دور الطبقة العاملة في انتفاضة مارس 1965م

ابراهيم كمال الدين
الحوار المتمدن - العدد: 830 - 2004 / 5 / 10 - 05:41
المحور: الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004     

شكلت انتفاضة مارس من العام1965م منعطفا سجل بصماته على مجمل الحركة الوطنية في البحرين , وعلى صناع الانتفاضة بالذات , حيث كان التيار القومي والناصري سائدا على الساحة الحرينية , وشعارات الوحدة والتحرر , وحيث كان المواطن يتابع انجازات حركة التحررمن الاستعمار , واستقلال كثير من الأقطار العربية وتحررها كثورة الجزائر , وتحرير المغرب العربي, وثورة اليمن , والثورة العمانية , ( ثورة الجبل الأخضر ) , وانقلابات سورية والعراق وليبيا , ودعوات الرئيس جمال عبد الناصر لشعوب الأمة العربية بالثورة ضد الاستعمار والظلم والتبعية للأجنبي .. .
وكل هذه الأمور كانت متوفرة في بلد مستعمر كالبحرين , يدار من قبل قوات الاحتلال بقوانين الطوارىء , حيث يشاهد المواطن يوميا جنود المستعمر البريطاني تجوب شوارعه , وتتمركزفي قواعد بناها في المحرق والهملة والجفير .
ولا ينسى هذا المواطن بأن هذه القواعد شكلت قاعدة أساسية للعدوان على مصر الشقيقة في العدوان الثلاثي عام1956م (بريطانيا وفرنسا واسرائيل), ولا ينسى انتفاضة 1956م بقيادة هيئة الاتحاد الوطني التي وحدت شعب البحرين , وقادت نضالا مطلبيا وتحرريا.
ولا ينسى , أيضا , أول اتحاد عمالي أسسته الهيئة , وكيف أن هذا الاتحاد ألغي بقرارت من المستشار البريطاني (بلكريف) بعد العدوان الثلاثي, واعتقال وابعاد قادة هيئة الاتحاد الوطني عن البلاد.
في ظل هذه الأجواء الحماسية ... وفي ظل تشكل مجموعة من الأحزاب والمنظمات القومية والشيوعية, أقدمت شركة نفط البحرين (بابكو) على تسريح (800) عامل كدفعة أولى .. وتلتها دفعات كلهم من العمالة الوطنية , في الوقت الذي يتزايد فيه تشغيل العمالة الأجنبية.
ونتيجة لخبرة الطبقة العاملة البحرينية في التعامل مع مثل هذه الحالات (أول اضراب شهدته بابكو عام 1938م), ولما قدمته من التدريب (لبرنتس) من جوانب ايجابية في صهر الطبقة العاملة وتوحدها بعيدا عن الطائفية , وبفعل ما لعبته الأحزاب السياسية من دور في تنظيم جماهيرالعمال والطلبة وتوعيتها كانت انتفاضة مارس المجيدة .
قبل الانتفاضة تعامل العمال مع هذه التسريحات بحكمة : طالب العمال إدارة شركة بابكو بإعادة المفصولين منهم إلى العمل , إلا أن الشركة رفضت هذا المطلب , ولذلك بادر عمال مدرسة التدريب بتحريك الشارع , ففي يوم 5 مارس تجمهروا أمام المدرسة الثانوية , فانضم معهم الطلبة في مظاهرة صاخبة اشتبكت مع الشرطة بعد أن حاولت هذه الأخيرة فض المظاهرة بالقوة , الأمر الذي دفع الحركة الوطنية , في اليوم التالي (5 مارس) إلى تسيير مظاهرات صاخبة إنطلقت من المنامة والمحرق في نفس الوقت , وشاركت فيها جميع مدارس التعليم العام من البنين والبنات بالإضافة إلى مختلف فئات وشرائح جماهير الشعب البحريني من العمال والفلاحين والمثقفين والموظفين , وسارت هذه الجموع متحدة تحت مطلب محدد هو عودة العمال المفصولين إلى أعمالهم دون قيد أوشرط .
ولقد طافت التظاهرات شوارع المنامة متجهة نحو جسر المحرق , لكن عند وصولها إلى رصيف رقم 5 [ تقاطع شارع القلعة وشارع عيسى الكبير, الإشارة الضوئية رقم 5 ] فوجيء المتظاهرون بوابل من الرصاص المطاطي , ورصاص (الشوزن) , والقنابل المسيلة للدموع , تنهال عليهم من كل جهة , فتساقط العشرات بل المئات جرحى , وأمتلأ منهم مستشفى الارسالية الأمريكية, واعتقلت الشرطة أعداداً كبيرة منهم , ولاذ الآخرون الجرحى إلى احتماء بمقبرة الحورة القريبة من الحدث .
أما تظاهرات جزيرة المحرق فقد اتجهت صوب المنامة كالعادة إلا أنها اشتبكت مع القوات البريطانية والشرطة التي منعتها من عبور جسر الشيخ حمد الذي يربط الجزيرتين : المنامة والمحرق , فتساقط الجرحى , وتزايد عدد المعتقلين .

