نظرية التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية وتاريخ العالم


مالك ابوعليا
الحوار المتمدن - العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 16:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تأليف: يوري ايفانوفيتش سيمينوف*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

ان الفهم المادي للتاريخ، هو قبل كُل شيء، طريقة للنظر الى التاريخ باعتباره عملية تاريخية طبيعية، كتطور وتتابع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية. وهكذا، يُصبح مفهوم "التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية" بطبيعة الحال، مقولةً مركزيةً وأساسيةً للمادية التاريخية. لا يُمكن التوصّل الى جوهر وقلب النظرية المادية للعملية التاريخية دون فهم عميق لهذه المقولة.
تُعرَف التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، على أنها مراحل في تطور المُجتمع، تتعاقب بانتظام الواحدة بعد الأُخرى في ترتيبٍ مُعيّن مُحدد بدقة. قد يبدو هذا التعريف واضحاً وبسيطاً. هذه البساطة، مع ذلك، خادعة، لإن استخدام كلمة "مُجتمع" في الأدب الفلسفي والتاريخي غير واضح بشكل جيد. لا يوجد لهذه الكلمة معنىً واحد، بل معانٍ مُختلفة.
يُمكنها أن تُستَخدَم، أولاً، لوصف مُجتمع ملموس ومُتميّز. يُمكن أن يكون هذا المُجتمع، الى حدٍّ كبير، وحدةً مُستقلّةً في التطور التاريخي. بهذا المعنى يُمكن للمرء أن يستخدم الكلمة ليتحدث على سبيل المثال عن مُجتمع لجش Lagash، والمُجتمع الأثنيني، والمُجتمع القرطاجي، والمجتمع الفينيتي Venetian، والمُجتمعين البولندي والفرنسي. لقد اقترحت، في عملٍ سابق، أنه يجب أن نستخدم تعبير "العضوية الاجتماعية" عندما نتحدث عن "المُجتمع" بهذا المعنى(1).
ثانياً، غالباً ما تُستَخدَم كلمة "مُجتمع" للاشارة الى هذه المجموعة أو تلك من العضويات الاجتماعية. على سبيل المثال، يتحدث المرء عن مُجتمع هنود أمريكا الشمالية، أو مُجتمع سكان استراليا الأصليين، أو عن مُجتمعات أوروبا الغربية، أو الشرق الأدنى.
ثالثاً، يتم استخدام مُصطلح "المُجتمع" للاشارة الى جميع العضويات الاجتماعية الموجودة، في الماضي والحاضر، أي لوصف كُل المُجتمع الانساني ككل.
رابعاً، وأخيراً، تُستَخدَم الكلمة أيضاً لتسمية المُجتمع على هذا النحو، أو هذا النمط أو ذاك من المُجتمعات.
لا يُمكن ايجاد المعنى الصحيح لمفهوم التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية، كمرحلة من مراحل التطور التاريخي، سوى من خلال النظر في نشأة هذا المفهوم.
لطالما كان المُجتمع البشري يُمثّل مجموع عدد لا بأس به من المُجتمعات الملموسة المُتميزة، أي عضويات اجتماعية. في المقابل، يُمثّل تطورها، تاريخاً عالمياً، أي تاريخ عدد من تواريخ هذه العضويات الاجتماعية.
لا يُمكن العثور، في تاريخ البشرية، على عضويات اجتماعية مُتشابهة تماماً. لكل مُجتمعٍ سماته الخاصة التي تُميّزه عن المُجتمعات الأُخرى. تُميّز الفردية واللاتكرارية أيضاً تطور كُل عضوية اجتماعية. كُل مُجتمع مُتميّز له تاريخ خاص، والذي يختلف عن تاريخ جميع الكيانات الاجتماعية الأُخرى. يختلف تاريخ أثينا عن تاريخ روما، ويختلف تاريخ انجلترا عن فرنسا، وروسيا تختلف عن الصين.
لقد كان تفرّد تاريخ المُجتمعات الفردية قبل كُل شيء، هو الذي أثار، اعجاب المؤرخين قبل ماركس. وهكذا، بدا التاريخ العالمي وكأنه تراكم عشوائي لا نهائي للأحداث، وخالٍ من أي نوعٍ من الانتظامات. لم يكن من المُمكن التغلّب على فوضى واعتباطية النظرات للتاريخ، دون الكشف عما هو مُشترك في العضويات الاجتماعية، وايجاد التكرارات في تطورها.
بذَلَ مُفكرو ما قبل لماركسية جهوداً كثيرةً في هذا الاتجاه. سعى السوسيولوجيين، الى ايجاد تصوّر يتضمن كل ما هو مُشترَك بين جميع العضويات دون استثناء، والذي من شأنه أن يُعبّر عن السمات الأساسية لأي مُجتمعٍ ملموسٍ مُعطى. ان التصور الذي حصلوا عليه من خلال تجريد السمات التي تُميّز مُجتمعاً عن آخر، لم يَنتُج عنه سوى تجريداتٍ فارغةٍ خاليةٍ من أي قيمةٍ علمية. قدّمَ لينين وصفاً عميقاً ورائعاً لعُقم تلك الأفكار(2). وكانت هناك أيضاً جهود لجمع وتصنيف العضويات الاجتماعية معاً في فئاتٍ وتحديد أنماطها. لكن أثبتت كل هذه الجهود فشلها، لأن السوسيولوجيين والمؤرخين فشلوا في فرز الجوانب الأساسية للحياة الاجتماعية عن تلك الجوانب الثانوية. من السهل أن نرى أنه لا يوجد أي تصنيف للعضويات الاجتماعية يعتمد على الخصائص الثانوية بقادرٍ على مُقاربة تطور الحياة الاجتماعية بشكلٍ صحيح. أما بالنسبة للمحاولات العديد لفرز التكرار في تطور المُجتمعات كُلٌّ على حِدة، فلم تتوصل أبداً سوى الى هذا الشكل أو ذاك من أشكال "التطور الدائري".
العضويات الاجتماعية لا توجد هكذا، وتتطور بكل بساطة. انها تنشأ وتظهر الى الوجود، وليس من النادر أن تتفكك وتنحَلّ وتختفي. ظهرت أمامنا من تحت أنقاض رايخ هتلر الثالث عضويتين اجتماعيتين جديدتين لم يكن لهما وجودٌ في السابق: جمهورية ألمانيا الديمقراطية وألمانيا الغربية. ظهرت أمامنا، انطلاقاً من دولة باكستنان منذ نشأتها عام 1947 عضويتين اجتماعيتين جديدتين، احتفظت احداهما بالاسم القديم وتبنت الأُخرى اسماً جديداً: جمهورية بنغلاديش. لو نظرنا الى الماضي الأبعد، نجد أن ظهور وانحلال العضويات الاجتماعية هي ظاهرة أكثر شيوعاً. ظَهَرَت الى الوجود كُلٍّ من الامبراطوريات الحيثية والآشورية والجمهوريات الأثينية ودولة قرطاجة والامبراطورية الرومانية، تطورت وازدهرت، ثم ضعفت وزالت الى الأبد.
هذه الحقائق المُتشابهة، وتكرار هذه الظاهرة، يجعل الأمر وكأن كل العضويات الاجتماعية (أو أنظمتها) تمر عبر نفس مراحل التطور: فهي تظهر وتصل الى مرحلة النضج وتزدهر، ومن ثم تنحل في النهاية. وهكذا، يظهر التاريخ العالمي كتكرارٍ رتيب للعمليات نفسها، مثل الحركة الأبدية للعجلة. كان ظهور هذه النظرية مُرتبطاً جُزئياً بالجهود المبذولة لايجاد نمط ما من الانتظامات، وكانت بهذا المعنى مُساهمةً جيّدة في تطور الفكر التاريخي. ينطبق هذا بشكلٍ خاص على مؤرخ القرن الثامن عشر جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico وكتابه (العلم الجديد-1725). تلعب النظريات (الدائرية) في عصرنا هذا، في ظل حضور المفهوم المادي للتاريخ، دوراً رجعياً للغاية. أصبَحَ جوهر النظريات (الدائرية) الآن يكمن في نبذ وحدة العملية التاريخية العالمية، وتقسيمها الى تواريخ Histories لمجموعات العضويات، أو لكُلٌّ منها على حِدَة، والتي يُطلَق عليها عادةً "الحضارات".
ولكن على عكس كل النظريات "الدائرية"، فإن الأدلة التاريخية تحمل شهادةً حيةً على تقدم الانسانية ككل، والذي يَصعُبُ أن يُفلت من مُلاحظة المؤرخين. أدرَكَ السابقين على ماركس بشكلٍ خاص، وبشكلٍ واضحٍ للغاية، التطور التدريجي للمُجتمع البشري. وَجَدَت هذه النظرة مكاناً لها في ترسيم حدود عصور تاريخ العالم الأساسية، مثل تقسيم تاريخ العالم الى العصور القديمة والعصور الوسطى والعصور الحديثة عند مؤرخي القرنين الخامس عشر والسادس عشر الايطاليين الانسانيين (ليوناردو بروني Leonardo Bruni، فلافيو بيوندو Flavio Biondo، ميكافيللي وآخرين). بالاضافة الى ذلك، أُجرِيَت تحسينات على نظام التقسيم الثُلاثي هذا، وصار المؤرخون منذ مطلع القرن الثامن عشر والتاسع عشر، يُعالجون، أكثر من أي وقتٍ مضى، تاريخ الشرق القديم بوصفه فترةٍ مُتميّزة. كان هذا التحقيب التاريخي يتسم، ولفترةٍ طويلة، بطبيعةٍ تجريبية. حَظِيَ هذا التحقيب الثلاثي باطارٍ نظريٍ حقيقيٍ لأول مرة على يد سان سيمون، والذي رَبَطَ كُلٍّ تلك الثلاثة عصور بنظامٍ اجتماعيٍّ مُحدد: كان النظام القديم مبني على العبودية، وكانت القرون الوسطى مبنية على الاقطاع، حيث العامل مُرتبط بالأرض وينتمي بشكلٍ غير مباشرٍ فقط الى مالك الأرض، أما النظام الحديث، فهو مبني على "الصناعة" القائمة على العمل المأجور. بَذَلَ هيغل جُهداً الى الأمام في هذا الاتجاه في كتابه (فلسفة التاريخ 1822-1831).

***

نشأت ثورة في التصورات التاريخية عندما نَجَحَ ماركس وانجلز في فرز العلاقات الاجتماعية، من بين تلك العلاقات مُتعددة الأشكال، تلك العلاقات التي ظهرت الى الوجود بشكلٍ مُستقلٍّ عن ارادة الانسان ومعرفته، والتي تُحدد أهدافه ومساعيه وأفعاله، وتُحدد بالتالي جميع العلاقات الاجتماعية الأُخرى. هذه العلاقات المادية الموضوعية، هي العلاقات الانتاجية، العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية. تُشكّل العلاقات الانتاجية، في كُل مُجتمعٍ ملموس، كُلّاً واحداً الى هذا الحد أو ذاك، وهي الأساس لجميع العلاقات الاجتماعية الأُخرى، وبالتالي الأساس للعضوية الاجتماعية بأكملها.
