الحكم المحلي التأريخ والأفاق في اليمن


قائد محمد طربوش ردمان
الحوار المتمدن - العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23 - 06:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية     

شملت مبادرة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية بشأن التعديلات الدستورية قيام حكم محلي بدلاً من نظام السلطة المحلية المعمول به في الجمهورية اليمنية حالياً .
وقبل الحديث عن هذا النظام في اليمن ينبغي الحديث عن الأنظمة الخاصة بهيئات الوحدات الإدارية في العالم .
يسود عالمنا المعاصر كل من نظام اللامركزية الإدارية المحدودة ، واللامركزية الإدارية الواسعة ( الحكم المحلي ) في الدول البسيطة ، واللامركزية السياسية في الدول الإتحادية .
لقد إرتبط قيام هذا النظام أو ذاك في هذا البلد أو ذاك بظروف تأريخية وجغرافية وسياسية في هذه الدولة أوتلك . وبهدف تمييز كل نموذج من هذه النماذج عن النموذجين الآخرين سنتحدث عن كل نموذج بشكل موجز كما يلي :

1- اللامركزية الإدارية المحدودة
تعتبر فرنسا حالياً بلد اللامركزية الإدارية المحدودة وهو النظام القائم على الجمع بين إنتخاب أعضاء المجالس المحلية وتعينهم ، ومرد ذلك أن النظام الفرنسي لم يتجه إلى هذه اللامركزية سوى قبل فترة قصيرة من عام 1982م ، وذلك لأن الجمهورية الفرنسية قد إستندت على مبدأ الإدارة المحلية لمدة طويلة ، إنطلاقاً من الثقافة اليعقوبية القائلة بأن الأمة الفرنسية واحدة وغير قابلة للتجزئة .
وللتمييز الذي أقامه القانون العام بين السياسة وبين الإدارة ، ومفاد ذلك أن السياسة هي الحكم بالسلطة المركزية وتقيم لسلطات الإدارة المحلية ، وإقرار النظام الفرنسي بأنه لم يقضي الإندماج الإقليمي في الدولة العصرية أن تؤمن الحكومة المركزية الرقابة على الهيئات المحلية ، وقيام تعبير الديمقراطية والحريات المحلية في النظام الفرنسي على أساس أنها قضية مركزية .

وقد تأثر جل البلاد العربية في مسيرة هيئات الوحدات الإدارية بالنظام الفرنسي أولاًً في المركزية المتشددة التي سادت الدول العربية تقريباً بعد إستقلالها وتوازنها ، والقائمة على تعيين كافة موظفي هيئات الوحدات الإدارية ، ثم الإتجاه نحو اللامركزية المحدودة مؤخراً بما في ذلك الجمهورية اليمنية .

2- اللامركزية الإدارية الواسعة (الحكم المحلي ) .
تعتبر إنجلترا مهد النظام ويستند على إنتخاب هيئات الوحدات المحلية من قبل المواطنين ، وتمتع هذه الهيئات بصلاحيات واسعة في شتى المجالات .
وينبع مفهوم الحكم المحلي من الإستقلالية التي تمتعت بها الهيئات المحلية لمدة طويلة في البلدان الإنجلوسكسونية عامة وإنجلترا على وجه الخصوص .
يستند نظام الحكم المحلي على الإندماج الوطني لهيئات الوحدات الإدارية المحلية بواسطة إقامة حكم تمثيلي على مستوى النظام السياسي في الدولة بأكملها ، ويعتبر هذا المنطلق الأساسي لنظام اللامركزية سواءاً اللامركزية المعمول بها في الدول البسيطة ، أو اللامركزية السياسية المعمول بها في الدول الإتحادية .

ويرجع رسوخ نظام الحكم المحلي في إنجلترا إلى أن نظام اللامركزية في أعمال الهيئات المحلية من إمتداد لنظام البلديات الذي كان سائداً في عهد الرومان ، عندما قام نظام الحكم المحلي في مقاطعات كولشيرا ولننكولن وبرول قبل وجود نظام الحكومة المركزية في بريطانيا ، وهو ما أدى أن تتمتع المقاطعات والمدن القديمة بالحرية الإستقلالية ، وعليه فإن وصول نظام الحكم المحلي في إنجلترا إلى ما هو عليه قد حدث بفعل التطور التأريخي الذي إستغرق عهوداً طويلة وإستمرارية ثابتة .

