رائف بدوي: شاب سعودي يواجه الظلام


سعيد ناشيد
الحوار المتمدن - العدد: 3796 - 2012 / 7 / 22 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

قصة رائف بدوي هي قصة إنسان. لا، بل هي أكثر من مجرّد قصة، وأكثر من مجرّد إنسان؛ هي بالأولى وبالأحرى حكاية جيل سعودي يأبى العيش في الظلام ويحلم بمساحات ضوء خارج نفق النفاق الديني الجاثم على أنفاس البلاد والعباد، حكاية صراع أجيال في أقوى تجلياته، تشهده أرض الحرمين هذه الأيام، جيل آباء القدامة وجيل أبناء الحداثة.
كثيرة هي الأكاذيب المنفوثة مثل السموم عبر وسائل الإعلام، كثيرة أيضاً خفايا الصراع حول مراكز القرار في الدولة. لكن، يظل الصراع في الأول والأخير بين دولتين داخل دولة واحدة، داخل نفس الدولة، دولة الشريعة ( أي شريعة علماء الدين ) ودولة القانون ( أي دولة المؤسسات والحق المدني ).
حكاية رائف بدوي تختزل لحظة اصطدام دراماتيكي بين تاريخين مختلفين، التاريخ الهجري القادم من الصحراء إلى الماء، والتاريخ الميلادي القادم من الماء إلى الصحراء. التوقيت : الآن. المكان : أرض الحرمين. والتفاصيل :
بالتوقيت الميلادي، يوم 17/ 06/ 2012، وبالتوقيع الهجري، يوم 19/ 07/ 1433 هجرية، اجتمع أكثر من مئة من رجال الدين السعوديين فأصدروا بياناً تكفيريا ضدّ خمسة من الكتّاب والمثقفين الشباب.
لم يتورع البيان الشهير في التشهير بأسماء المغضوب عليهم، وهم على التوالي : الكاتب ومدير الشبكة الليبرالية السعودية الحرة رائف بدوي؛ الصحفي حمزة كشغري المعتقل أصلا بتهمة الإساءة إلى الإسلام؛ الكاتب عبد الله حميد الدين؛ الكاتبة حصة آل الشيخ؛ والروائية بدرية البشر. لم يكتف البيان بهذا القدر من التشهير، بل أطلق التهم وأصدر الأحكام وختم بالأختام (والعاقبة للمتقين) ! والأدهى، لم يتردّد في دعوة السلطات لإحالة هؤلاء "الزنادقة" إلى " القضاء الشرعي وتنفيذ أحكام الشريعة فيهم ". وهذا القول يعني ما يعنيه في عرف شريعة غابة رجال الدين.
بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، تم استدعاء رائف بدوي ليمثل أمام المحكمة. لم تجل بخاطره فكرة الهروب نحو الخارج، وإنما فضل أن ينتظر موعد المحكمة بحكمة ( الصابرين في البأساء ). لكن الشرطة الدينية بادرت إلى اعتقاله بنحو مهين يوم 17/ 06/ 2012، ودون توجيه أي تهمة محدّدة.
مؤسف أن يكون حس العدالة بهذا الضعف والوهن، ويكون القضاء في أوطاننا " قضاء وقدر "، لا سيما في دول تطبيق الشريعة مثل إيران والسعودية والسودان. وللتذكير، معلوم أن حمزة كشغري الذي استفاذ من العفو عقب "استتابته" المهينة والمجحفة لم يطلق سراحه بعد. ولا غرو، إذ إن الشرطة الدينية التي " تحتكم لضوابط الشريعة " هي هيأة "إلهية" خارج الدولة غالباً، وفوق الدولة أحيانا، (ولا غالب إلا الله).
قبل حوالي شهر عن اعتقاله، كان رائف بدوي قد اتصل بي هاتفيا وأخبرني بأن السلطات الدينية أقنعت "ولي أمر" زوجته برفع دعوى تطليق ضد "الزوج المرتد". وبسبب ما قد تتعرضت له زوجته وأبناؤه من مخاطر وإكراهات فإنه يفكر في إيجاد مأمن لهم خارج أرض الحرمين. فكر في الرباط أولا، ثم في القاهرة، ثم في بيروت حيث استقروا أخيرا. وبقي الزوج الممنوع من السفر معلقا بين شوق الأسرة وآمال الوطن، في انتظار أن يجعل الله مخرجاً أو يقضي أمراً كان مفعولا.
لم يشفعوا له شجاعته يوم طَالَب -قبل عامين- بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي بمثابة شرطة دينية في أرض الحرمين. لم يشفعوا له جرأته عندما طالب بمحاكمة رئيس الهيئة، مؤكداً أن أغلبية أعضائها من أصحاب السوابق الأخلاقية.
بل، استعملوا ضده كل أسلحة شريعة الغاب : اتهموه بالردة، وبالإلحاد، وبالمثلية، وبالعمالة، وبالتشيع، وبالعقوق، ولم يتركوا تشنيعاً أو تشهيراً أو تشويهاً إلا استعملوه زوراً وبهتاناً. أغلقوا حسابه المصرفي ومنعوه من السفر، وشهروا بزوجته عبر الصور المفبركة، وحرضوا "ولي أمرها" على طلب تطليقها. بل، بلغت بهم الجرأة حد استدعاء والده إلى برامج تلفزيونية ليعلن أمام الملأ كفر ابنه وبراءته منه. ثم حرضوا الوالد في الأخير على رفع دعوى عقوق ضد الابن "الضال". وفي الأخير جمعوا عليه أزيد من مئة من علماء الدين ليصدروا فتوى تاريخية بتكفيره وأربعة من الكتّاب السعوديين، ليتم اعتقاله في انتظار المحاكمة.
داخل أرض الحرمين، ليس رائف بدوي نقطة الضوء الوحيدة والتي يحاولون إطفاءها بالترهيب والتشهير والتكفير، بل هو طليعة جيل يرفض العيش في نفق النفاق الديني وكنف الكهنوت الديني. هذا ما يكلفه الكثير أمام صمت الكثيرين.
قصة رائف بدوي في الأخير، تفضح حجم الصمت المريب لجل المثقفين العرب من الماء إلى الماء، والذين أغرتهم خزائن الصحراء، فنحروا العلم والمعرفة على مذبح الإكراميات والسفريات، بل ذبحوا حتى الإنسان.