ان فرز العلاقات الانتاجية عن العلاقات الأُخرى، يرقى في الوقت نفسه الى الكشف عن وجود بعض أشكالها الأساسية. وهكذا، يُصبح من الواضح أن العضويات الاجتماعية المُتميزة يُمكن أن تحمل نفس البُنية الاجتماعية-الاقتصادية، أي أنها تتشكل من علاقاتٍ من نفس النمط، أو تمتلك بُنىً مُتنوعة، تتكون من علاقاتٍ اجتماعيةٍ من أنماطٍ مُتنوعة. طالما تكون علاقات الانتاج هي العلاقات الأساسية والحاسمة، فإن جميع المُجتمعات الفردية، التي تحوز على نفس منظومة العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية، على الرغم من جميع الاختلافات بينها، تنتمي الى تصنيفٍ واحد، والى نفس النمط. من ناحيةٍ أُخرى، فإن العضويات الاجتماعية ذات البُنى الاجتماعية- الاقتصادية المُختلفة، مُختلفة تماماً وتقع في تصنيفات أنماطٍ مُختلفةٍ من المُجتمعات مهما كانت التشابهات بينها. وهكذا، صار بالامكان تقليص العدد الهائل من العضويات الاجتماعية الى عدة أنماطٍ أساسية عن طريق تحديد طبيعة علاقات انتاجها. وقد أُطلِقَ على تلك "الأنماط": التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. كَتَبَ لينين يقول: "...وقد قدّمَت المادية مقياساً موضوعياً تماماً، اذ فَرَزَت علاقات الانتاج، بوصفها أساس المُجتمع، ووفرت امكانية تطبيق المقياس العلمي العام، مقياس التكرار على هذه العلاقات-مع أن الذاتيين كانوا يُنكرون امكانية تطبيقه في علم الاجتماع وطالما اكتفت بالعلاقات الاجتماعية الايديولوجية، أي بعلاقات تمر في وعي الناس قبل أن تتكون- فإنهم لم يتمكنوا من مُلاحظة التكرار والانتظام في الظواهر الاجتماعية في مُختلف البُلدان، ولم يكن علمهم، في أفضل الحالات، سوى وصف لهذه الظواهر، سوى جمع لموادٍ خام. ان تحليل العلاقات الاجتماعية المادية... قد أتاحَ فوراً مُلاحظة التكرار والانتظام، وتعميم أنظمة مُختلف البلدان وجمعها في مفهومٍ أساسي واحد هو (التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية)"(3).
لا يُمكن اختزال مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية الى مُجرّد فكرة النمط الاجتماعي. انه أكثر تعقيداً بكثير ومُتعدد الجوانب. لكن يتجذر احدى جوانبه دائماً في حقيقة أنه مفهوم للأنماط الاجتماعية، والذي يقع في أساسه نمط اجتماعي مُعيّن، ونظام علاقات انتاج مُحددة. يُعبّر هذا المفهوم من ناحية، عن تطابق جميع العضويات الاجتماعية التي تحوز على أساسٍ واحد وتمتلك نظاماً من نفس علاقات الانتاج، ويُعبّر من ناحيةٍ أُخرى، عن الاختلافات الأساسية من المُجتمعات العيانية التي تمتلك بُنىً اجتماعية-اقتصادية مُتنوعة.
ان مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية غير مُنفصل عن مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية العيانية. لا يوجد بدون مفهوم أنماط المُجتمع العيانية، ولا يُمكن أن يوجد أي مفهوم حول نمط المُجتمع بشكلٍ عام. من الواضح أن التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية موجودة دائماً كتشكيلة اجتماعية-اقتصادية عيانية مُحددة، والتي تجد تعبيرها الواقعي في مُجتمعات مُحددة موجودة، أو عضويات اجتماعية. ان علاقة التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية بالعضويات الاجتماعية هي في الأساس علاقة العام بالخاص. كَتَبَ لينين: "الخاص ليس موجوداً الا بقدر ما يتصل بالعام. والعام ليس موجوداً الا في الخاص، خلال الخاص. كل شيء خاص هو (بطريقةٍ ما، على نحوٍ ما) عام. كل شيء عام هو (قطعة، جانب، جوهر) من الخاص"(4).
التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية ليس لها وجودٌ مُستقل. لا يُمكن لنمطٍ من المُجتمعات أن يوجد الا في مُجتمعاتٍ عيانيةٍ مُعطاة. أي تشكيلة اجتماعية-اقتصادية عيانية لا توجد جنباً الى جنب مع مُجتمعاتٍ عيانية، ولكن فقط في هذه العضويات الاجتماعية ذاتها. انها موجودة كأساس عميق ومُشتَرَك، كجوهر داخلي لها، وبالتالي، كنوعٍ لها. رأى لينين انجاز ماركس العظيم في أنه "نَبَذَ كل هذه المُحاكمات حول المُجتمع والتقدم بوجهٍ عام وأعطى تحليلاً علمياً لمُجتمعٍ (مُعيّن) وتقدّمٍ (مُعيّن) هما المُجتمع الرأسمالي والتقدم الرأسمالي"(5).
ان العناصر المُشتركة للعضويات الاجتماعية، التي تقع في نفس خانة التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية، لا تستنفدها بُنيتها الاجتماعية-الاقتصادية بطبيعة الحال. ولكن ما يوحّد في النهاية كُل هذه العضويات الاجتماعية، وما يُحدد تضمينها في نمطٍ واحد قبل كُل شيء، هو وجود نفس منظومة العلاقات الانتاجية داخلها. ان الشيء الذي يربط كل العناصر ببعضها البعض مُستمَد من تلك المنظومة. ولهذا السبب بالذات عرّفَ لينين في عددٍ من المرات التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية، على أنها مجموع منظومات العلاقات الانتاجية المُحددة(6). في الوقت ذاته، لم يختزل لينين التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية المتنوعة في منظومة العلاقات الانتاجية كُلياً. وفقاً له، كانت كُل تشكيلة اجتماعية-اقتصادية نوعاً من مُجتمعٍ ما عندما يتم النظر اليه من جميع جوانبه. يصف لينين، في نفس العمل، منظومة العلاقات الانتاجية على أنها "الهيكل العظمي" للتكشيلات الاقتصادية-الاجتماعية، التي ألبَسَت الهيكل "لحماً ودماً"، أي العلاقات الاجتماعية الأُخرى(7).
لكن هذا "الهيكل العظمي" يتضمن دائماً جوهر هذه التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية أو تلك. ان العلاقات الانتاجية موضوعية ومادية. وتبعاً لذلك، كل النظام الذي تُشكّله تلك العلاقات هو أيضاً مادي. وهذا يعني أن هذا النظام يعمل ويتطور وفقاً لقوانينه الخاصة، التي هي مُستقلة عن ارادة البشر الذين يعيشون ضمن العلاقات هذه. تظهر هذه القوانين المُعطاة، كقوانين عمل وتطور التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. أتاح استدخال مفهوم التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء، رؤية تطور البشر كعملية تاريخية طبيعية، وجَعَلَ من المُمكن تسليط الضوء ليس فقط على ما هو مُشترك بين العضويات الاجتماعية، ولكن أيضاً وفي نفس الوقت، ما يتكرر في تطورها.
لا بُدّ لجميع العضويات الاجتماعية، التي تنتمي الى نفس التشكيلة، والتي تتأسس على نفس منظومة العلاقات الانتاجية، لا بُدّ أن تتطور وفقاً لنفس القوانين. بصرف النظر عن مدى اختلاف انجلترا والبُرتغال المُعاصرة، أو ايطاليا المُعاصرة واليابان عن بعضها البعض، فإنها جميعها تُمثّل عضويات اجتماعية برجوازية، ويتحدد تطورها من خلال نفس القوانين: القوانين الرأسمالية.
ان أهم مهمة للعلم هي الكشف عن قوانين وظيفة وتطور التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، أي صياغة نظرية لجميع التشكيلات. قام ماركس بهذه المهمة فيما يتعلق بالرأسمالية. المسار الوحيد الذي يُمكننا من صياغة نظرية لهذه التشكيلة أو تلك هو ذلك الطريق الذي يكشف أولاً عن تلك السمات الأساسية والعامة التي تظهر في تطور جميع العضويات المُحدّدَة. من الواضح تماماً أنه لا يُمكن للمرء أن يكشف عن سمات الظواهر المُتكررة ما لم يستخلص الاختلافات بينها. يُمكن الكشف عن الضرورة الموضوعية الداخلية لأي عملية حقيقية مُعينة فقط إن حررها من ذلك الشكل التاريخي الملموس الذي تجلّت فيه، وإن استَعرَضَ المرء تلك العملية في شكلها المنطقي الصرف، أي في شكل لا يُمكن أن توجد عليه سوى عند تجريدها نظرياً.
في حين أن التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية لملموسة لا توجد في الواقع التاريخي الا عندما تتجسد في العضويات الاجتماعية، يظهر الجوهر الداخلي للمُجتمعات الفردية في شكلٍ نقي، كشيء موجود بشكلٍ مُستقل، كعضوية اجتماعية مثالية Ideal لنمطٍ مُعيّن. قد يخدم كتاب (رأس المال) مثالاً على ذلك. في هذا الكتاب، تُؤخَذ وظيفة المُجتمع الرأسمالي وتطوره، ليس كمُجتمع مُحدد، على سبيل المثال المُجتمع الانجليزي أو الفرنسي أو الايطالي، بل المُجتمع الرأسمالي على العُموم. وتطوّر هذه الرأسمالية المُؤمثلة (التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية البرجوازية الصرف) لا تُمثّل سوى اعادة انتاج الضرورة الداخلية، أو الانتظام الموضوعي لتطور كُل مُجتمع رأسمالي مُحدّد. تظهر التشكيلات الاجتماعية الأُخرى أيضاً من الناحية النظرية كعضويات اجتماعية مُؤمثلة. ولهذا السبب على وجه الخصوص، دعا لينين، التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، بالاضافة الى كونها أساساً للمُجتمعات الفردية، نقول، دعاها بأنها :عضويات اجتماعية مُتميزة، لديها قوانين مُحددة لظهورها وعملها وانتقالها الى اشكالٍ أُخرى، اي تحولها الى عضويات اجتماعية أُخرى"(8).
من الواضح تماماً أن التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية الصرف، أي كعضوية اجتماعية مُتميزة، يُمكن أن توجد فقط من الناحية النظرية، ولكن ليس في الواقع التاريخي. انها توجد، في التاريخ، في مُجتمعاتٍ مُتميزة كجوهرٍ داخليٍّ وأساسٍ موضوعيٍّ لها. يُمكن أن يؤدي الفشل في رؤية هذا، الى أخطاءٍ نظرية. وهكذا، على سبيل المثال، بعد أن فَشِلَ بعض المؤرخين السوفييت، في العثور على تشكيلات اجتماعية-اقتصادية نقية في التاريخ، توصلوا الى استنتاج مفاده أن التشكيلات لا توجد في الواقع على الاطلاق، وأنها تُمثّل تشكيلاتٍ منطقيةٍ ونظرية فقط(9). أدّى سعي عدد من الباحثين لتجنّب مثل هذا الاستنتاج، الى المُطابقة المُباشرة للتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية مع العضويات الاجتماعية الموجودة على الأرض، أي مع مُجتمعات مُحددة. كانت العواقب الحتمية لهذا، تبسيط القضية وتخطيطيتها، وبالتالي تشويه العملية التاريخية، وتحويل نظرية التشكيلات الاجتماعية من منهجية للبحث الى قيود يجب حشو الحقائق التاريخية فيها. ان كُلاً من هاتين المُقاربتين خاطئ بنفس القدر، ويُمكن لأيٍّ منهما أن يؤدي الى تحطيم المفهوم المادي للتاريخ.
