ثورة اكتوبر والاممية
حسقيل قوجمان
2008 / 11 / 14 - 08:21
كانت احدى نتائج ثورة اكتوبر تأليف الاممية الثالثة، الاممية الشيوعية. كانت الاممية الثانية التي نشأت تحت قيادة انجلز اممية احزاب اشتراكية ديمقراطية ونشأت في فترة النضال السلمي والانتخابات الديمقراطية. فاتسعت ونالت مقاعد في برلمانات الدول الاوروبية وضمت احزابا من دول عديدة. بعد وفاة انجلز اصبح قائدها كاوتسكي الذي اعتبر خليفة ماركس وانجلز وتحولت اليه مسودات كتابات ماركس التي لم يفلح انجلز في نشرها ونشر الجزء الرابع من الراسمال في ثلاثة مجلدات. ولكن الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية المنتمية الى الاممية الثانية تخلت عن مبادئها التي كانت تتطلب تحويل الحرب العالمية الاولى الى حروب اهلية يقوم كل حزب فيها بقيادة الطبقة العاملة في الاطاحة بالراسمالية لتحقيق السلام وانحاز كل حزب الى طبقته البرجوازية في الحرب بحجة الدفاع عن الوطن. وشذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلشفي) بقيادة لينين عن جميع الاحزاب وحقق المبدأ الذي تخلت عنه الاحزاب الاخرى، ثورة اكتوبر، فكان ذلك افلاس الاممية الثانية وتحولها الى اممية انتهازية ما زالت تعمل حتى اليوم في العديد من بلدان اوروبا واثبتت انها اذا وصلت الى الحكم فلا تكون سوى حكومة برجوازية.
ادى افلاس الاممية الثانية الى ضرورة تاليف اممية جديدة قام لينين والحزب البلشفي بالدعوة اليها وتاليفها اممية شيوعية. كانت الاممية الثالثة اداة عظيمة هائلة في تحقيق تاليف الاحزاب الشيوعية في ارجاء العالم وقبولها في الاممية الثالثة بحيث اصبحت قوة عمالية شيوعية هائلة دامت حتى الحرب العالمية الثانية حيث اصبحت نضالاتها محدودة فاعلن عن حلها. من مزايا الاممية كونها تساعد الاحزاب الناشئة في شتى بلدان العالم على تحديد السير في خط شيوعي حقيقي وان تجعل الاممية كانها حزب واحد متلاحم القوى متشعب الاجزاء للطبقة العاملة. وهذا يعبر عن حاجة الطبقة العاملة العالمية الى توحيد نفسها ضد النظام الراسمالي بصرف النظر عن تشتتها تحت الانقسامات القطرية والدول الراسمالية والاقطاعية المختلفة.
ادى تحول الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي الى حزب تحريفي تحت قيادة الزمرة الخروشوفية الى تشتت الحركة الشيوعية وتحطم وحدتها وتحول اغلبية الاحزاب الشيوعية في العالم الى احزاب تحريفية تسير وراء الحزب الروسي الذي تغير اسمه بقرار مؤتمره من حزب الطبقة العاملة الى حزب الشعب. ومنذ المؤتمر العشرين لهذا الحزب لم تعد هنالك حركة شيوعية حقيقية متحدة متلاحمة تسير وفق مبدا محدد وتتبنى الماركسية مبدأ لها. وانتشرت في الحركة الشيوعية افكار وشعارات انتهازية تحريفية ترسخت في اذهان الجماهير الشعبية والطبقة العاملة. وكان من نتيجة ذلك نشوء احزاب شيوعية او ماركسية او لينينية او ماوية او اشتراكية او اوروشيوعية لا تجد لغة مشتركة فيما بينها ويدعي كل منها تمثيل الطبقة العاملة او تطبيق الماركسية دون غيره.
نعيش الان عالما امبرياليا تتخذ فيه الولايات المتحدة الاميركية دور القطب الاوحد وتسعى الى تحقيق هدف الاستيلاء على العالم كله اقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا وهو الهدف الذي عجزت عن تحقيقه المانيا الهتلرية. وادى وجود احزاب عديدة تدعي تمثيل الطبقة العاملة في كل قطر الى تشتت هائل في الطبقة العاملة والى تحطم اكبر سلاح لها في نضالها ضد الراسمالية وتحقيق هدفها الاساسي، مجتمع خال من الاستغلال الطبقي، سلاح وحدتها.
