بمناسبة الحديث عن 14 تموز 1958!!
شاكر الناصري
2015 / 7 / 14 - 19:01
اتابع ومنذ يوم أمس، حالة الهيجان العراقي، عند الحديث عن الذي حصل في 14 تموز 1958، حتّى تشعر أن الدموع التي تذرف عند الحديث عن العائلة الملكية وما تعرضت له، تنز من مفاتيح الكيبورد!
من الواضح أن العديد من المعلقين والكتّاب، يتعاملون مع ذلك الحدث وفق أهوائهم وفهمهم البعيد عن تلك الوقائع وتماهياً مع موجة الحنين للحكم الملكي التي عاودت الظهور منذ سقوط نظام البعث الفاشي في نيسان 2003. والسخط على ما يحدث، الآن، في العراق! أو يسقطون حالة التطور في قضايا الحقوق والحريات والقانون التي حدثت في العالم الذي نعيش فيه الآن، على واقع العراق الملتهب في تلك الفترة والصراعات السياسية الطاحنة فيه والهياج الجماهيري المنفلت الذي حصل وما رافقه من مظاهر عنف مخيف!
كثيرون يعتبرون، وبحسرة وحزن شديد! أن ما حصل في 14 تموز 1958، كان تدخلاً، دموياً، من العسّكر والجيش، أفسد الحياة السياسية وعطل مسيرة بناء الدولة! وكأن الحياة السياسية كانت تسير بهدوء وقادرة على بناء دولة ومؤسسات وما شابه! وكأن رموز تلك الحقبة، نوري السعيد والملك والوصي، كانوا ملائكة رحمة، منعهم المسكين عبد الكريم قاسم من اتمام مشروعهم الديمقراطي وبناء دولة متحضرة في العراق!
ما حدث في العراق، لم يحدث بمعزل عن الأوضاع السياسية التي يشهدها العالم العربي والشرق الأوسط عموماً، بفعل صراعات أمريكا والاتحاد السوفيتي وتدخلاتهما المباشرة في العديد من الدول.. الانقلابات العسكرية كانت ظاهرة عامة ولم يختص بها العراق وحده. أوضاع الدول الضعيفة والهشة تسمح للعسكر بالتدخل في السياسية ورسم مصير البلد. وأن العديد من قادة الجيوش والضباط الكبار، كانوا على ارتباط مباشر بالقوى الدولية الكبرى ويعملون على تحقيق مصالحها في
بلدانهم!
ما حدث في 14 تموز 1958 لم يفتح الباب لتدخلات العسّكر أو للانقلابات العسكريّة، كان هذا الباب مشروعاً، أصلاً، منذ انقلاب بكر صدقي في 1936 ثم تلاه انقلاب رشيد عالي الكيلاني في 1941!
الجيش كان أداة النظام الملكي في قمع العديد من التحركات الاحتجاجية والمطلبية، وارسله إلى العديد من المدن العراقية لاخماد التحركات المناوئة أو لمطالبة بالحقوق والتمثيل السياسي. الملك فيصل الأول في وصيته الشهيرة، كان واضحاً في مسألة تحويل الجيش إلى اداة بيد السلطة ( اما ما سأطلبه من الآن، هو أن يكون "الجيش" مستعداً لاخماد ثورتين تقعان "لاسامح الله" في آن معاً، في منطقتين بعيدتين عن بعضهما)!
العسّكر ليس بعيداً التدخل عن في الحياة السياسية أو الهيمنة عليها في العراق، الاوضاع العامة وفساد الطبقة السياسية والاهمال الذي تعيشه قطعات الجيش العراقي، آنذاك، دفعت الجيش للتدخل، وقد تكون هذه التدخلات نتيجة مطامح الضباط الكبار او لإيقاف قرارات العزل والإبعاد عن المراكز الحساسة في الجيش!
الدولة العراقية آنذاك، كانت عثمانية الروح والتفكير والأساليب، وتواصلت بهذا النهج في عهد عبد الكريم قاسم أيضاً. القوى المهيمنة على السلطة، حافظت على أساليب الحكم العثماني وعجزت عن بلورة مشروع دولة معاصرة أو أن تكون بمستوى الدول المجاورة للعراق، ايران وتركيا، التي كانت تشهد تحولات كثيرة في مسألة بناء الدولة والمؤسسات والقانون والدستور ...الخ. قوى السلطة وفي ذروة تنافسها وهيمنتها على المجلس النيابي، كانت تسعى لاستغلال العشائر وقوتها في فرض التنازلات على بعضها البعض، وجعلت من وجود شيوخ العشائر ظاهرة فاعلة في الحياة السياسية!
في احد التقارير المنتظمة التي تكتبها دوائر المخابرات البريطانية، في الأربعينيات، حول العراق والطبقة السياسية الحاكمة فيه، وصفت النخبة الحاكمة بأنها" قلة متحكمة من مبتزي المال العام"!
افساد الحياة السياسية وعرقلة نمو المجتمع المدني، أحزاب، صحافة، نقابات، كان من ابرز ممارسات الحكم الملكي في العراق وحيث كان القمع والمحاكم الجائرة ومواجهة الحركات المطلبية بالسلاح حد ارتكاب المجازر، كما حدث في سجن الكوت في شهري حزيران، وأيلول من عام 1953 وقبلها مجزرة العمال في حديقة كاور باغي في كركوك 1946، أضراب ارسوم البلديّة في 1931، أمثلة دامية على مدى القمع الذي انتجته أجهزة النظام الملكي في العراق.
الاعدامات وتعليق الجثث في الساحات العامة، لم تكن وليدة 14 تموز 1958، بل هي ممارسة أقدمت عليها سلطات الحكم الملكي بعد اعدام قيادات الحزب الشيوعي العراقي في عام 1949 وتعليق جثثهم في ساحات بغداد وتركها معلقة لعدة أيام!
اما الحديث عن "ديمقراطية الحكم الملكي" فيمكن الرجوع قليلاً إلى الوراء وتعقب تاريخ الفضائح السياسية لهذا النظام وتلاعبها المستمر بالحياة السياسية وفق مصالحها. ولعل وصول عبد الكريم الارزي الى المجلس النيابي" دون أن يرشح نفسه ودون علمه ودون رغبته أيضاً" هو من الفضائح السياسية التي كانت سائدة في العهد الملكي. فقد اصبح الرجل نائبا عن العمارة دون أن يرشح نفسه!
ما حدث في 14 تموز 1958، كان نقطة تحول، هامة ومفصلية ولها تأثيراتها الواضحة في قضايا التطور الاجتماعي والثقافي والحقوق التي لايمكن انكارها، في تاريخ العراق المعاصر. رغم اختلاف القراءات ووجهات النظر لما حدث أو للنتائج التي تحققت.