لقد تحدثنا حتى الآن حول التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كأنماطٍ للمُجتمع فقط، أو العضويات الاجتماعية. ترتبط كُل منظومة من العلاقات الانتاجية بمُستوىً مُحدد لتطور القُوى المُنتجة. تُشكّل قُوى الانتاج المُحددة، جنباً الى جنب مع نظام مُحدد من علاقات الانتاج، هذه الوحدة أو تلك من أنماط الانتاج. ومن ثُمّ، يُمكن تعريف التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية على أنها نمط من المُجتمع، يتأسس على نمط انتاج مُحدد. مع تطور القُوى المُنتجة، يتم استبدال منظومة علاقات الانتاج عاجلاً أم آجلاً، بمنظومةٍ أكثر تقدمية، والتي تستبدل بذلك نمطاً من مُجتمع، بنمطٍ آخر.
ما يتبع ذلك، هو أن التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، هي أنماط من المُجتمع والتي تُشكّل في نفس الوقت مراحل مُحددةٍ في تطور المُجتمع. في المُقابل، ليس تطور المُجتمع البشري سوى عملية تاريخية طبيعية لتطور وحلول التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية محل الأُخرى.
أبرَزَ مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية في نفس الوقت فكرةً حول أنماط المُجتمعات ومراحل التطور الاجتماعي. وَضَعَ مُؤرخي ما قبل الماركسية الأساس لتعريف التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية من خلال تحديدهم الحُقَب الأساسية في التاريخ العالمي: الشرق القديم، العالم القديم، والعالم القروسطي. أطّرَ ماركس هذا التصنيف التجريبي الصرف في أساسٍ نظري.
تميّزَت الفترة التاريخية التي عاشَ فيها مؤرسسا الماركسية بوجود عضويات اجتماعية قائمة على منظومة علاقات الانتاج الرأسمالية، أي نمط الانتاج البرجوازي. احتَفَت الرأسمالية بانتصارها على الاقطاع أمام عينيهما. في الفترة الأسبق، حتى العضويات الاقطاعية كانت غائبة. لقد كان زمناً لوجود عضويات اجتماعية قائمة على نمط الانتاج العبودي. ظلّت طبيعة علاقات الانتاج التي كانت في أساس العضويات الاجتماعية الشرقية القديمة غامضةً في نواحٍ كثيرة خلال خمسينيات القرن التاسع عشر. ومع ذلك، لم يكن ماركس يشك أن لها خصوصية ما، وتمتاز نوعياً ليس فقط عن الاقطاع والرأسمالية، بل وأيضاً عن المُجتمعات العبودية.
لهذا السبب بالذات، أنهى مُلخّصه اللافت لجوهر المفهوم المادي للتاريخ في مُقدمته لنقد الاقتصاد السياسي بالكلمات التالية: "من ناحية الخطوط العريضة نستطيع أن نعتبر أساليب الإنتاج الأسيوية والقديمة والإقطاعية وفي المجتمع البورجوازي الحديث كأنها حقب متدرجة في التكوين الاقتصادي للمجتمع. وتشكل أحوال الإنتاج البورجوازية الشكل المتناقض الأخير من عملية الإنتاج الاجتماعي. ولكن التناقض ليس فرديًا، ولكنه ينبعث من الأحوال الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد. أو أن القوى الإنتاجية التي تنشأ في أحشاء المجتمع البورجوازي تخلق في الوقت نفسه الأحوال المادية التي تسمح بفض هذا التناقض، ومن ثم فبهذا التكوين الاجتماعي ينتهي عصر ما قبل التاريخ للمجتمع البشري"(10).
ان التشكيلات الاجتماعية التناحرية، من وجهة نظر ماركس، سبقتها مُجتمع بدائي ما قبل طبقي، ومصيرها أن يخلفها مُجتمع شيوعي لاطبقي.
ان مُخطط تعاقب التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية مقبول من قِبَل جميع العلماء الماركسيين في سماته الأساسية. العُنصر الوحيد المُتنازع عليه هو "نمط الانتاج الآسيوي"، وما يُقابله من تشكيلة اجتماعية اقتصادية آسيوية. تم استبعاد التشكيلة الآسيوية من المُخطط لفترةٍ طويلة، وتم تفسير العضويات الاجتماعية الشرقية القديمة على أنها تنتمي الى العبودية، أي على أنها تنتمي الى نفس نمط المُجتمعات القديمة. جَرَت، في السنوات الأخيرة نقاشاتٍ حادة بشأن البُنى الاجتماعية-الاقتصادية الشرقية القديمة. أيّدَ العديد من المُشاركين وجهة النظر القائلة بأنه كانت هُناك، في جذور العضويات الاجتماعية الشرقية القديمة، علاقات انتاج تناحرية مُميزة، يُمكن تمييزها عن العبودية والاقطاع، ناهيك عن الرأسمالية. هناك آخرون لم يقبلوا بهذا الرأي. لا تزال نسبة كبيرة من العلماء السوفييت حتى الآن تنظر الى المُجتمعات الشرقية القديمة على أنها مُجتمعات عُبودية. وهكذا تظل القضية مفتوحة للنقاش.
يجب على المرء، في هذا الصدد، أن يؤكد أنه لا يوجد أي حل لهذه المُشكلة يتعارض مع الفهم المادي للتاريخ، لأنه في كلتا الحالتين، يظل مبدأ أن التاريخ البشري هو عملية تاريخية طبيعية لتطور وتعاقب التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، ثابت تماماً.

***

هناك قضية أُخرى. ما الذي تُمثّله التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية حقاً، كمراحل في التطور التاريخي، وبأي طريقة يحدث تعاقبها في الواقع التاريخي؟ على مستوى النظرية، تظهر التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كعضويات مُتميزة، ويظهر تعاقبها على شكل تبدّل عضوية بأُخرى. تظهر فيها التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية الصرف كأشكال مُتعاقبة من وجود المُجتمع البشري الصرف بشكلٍ عام، وتُشكّل في حدّ ذاتها عضويةً اجتماعيةً واحدةً مُستمرة.
لكن في الواقع، لا تظهر التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كعضويات اجتماعية مُتميزة، ولا يُشكّل المُجتمع البشري ككل عضويةً اجتماعيةً واحدة. لطالما كانت تُشكّل عُضوياتٍ اجتماعية مُتعددة، تظهر وتتطور وتنحل. لا مفرّ من مثل هذا الفرق بين النظرية والواقع. لقد سَبَقَ وأن أشرنا أعلاه، أن أي عملية تاريخية مُعينة، تظهر، على مُستوى النظرية، في جانبها النقي والمثالي Ideal وفي شكلها المنطقي. وكما أوضَحَ انجلز فإن المنهج المنطقي "ليس سوى المنهج التاريخي، مُتجرداً من الشكل التاريخي ومُحيّداً الأحداث الصدفية. يجب أن تكون النقطة التي يبدأ فيها هذا التاريخ، هي نقطة بداية الفكر، وسيكون تقدّمه اللاحق انعكاساً، بشكل تجريدي ومُتسق نظرياً، لمسيرة التاريخ الواقعي. وان كان يجب تصحيح الانعكاس، فيجب تصحيحه وفقاً لقوانين التاريخ الفعلي، حيث يُمكن دراسة كُل عامل في مرحلة التطور حين يصل الى مرحلة النُضج الكامل، شكله الكلاسيكي"(11). لذا، فإن نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية هي انعكاس لعملية تطور المُجتمع في صورةٍ مُجرّدةٍ ومُتسقةٍ نظرياً.
تعكس نظرية كُل تشكيلة اجتماعية مُتميزة، الضرورة الموضوعية لتطور جميع العضويات الاجتماعية التي تحوز في قاعدتها منظومة مُعيّنة من علاقات الانتاج. تُعيد نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية انتاج التطور العام لجميع التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، أي المُجتمع الانساني برمته. لكن هذا الفرق يحتاج الى ضبط. يُمكن مثلاً، في الحالة الأُولى، عندما نتحدث حول جميع العضويات الاجتماعية من نفس النمط، أن نعني كُلُّ واحدةٍ منها على حِدة. ولكن ما الذي يدور في بالنا عندما نتحدث حول جميع العضويات الاجتماعية في الحالة الثانية؟ هل نعني كُل عضوية بمعزلٍ عن الأُخرى، أم أننا نعني جميع العضويات الاجتماعية مأخوذةً معاً؟ يتوقف تفسير نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية على الاجابة على هذا السؤال. اذا اعتمدنا الاجابة الأولى، فإن نظرية التشكيلات تطرح نفسها لنا بذلك على أنها ادراك للضرورة الداخلية لتطور كُل عضوية مأخوةذً بنفسها. ولكن، في الحالة الثانية، يَطرَح التطور الصَرف للمُجتمع الانساني وتعاقُب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، أقول، يَطرَح نفسه لنا كتحقيق للمنطق الموضوعي الداخلي لتطور جميع العضويات الاجتماعية المأخذوة بشكلٍ مُستقل.
لم تُطرَح هذه المسألة بوضوح في الكتابات الفلسفية والتاريخية الماركسية لفترةٍ طويلة. ولكن عملياً، كان دائماً ما يُجاب عليه. ان الغالبية العُظمى من العُلماء والباحثين، وغالباً دونما أن يُدركوا ذلك بوضوح، يميلون بطريقةٍ أو بأُخرى في التحليل النهائي نحو الاجابة الأُولى. ان مُعالجة التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كتغيرات مُتعاقبة لنمط عضوية اجتماعية فردية، يتوافق مع حقائق التاريخ الأوروبي، انطلاقاً من الاقطاعية المُتأخرة. استُبدِلَ الاقطاع بالرأسمالية كقاعدة، على شكلِ تحوّلٍ نوعيّ للعضويات الاجتماعية القائمة. تحوّلَت العضويات الاجتماعية نوعياً من اقطاعية الى برجوازية، وهذه العضويات في نفس الوقت، ظلّت كوحدات مُنفردة وفردية في التطور التاريخي. فرنسا على سبيل المثال، تحوّلت من مُجتمع اقطاعي الى برجوازي، ولكنها ظلّت فرنسا في نفس الوقت. هناك شيء مُشترَك بين فرنسا الاقطاعية المُتأخرة وفرنسا البرجوازية على الرغم من جميع الاختلافات: فقد ظهَرَت كمراحل مُتعاقبة من تطور المُجتمع الفرنسي. كما كان للانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية شكل التحوّل النوعي لعضويةٍ اجتماعيةٍ قائمة.
هذا جَعَلَ من المُمكن التعاطي مع نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كأنه تطور كُل عُضوية اجتماعية على حدة "تمر" التشكيلات الاجتماعية جميعها فيها. ان مُطابقة تطور المُجتمع ككل، مع تطور كُل مُجتمعٍ على حدة، لأغراضٍ عملية، يدعمه المعاني المُتعددة لمفهوم "المُجتمع" المذكورة أعلاه. ان استبدال فكرة المُجتمع الانساني بفكرة العضوية الاجتماعية لا تُشكّل فارقاً. والنتيجة بناء نظرة لتاريخ المُجتمع كمجموع لتاريخ عدد من العضويات الاجتماعية. يتحدث أنصار وجهة النظر هذه ليس عن "العضويات الاجتماعية" بل عن "الأُمم" و"الدول". ومع ذلك، هذا لا يؤثر على جوهر المسألة. النُقطة الأساسية هي أن تعاقب التشكيلات يُطرح كعملية تحدث حصرياً داخل العضويات الاجتماعية، وأن التشكيلات نفسها تُوضع بوصفها مراحل لتطور المُجتمعات الملموسة. بطبيعة الحال، لا يُمكن أن تظهر حتمية دور التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كمراحل لمُجتمعات فردية وأيضاً للانسانية جمعاء، عند أخذ هذه النظرة للتشكيلات بعين الاعتبار، الا على انها تظهر فقط قابلة للتطبيق على جميع العضويات الاجتماعية، كشيء عالمي. ان الأساس الوحيد للنظر الى التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية على أنها ذات صلة بالمُجتمع البشري كُله بشكلٍ عام، هو مُتطلّب أن يمر كُل مُجتمع فردي من خلالها.
