على الدرعين الجانبيين، بيد ان الأحداث القادمة تسقط الحاجز، فيقوم بعض افراد المجموعة بالاشتراك في الأحداث التي تقع في زمن (الملك). ويتدخل (القاريء) ليتحول لـ(الملك) (شكري احمد) انه ليس من حقه منع (حسن) (قائد النعماني) من الكلام والجدل او مناقشته على شراء البساط، فلا يندهش (الملك)، كانه كان متفقاً معه في وجوب قطع سير الاحداث. فينصحه (القاريء) بان لا يخدعه ثناء الناس، ولا ضير بان يتقبل النصح حتى من صبي كما حدث للخليفة عمر بن عبد العزيز:
القاريء/ افضت الخلافة الى عمر بن عبد العزيز فاتته الوفود. فاذا في وفد منها صبي صغير أراد أن يتكلم، فنظر اليه الخليفة وقال: ليتكلم من هو اسن منك فانه احق منك بالكلام، فقال الصبي: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو احق منك.
فاطرق الخليفة ساعة ثم قال: صدقت تكلم
فقال الصبي: يا امير المؤمنين قدمنا عليك لا رغبة منا ولا رهبة منك، اما عدم الرغبة فقد امنا بك في منازلنا، واما عدم الرهبة فقد امنا جورك بعدلك، فنحن وفد الشكر والسلام. فقال الخليفة: ايها الصبي كم لك من العمر؟
قال الصبي: اثنتا عشرة سنة. فقال الخليفة: عضني يا غلام. قال الصبي: يا امير المؤمنين ان اناساً يغرهم ثناء الناس عليهم فلا تكن ممن يغرهم الثناء فتزل قدمك.
بهذا الحوار البليغ حسم (القاريء) الاشكال بين (حسن) و(الملك) في مشهد (سوق العجائب)، وتحول الحق من (الملك) الى (حسن)، بمعنى انتصار العقل على النمطية الخاطئة والفهم التقليدي.
لم تكن الفكرة المحور الوحيد في مسرحية (كان ياما كان) المسرحية ذات الطابع التعليمي الواضح، فان روح التعليم امتدت في كل مضمون العمل، حتى يمكن ان نسمي هذه المسرحية (تعليمية)، ولكنها تعليمية هادفة، تمس الموضوع احيانا من دون ان تسفر عنه كليا، واحيانا تسقط في التكرار الممل، القت مسرحية (كان ياما كان) درساً اساسياً في تمجيد العمل، والعقل، فيقول القاريء نقلاً عن علماء:
القاريء/ الانسان إنسان ما طلب العلم والعرفان،
فان ظل جاهلا فقد ظل حيواناً

وفي مكان اخر يقول:
القاريء/ لا يصح ان يبقى البشر بهذه الصورة مجرد
اكل ونوم، فتلك حياة خاملة والحياة الخاملة ليست فاضلة

هذه الفكرة الاخرى ظلت مطلة على امتداد العرض وهي تخاطب الجمهور بنبرة عالية، فتظهر على لسان (البستاني) (عزالدين طابو) و(بدور) (افراح عباس) و(المجموعة) و(ابو العقل) (عزيز خيون) و(حسن) يتشكل الموقف الدرامي في مسرحية (كان ياما كان) عبر ثلاثة عوالم، دنيا (حسن) ودنيا (بدور) ودنيا (القصر) صوت الفكرة الاساس في عالم (بدور)، فهي الفكرة التي تنمو وتتطور وتسحب معها الاحداث والشخوص، ولاسيما هي المفعلة لشخصية (حسن) على الرغم من انها بنت ملك، ينتهي الحسم الى دنيا (بدور) و(حسن) في تلاحم العقل بالعمل وفي خلق الانسان الجديد.
عمل (قاسم محمد) مع ممثليه لتحقيق اداء بريشتي مبتعد عن التجسيد الارسطي المعروف، عززه عن طريق وجود بعض الاغاني والبستات والاهازيج التي تعد جزءا مهماً من آليات الاشتغال البريشتي الذي بدا واضحاً على العرض، فكان الممثلون جادون في محاولة خلق مناخ العرض الملحمي التعليمي، اذ طغى على الأداء صيغة التعليم، والمباشرة والوعظية الصريحة والشخصية التي اراد بها (قاسم محمد) تحطيم الإيهام والاندماج، صحيح ان بعض المواقف لم تخل من المبالغة، كالحوار بين (الملك) و(التعبان) (غازي محي) التي جاءت نقيض النقاش الذي دار بين (بدور) و(الملك) حيث كان (الملك) في حواره الاول ديمقراطياً فوق العادة،في حين كان تعسفياً جاهلاً مع ابنته، المبالغة التي تصل حد الكاريكاتورية في تصرفات شخصية (ابو الملك) التي اداها (كريم عواد)، كانت واضحة حتى انها اثرت على بعض المشاهد وفككتها سعياً وراء اضحاك الجمهور، كذلك مشهد (التعبان) بعد انزاله صندوقه الثقيل.