ولكن مع كل هذه الظروف الصعبة وتفاقم الاستغلال الامبريالي لشعوب العالم تنشأ ضرورة حتمية لنشوء حركات عمالية حقيقية ونشوء قيادات ثورية تعمل على قيادة الطبقة العاملة الى تحقيق هدفها. فليس بمستطاع الامبرياليين مهما عظمت قوتهم واشتد بأسهم ان يوقفوا الصراع الطبقي الذي ينشأ من طبيعة النظام الراسمالي ومن طبيعة العلاقة بين الراسماليين والطبقة العاملة وسائر الكادحين. والعالم يسمع كل يوم عن نضالات شعبية عمالية ثورية سواء على النطاق المحلي الضيق ام على نطاق الدول حيث تتألف حكومات مناهضة للاستغلال الامبريالي تسلك سياسات مستقلة تعمل على الاقل على تخفيف وطأة الاستغلال الامبريالي في نطاق قطرها.
ففي دول الاتحاد السوفييتي السابق مثلا نشأت حركات ثورية شعارها الاساسي استعادة اشتراكية لينين ستالين والاعلان على ان ذلك لا يمكن تحقيقه الا بالثورة على الدول الراسمالية التي نشأت نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي. بل ان عددا من الاحزاب التي نشأت عن ذلك حققت وحدتها في حزب واحد ضم احزاب اغلب هذه الدول. ونشأت احزاب اخرى على نطاق عالمي تدعو الى نفس الشعارات الثورية التي تضع شعارها الاستراتيجي الثورة الاشتراكية ضد الاستغلال الامبريالي.
وظهرت نتيجة لذلك دعوات الى ضرورة تاليف اممية ثورية شبيهة بالاممية الثالثة تضم كافة الاحزاب الثورية الناشئة في العالم من اجل تحقيق وحدة احزاب الطبقة العاملة العالمية. اصبحت هذه المسألة موضوع نقاش ومداولات وبعض المؤتمرات والاجتماعات. يستطيع كل قارئ مهتم بالموضوع ان يتتبعها في مجلة نورث ستار كومباس الشهرية الصادرة في كندا باربع لغات هي الانجليزية والفرنسية والاسبانية والروسية، او بموقعها الالكتروني المشار اليه ادناه.
كل ما جاء اعلاه هو معلومات اذكرها للقارئ العربي غير المطلع على مثل هذه الاخبار. وليس فيها شيء من عندي. ولكني شخصيا احبذ هذا الشعار واعتبره ضروريا. واود في هذا المقال ان ابين الاسباب التي تدعوني الى تحبيذ شعار تاليف اممية ثورية جديدة.
ان وجود منظمة عالمية للطبقة العاملة تعبير عن كون الطبقة العاملة العالمية طبقة واحدة رغم تشتتها في دول واقطار مختلفة تتكلم لغات مختلفة ولها اسماء مختلفة. فالطبقة العاملة طبقة واحدة من حيث طبيعة استغلالها وطبيعة اهدافها الاستراتيجية التي تتطلب تحريرها من الاستغلال الراسمالي وتحقيق نظام عالمي خال من الاستغلال.
ومن اهم فوائد وجود مثل هذه المنظمة هي انها تضع لنفسها برنامجا ثوريا واحدا. يمثل هذا البرنامج الاهداف والوسائل المشتركة بين جميع اجزاء الطبقة العاملة في هذا النضال المشترك ضد الاستغلال الامبريالي. وطبيعي ان من غير الممكن جعل مثل هذا البرنامج العام برنامجا لكل حزب من الاحزاب الثورية لان ظروف كل قطر وكل بلد تختلف عن ظروف البلدان الاخرى ويجب ان يكون برنامج كل حزب ملائما لظروفه النضالية وظروف المرحلة الثورية التي يمر بها. ولكن فائدة مثل هذا البرنامج العالمي هي ان يكون برنامج كل حزب او منظمة محلية يسير في نفس الاتجاه العام المقرر في البرنامج العام. وهذا قد يكون عاملا فاعلا في توجيه الاحزاب او المنظمات المحلية الى تقرير برنامج ثوري حقيقي لظروفها المحلية.