وبطبيعة الحال، فإن الباحثين الذين يلتزمون بوعي أو بغير وعي بمثل هذه النظرة، لا يُمكن سوى أن يفشلوا في رؤية أن هناك حقائق تتعارض مع تصوراتهم. لكنهم يُوجهون انتباههم، من بين جميع هذه الحقائق المُحتملة، الى تلك التي يُمكن وصفها بأنها "استثنائات". يُفسرون مثل هذه "الاستثنائات" على أنها شذوذ حتمي عن القاعدة ناتجٍ عن مزيجٍ من الظروف الاستثنائية. لكن الأمر في الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك.
ان العضويات الاجتماعية التي حلّت فيها التشكيلة الرأسمالية محل الاقطاعية (مثل فرنسا)، ومن ثم حلّت فيها الاشتراكية، معروفة جيداً. ولكن من الصعب العثور على عضوية اجتماعية حلَّ فيها الاقطاع محل العبودية (على سبيل المثال روما انهارت بانهيار العبودية، ولم تدخل في المرحلة الاقطاعية). لم تتحول العضويات الاجتماعية العبودية في العصر القديم الى عضويات اقطاعية، أي أنها لم "تنتقل" الى مرحلةٍ أعلى، ولكنها اختفَت وهَلَكت. لم تكُن هي، بل عضويات اجتماعية جديدة التي ظهرت على أنقاضها، وصارت اقطاعية. وهكذا، لا يَظهَر المُجتمع العبودي كمرحلة من التطور الداخلي للمُجتمعات الفردية، أي للعضويات الاجتماعية. بقدر ما يُوافق عدد كبير من المؤرخين السوفييت على مفهوم تعاقب المراحل المُوضّح أعلاه، الا أن بروز هذه الحقيقة بدا لهم على أنه مُساوٍ للدليل على أن التشكيلة العبودية هي ليست مرحلة نظامية من مراحل تطور المُجتمع البشري. ظَهَر المُجتمع العبودي في نظر بعضهم، كفرعٍ جانبيٍّ لتيار التاريخ السائد(12).
بالاضافة الى ذلك، العصور القديمة (العبودية) ليست استثنائية. طَرَحَ كُل التاريخ العالمي نفسه، بشكلٍ عام، حتى الاقطاعية المُتأخرة، ليس في شكل عملية انتقالات من مرحلةٍ الى مرحلة لعددٍ مُحددٍ من العضويات الاجتماعية التي كانت موجودةً على الداوم، ولكن كعملية ظهور وتطور وانحلال العديد من العضويات الاجتماعية. انها تتواجد مع بعضها ليس في المكان فقط، ولكن أيضاً في الزمان، الواحدة تلو الأُخرى. لا يعرفُ التاريخ عضويةً اجتماعيةً واحدةً ظَهَرَت مرةً واحدةً، ثم "مَرّت عبر" جميع التشكيلات. بدلاً من ذلك، نحن نعرف عدداً هائلاً من العضويات الاجتماعية التي لم تنتقل من تشكيلةٍ الى أُخرى في تطورها الداخلي. بعبارةٍ أُخرى، فيما يتعلق بهذه العضويات، لا تظهر التشكيلات كمراحل لتطورها الداخلي، بل كأنواعٍ لها. تنتمي غالبية العضويات الاجتماعية في العالم القديم والعصور الوُسطى الى هذه الفئة.
هذا يتضح بشكلٍ خاص من مثال الشرق القديم، والذي يظهر كُل تاريخه كعملية لظهور وانحلال مُتعاقبين للعضويات الاجتماعية ولمجموعات كاملة منها (دول مُدُن سومر، بابل القديمة، بابل الجديدة، امبراطورية الميديين، امبراطورية أورارتو، عيلام، ميتاني وغيرها). وهكذا، ان نظرنا الى تاريخ أوروبا من القرن السادس عشر الى القرن العشرين ووجدنا تغيراً في نوع التشكيلات الاجتماعية، بينما حافَظَت العضويات نفسها على هويتها كوحدات للتطور التاريخي، فإن العكس تماماً هو سمة الشرق القديم: نرى ظهور وانحلال العضويات الاجتماعية كوحدات للتطور التاريخي لكن دون تغيّرٍ في نوعها، أي في التشكيلات القائمة.
هذه الحقائق وما شابهها، تُثبت بلا مُنازع ليس فقط أنه لا يُوجد عضوية اجتماعية من شأنها أن "تمرّ عبر" جميع التشكيلات، ولكن أيضاً لا يوجد تشكيلة اجتماعية اقتصادية "تمر من خلالها" جميع العضويات الاجتماعية. وينطبق هذا في الجوهر، حتى على التشكيلة الاجتماعية المشاعية البدائية، التي يُنظر اليها عادةً على أنها مرحلة عالمية حقيقية من التطور، والتي لا يُمكن لأي شعبٍ أن تفوته بأي حال. ومع ذلك، يجب أن لا يفوت المرء أن الانتقال من مجتمع ما قبل طبقي الى مُجتمع طبقي لم يحدث أبداً في شكل تحوّل نوعي لأي عضوية اجتماعية موجودة. وهكذا لم تظهر التشكيلات الاجتماعية الطبقية الأصلية كمراحل من التطور الداخلي لأي عضوية اجتماعية مُحددة ومُعطاة. لا تتأثر هذه الحقيقة كثيراً بما اذا كنا نتحدث حول "الأُمم" أو "البُلدان" طالما أن للأُمم والبُلدان الملموسة (ما لم يتم استخدام المُصطلح الثاني كتعبير جُغرافي فقط) لا تدوم الى الأبد، ولكنها تظهر وتنحَل. على سبيل المثال، يُمكن للمرء أن يقول دون قيدٍ أو شرط أن الروس والألمان والفرنسيين والانجليز "اجتازوا" مرحلة البناء الاجتماعي المشاعي البدائي، مع أنه من المعروف جيداً أن جميع هذه الأُمم قد تشكلت بعد زمنٍ طويلٍ من المُجتمعات البدائية، وفي سياق تطوره اللاحق. بالاضافة الى ذلك، لم يكن حتى وقت انحلال البناء المشاعي البدائي روس أو بيلاروس أو اوكرانيون، ولكن كان هناك كريفياتشكيين Kriviachki وبياتشيين Biatichi وبوليانز Polians وديغوفيتشيين Dregovichi وسلوفينيين Slovenes ومجموعات اثنية سلافية شرقية أُخرى. ان وجود استمرارية شاملة بين السلوفينيين النوفغورد والكريافياتشكيين والبياتشيين من ناحية، والروس من ناحيةٍ أُخرى، يجب أن لا يحجب عنا حقيقة أننا لا نتعامل هُنا مع نفس المُجتمع الاثني، بل مع مُجتمعات مُختلفة.
في الوقت الحاضر، يُقر المؤرخون السوفييت بـ"عدم عالمية" التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية العبودية(13). ولكن بنفس المعنى، التشكيلات الاقطاعية والرأسمالية ليست عالميةً أيضاً. نتيجةً لذلك، توصّلَ عدد من المؤرخين السوفييت الى استنتاج مفاده أنه ليس فقط التشكيلة العبودية، بل جميع التشكيلات الأُخرى، لا تُمثّل خطواتٍ نظاميةً في تاريخ المُجتمع، بل تُمثّل أنماطاً للمُجتمع(14). ليس هذا سوى رفض صريح لنظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية.

***

يُثير مثل هذه النظرات أعلاه المؤرخين والسوسيولوجيين الذين يقفون مواقف غير ماركسية من أجل تبرير رفض نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. تظهر هذه النظرية بالنسبة لهم في كثيرٍ من الأحيان كمُخطط مفاهيمي صرف يتعارض مع الواقع التاريخي. لكن في الواقع، التعارض مع التاريخ لا ينطبق على الاطلاق مع نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، بل تفسيرها الذي ذكرناه أعلاه هو الذي يتعارض مع الواقع التاريخي، والذي يُحولها الى انتظامٍ داخليٍّ لتطور كُل عضوية اجتماعية تُعامَل على حِدة.
يقبع في قاعدة هذا التفسير نظرة الى تاريخ المُجتمع كبروز بسيط لتاريخ عضويات اجتماعية مُنفصلة، يتطور كُلٌّ منها بشكلٍ مُستقل. وبالتالي تُختَزَل وحدة العملية التاريخية العالمية بشكلٍ حصري في عمومية القوانين التي تعمل في كُل عضوية اجتماعية. وبالمُقابل، تُفهم نظرية التشكيلات الاجتماعية على أنها انعكاس لتطابق تطور جميع التشكيلات الاجتماعية.
لكن في الواقع، تاريخ المُجتمع الانساني، الذي يتألف من تاريخ المُجتمعات المُنفصلة، لا يُشكّل كُلّاً واحدة، ولا يُختَزَل في مجموع تطورات المُجتمعات الفردية. وبالمثل، تُعبّر نظرية التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية عن وحدة العملية التاريخية العالمية. انها تُعبّر عن الضرورة الموضوعية الداخلية لتطور ليس كُل عُضوية اجتماعية مأخوذةً على حِدة، بل تطور جميع العضويات الاجتماعية مُجتمعةً، أي تطور كُلية المُجتمع البشري منظوراً اليه كوحدةٍ واحدة.
ويترتب على ذلك أن التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية هي قبل كل شيء مرحل التطور العام للمُجتمع البشري. ان تاريخ كُل عضوية اجتماعية ما هو الا جزء صغير من تاريخ المُجتمع الانساني بأسره. وفوق كُل شيء، ما ينطبق على الكُل ليس بالضرورة أن ينطبق على كُل جزء من الأجزاء التي يتألف منها الكُل. لا يُمكن لتطور أجزاء العُضويات الاجتماعية الا أن يختلف عن تطور الكُل. ان جميع التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية "تمر عبر" المُجتمع الانساني ككل، وليس "عبر" العضويات الاجتماعية الفردية التي يتكون منها. قد تتمظهر التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية في تاريخ عضويات مُعينة، ويتمظهر بعضها الآخر في تاريخ عُضويات اجتماعية مُختلفة تماماً. واذا اختفت بعض العضويات الاجتماعية أو غيرها، فهذا لا يعني أن تطورها لم يُجسّد هذه المرحلة أو تلك من مراحل تطور المُجتمع البشري ككل.
يجب على المرء أن يتذكر أن مفهوم التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية نفسه، كمراحلٍ للتطور، لم ينشأ نتيجةً لمُقارنة تاريخيات عضويات اجتماعية مُنفردة واستنباط مراحلها، والتي ستنطبق بعد ذلك على جميع العضويات بلا استثناء، بل عن طريق الكشف عن ما يُميّز هذه الحُقبة من تاريخ العالم عن تلك يُمكن للمرء أن يفهم ما تعنيه التشكيلات الاجتماعية كخطواتٍ في تطور المُجتمع ككل وكيفية تعاقبها، عند النظر في تلك الحُقَب والعصور.
