معنى المعاناة ومعنى الصبر عليها
محمد عبد القادر الفار
2016 / 9 / 9 - 11:52
الشعور بأن الحياة بلا معنى يجعل حتى أصغر قدر من المعاناة لا يحتمل. لذا فإن أول وظيفة للمعنى هي ايجاد مبرر للمعاناة، وأهم المعاني هو معنى المعاناة. ولا عجب أن المعنى والمعاناة قريبان في اللفظ.
أما الصبر فهو شكل من أشكال الانضباط... هو أن لا تخطئ بذريعة أنك تتألم، بحجة أنك تعاني. ولا يكفي أن تتجرع المرارة كي تعدّ صابراً، فأنت لم تتجرعها بإرادتك، ومقياس انضباطك هو أن تتجرعها بلا تذمّر...
الصبر من صفات الرجال، ومؤشّر على الفعالية، أي القدرة على الفعل الكثير والمتتابع والكفؤ، ذلك أن الذي يستطيع أن يصبر، أي أن يمتنع عن الخطأ ساعة الألم، هو قادر على الاستمرار في الفعل المتتابع خلال الإجهاد، ولذلك يقيس الصبر الرجولة والفعل.
الصبر هو أيضا الحرص على ستر الضعف ساعة الألم، فمن الصبر أيضاً أن تتجنب الأنين، وأن تحرص على عدم إظهار ضعفك للرجال أولاً. فإذا عجزت عن الصبر واحتجت إلى التنفيس، أو بدا أنك لا محالة مخطئ بذريعة الألم، فإياك أن يكون هذا الكشف لضعفك أمام الرجال، بل ابدأ بخاصة خاصتك من النساء، خاصة من تجد فيهن قوّة وصبراً، فهنّ خير المزمّلات وخير المدثّرات، حتى وإن كان دورك الأساسي أن تكون أنت السند لهن. فإذا ضعفت أكثر، فلتكشف شيئا من ضعفك أمام خاصتك من الرجال، من يفوقونك في سلم الرجولة لا من تفوقهم وينظرون إليك كسند. ولكنهم أولئك الذين يفوقونك ولكن لا يجدون في ضعفك فرصة لاستغلالك.
والصبر صبران، صبر على هول شديد لوقت قصير، أو صبر على مرارة وضيق أقل شدة ولكنهما مستمران على الدوام. وإنه ولا يكون هول شديد لوقت طويل،وذلك لطبيعة الأشياء حيث أنها تنكسر عند مرحلة معينة، كجسم الإنسان الذي لديه قدرة محدودة على الصبر. وهذا من لطف الوجود بأهله، وثلث الوجود لطيف بالضرورة وثلثه مر وضروري، وثلثه حياد متردد، هو الثلث الذي يقف خلف اللغة والأفكار والإبداع.
والصبر القصير على الهول الشديد ضروري للرجل، كما أن الصبر الطويل على الضيق ضروري للمرأة، فهو مقاتل بطبيعته، أو بالدور الذي تفترضه الطبيعة منه، وهي خادمة له بطبيعتها، أو تبعا للدور الذي تفترضه الطبيعة منها والذي تشتاق هي إليه دون إفصاح حتى لنفسها في بعض الحالات، خاصة حالة العالم المعاصر. والخادم في ضيق، ضيق لخضوعه، وإن أحبه، ضيق الخياط بملل نسيجه، ضيق المصمم بتفاصيل تصميمه. والإنسان يحتاج الصبرين، سواء كان ذكرا أو أنثى. وان كان اسم الله "الصبور" أقرب لمعنى الصبر الطويل على الضيق -كونه صبور على نقائص الناس وجهلهم المستمر- فإن الصبور يحب الصابرين، من يحتملون الألم الشديد لوقت قصير، ويقتدرون على صبر الساعة.
إن الصبر على المعاناة هو من علامات النضوج والاكتمال، وهو في حالة صبر الرجال علامة على الرجولة لا تكشفها إلا المحن، وقد تحسب أنك قادر عليه فيخيب ظنّك بنفسك عند الشدائد وتجد أنك تنزلق سريعا إلى الخطأ بذريعة الألم. فإذا حلّت الشدائد، فهو موسم اختبار صبرك، فلا تفوّته.