وفي الأيام التالية من شهر مارس تفاقمت الأزمة بين الشعب والحكومة التي أعلنت حالة الطوارىء في البلاد , إلا أن الجماهير الغاضبة على تصرف قوات الاحتلال البريطاني , وشرطة الشغب , واصلت مسيراتها واضراباتها عن العمل , واشتعلت المسيرات في جميع أحياء مدن وقرى البحرين مدوية بالهتافات الهادرة مثل : (عمالنا طلابنا يحمون أرض بلادنا) , و(يابحرين ياحبيبة أنت لحقك طالبة) , (ياعمال الحركة , البحرين في معركة , والشركة مرتبكة) , و(لا تسل عني ولاعن مذهبي, عربي اشتراكي ناصري, لا تسل عنا ولاعن شعبنا جبهة القوى هي قائدنا) ........... , وعلى ذلك زادت الشرطة والقوات البريطانية من عنفها , فاستعملت الرصاص وأنواع حارقة وخانقة من رصاص المطاطي ومسيل الدموع , فتساقط الجرحى من الأطفال والشباب والرجال والنساء , وإكتضت السجون من المعتقلين , وهرب الكثير من المناضلين خوفا على سلامتهم إلى خارج البحرين , وتم فصل عشرات الطلبة والطالبات من مدارسهم , ومع ذلك استمرت الانتفاضة لعدة شهور , واستمرت المواجهات والاعتقالات ولم تتوقف إلا بعد ضرب (جبهة القوى القومية) التي كانت تقود النضال من أول يوم لاندلاع الانتفاضة , وبعد اعتقال قيادتها , وهروب الكثير منها إلى المنافي طوعاً.
لقد كانت انتفاضة باسلة , وكان وقودها الطبقة العاملة والطلبة والمناضلين , وكانت ثاني مواجهة دموية , بعد انتفاضة 1956م , بين العمال والطلبة والنساء المجردين من أي سلاح ( إلا إيمانهم بعدالة مطالبهم ) من جهة وبين قوات الاحتلال والشرطة المحلية , ولذلك يتخذ شعبنا العظيم من يوم (5 مارس) من كل عام مناسبة لتجديد المطالبة بحق الطبقة العاملة في تأسيس نقاباته العمالية, وقد توج نضاله بالمطالبة بحقه بانشاء اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين في مارس من عام 1973م , إلا أن السلطة كعادتها رفضت مطالب العمال العادلة , وقمعت مسيراتهم السلمية بالعنف والقوة , واعتقلت قيادات اللجنة وكوادرها النقابية , وأودعتهم السجن لشهور وأعوام عديدة , لكن عزيمة العمال لم تهبط , فاستمروا بتشكيل لجانهم العمالية في الداخل , وفي الخارج أخذت اللجنة التأسيسية على عاتقها مواصلة النضال في المحافل العربية والعالمية مؤكدة العزم على تحقيق أهداف الطبقة العاملة البحرينية في العيش الكريم والمساواة , وفي تأسيس نقاباتها العمالية .
وفي تلك الأيام المريرة كان العمال يحتفلون بعيدهم بالسر, لكن ابتداء من الألفية الثانية أخذوا يحتفلون بعيدهم علانية وتحت شعاع الشمس المشرقة , وفي هذا العام يحتفلون ومعهم كل الشعب البحريني بأول مايو , والبحرين كلها في عطلة رسمية , وكل هذا بفضل نضالهم , ونضال شعبنا الأبي الذي قدم الشهداء من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية , و(كلّ عام والطبقة العاملة في بلادنا والعالم بخير) .