فقط في الحُقبة البدائية، كانت جميع العضويات الاجتماعية تنتمي الى نفس النمط. منذ لحظة ظهور المُجتمعات الطبقية، كانت هناك دائماً بشكلٍ مُتزامن، عضوياتٍ اجتماعيةٍ لا تنتمي الى نمطٍ واحد، بل الى مجموعةٍ مُتنوعةٍ منها. إن كان الأمر كذلك، فبأيّ أساسٍ يُمكن للمرء أن يقول أن المُجتمع البشري ككل يجد نفسه في هذه المرحلة أو تلك من مراحل تطوره، وما هي المعايير الموضوعية التي تُمكّن المرء أن يعرف في أيٍّ من هذه المراحل يجد نفسه بالضبط؟ يُمكن تحديد في أي من المراحل تقع عضوية اجتماعية مُعينة من خلال النظر في منظومة علاقات الانتاج الكامنة في قاعدته. لكن ماذا يُمكن للمرء أن يقول عن المُجتمع البشري ككل، ان كانت العضويات الاجتماعية في العالم تنتمي الى مراحل مُختلفة؟
ان تمسّكَ المرء بالنظرة القائلة بأن التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية هي مراحل مُماثلة لتطور مُجتمعاتٍ مُنفردة، عندئذٍ يُمكن أن يكون المعيار كمياً فقط. يُمكن للمرء أن يُصنف مُجتمعاً ككل في مرحلةٍ من التطور تتوافق مع غالبية العضويات الاجتماعية الموجودة في تلك اللحظة، والتي تتوافق مع الظروف التي تعيش فيها غالبية البشرية في ذلك الزمن.
يكشف مفهوم المُجتمع البشري ككل عن إمكانية السير على مُقاربةٍ مُختلفة.
لا توجد العضويات الاجتماعية من هذا النمط أو ذلك بمعزلٍ عن غيرها. يُشكّل عدد مُحدد من العضويات الاجتماعية من نمطٍ واحد، في كثيرٍ من الأحيان، كُلّاً مُتماسكاً الى حدٍّ ما. تظهر منظومة العلاقات الانتاجية الموجودة في قاعدة كُلٍّ منها، في هذه الحالة، كأجزاءٍ من كُلٍّ اقتصاديٍّ موحّدٍ الى حدٍّ ما. وهكذا، تكون العضويات الاجتماعية مُتّحدةً في مثل هذه الحالة، ليس فقط بمُجرّد تطابق بُناها الاقتصادية، بل أيضاً من خلال وجود قاعدة اقتصادية موحّدة. وبالتالي، توجد التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية ليس فقط في مُجتمعاتٍ مُنفردة، بل في منظومةٍ من تلك المُجتمعات. انها ليست أنواعاً للعضويات الاجتماعية، بل أنواعٍ لأنظمةٍ كاملةٍ منها.
يُمكن لأنظمة العضويات الإجتماعية من نمطٍ واحد أن تختلف ليس فقط في الحجم، بل أيضاً في مدى تأثيرها على العضويات والأنظمة الاجتماعية المُجاورة. لم تُشكّل العضويات الاجتماعية من نمطٍ واحدٍ نظاماً عالمياً شاملاً حتى في فترة المُجتمع البدائي. كان من سمات هذا النمط من المُجتمع وُجود العديد من أنظمة العضويات الاجتماعية المحلية. نتيجةً للتطور غير المُتكافي الذي لُوحِظَ سابقاً، ناهيك عن العوامل الأُخرى، لم يكن من المُمكن أن يوجد نظام عالمي شامل لعضوياتٍ اجتماعيةٍ من نمطٍ واحد حتى في المراحل اللاحقة أيضاً، ولا يزال هذا هو الحال حتى عصرنا.
ولكن، إن لم يكن من المُمكن التحدث عن أنظمة عضويات اجتماعية شاملة من نمطٍ واحد، اذاً، فعند الانتقال الى الى المُجتمع الطبقي، من المُمكن أن نتحدث عن أنظمةٍ عالمية (وان لم تكن شاملة)، أي تلك التي كانت مراكز للتطور التاريخي العالمي، والتي كان يُمكن تمييز وجودها-حتى لو لم يظهر دُفعةً واحدة- في التحليل النهائي، في المسيرة الكاملة للتاريخ الانساني.

***

لم يحدُث الانتقال من المُجتمع ما قبل الطبقي الى المُجتمع الطبقي، كما هو معروفٌ جيداً، في نفس الوقت في جميع مجالات الاستيطان البشري. تشكّلَت أولى المُجتمعات البشرية الطبقية بشكلٍ كاملٍ فقط، في منطقتين مُحددتين، وادي النيل والمنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفُرات. ظهرت هكذا، أولى المراكز الاقليمية للتطور التاريخي مُحاطةٍ بأطرافٍ تاريخيةٍ ظلّت مُتخلفةً في تطورها (على سبيل المثال، أحاط الدولة الآكادية قبل 2400 عام من الميلاد، مجموعة من القبائل البدوية الأكثر تخلفاً في الجنوب، ومثال آخر وجود مجتمعات مشاعية بدائية كانت تُحيط حضارة وادي الاندوس في الهند)
سارَ التطور اللاحق للبشرية، من ناحية، على طريق ظهور مراكز اقليمية للتطور التاريخي جديدة مُستقلة (وادي الإندوس Indus (السِند) وهوانغ هو Hwang-Ho (أ)) من ناحية، وطريق تشكّل نُظُم المُجتمعات الطبقية الذي يتضمن الشرق الأدنى بأكمله، من ناحيةٍ أُخرى. لا يُمكن القول بأن نظام المُجتمعات الطبقية في الشرق الأدنى الذي يضم مصر وبلاد ما بين النهرين بأنه أحد المراكز الاقليمية العديدة للتطور التاريخي. لقد كان مركزاً للتطور التاريخي العالمي، ولم يظهر، بهذا المعنى، على أنه نظام اقليمي، بل ظَهَرَ كنظامٍ عالمي. صارت العلاقات الطبقية، مع تشكّل هذا النظام، تُهيمن على تطور المُجتمع البشري ككل.أخيراً حلّ عصر جديد-عصر الشرق القديم- بشكلٍ لا رجعة فيه محل تاريخ العالم البدائي.
إن أبرز خصوصية لتطور المُجتمع الطبقي في الشرق القديم هو التحول السياسي الدائم للخارطة العالمية. انحلّت تشكيلات حُكومية وظهرت تشكيلات حُكومية أُخرى. احد الأسباب الرئيسية لذلك هو التناوب الذي يُميّز جميع بُلدان الشرق القيدم بين فترات وُجود عضويات اجتماعية قوية، وبالتالي الاستبداد المركزي القوي، مع فترات تفككها الى مُجتمعات أصغر، وبالتالي الى تشكيلات حُكومية أصغر(15).
يجب على المرء أن يؤكد في هذا الصدد، أنه في حين أن مفهومي "البلد" والعضوية الاجتماعية" يتطابقان عموماً في سياقاتٍ مُعينة في التاريخ الحديث، الا أن هذا يختلف تماماً في الشرق القديم. يُمكن أن يكون البلد نفسه في فترةٍ ما عضوية اجتماعية واحدة، وقد يُشكّل في فترة أُخرى، مزيجاً من العضويات الاجتماعية شبه المُستقلة أو حتى المُستقلة. يُمكن قول الشيء نفسه تقريباً عن مفهوم "العضوية الاجتماعية" و"الدولة". ان ظهَرَت كُل عضوية اجتماعية، بشكل أساسي، كدولة، في التاريخ اللاحق والتاريخ الحديث، فإن الأُمور كانت في الشرق القديم أكثر تعقيداً. قد تتطابق حدود الدولة مع حدود العضوية الاجتماعية، وقد لا تتطابق معها.
وكما يتضح، كان قانون تطور التشكيلة الآسيوية يقول بأن هناك تبدلاً في فترات وُجود العضويات الاجتماعية العظيمة ومن ثم تحللها الى عضوياتٍ أصغر. من الواضح تماماً أن هذا الأمر لم يحدث في نفس الوقت في جميع بُلدان الشرق الأدنى. في ذلك الزمن، في حين شهِدَت إحدى المناطق وجود عضويات اجتماعية عظيمة، كان يُمكننا أن نرى أن بعضها الآخر كان في حالة انحلال. هذا كُله غيّر الخارطة السياسية.
كان يُمكن للعضويات الاجتماعية العظيمة، في ذروة قوتها ونتيجةً لسلسلةٍ من الغزوات المُنتصرة، إخضاع عددٍ كبيرٍ من العضويات الاجتماعية الكبيرة الأُخرى الأضعف أو الأصغر. وعلى هذا نشأت امبراطوريات هائلة، شكّلَت تكتلاتٍ مُعقدةٍ من العضويات الاجتماعية من مُختلف الأنواع. كان يُمكنها أيضاً، أن تضم، بالاضافة الى العضويات الاجتماعية الطبقية، مناطق يسكنها أُناس كانوا يمرون بمرحلة تفكك العشيرة أو المُجتمع القَبَلي، أي مناطق الأطراف أو المُحيط التاريخي. أدّى هذا الوضع الى تسريع تشكّل المُجتمعات الطبقية في تلك المناطق، وتوسيع مساحة مراكز التطور التاريخي على حساب المُحيط أو الأطراف.
من الواضح تماماً أن الامبراطوريات التي انبَثَقَت من الغزو لم تكن مُستقرةً ودائمة. تحلل الكُل وانهار حتماً، مع تنامي ضعف العضوية الاجتماعية في قلب مثل هذه التشكيلة السياسية. أدى المزيد من الضعف، أو بالأحرى تفكك العضوية المعنية، الى وضعٍ خضعت هذه العضوية فيه، أو الأجزاء المُتفككة منها، نقول خضعت الى سلطات الغُزاة. لم يكن من النادر أن يكون هؤلاء الغُزاء هم شُعوب الأطراف، الذين مروا بمرحلة تشكل الطبقات والدولة. لقد كانوا أحياناً ينجحون في اقامة امبراطورياتٍ عظيمة، تُغطّي مناطق كبيرةٍ من المركز التاريخي. كانت نتيجة كُل هذا مرةً أُخرى توسيع المركز على حساب الأطرف. كما يتضح مما ذُكِر، أنه لا يُمكن بأي حال من الأحوال تفسير انحلال وظهور العضويات الاجتماعية، ونشوء وتفكك تشكيلات سياسية كبيرة، وتوغلات شعوب الأطراف التاريخية الى مناطق التطور التاريخي، على أنها انحرافاتٍ عن القاعدة، أي كحالاتٍ شاذة. كُل هذا يبدو كقاعدة بالنسبة لمُجتمعات الشرق القديم(ب).
في حين أننا نواجه، عند دراستنا التاريخ الأُوروبي، بدءاً من الاقطاع المُتأخر، عضويات اجتماعية لا ينتهي وجودها حتى عندما يحصل هذا التحول الجذري الذي يتأثر بتغير التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية، الا أنه في دراسة تاريخ الشرق القديم، لا نجد عضوية اجتماعية واحدة استمرت في الوجود طوال هذه الحُقبة. اختفت جميع العضويات الاجتماعية التي نشأت أثناء الانتقال الى المُجتمع الطبقي قبل وقتٍ طويلٍ من انتهاء عصر الشرق القديم. ولم تكن العضويات الاجتماعية الشرقية القديمة تُحافظ على وجودها خلال التغيرات التي انطوى عليها تبدّل التشكيلة الاجتماعية. بالاضافة الى ذلك، من المُمكن أن نقول مُسبقاً أن تبدّل التشكيلة الآسيوية بأُخرى أكثر تقدماً لم يحدث كتحوّلٍ نوعي للعضويات الاجتماعية، والتي كانت ستبقى على هذا النحو، كوحداتٍ للتطور التاريخي. كما أنها لم تأخذ شكل دمار أو انهيار العضويات الاجتماعية الآسيوية وظهور عضويات جديدة عبودية مكانها. كان مسار التطور الحقيقي أكثر تعقيداً.