لم يستطع العديد من الممثلين التخلص من المبالغة الصوتية (الصراخ) التي اعتاد عليها الممثل العراقي، اثناء الحوار الذي لا يحتاج الى هذا الصوت المرتفع من ناحية، ومن ناحية اخرى فهو بضعف التدرج الصوتي في مقاطع الحوار الملقى.
الحوار المكتوب باللغة العامية كان عاملاً مهما في تجاوز الممثلين الاخرين للهنات التي حدثت في طريقة القاء البعض منهم، فالحوار الشعبي البعيد عن التكلف الصياغي والوضوح في المعاني ساعد كثيراً في عملية الالقاء، فكانت شخصية (القاريء) التي قدمها (خليل شوقي) والتي تعاطف معها الجمهور كثيراً منذ دخوله المسرح، كانت شخصية ترويحية سواء كان ذلك بطريقة كتابتها ام بادائها، قدم (شوقي) الشخصية ليس (كراوية) فقط بل وكحكم على الاحداث، فهو يتدخل في الوقت المناسب ليحسم الامور ويعلق في الوقت المناسب ليضيء الموقف.
ام حسن "تنعى"/ مدري زماني ضام ها وعبرت البراري على كفاي وريجي صبر وريج المسعدة جاي
القاريء "يشاركها" متى ام الولد تفرح وتنام برغد متى ما يلزم له صنعه اسم ما بين اهل البلد
ام حسن"تنعى"/ ظهري انحنى وناديت يا ابني محتاجة صوت اليجاوبني محتاجة اليساندني وانا امشي خوفي اموت ويظل مطروح نعشي.
القاريء "يشاركها" شفت السعيدة ولحكتها حسبالي تشاركني بختها اثاري البخت بس اله ولختهه

كان (خليل شوقي) مؤثراً على المتلقي بغنائيته العذبة وبصوته المكتظ بالهموم والمتلون مع طبيعة المشهد (ساخراً، حكيماً، حزيناً، فرحاً)، فتمكن من امساك خيوط العرض بثقة وقوة، فمنح العرض طعماً خاصاً بتلويناته وتنويعاته الصوتية بالطبقة المختارة، هذه التلوينات التي امتاز بها ايضا (عز الدين طابو) (البستاني)، فانقذ بها مشهده الطويل مع (افراح عباس) (بدور) من بعض الرتابة باعتماده على تلوين صوتي وايقاع واضح، وطريقة اداء خاصة في استعمال الجسد، فنقل مستويين من الحوار، الحوار المباشر مع (الاميرة) ومستوى قص الحكاية القديمة بمغزاها واستعمالها كوسيلة تعليمية.
(افراح عباس) المؤدية لشخصية (بدور) كانت دارسة جيدة لدورها، وطرحت الحركات والتنغيمات النمطية، في حين كان (قائد النعماني) بشخصية (حسن) يلقي حواره بتنغيم متشابه في بعض المشاهد، الا انه شد المتلقي بنبرة الحزن الملتاع، وانتقاله من مستوى الانسان الضحية الى الانسان المعلم والواعي، فكان لقاءه بـ(الملك) في مشهد سوق العجائب مؤثراً اعطى للانسان الفقير قيمة راجحة على الملك.
اما (عزيز خيون) (ابو العقل)، و(غازي محي) (التعبان) و(قاسم الملاك) (الحيال)، (فوزي مهدي)(البزاز) و(شكري احمد) (الملك)، و(فاطمة الربيعي) التي قامت باداء دور (امراة الحيال) التي خرجت فيه بحركة وإيقاع متميزين، احسن (المخرج) في اختيارهم لهذه الشخصيات فقاموا بادائها بصدق كبير حتى كانهم واقعا لا تمثيلاً، الواقع الذي اسهمت وبشكل كبير في تاكيده الموسيقى والمؤثرات التي اشتملت على مقاطع غنائية عراقية، اضافت الى الجو العام ومنظومة العرض مسموع محلي معروف تعود المتلقي على سماعه، مما ساعد وبشكل ملحوظ في شحن المواقف الدرامية والتعليق عليها فساهم في خلق (التغريب).
من الملفت للنظر هنا ان تجربة (قاسم محمد) مع الفرقة القومية على مستوى اداء الممثل جاءت ناقصة في الارشادات والتوجيهات قياساً بتجربته مع فرقة المسرح الفني الحديث التي سعى ممثليها بكل الوسائل الى الالتزام الدقيق بتوجيهات (محمد) في حين ان ممثلي الفرقة القومية غير ملتزمين في تلك الارشادات لكونها لا تعنيهم بقدر ما يعنيهم كونهم ممثلين محترفين في افضل فرقة عراقية ومن هنا تصبح تجربة الاستوديو التمثيلي مهمة جدا لمثل هذه الفرق عندما يستدعى مخرج ما من خارج الفرقة.
