التنامي الجديد للثورة في مصر


فاتح شيخ
الحوار المتمدن - العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 20:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


غدت مصر الثورية، وهي على اعتاب الشهر العاشر لثورتها، ميدان مرحلة جديدة من التنامي الثوري. لقد اطاحت الثورة الجماهيرية المقتدرة في 25 يناير-شباط، وفي غضون 18 يوم، راس الاستبداد الحاكم. على اية حال، بقت مسالة تغيير السلطة الحاكمة، وهي المسالة الاساسية في كل ثورة، دون حل من زاوية مصالح القوى الثورية، الطبقة العاملة، الجماهير المحرومة، اي الاغلبية الساحقة للمجتمع. استلم المجلس الاعلى العسكري، وعلى راسه طنطاوي وسامي عنان، بدلا من مبارك، زمام السلطة الحاكمة التي تلقت ضربة، كي يحول دون تدمير الالة الحكومية البرجوازية على ايدي القوى الثورية. ان التنامي الجديد لثورة مصر، والذي تطلق عليه الصفوف الثورية "موجة 19 نوفمبر-تشرين الثاني الجديدة للثورة" مرتبط بالمسالة الاساسية وغير المحلولة للثورة، اي تغيير السلطة الحاكمة.
لقد كان امراً واضحاً ان بعد سقوط مبارك ستندلع صراعات طبقية جديدة حول مسار الثورة ومصيرها. فمن جهة، وعبر امتطاء موجة الثورة، تسعى التيارات البرجوازية لنيل حصة اكبر من السلطة، وفي الوقت ذاته ايقاف عجلة الثورة، ومن جهة اخرى، تسعى الطبقة العاملة والتيارات الثورية المنبثقة من اعماق حرمان المجتمع لدفع الثورة صوب تحقيق اهدافها ومطاليبها الراديكالية. في هذا المسار، حضرت الطبقة العاملة الميدان اكثر اقتداراً وتنظيماً بمراتب من الطور الاول، وكانت القوى الاساسية لادامة الثورة وتقدمها. حين نشرت جريدة "لوس انجلس تايمز"، بعد يومين من الاطاحة بمبارك، تقريراً معبراً باسم "الجذور العمالية لثورة مصر"، كان للطبقة العاملة المصرية ثلاثة منظمات مستقلة. ولكن بعد اشهر من ذلك، حقق النزوع العمالي للتنظيم تنامياً وازدهاراً يبعث على الاعجاب. اذا كانت اضرابات واحتجاجات الطبقة العاملة هي "جذر" ثورة مصر والقوة الحاسمة لانتصارها السريع والمبهر. بالمقابل، تحولت الثورة كذلك الى اساس اجتماعي وتاريخي حاسم للتنامي المقتدر للحركة العمالية المصرية. ان حصيلة المسار الجاري لحد الان هو تنامي جديد للثورة، يستند بصورة اكبر بدرجات من الطور الاول لثورة 25 يناير الى اقتدار الطبقة العاملة وتنظيمها، وفي الوقت ذاته، يخلق اساس اجتماعي وتاريخي جديد لارتقاء مكانة الطبقة العاملة في المسار المقبل للثورة، ولقيادة الثورة ومواصلتها في مسار الثورة الاشتراكية وتحرر المجتمع.