ما يُهم هو أن العضويات الاجتماعية من نمطٍ جديد لم تظهر على الاطلاق في تلك المنطقة نفسها التي وصلَ فيها المُجتمع الآسيوي الى أقصى ذورة تطور له، بل ظَهَرَت على أحد أطراف النظام العالمي للعضويات الاجتماعية الآسيوية المُتاخمة مُباشرةً للمُحيط التاريخي لزمنها-في الجُزء الغربي من آسيا الوسطى وشبه جزيرة البلقان. هذا الظرف طَمَسَ من نواحٍ كثيرة بالنسبة لغالبية المؤرخين حقيقة وجود استمرارية بين التشكيلات الآسيوية والتشكيلات القديمة. تؤكد ايلينا شاتيرمان، على سبيل المثال أن "المُجتمع القديم نشأ على أساس تفكك بُنية المُجتمع البدائي، وليس نتيجةً لتطور المُجتمعات الطبقية الأبكر من النمط الشرقي القديم، ولا يُمكنه (المُجتمع القديم) أن يُعتَبَر بالنسبة لها، كمرحلة أعلى منها أو مُرتبط بها"(16).
ان الزعم بأن المُجتمع القديم نشأ مُباشرةً من مُجتمع مشاعي بدائي قد انتَقَلَ من مؤلّف تاريخي الى آخر. ان تكرار هذا الأمر جعله يبدو بديهياً. لكن من المُستحيل الموافقة على ذلك بدون تحفّظ. يبدو أنه لا شك في أن المُجتمعات القديمة، أي العبودية، سبقتها في نفس المنطقة عضويات طبقية، ولكن من نمطٍ مُختلف. بقدر ما تسمح البيانات المُعطاة لنا لكي نحكم، فإن الممالك الآخية Achaianاختلفت قليلاً في بُنيتها الاجتماعية-الاقتصادية عن مُجتمعات الشرق القديم. ان وجهة النظر القائلة بأن اليونان الآخية تُقدّم لنا نفس تشكيلة الشرق القديم، تدعمها بشكلٍ لافت سمات تطور المُجتمعات الطبقية اليونانية الأقدم. بعدما ازدهرت، مرت بفترةٍ من الانحلال، وغزو قبائل المُحيط التاريخي، وانهيار العضويات الاجتماعية للمُجتمعات الطبقية الأقدم.
كان الدوريان Dorian اليونانيين، عند لحظة غزوهم لاقليم اليونان الآخي، في مرحلة تشكّل المُجتمع الطبقي. هذا الظرف، قدّمَ أساساً للقول بأن المُجتمع القديم نشأ مُباشرةً من الأشكال ما قبل الطبقية. هُناك عُنصر من الحقيقة في هذا، ولكن عُنصر واحد فقط، وليس كُل الحقيقة. من المعروف أن عدداً من المناطق اليونانية، من ضمنها أتيكا Attica، لم يغزوها الدوريانيين. كان سكان أثينا القديمة يتألفون من أُناسٍ عاشَ اسلافهم البعيدون الى حدٍّ ما في مُجتمعٍ من النمط الآسيوي(جـ). لهذا السبب وحده، سيكون من الخطأ التحدث عن أن مُجتمع أثينا العبودي قد حلَّ محل مُجتمع مشاعي بدائي، حتى لو قَبِلَ المرء الرأي القائل بأن انحلال بُنية اليونان الآخية كان كاملاً بما يكفي ليؤدي الى حلول مُجتمع مشاعي بدائي محل مُجتمع طبقي. على أي حال، لا توجد بيانات تشهد على وجود علاقات مشاعية بدائية في أتيكا في مطلع الألفية الثانية والأولى قبل الميلاد. لكن القضية لا تتوقف فقط على وجود مناطق نجت من غزوات الدوريان. لم يستطع الدوريانيين أنفسهم النجاة من تأثير مستوى التطور الثقافي الآخي الأرقى. كان من الأسهل عليهم استيعاب مُنجزات الثقافة الآخية، لأنهم كانوا مُساوين للآخيين على المستوى التقني. من الواضح، أن الانحدار أو التراجع لم يكن أكثر من حلول مجتمع طبقي بدائي محل مُجتمع طبقي مُبكّر.
أتاح حلول العصر الحديدي محل العصر البرونزي، الذي حَدَثَ في أراضي اليونان، الانتقال الى تشكيلة اجتماعية-اقتصادية طبقية جديدة، تشكيلة أكثر تقدميةً من التشكيلة الآسيوية التي ظَهَرَت في العصر النحاسي والبرونزي. لكن هذا الاحتمال لم يكن ليصبح واقعاً لو لم تكن اليونان جزءاً من طرف المركز القديم للتطور التاريخي العالمي، ولولا وجودها ضمن منطقة تأثير أراضي الشرق القديم المُستمر والمُتعدد الجوانب.
ان المؤرخين الذين يرون أن العبودية ليست مرحلة حتمية ونظامية في تطور المُجتمع البشري، بل استثناء وانحراف عن المسار الطبيعي للتطور، يستخدمون كأحد الأدلة غلى ذلك حقيقة أنه لا يوجد أي مكان على وجه الأرض، باستثناء اليونان وايطاليا في الألفية الأولى قبل الميلاد، أدى فيه انحلال المُجتمع المشاعي البدائي الى ظهور عضويات اجتماعية عبودية، دون التأثير المُباشر للمُجتمعات الطبقية المُتشكلة سابقاً.
وهذا لا يسمح سوى باستنتاجٍ واحد: لا يبدو أن المُجتمع العبودي هو أول تشكيلة اجتماعية-اقتصادية طبقية. يبدو أن التشكيلة الطبقية الوحيدة التي يُمكن أن تشنأ حصرياً على أساس انحلال المُجتمع المشاعي البدائي هي التشكيلة الآسيوية. وهذا لأن الانتقال من مُجتمع ما قبل طبقي الى التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية الآسيوية لا يتطلب أو يفترض وجود مُجتتمعات طبقية أقدم. يمكن للمُجتمعات الآسيوية أن تظهر كجُزُر معزولةً الى حدٍّ كبيرٍ عن بعضها البعض بين شعوب أو مجموعات بشرية تُحيط بها، تعيش في مرحل ما قبل طبقية، ويُمكن لتلك الجُزُر أن تُشكّل مراكز اقليمية للتطور التاريخي تُحيط بها الأطراف المُتبقية. جميع المُجتمعات الطبقية التي ظَهَرَت في مناطق كانت في ذلك الوقت خارج نطاق تأثير المراكز الحضارية التي تشكّلَت سابقاً، كان لا بُد لها من أن تكون آسيوية وليست عبودية أو اقطاعية. تؤكّد البيانات التي يُتيحها العلم فيما يتعلق بالبُنى الاجتماعية-الاقتصادية للمُجتمعات الطبقية البدائية والمُبكرة لأمريكا ما قبل كولومبوس واوقيانوسيا والمناطق الواقعة جنوب الصحراء الافريقية sub-Saharan، نقول، تؤكّد بيانات العلم، هذا الادعاء.
لم يكن المُجتمع العبودي هو الشكل الأول للمُجتمع الطبقي. لا يُمكن للمُجتمع العبودي أن يظهر كجزيرةٍ في بحرٍ من البُنى المشاعية البدائية. لا يُمكن أن تنشأ الشروط الضرورية للتشكيلة الاجتماعية الطبقية العبودية الا نتيجةً للتطور الطويل المُسبق للتشكيلة التناحرية الأولى. من المهم التأكيد على أن هذه الشروط لا يُمكن أن تَنتُج عن تطوّر أنظمة صغيرة نسبياً من التشكيلات الآسيوية، التي شكلت مراكز محلية أو اقليمية للتطور التاريخي. يُمكن أن تظهر العضويات الاجتماعية العبودية الأُولى فقط ضمن حدود نظام عالمي من العضويات الآسيوية، مثل تلك التي تشكّلت في الشرق الأدنى، ولم يحدث هذا سوى بعد اكتمال الانتقال الى العصر الحديدي.
وبالتالي، فإن محدودية نشوء مُجتمع العبودية في الزمان والمكان لا تتعارض على الاطلاق مع القول بأن التشكيلة القديمة (العبودية) كانت مرحلةً نظاميةً في تطور المُجتمع البشري. كان ظهور التشكيلة القديمة نتيجةً لازمةً وحتميةً لتطور التشكيلة الآسيوية، على الرغم من حقيقة أن العضويات الاجتماعية العبودية لم تنشأ في جميع أنحاء اقليم المركز القديم للتطور العالمي، بل على أحد أطرافه البعيدة. ان حقيقة أن التشكيلة العبودية يُمكن أن تشأ نتيجةً للتطور الطويل للمُجتمع الآسيوي صارت مُعترفاً بها أكثر فأكثر من قِبَل المؤرخين. كَتَب الاركيولوجي الانجليزي المعروف ليونارد وولي Leonard Woolley: "لقد تجاوزنا المرحلة التي كنا نقتفي فيها أثر جميع الفنون وننسبها الى اليونان، التي كان يُعتَقَد أنها نشأت منها، من عقل زيوس الأولمبي. لقد تعلمنا كيف أن زهرة العبقرية تلك استمدت عصارتها من الليديين والحثيين وفينيقيا وكريت وبابل ومصر. ولكن تغوص الجذور أعمق من كل هذا، انها تكمن في سومر"(17).
ان ظهور وتوطّد نظام من العضويات الاجتماعية من نمطٍ جديد وأرقى بكثير في أيونيا واليونان وايطاليا فيما بعد، في حين ظل النظام الاجتماعي والاقتصادي القديم قائماً في الشرق الأدنى، لا يعني شيئاً سوى تبدّل مركز التطور التاريخي العالمي. انتقل المركز الى البحر الأبيض المتوسط وصار الشرق الأدنى جُزءاً من المُحيط أو الأطراف التاريخية. وهكذا ظَهَرَت مُجتمعات طرفية طبقية جديدة الى جانب الأطراف الطبقية القديمة. كان ظهور هذا النظام العالمي الجديد بمثابة علامة على تحوّل الدور الريادي في تاريخ البشرية من التشكيلة الآسيوية الى التشكيلة العبودية. انتهى أحد عصور تاريخ العالم، وهو الشرق القديم، وبدأ عصر جديد آخر.
ظهرت التشكيلة العبودية، مثل التشكيلة الآسيوية، كمرحلةٍ في تطور المُجتمع البشري، وليس مرحلةً في تطور العضويات الاجتماعية. وكان حلول تشكيلة جديدة محله، أي التشكيلة الاقطاعية، حلولاً في شكل انهيار العضويات الاجتماعية العبودية وظهور عضويات جديدة، تطورت فيها العلاقات الاقطاعية وسادت. كما هو الحال مع انهيار العضويات الاجتماعية الآسيوية، ارتبط انهيار العضويات العبودية بغزو شعوب الأطراف التاريخية ما قبل الطبقية.
ان حقيقة أن حلول التشكيلة الاقطاعية محل التشكيلة العبودية لم يحدث داخل عضويات اجتماعية مُنفردة، بل على مُستوى المُجتمع الانساني ككل، حجبت الى حدٍّ كبير وجود استمرارية عميقة بين العبودية والاقطاع. كما أوضحتُ سابقاً، كان هذا قبل كُل شيء، الى جانب عدد من العوامل الأُخرى التي ذكرتها أعلاه، هو الذي قاد العديد من المؤرخين الى استنتاج أن المُجتمع العبودي لا يُمثّل بحد ذاته مرحلةً نظاميةً في التطور التاريخي، بل زقاقاً مسدوداً يتفرع من تيار التطور الانساني الرئيسي. ان الفشل التام في رؤية الاستمرارية بين أنظمة العضويات الاجتماعية يكمن أيضاً في أساس نوعٍ مُختلفٍ من الأفكار، والتي من شأنها أن تُجزئ التاريخ الانساني الى مجموع تواريخ "حضاراتٍ" مُتميّزة مُنفردة ومُنغلقة بذاتها.
