الازمة البنيوية للاحزاب الشيوعية في العالم العربي - ج 2


وليد يوسف عطو
2014 / 10 / 10 - 11:31     


استكمالا لمقالنا السابق والمعنون :

( الازمة البنيوية للاحزاب الشيوعية في العالم العربي – ج 1 ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=436090

يقول المفكر علي حرب في كتابه (ازمنة الحداثة الفائقة : الاصلاح – الارهاب – الشراكة)ان مفهوم الفاعل الاجتماعي يزعزع مفهوم ( النخبة )والتي تمارس الوصاية على شؤون الحقيقة والحرية

.يقول كاتب المقال (وليد يوسف عطو ) ان حركات الاحتجاجات في العالم العربي قد ازاحت والغت مفهوم ( النخبة ) و ( الطليعة ) والوصاية التي قامت بها الاحزاب الشيوعية على الفكر وعلى الاهالي .

ان مفهوم (الفاعل الاجتماعي ) والاعتراف به من قبل الاحزاب الشيوعية يستدعي مفهوم ( الشراكة ) وهو مفهوم قائم على التعددية ويستبعد الفكر الاحادي والمطابقة .
( التعددية ) تعني الاعتراف بالاحزاب الشيوعية الشقيقة كافة , برغم اختلافها فيما بينها , لكنها متساوية من حيث الحقوق والفرص , على الاقل للمداولة والحوار .ويتوسع مفهوم الشراكة ليشمل الاعتراف بالاخر ( معرفيا ).

ان الاعتراف بالاخر ,يعني التداول والتبادل مع من هو مستبعد سياسيا او ثقافيا او معرفيا ,وهو يعني ايضا ان المجتمعات تتغذى مما هو مستبعد ومهمش . والشواهدعلى ذلك كثيرة . فالرواية تغذت من اميركا اللاتينية التي كانت تعامل كهامش بالنسبة لاوربا والولايات المتحدة . فاذا بروايات ماركيز تاتي بنمط جديد يفاجيء العالم باصالته . وفي مجال التنمية لدينا ماليزيا , وهي قد صنعت معجزة تنموية . وفي العمل الديمقراطي تقدم لنا افريقيا السوداء نموذجا ساطعا وهو نيلسون مانديلا الذي رفض تجديد ولايته . وهذا ما اخفق فيه العرب والاحزاب الشيوعية .

ان مجتمع المهمشين في العراق والمستبعد سياسيا واقتصادياوثقافيا انتج لنا ( التيار الصدري )والذي يشارك اليوم بفعالية في الحكومات العراقية وفي مجلس النواب ( البرلمان ) وفي الفعاليات الشعبية .
على الاحزاب الشيوعية الكبيرة في العالم العربي الاعتراف بالاحزاب الشقيقة والصغيرة لانها قد تكون هي البوابة للتغيير .ان استبعادالحوار والداولة بين الاحزاب الشيوعية يحيلها الى هياكل صنمية ميتة لادور لها في مجتمعاتها .اما الاجتماعات البروتوكولية الشكلية بين هذه الاحزاب على نطاق الاحزاب الشيوعية في العالم العربي فهي لاتغني ولا تسمن , وتقوم بنفس الدور البائس لجامعة الدول العربية ( اتفق العرب على الا يتفقوا ).ففيما الاحزاب الشيوعية في العالم العربي مختلفة ومنقسمة على نفسها داخل البلد الواحد , لانترجى من اجتماع الاحزاب على النطاق العربي والشكلاني اية فائدة مالم تتوحد داخليا اولا .

عندما تعتمد الاحزاب الشيوعية على النخب والمثقفين فانها تستبعد الفقراء والمهمشين والذين قد يقودون التغيير. فالهامشي يعني , بحسب علي حرب ,انه لايستخدم عقله او لايحسن استغلال طاقاته , اي هو رصيد رمزي او مادي ينتظر من يشتغل عليه لاستثماره .
ان التغيير والديمقراطية والحداثة وفق مفاهيم الاحزاب الشيوعية تقوم بصفتها وصفة جاهزة وثابتة . انها نظرة طوباوية حالمة ولدت عكسها , اي المزيد من التخلف والاستبداد والفقر .ان التغيير والديمقراطية هو عمل متواصل واشتغال على الذات , بناءاوتركيبا . وهو صيرورة دائمة ,اي عملية تبدل وتغيير مستمرتين . انها مراكمة وتكديس بصورة متواصلة , وليس كلاما انشائيا وشعارات .
هكذا هو العمل داخل الاحزاب الشيوعية . انه عمل يومي متواصل قائم على المداولة والتراكم والتكديس للخبرات والمعارف في ورشة عمل ضخمة وكبيرة ,وليس مكاتب وحصول الرفاق على الرواتب والمناصب والوظائف والامتيازات .

ان الشعارات لاتنجز بشكل نهائي على ارض الواقع . وهذا يعني انه لاحلول قصوى تتحقق تحت ظلال دولة المهدي الشيوعية , وانما الامر هو مهمة يومية قائمة على البناء والتفاعل والانجاز واعادة البناء .