وتضع مثل هذه المنظمة العالمية نظاما داخليا لها. وهذا النظام يحدد شروط قبول اي حزب او منظمة عضوا في هذه الاممية. فعلى الحزب الثوري المحلي ان يثبت ان برنامجه المحلي يسير في الاتجاه العام المقرر في منهاج الاممية. وهذا قد يؤدي الى توحيد المنظمات او الاحزاب او الشخصيات الثورية في كل قطر في منظمة تقبلها الاممية عضوا فيها. هذا يشكل خطوة كبرى في طريق توحيد الطبقة العاملة على النطاق القطري وعدم تشتت حركة الطبقة العاملة في قطر واحد بين عدة احزاب تدعي تمثيل الطبقة العاملة والى سلوك الحركة الثورية الحقيقية للطبقة العاملة.
كان من اهم تاثيرات الفترة الخروشوفية نشر شعارات ومفاهيم كثيرة تبدو كانها شعارات ومفاهيم ثورية ولكنها ليست في الواقع سوى شعارات انتهازية وتحريفية تهدف الى تمزيق حركة الطبقة العاملة. وادى طول فترة حكم الخروشوفيين الى ترسيخ مثل هذه الشعارات والمفاهيم في اذهان الناس واذهان الشباب بصورة خاصة بحيث اصبح من الصعب اجتثاثها واعادة توجيه المناضلين الثوريين الى الاتجاهات والشعارات والمفاهيم الثورية الصحيحة. ومن واجب هذه الاممية ان تدرس جميع هذه الشعارات والمفاهيم المضللة للطبقة العاملة والممزقة لوحدتها ومحاربتها على نطاق عالمي واجتثاثها من اذهان الشباب الثوري الذي نشأ عليها على انها شعارات ثورية للطبقة العاملة.
منذ تشكيل الاممية الاولى وحتى تشكيل الاممية الثالثة كان الماركسيون يؤكدون على ان من اهم الواجبات الثورية محاربة الانتهازية والتحريفية. وكتابات المعلمين الاربعة زاخرة بمثل هذه الادبيات وكذلك كتابات جميع الماركسيين. ان محاربة الانتهازية والتحريفية واجب من اهم واجبات الحركة الثورية الحقيقية للطبقة العاملة. ولكن الحرب ضد الانتهازية والتحريفية اليوم اصبحت اهم واصعب مما كانت عليه في تلك الايام بسبب المفاهيم الانتهازية والتحريفية التي انتشرت في العالم كله في فترة حكم الخرروشوفيين. ولكن اجتثاث مثل هذه المفاهيم الانتهازية والتحريفية من اذهان الشباب الثوري شرط ضروري لاستعادة حركة ثورية عالمية موحدة ومتضامنة في النضال الجبار ضد الامبريالية العالمية بصورتها الحالية الاكثر شراسة واستهتارا من اي وقت مضى.
ان تشكليل اممية ثورية كهذه اصبح اليوم ضرورة قصوى تحتاجها الطبقة العاملة العالمية كاحدى اهم الوسائل التي تساعدها على تحقيق وحدتها ونجاح نضالها الهائل ضد النظام الامبريالي العالمي.
ملاحظة: كتبت هذا المقال لكي ارسله بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر. ولكني علمت عن قيام كونفرنس يجمع الكثير من الماركسيين من ارجاء العالم في كندا خلال شهر تشرين الاول. وتوقعت ان يناقش هذا الكونفرنس قضية الاممية ولذا اجلت ارسال المقال الى حين استلام المجلة التي تلخص احداث هذا الكونفرنس. وحين وصلت المجلة وجدت ان توقعي كان في محله وقد ناقش المؤتمر ضرورة تشكيل اممية شيوعية للطبقة العاملة. وقد اقتبست ادناه العبارة التي انهى بها قائد الكونفرنس خطابه الافتتاحي للكونفرنس:
"من اجل النضال الناجع ضد الامبريالية والنظام العالمي الجديد تحتاج الانسانية الى اممية شيوعية."