دروس الثورة الاشتراكية
صبيحة شبر
2008 / 11 / 3 - 09:17
تمر علينا الذكرى الحادية والتسعون لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية ، ذك الحدث الكبير ، الذي ساهم في تغيير العالم ، ومنح الناس أحلاما واسعة ، في إمكانية الانتقال الى حياة أفضل ، اقل مرارة ، واشد جمالا وأكثر نقاء واخذ الإنسان يناضل من اجل ان يكسب معنى جميلا لحياته ، ويضع الأساس في تحقيق سعادته ، بعيدا عن تطلعات البرجوازية في السيطرة على العالم ، ومصادرة الأحلام ، والقضاء على التطلعات بالتغيير نحو الأفضل، . استطاعت الطبقة العاملة ان تحقق، ولأول مرة في التاريخ سلطتها السياسية، في بلد مثل روسيا كان يعيش شعبه، في ظل بقايا العلاقات الإنتاجية الإقطاعية وبداية نمو وتطور الرأسمالية، حيث لا تتوفر أدنى مستلزمات وشروط التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي يعتبر القاعدة المادية لانتصار ونجاح الثورة الاشتراكية.
شهد العالم متغيرات كبيرة جدا ، جعلت البرجوازيات تفكر، في أنجع السبل للمحافظة على بقاء سلطاتها السياسية والاجتماعية ، بعيدا عن الانتصارات التي يمكن ان تحرزها الطبقة العاملة، وتؤدي إلى تغيير قوى الإنتاج وطبيعة السلطات المهيمنة .
وحين تمر ذكرى الثورة الاشتراكية الكبرى، التي استطاعت أن تهز العروش ، لابد لنا ان نطرح الأسئلة لمعرفة الأسباب، التي حدت بمثل تلك التجربة إلى الفشل ، والى ان تتبوأ الامبريالية الأمريكية السيطرة على العالم كله ، وتنقلب القيم التي كانت سائدة ، وتحل محلها مبادئ أخرى، تدعو إلى الربح الوفير على حساب مصالح الطبقات الوسطى والفقيرة.
لقد ظل الإنسان يحلم زمنا طويلا، في إمكانية الوصول الى طريقة في العيش، تخف فيها المعاناة ، وتقل الفوارق المالية الكبيرة بين الطبقات ، ويجد الفقراء و متوسطو الدخل من ينظر الى أحلامهم بالحصول على رفاهية العيش بتقدير ، وحين انتصرت ثورة أكتوبر ، فرحت الجماهير العريضة في أنحاء العالم ، ووجدت أن آمالها يمكن أن تتحقق، إذا ما سلكت طريق النضال الطويل ، ورصت صفوفها ، وانضمت إلى معسكر التقدم والاشتراكية ، ولكن عقود النجاح تلك ،ما فتئت ان اندثرت، على اثر انهيار تلك التجربة الجميلة ، وانفراط عقد دول المعسكر الاشتراكي الواحدة تلو الأخرى ، مما يجعلنا نتساءل عن أهم الأسباب التي أدت الى ذلك الانهيار ، وهل ان السبب يكمن في طبيعة الاشتراكية، كنظام حكم اقتصادي وسياسي ، ام ان الأسباب تكون في فشل التطبيق، لتلك النظرية العظمى التي جعلت الإنسان سيد العالم ، وهل ان انهيار التجربة، جعل الجماهير تحجم عن أحلامها، في إيجاد طرق أخرى ، بديلة للخلاص من الاستغلال، وامتصاص عرق الشعوب ، أم ان على الشعوب هذه ان تقبل بواقعها المؤلم ، وتوقن انه لا خلاص لها، من الظلام الكبير الذي يهيمن عليها ، وان القدر قد حتم ان تكون معاناتها مستمرة ، وليلها طويل لا شمس فيه.
فأين الخلل ؟ وهل استطاعت الحكومات الاشتراكية، ان تختط لنفسها سياسات جديدة تحرر الإنسان من واقعه الأليم؟ ، لتبني له حياة أفضل وتحقق له ثورة في كل المجالات ، أم إن تلك الحكومات اكتفت، ببعض المكاسب الاقتصادية ، وجعلت الثورة الاشتراكية تبدو أمام الناس، وكأنها تسعي لمساواة الأغنياء بالفقراء ، وليس العكس كما تعلن الثورات دائما ، وهل تكون أحلام الإنسان مقصورة على الاقتصاد فقط ، وهل يحقق المرء إنسانيته، بالحاجات الغذائية وبما يسد الرمق، ويحفظ مستوى الكفاف ، ام ان هناك تطلعات أخرى ترفع شان الإنسان في مختلف الجوانب ، وجعله يهتم بالأمور الفنية التي تجعل للحياة جمالها
وهل استطاع النظام الاشتراكي ان يكون منافسا لانظمة الحكم الرأسمالية ، في المجال الاقتصادي والعلمي والفنون، والنظرة الى الكون وفي مجال حريات الإنسان ؟ هل يكمن الخطأ في البيروقراطية ؟ وفي الحرص على ان يكون البشر نسخ متكررة ، لها نفس الرأي والرغبات، وعين الطريقة في الوصول إلى تحقيق رغباتها ، هل كان الفرد في الدول الاشتراكية حرا ، يستطيع ان يعبر عن أفكاره بلا خوف، من الاستبداد ومصادرة الرأي الآخر وعبادة الفرد؟ ، الم يكن الاتحاد السوفيتي في تنافس محموم مع الامبريالية الأمريكية، في سباق التسلح، والتعدي على إرادة الشعوب، وحرياتها في تحقيق مصيرها
وهل هذه الأسباب كانت وراء انهيار التجربة الاشتراكية ؟ وهل ان فشلها أدى الى ان تكون البشرية في وضع أفضل ؟ أم ان أحوال الناس تتردى باستمرار ؟ في ظل سياسة العولمة الاقتصادية والفكرية وتصدير الإرهاب ، والفقر المدقع الذي الم بالطبقات المتوسطة ، والامراض الفتاكة وتجارة الرقيق الأبيض ، وكثرة اندلاع الحروب التي تودي بالأحلام والناس والأموال ، فلا يعد الإنسان يفكر الا بقوت يومه ، كيف يمكن ان يحرزه؟ في ظل ارتفاع الأسعار الفاحش، وعدم قيام الدول بدعم السلع الأساسية للمواطنين ، أصبحت حياة الناس أكثر مرارة ، واشد إيلاما ، زادت البطالة، وانعدم الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وحلت الكارثة بالبشرية ، وأضحى الناس كالقطيع، تجرهم الحكومات رغما عنهم، ليقوموا بما ترتئيه لهم ، ويخدم مصالحها.
هل ترك الإنسان في ظل هذه الأوضاع المتدهورة الأحلام جانبا ؟ ام انه ما زال يحلم ،انه بالإمكان ان يعود الى تلك التجربة، وان يحييها مرة أخرى، ويحررها من أخطائها ، فهل يمكن ان تقوم بهذه المهمة العسيرة ،الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في العالم ، وكيف يمكنها ان تنفذ ما تطلبه الجماهير الشعبية منها ، ونحن نرى إنها في واد وتلك الجماهير في واد آخر