3- اللامركزية السياسية القائمة على نوع الدولة – الإتحادية .
حيث وإذا كانت اللامركزية الإدارية المحدودة واللامركزية الإدارية الواسعة صالحة للدولة البسيطة ، والتي ترتبط إدارتها بهيئة واحدة ، فإن اللامركزية السياسية نابعة من نوع الدولة المركبة – الإتحادية ، حيث تتمتع فيها الولايات المكونة للدولة الإتحادية بصلاحيات واسعة تستند على أسس دستورية لكل ولاية لا يخالف دستور الإتحاد وقيام السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في هذه الولايات بناءاً على أحكام دساتير هذه الولايات .
وبعد هذه النبذة الموجزة بشأن نماذج اللامركزية في العالم . يبرز سؤال :

هل يمكن قيام حكم محلي في الجمهورية اليمنية ؟
الجواب بالإيجاب : نظراً لأنه حدث على إمتداد أكثر من ألف سنة من قيام الدول اليمنية القديمة (سباء ومعين وقتبان وحمير ) أن قامت هيئات الوحدات الإدارية في هذه الدول بإختيار السكان الأحرار ومزاولة عملها بنوع من الإستقلالية الذاتية ، كانت المدينة أساس التقسيم الإداري للدولة ، وبقت دولة المدينة في إطار الدولة الحميرية في نجران حتى القرن السادس الميلادي .

وبالمقابل إرتبط قيام المركزية بالإحتلال الأجنبي للبلاد وبحكم الاستبداد وبالذات أثناء الصراعات السياسية الحادة بين الدويلات في الفترة ما بين القرن التاسع – السادس عشر الميلادي ، ثم في عهد الأتراك والدويلات التي تلتها قبل الإحتلال العثماني الثاني للبلاد ، ونظام حكم الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين .
وبقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م بدأت محاولات قيام إدارة محلية حديثة ، بيد أن عدم الإستقرار في شطري الوطن بعد إستقلال الشطر الجنوبي من الوطن عام 1967م قد حال دون القيام حكم محلي في البلاد .

وكان لقيام الوحدة اليمنية المباركة عام 1990م على أسس ديمقراطية والإنتخابات النيابية في أعوام 1993م و1997م و2003م والإنتخابات الرئاسية المباشرة في عامي 1999م و2006م والمحلية في إنتخابات 2001م و2006م في ظل التعديية السياسية الحزبية ، وصدور القانون رقم (4) لسنة2000م أن تشكل مقدمة لتبني نظام حكم محلي في البلاد .

ونظراً لوجود خلفية تأريخية في الإستقلال الذاتي لهيئات الوحدات الإدارية في اليمن عبر التأريخ ولقيام المجالس المحلية المنتخبة في الجمهورية اليمنية ، ولأن اللامركزية سمة عامة لنظام الحكم الديمقراطي في العالم أجمع ، إتجهت إليها الأغلبية الساحقة من دول العالم ، وذلك لما تتمتع به اللامركزية من صفات حميدة في نظام الحكم ، منها مشاركة أبناء الشعب في تسيير نظام الدولة في كافة المجالات إنطلاقاً من روح المسئوولية في معالجة قضايا الناس المباشرة في مجالات التعليم والصحة والخدمات العامة وغيرها ، وفق إرادة المواطنين وتلبية مصالحهم القانونية بعيداً عن البيروقراطية المركزية والرشوة والفساد .
------------------------------------------------------------------------
ورقة مقدمة إلى ندوة ((مشروع التعديلات الدستورية الواقع وآفاق المستقبل)) التي نظمتها جامعة تعز بالتعاون مع مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر – ندوة سياسية وفكرية خلال الفترة 31/10- 1/11/2007م . في قاعة 22 مايو حبيل سلمان.