الديكور صممه (كاظم حيدر) وبلغة اختزالية عالية وضعت اغلب كواليسه في مواقع ثابتة، عدا تغيير جزئي وسريع للقصر والخرابة، استثمر فيه اعادة تركيب وهندسة الشبابيك بشكل موحي، فكان فضلاً عن الاضاءة والملحقات من قطع اكسسوار يعمل باتجاه تاطير الفكرة وتركيبها في المكون الحركي، جسد (قاسم محمد) و(كاظم حيدر) و(مولود مسلم) مصمم الاضاءة بوضوح في مشهد الاسلاك الحديدية التي اعطت بعداً جمالياً، فبدت بفعل اسقاط الاضاءة عليها وكانها قضبان حديدية، فظهرت في الفضاء المسرحي ظلال عدة ومتشابكة مع الخلفية بشكل غير منظم بعد ان اسقط المصمم الاضاءة ومن جهات مختلفة وكانه يريد الايحاء للمتلقي بازمة الشخصية في وسط متاهة من السجون.
حقق الديكور بتشكيلاته غير المعقدة ثنائية مع المعنى والاحداث عن دلالات شكلية للتصميم، اذ اراد (محمد) الوصول الى اقناع المتلقي بان ما يحدث امامه هو اداء تمثيلي محض، بعيدا عن الايهام والتشخيص الواقعي، بل بتجريدية فنية تتلائم مع فرضية العرض ورؤية المخرج التي اشتغلت على اليات ملحمية تعليمية، اذ كانت حركة الديكور حركة مرئية مصاحبة للتشكيل الحركي للممثلين الذي اجتهد (محمد) على ان يطابق ادائهم، فكانت حركة الممثل جزء من الفكرة ومكملة لها في محاولة جادة لشد المتلقي عن طريق تحقيق مستوى جمالي في التشكيلات الحركية للمجاميع في الفضاء المسرحي، فاراد ان يعطي بعدا انسانياً عن طريق حركات تلمح الى بيئة انسانية تعيش مجتمعه ومقيده بحركة الزمان والمكان، فكانت اغلب خطوط حركة الممثلين خطوطاً افقية ومنها الخط المستقيم الذي كثيراً ما واجه به (محمد) ممثليه للمتلقي، وهو جزء من الرؤية الفنية والجمالية لعرض اراد منه المخاطبة المباشرة الصريحة، فلم تكن هناك زيادات او منحنيات كثيرة في حركة الممثلين التي كانت جزء من الحالة التي يمرون بها، فبدت كترجمة لحالات الشخوص النفسية.
تظهر هذه التجربة ان استخدام منظر تجريدي معاصر مع نص درامي تراثي بحت قد يوفي بالغرض كون الاداء التمثيلي في هذه الحالة هو الذي يوفر فرصة تنامي الفعل الفكري والحي عند المتلقي وهي تجربة جديدة تستحق الدراسة.
اراد (قاسم محمد) شغله ممثليه بالحركة مع الاشياء مع مفرداتهم اليومية الحياتية وتحقيق شغل مسرحي من نوع اخر يخلصهم من الاعتماد على تحريك ايديهم في الهواء بسبب ومن دون سبب فظهر ممثل (قاسم محمد) يعتمد الحركة اكثر مما يقف ويتكلم امامه متلقيه كما هو معتاد في عروض المسرح الشعبي المحلي.
كان واضحاً المنحى الذي سماه (محمد) على انه التجريبية الشعبية في انشاء الحركة ومدلولاتها، فاعتمد على تكوينات حركية تضيف جماليات شكلية الى فضاء العرض، مثلما حدث في مشهد (السوق) او مشهد (سؤال حسن عن الشيء الذي اوحته امه بجلبه ونساه وهو الماش)، اذ جاءت الحركة تعبيرية اكثر منها واقعية مقروءة.
ان التجريبية التي ارادها المخرج في طريقة اداء ممثليه واصواتهم، وتصميم الفضاء المسرحي (ديكور واضاءة وموسيقى) كلها مباحث في الجديد المبتكر للمشهد الشعبي المحلي.

مصادر العرض:
1- حكاية "حسن أكال كشور الباكلة"، والتي رواها السيد داود عزيز في مجلة التراث الشعبي العدد السابع لسنة 1975.
2- سالوفة "بندندر" التي رواها السيد عزيز الحجية في مجلة التراث الشعبي العدد الاول لسنة 1972.
3- حكاية "قل ولا تقل" والتي رواها السيد محمد امين عثمان في مجلة التراث الشعبي العدد الحادي عشر لسنة 1970.
4- حكاية "الام فتاة الياسمين والذهب" التي رواها السيد خضير عبد الامير في مجلة التراث الشعبي العدد العاشر لسنة 1972.