عقلية المؤامرة

على الاحزاب الشيوعية الكف عن نظرية المؤامرة . فالعالم في زمن العولمة والثورة الرقمية متشابك المصالح والتاثيرات , ولدينا مثال دولة ( قطر ) لمثال صارخ على قدرة المال والميديا العملاقة على احداث تغيير ات كبيرة في المجتمع او على التمويه على التغييرات .
ان نقد الاحزاب الشيوعية لنفسها لايقتصر على الاليات والوسائل والبناء التنظيمي دون الافكار والمباديء والنظريات والعقائد .لذا لم يعد يجدي القول بان التجربة الاشتراكية كانت فاشلة , ولكن النظرية الماركسية كانت صحيحة ومعصومة .

ان تراكم الفشل معناه ضرورة العودة الى نقد الاصول الفكرية والتنظيمية لهذه الاحزاب الشيوعية . على الاحزاب الشيوعية اخضاع الواقع للدراسة والتحليل والتفكيك لاعادة التركيب , وعدم البحث عن بديل طوباوي حالم . فالطوباوية هي الوجه الاخر للبربرية .
ان النقد الذاتي لايشتمل على حزب دون اخر .انها مهمة جميع الاحزاب الشيوعية , صغيرها وكبيرها . وهذا يتطلب تبديل البرامج والشعارات المطروحة واساليب العمل الحزبي وتحويلها من علاقات هرمية الى علاقات افقية تداولية مفتوحة .

ان عدم قيام الاحزاب الشيوعية بالنقد الذاتي سيؤدي بها الى موتها السريري وتحولها الى ظاهرة صوتية او الى بالون عائم عديم الفعالية . وهذا الذي فتح الابواب مشرعة امام احزاب الاسلام السياسي للاستحواذ على ساحة العمل بين جموع الاهالي .

من العوامل التي ساهمت على عرقلة مشاريع اصلاح الاحزاب الشيوعية هو التفكير والعمل بمنطق الحتميات والثنائيات الخانقة والمطابقات المستحيلة . هذه الاليات في التفكير تقوم على منطق احادي وتبحث عن الحلول القصوى , وهي كانت الطريق الى حصد الفشل والاخفاق . واحالت الهويات والعقائد والنظرية الماركسية الى سجون عقائدية مغلقة , تاسست على جهل بالواقع الذي يفيض بالتنوع والتعقيد .

في البدء كان الكلمة ( الانجيل بحسب يوحنا 1 :1 )

العلاقة الجدلية بين التفكير والعمل

الحلم والصورة تسبق العمل

كان الانسان منذ قديم الزمان يحلم في يقظته او في منامه . والحلم هو صورة قد تكون صامتة عندما لم يتحول قرد انجلز بعد الى انسان ناطق .او قد تكون صورة ناطقة بالكلمة بعد ان تعلم الانسان اللغة المقطعية وتمت مناقلة الافكار شفاهيا وتراكمها وتناقلها بين الاجيال , الى ان تعلم الانسان الكتابة وتدوين احلامه , فتحولت احلامه وافكاره الى خطاب مدون .

كل تغيير في المجتمعات ,سواء من ناحيةاقتصادية او اجتماعية او ثقافية ومعرفية يسبقها مجموعة افكار تمهد لها الطريق . لايمكن لاي تغيير في المجتمع يعمل على احداث نقلة نوعية فيه ان يظهر بدون مقدمات . الاعمال التي يقوم بها الفوضويون تعمل على تخريب البلاد وقتل العباد لانها تمثل ردود افعال انية وليست ناتجة عن تفكير مسبق .

ان حلم الشيوعيين بدولة الرفاهية والعدالة الاجتماعية ومنع استغلال الانسان للانسان ,يظل حلما لايمكن الوصول اليه للحد الاقصى , بل يمكننا العبور وتحقيق بعض مراحله .
يستلزم بناء ( دولة الانسان ) تطوير افكار ماركس بخطاب متجدد لايقوم على تقديس الشخوص والعقائد والنظريات , بل يقوم على نقد وفحص الواقع المتغير تقدما او تراجعا , والعمل على تشكيل علاقات قوى جديدة والبحث عن المناطق المعتمة وغير المكتشفة في الخطاب الشيوعي للاشتغال عليها .

ليس عيبا على الشيوعي الاعتراف باخطائه , لكن العيب كل العيب هو في عدم نقد اخطائه ومراجعة مسيرته.
ان العمل على تنفيذ الخطاب الشيوعي يستلزم بناء الانسان الحر والعامل والمثقف والمتسلح بالعلم والتكنولوجيا والفاعل في مجتمعه وفي تخصصه .يكون الفاعل الشيوعي متسلحا بالعلم وبالعلوم الاجتماعية حتى يستطيع تحقيق هذا البرنامج عمليا .

ليس هناك فعل مسبق بدون افكار مسبقة ...

حتى لو كانت حلما ...

في البدء كان الكلمة

تم الموضوع ...

مقالات ذات صلة :

مقالتنا ( اليسار الجديد واشكالية الخطاب )وعلى الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=396165 :
مقالتنا ( اليسار الالكتروني : قلق الحاضر وافاق المستقبل ) وعلى الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=395628

مقالتنا(وحشية انسان الحضارة )وعلى الرابط التالي :


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=407724