في الواقع هناك استمرارية عميقة هُنا أيضاً. نظراً لأن تطور المُجتمع القديم مهّدَ الطريق لظهور الاقطاع وفقاً للقوانين الاجتماعية، فالشيء نفسه ينطبق على الرأسمالية أيضاً. أشار انجلز الى هذا: "بدون العبودية ما كان بالامكان وجود الدولة الاغريقية والفن الاغريقي والعلم الاغريقي. وبدون العبودية ما كان بالامكان وجود الامبراطورية الرومانية أيضاً. وبدون الأساس الذي أرسته اليونان وروما ما كان بالامكان وجود اوروبا المُعاصرة. ولا ينبغي لنا أبداً أن ننسى بأن تطورنا الاقتصادي والسياسي والفكري كله يستند الى مقدمة الى النظام الذي كانت فيه العبودية ضرورية بنفس القدر الذي كانت مُعترفاً بها فيه من قِبَل الجميع. ويحق لنا بهذا المعنى أن نقول: بدون العبودية القديمة ما كان بالامكان وجود الاشتراكية المُعاصرة"(18).
بشكلٍ عام، من الأسهل رؤية الاستمرارية بين أنظمة العالم العبودي والاقطاعي من رؤية الاستمرارية الموجودة بين النظامين الآسيوي والعبودي، لأن العضويات الاجتماعية الاقطاعية لم تظهر على أطراف مركز القديم للتطور التاريخي العالمي، بل ظهرت أيضاً في جميع أنحاء العالم تقريباً. ان حقيقة أن العضويات الاجتماعية الاقطاعية ظهرت أيضاً على أراضي الأطراف التاريخية ما قبل الطبقية لا تُناقض ذلك. تم الانتقال الى الاقطاعية فعلاً بين جميع الشعوب التي تسكن هذه المنطقة، وفقط عند الشعوب التي لم يكن مُستوى تطور التكنيك الزراعي لديها أدنى من مستوى شعوب العالم القديم، الذين سكنوا مناطق نفوذ الدول العبودية، ولاحقاً الذين سكنوا مناطق نفوذ نظام العضويات الاجتماعية الاقطاعية.
كان أفضل ظرف لظهور الاقطاع موجوداً على الطرف الشمالي الغربي لنظام العالم القديم، على أراضي فرنسا المُعاصرة. هناك فقط ظَهَرَت الاقطاعية في شكلها الكلاسيكي، وهُناك نشأت الظروف لتشكّل عضويات اجتماعية قوية ودائمة، والتي أصبحت، في تطورها اللاحق، عضوياتٍ رأسمالية. بهذا المعنى يُمكن القول أن انتقال الدور الريادي في تاريخ البشرية الى الاقطاع، وبداية عصر جديد في تاريخ العالم-العصور الوسطى-مرتبطان بانزياح جديد في مركز التطور التاريخي العالمي، هذه المرة الى أوروبا الغربية، حيث ظلّ هذا المركز هُناك حتى بعد نشوء الرأسمالية.
ان هيغل هو الذي اعتَرَفَ بحقيقة ان كل انتقالة الى مرحلة جديدة من التطور لم يحدث في حدود العضويات الاجتماعية الفردية بل على مستوى المُجتمع البشري ككل في تاريخ المُجتمع الطبقي وصولاً الى الرأسمالية، ولكنه في نفس الوقت شوّشها وحجبها. كان يقبع خلف تطور "الروح المُطلق" في فلسفته التاريخية، صعود مترابط ولكن خفي للتشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية وانزياح مركز التطور التاريخي العالمي.
أتّخَذَ الانتقال من التشكيلة الاقطاعية الى التشكيلة الرأسمالية شكل تحوّل للعضويات الاجتماعية المُكوّنة للنظام الاقطاعي العالمي، الى عضوياتٍ رأسمالية والتي كان مُكوّناً لنظامٍ عالميٍ واحد. ومع انتقال الدور القيادي الى التشكيلة الرأسمالية، حلّ العصر الحديث محل العصور الوسطى. شَمِلَ هذا الانتقال في البداية بعض العضويات الاجتماعية فقط. حافَظَت بعض العضويات الأُخرى على شكلها القديم لبعض الوقت. من الواضح أنه لم يكن من بُدّ أن وجود نظام رأسمالي عالمي جديد قد تَرَكَ بصمته على تطور العضويات الاجتماعية التي استمرت في كونها اقطاعية، وطَبَعتها بطابع مُميز في عملية تحولها الى عضوياتٍ برجوازية. على عكس كل التاريخ السابق، لم يحدث الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية على مستوى المُجتمع البشري ككل فحسب، بل أيضاً حدَثَ في كُل عضوية اجتماعية ايضاً. كان النظام الرأسمالي هو أول نظام جّذّب كل عضوية اجتماعية على وجه الأر ض الى مجال نفوذه الخاص. بهذا المعنى، بدأ التاريخ العالمي بالرأسمالية فقط.
لقد أرسَت ثورة اكتوبر العظيمة الأساس لنظام عالمي جديد، وهو النظام الاشتراكي الذي ظَهَرَ في الفترة اللاحقة كمركزٍ للتطور التاريخي العالمي، وبالتالي، افتتَحَ صفحةً جديدةً من التاريخ العالمي.
على مدار تاريخ العالم، حلّت أنظمة عضويات اجتماعية عالمية محل أُخرى، والتي قامت بالدور الريادي في تاريخ البشرية لفترةٍ من الزمن. في الوقت ذاته، كان هناك حلول حقبة محل أُخرى مع غير النظام. هناك رابطة عميقة من الاستمرارية بين أنظمة العالم المُتعاقبة، كان تطور كُل واحدٍ منها، باستثناء الشيوعي، يُهيئ لظهور نظامٍ جديدٍ أرقى.
يظهر التعاقب المُتتالي لأنظمة العضويات الاجتماعية العالمية في شكل تعاقبٍ تاريخي للتشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. ان كانت التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية كأنواعٍ للمُجتمع مُتجسدة في العضويات الاجتماعية والأنظمة الاجتماعية المُتنوعة، فإن مراحل التطور التي تمر فيها البشرية ككل توجد فقط في أنظمة العضويات الاجتماعية المعنية. لقد سبَقَ أن لاحظَ المؤرخون الى حدٍّ ما، تعاقب وحلول الأنظمة العالمية محل الأُخرى. لكن لم يكشف عن جوهر تلك الأنظمة سوى ماركس وانجلز، عندما صاغا نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. ان تعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية هو جوهر تعاقب الأنظمة العالمية، وبالتالي تعاقب العصور التاريخية.
لا يختفي نظام العالم القديم دَفعةً واحدة مع ظهور نظامٍ جديد وتوليه دور القيادة. يبدو أن النظام القديم هو استثناء. عندما لا يعود النظام كونه مركزاً للتطور التاريخي العالمي، فقد يُحافظ النظام على نفسه لبعض الوقت، وعلى الرغم من أنه لا يعود هو النظام المُهيمن، الا أنه يظل نظاماً عالمياً بطريقةٍ ما. قد تُحافظ العضويات الاجتماعية المُنفردة، التي تُشكّل هذا النظام، على نفسها لزمنٍ طويل حتى بعد النقطة التي يتوقف فيها النام عن أن يكون عالمياً ويصير نظاماً اقليمياً، وحتى بعد انحلال هذا النظام الاقليمي. طالما توجد عضويات اجتماعية مُنفردة والتي تكون علاقات اجتماعية من نوعٍ مُعيّنٍ في أساسها، فإن التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية المُعطاة تظل قائمةً، حتى وان لم تكن قائمةً كمرحلةٍ من التاريخ الانساني ككل، بل فقط كنوع للعضويات الاجتماعية ومرحلة تجد هذه العضوية الاجتماعية أو تلك نفسها فيها.
ان تأثير النظام العالمي الذي يتمظهر كمركزٍ للتطور التاريخي، لا يمتد الى جميع المُجتمعات، كما كانت الرأسمالية في فترة ازدهارها، بل يقع هذا التأثير على عددٍ كبيرٍ من العضويات الاجتماعية المُحيطة، والتي تجد نفسها في مرحلةٍ أدنى من التطور، أو في المرحلة البدائية. ان الشعوب المُتخلفة عن التطور والتي تجد نفسها في منطقة نفوذ عضويات اجتماعية أكثر تطورية، يُتاح لها فرصة النهل من مُنجزاتها الثقافية المادية والفكرية، وبالتالي تجاوز المراحل التي سبق للبشرية جمعاء أن مرّت بها.
ان حساب نتائج تأثير العضويات الاجتماعية المُتقدمة على العضويات المُتخلفة، والذي يتجاهل في نفس الوقت تأثيرها نفسه، هو أصل أحد التنويعات الفكرية التي تتحدث حول وجود التطور التاريخي مُتعدد الخطوط. كما يقول أنصار هذا الرأي، يعرف التاريخ أمثلةً على الانتقال المُباشر من البُنية البدائية ليس فقط الى البُنية الآسيوية، بل وأيضاً الى البُنية العبودية بشكلٍ مُباشرٍ أيضاً، وأيضاً الى الاقطاع مُباشرةً. واستنتجوا من هذا أن ما نتعامل معه هُنا، ليس سوى وجود ثلاث خطوط تطور مُتوازية مُتساوية في أهميتها(19). لكن التاريخ يعرف أيضاً حالاتٍ انتقال من التشكيلة البدائية مُباشرةً الى الرأسمالية أو الى الاشتراكية. ومع ذلك، لم يستطع أيٍّ من أنصار وجهة النظر هذه أن يؤكدوا أننا نتعامل هُنا مع خمس خطوط تطور مُتوازية. من الواضح تماماً أن الانتقال من البُنية البدائية الى الرأسمالية أو الاشتراكية لا يُمكن أن يتحقق سوى من خلال الفاعلية المُباشرة للعضويات الاجتماعية الرأسمالية أو الاشتراكية. ولكن في الحقيقة، هذا ينبق أيضاً على حالة الانتقال من التشكيلة البدائية الى التشكيلة العبودية أو الاقطاعية. لا يُمكن أن يتوفر الأساس لظهور العضويات الاجتماعية العبودية الا من خلال تلك العضويات البدائية في طور الانحلال والتي تجد نفسها في منطقة كانت تُشكّل سابقاً جُزءاً من من منظومة العضويات الاجتماعية الآسيوية (الدوريان Dorians)، أو في منطقة التأثير المُباشر لنظام العالم العبودي (الرومان). وبالمثل، يُمكن للعضويات الاجتماعية الاقطاعية أن تنشأ فقط على أساس هذه العضويات الاجتماعية البدائية المُتحللة التي تجد نفسها إما في المنطقة التي كانت تُشكّل سابقاً نظام العالم العبودي (الجرمان)، أو في منطقة تأثير العالم العبودي أولاً، ثم العالم الاقطاعي (السلافيون).
يبدو أن التمدد نحو العضويات الاجتماعية المُتخلفة هو خاصية تُميّز كل نظام عالمي يُشكّل مركزاً للتطور التاريخي الكُلّي. لم يكن من النادر أن كانت تلك المُجتمعات المُتخلفة توفرأساساً لنشوء عضوياتٍ اجتماعيةٍ من نمطٍ جديد، والتي تدخل بدورها في النظام العالمي. ان تمدد النظام العالمي مصحوب بتمدد لمناطق نفوذه. ينجذب المزيد والمزيد من العضويات الاجتماعية التي تنتمي الى مراحل أدنى، اليها.