من الناحية السياسية، ان هذا التنامي الجديد للثورة هو علامة ودلالة عبور الجماهير الثورية للمجتمع من قناة تجارب لايمكن نيلها طيلة عقود في مراحل غير ثورية. ابتعدت الثورية في غضون الاشهر العشرة الاخيرة عن التيه وغياب الرؤية والموقف الواضح من الجيش، التيارات البرجوازية الاخرى المناهضة للثورة، من الاخوان المسلمين والسلفيين وصولاً للاحزاب القومية، وينشدون الان بوضوح تام الاطاحة بسلطة الجيش وارساء حكومة ثورية مؤقتة. ان هذه ارضية مناسبة جداً لتقدم الطبقة العاملة، لتنامي الوعي الطبقي والوحدة والتنظيم بين صفوفها. لقد فرضت القوى الثورية خلال الايام المنصرمة تراجعاً كبيراً على الجيش والحكومة. لم يكن ثمة مناص من استقالة حكومة عصام مشرف. واجبر الطنطاوي بعد يوم من اللقاءات والالاعيب وعقد الصفقات مع الاحزاب البرجوازية للجبهة المعادية للثورة، وعبر خطاب ذليل، على قبول قسم من مطاليب القوى الثورية، بهدف خلق شق وفرقة في صفوف جبهة الثورة وكسب الوقت للمساعي المشتركة المناهضة للثورة التي يقوم بها الجيش والرجعية الاسلامية. وقد قوبل خطاب طنطاوي بالرفض من قبل ثوريي ميدان التحرير في القاهرة ومدن مصر الاخرى، حاله حال الوعود المستمرة لمبارك، وجوبه بصيحات "ارحل!". وقد تواصلت في 23 نوفمبر كذلك باعتصام واسع في ميدان التحرير والتظاهرات الجماهيرية في المدن الاخرى. في غضون هذه الايام القليلة، قتلت الشرطة المعادية للثورة عشرات الثوريين وجرحت المئات، وقد تصادمت القوى الثورية لميدان التحرير مرات مع القوى القمعية اثناء سعيها لاحتلال احدى الوزارات في احد الشوارع المجاورة. لقد تحدث طنطاوي في قسم من خطابه امس عن "ان ايادي خفية موجودة تهدف الى تدمير الدولة". في الحقيقة ليس ثمة ايادي خفية هنا، بل انها ايادي جيل من الثوريين، بلغوا امر انه يجب تحطيم المؤسسة القمعية لحكومة مبارك. من هذه الزاوية، يعتبر التنامي الجديد تقدماً لادامة ثورة مصر، تجمع فيه الطبقة العاملة والجماهير المحرومة والثورية للمجتمع قواها لشن هجوم منظم وراديكالي على الة الدولة البرجوازية لتحطيمها.
ان الايام المقبلة هي ايام حساسة لصياغة الملامح والمحتوى السياسي لـ"موجة 19 نوفمبر الجديدة للثورة". ان السؤال الاساسي هو: باي افق ورؤية سيجلب القادة والنشطاء الراديكاليين والشيوعيين للطبقة العاملة في مصر جماهير الطبقة للميدان في الصراعات الطبقية المقبلة؟ ان صياغة بديل بروليتاري مستقل تجاه امر السلطة السياسية في رحم التنامي الجديد للثورة، وفي قلب الاحتجاجات والاضرابات العمالية والتدخل السياسي والثوري للطبقة هو مفتاح المسالة، وان الحزب الشيوعي للطبقة العاملة هو نواتها الاساسية. هل ان قادة وناشطي الطبقة العاملة في هذه المرحلة قادرين على انهاء اوهام ومحدودية رؤية المرحلة السابقة؟ هل بوسعهم تسليح صفوف طليعيي الطبقة برؤية وافق بروليتاري وباستعداد فكري وسياسي وراديكالي وثوري؟
الى الحد الذي يرتبط بالدروس المتوخاة للطبقة العاملة في ايران من الثورات والتحولات الراهنة، ينبغي التاكيد اليوم اكثر من اي وقت مضى على ان القادة والناشطين العماليين في ايران ان يتعلموا اكثر مايمكن من الدروس المستخلصة من التجربة المشرقة لثورة مصر، وادامتها وتصاعدها، وفي الوقت ذاته ان يفضحوا ويعرّوا امام الطبقة العاملة على صعيد المجتمع البرجوازية المعادية للثورة في ليبيا وهرعها لصواريخ الناتو.
ترجمة: ف. محمود