ونتيجةً لذلك، يكتسب التاريخ طابعاً عالمياً أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى. في كل مرةٍ يخطو فيها خُطوةً الى الامام، يُصبح جذب العضوية التي تأخرت، الى المُستوى الذي وصلت اليه البشرية عموماً، ليس مُمكناً فحسب، بل حتمياً أيضاً. أصبَحَ هذا واضحاً بشكلٍ خاص عندما وصلت البشرية الى مرحلة التطور الرأسمالي، ونشأ النظام الرأسمالي العالمي، لاالذي دَفَعَ العالم كُله، خُطوةً بخطوة، الى دائرة نفوذه. كَتَبَ ماركس وانجلز: "وتجرّ البرجوازية الى تيار المدنية كل الأُمم، حتى أشدها همجيةً، تبعاً لسرعة تجسيد أدوات الانتاج وتسهيل وسائل المواصلات الى ما لا حدّ له. فإن رُخص مُنتجاتها هو في يدها بمثابة مدفعيةٍ ضخمةٍ تقتحمُ وتخرقُ كل ما هنالك من أسوارٍ صينية، وتنحني أمامها رؤوس أشد البرابرة عداءً وكُرها للأجانب. وتُجبِرُ البرجوازية جميع الأُمم، تحت طائلة الموت، أن تَقبَل الأُسلوب البرجوازي في الانتاج، وأن تُدخِلَ اليها المدنية المزعومة، أي أن تُصبحَ برجوازية. فهي، بالاختصار، تخلِقُ عالماً على صورتها ومثالها"(20).
ان وجود العضويات الاجتماعية الرأسمالية في أوروبا الغربية والتي تُؤلف النظام العالمي الجديد جَعَلَ تطور الرأسمالية المُتسارع يمتد بالضرورة ليصلٍ الى الأراضي المُجاورة. وشدّدَ ماركس، في وصفه لتطور روسيا، في المسوّدة الأولى لرسالته الى زاسوليتش، على أنها لم تكن "مثل الغرب، بحاجةٍ الى أن تمر بفترة مخاضٍ طويلٍ من تطور الآلات من أجل الحصول على الآلات والسُفن البُخارية والسكك الحديدية وما الى ذلك"(21). وكما أوضح، "فقد نَجَحَ الرأسماليون الروس في ادخال آلية التبادل بسُرعة (البنوك، الشركات المُساهمة، الخ) التي استغرقت قروناً للتطور في الغرب"(22).
كانت عملية "لحاق" البلدان المُتخلفة الى المُستوى الذي وصلت اليه الدول الرائدة، تتم، ولفترةٍ طويلة، بشكلٍ عفوي. ترَكَ الطابع التناحري لعلاقات المُجتمع الطبقية بصماته على عمليات دمج العضويات الاجتماعية المُتخلفة في منطقة تأثير المُجتمعات المُتقدمة. ليس من النادر أن كان يحدُثُ هذا الدمج بطريقةٍ وحشيةٍ وعنيفة. يُمكن أن تكون جميع التواريخ الاستعمارية للبُلدان الرأسمالية مثالاً يُحتذى به. ما يلي، على سبيل المثال، هو ما كتبه ماركس حول السيطرة الاستعمارية البريطانية في الهند: "يتعيّن على بريطانيا أن تؤدي في الهند رسالةً مُزدوجة: تدميرية وبنّاءة- القضاء على المُجتمع الآسيوي القديم من جهة، وارساء الأساس المادي للمُجتمع الغربي في آسيا، من جهةٍ أُخرى... فقضوا عليها (على الهند) بتدمير المشاعات المحلية واستئصال الصناعة المحلية واذلال كُل عظيم ورفيع في المُجتمع الهندي. ان صفحة تاريخ سيطرة البريطانيين في الهند تكاد لا تنطق بأي شيء غير التدمير، وعملهم البنّاء يكاد لا يظهر وراء أكوام الأنقاض، ومع ذلك بدأ هذا العمل... ان كُل ما ستضطر البرجوازية البريطانية، أغلب الظن، الى تحقيقه في الهند، لن يجلب الحُريّة لجماهير الشعب، ولن يُحسّن وضعها الاجتماعي بوصورةٍ جوهرية، لأن هذا وذاك ليسا رهن بتطور القُوى المُنتجة وحسب، بل رهنٌ أيضاً بما اذا كان الشعب يملكُ هذه القُوى. ولكن ما ستفعله البرجوازية من كُل بُد، انما هو توفير المُقدمات المادية لأجل تحقيق هذه المهمة وتلك على السواء. وهل فَعَلَت البرجوازية يوماً ما، يا تُرى، أكثر من ذلك؟ وهل بلغت يوماً التقدم، يا تُرى، دون أن تُكره الأفراد وشعوباً برمتها سواءاً بسواء على السير في طريقٍ شاق، في طريق الدماء والأقذار والفقر والمذلة؟ ان سكان الهند لن يتمكنوا من جني ثمار نضوج تلك العناصر من عناصر المُجتمع الجديد، التي زرعتها البرجوازية البريطانية في صفوفهم طالما لم تحل البروليتارية الصناعية في بريطانيا العُظمى ذاتها محل الطبقات الحاكمة حالياً، أو طالما لم يُصبح الهنود أنفسهم على ما يكفي من القوة لكي يخلعوا عن كواهلهم النير البريطاني الى الأبد"(23).
تغيّر الوضع جذرياً بظهور أول دولة اشتراكية في العالم، ومن ثم نظام اشتراكي عالمي. بالفعل، كانت مهمة تقديم المُساعدة الشاملة للأُمم المُتخلفة وذلك لضمان انتقالها مُباشرةً الى الاشتراكية وتجنب المراحل الأُخرى، هي من المهام التي كلف لينين البروليتاريا بها(24). يظهر كُل تاريخ الاتحاد السوفييتي كمثالٍ نموذجيٍّ حي لتطبيق فكرة لينين العظيمة. الشعوب التي وجدت نفسها لحظة اندلاع ثورة اكتوبر في مرحلة المُجتمع البدائي مثل (التشيكتشي Chikchi والايفانكي Evenkiوالاوروكي Orokiوالنغاناساني Nganasany والنينتسي Nentsi وغيرها) والتي تعيش في علاقات اجتماعية ما قبل رأسمالية مثل (الكازاخ والتركمان والأوزبك والطاجيك) يعيشون اليوم في مُجتمعٍ اشتراكي. سَمَحت المُساعدة التي قدمها العمال السوفييت الى الشعب المنغولي بالانتقال الى الاشتراكية. يُقدّم الاتحاد السوفييتي ودول اشتراكية أُخرى أيضاً قدراً هائلاً من المُساعدات للبلدان التي حررت نفسها من التبعية الاستعمارية. تبنّى العديد منها، نتيجةً لذلك، توجهاً اشتراكياً ودخلت في طريق التطور اللارأسمالي. يُوفر وجود نظامٍ اشتراكيٍّ عالميٍ للأُمم المُتخلفة في تطورها، إمكانيةً واقعيةً للانتقال الى الاشتراكية، مما يتجاوز الطريق الطويل والصعب الذي مرّت به البشرية جمعاء.

***

وهكذا، فإن الانتقال من تشكيلة اقتصادية-اجتماعية الى أُخرى يحدث في التاريخ العالمي، باستثناء فقط الانتقال من التشكيلة البدائية الى التشكيلة الآسيوية، كحلول لنظام عالمي من العضويات الاجتماعية من نوعٍ مُحددٍ بآخر، كانتقالٍ من دور مهيمن لنظام الى دورٍ مُهيمنٍ آخر. ولكن لم يشمل أيٌّ من هذه الأنظمة على حدة جميع الأجزاء المأهولة بالسكان في العالم. كان كُلٌ منها يُغطي جُزءاً مُحدداً من العالم المأهول. كما تُظهر الحقائق، لم يظل مركز التطور العالمي الشامل ثابتاً في مُعظم الأحيان، بل تغيّر وانتقل، وبالتالي احتلت الأنظمة العالمية المُتعاقبة مناطق مُتنوعةً من سطح الأرض.
كل هذا صعّبَ امكانية أن "تمر" مجموعة من هذه العضويات الاجتماعية أو تلك، ناهيك عن عضوية اجتماعية مُنفردة، بجميع التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. ينطبق هذا أيضاً اذا تحدثنا عن القارات وليس العضويات فقط. اوروبا فقط، مأخذوةً ككل، هي استثناء من ذلك الى حدٍّ ما.
وُجِدَت العضويات الاجتماعية المشاعية البدائية في جميع أنحاء المعمورة، مما يُمكننا من النظر الى التشكيلة المشاعية البدائية باعتبارها تشكيلةً عالمية، حيث "مرّت" فيها جميع الشعوب دون استثناء.
تشكّللَ النظام الآسيوي العالمي في آسيا، حيث عُثِرَ على مركزه، ولكنه توسّع الى أجزاءٍ من الأراضي الأوروبية (الجزء الجنوبي من شبه جزيرة البلقان وكريت). وهكذا كان لأوروبا عضوياتها الاجتماعية الآسيوية. يُمكن للمرء أن يجد في مناطق مُختلفةٍ من أوروبا مراكز للأنظمة العالمية التالية: العبودية، الاقطاعية، الرأسمالية. أخيراً جاء النظام الاشتراكي العالمي ليشمل قسماً كبيراً من أوروبا.
كما أشرنا أعلاه، لم ينجح أنصار نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، الذين وجهنا لهم نقداً في الصفحات السابقة، لم ينجحوا تماماً في صياغة موقفهم بوضوح. لم يأخذوا بالاعتبار تعدد معاني مُصطلح "ألمُجتمع" ولم يُقدموا توضيحاً نظرياً لمفهوم "العضوية الاجتماعية". ومن ثم كانت وجهة نظر مُعظمهم أن نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية تتطلب وتفترض أن يكون التطور التاريخي في جميع المناطق المأهولة من الأرض هو نفسه تقريباً. نظريتهم تسمح فقط أن يتم التطور بمُعدلات سُرعة مُتنوعة أولاً، وثانياً، أن يكون هناك "إغفال" لمرحلةٍ أو أُخرى في هذه المنطقة أو تلك في ظروفٍ استثنائيةٍ وحسب.
تم تقديم هذا التفسير لنظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية باعتباره التفسير الوحيد المُمكن، وبالتالي، يكون هذا التفسير هو النظرية نفسها. ومن هنا كان يُنظَر الى حقيقة وجود العضويات الاجتماعية العبودية في منطقة مُحددة، أي فقط في جنوب أوروبا على أنه الأساس، وكان يُنظر الى مجموعة كاملة من الحقائق في مناطق أُخرى من العالم على أنها غير متطابقة مع ذلك الأساس، ويجب مُراجعتها، وأنه يجب حتى اعادة النظر في نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية نفسها.
يُمكن للمرء، أن يُشير، على سبيل المثال، الى مقال الباحثة لودميلا فاليريانوفنا دانيلوفا Lyudmila Valerianovna Danilova المُعنون (المسائل المُثيرة للجدل في نظرية المُجتمعات ما قبل الرأسمالية)(25). تتبنى المؤلفة في هذا المقال، موقفاً مُعارضاً لما يُسمى بمُخطط التشكيلات الخمس (بدائي، عبودي، اقطاعي، رأسمالي، شيوعي). ولكن كُل نقدها ينطبق كذلك بنفس القدر ضد مُخطط المراحل الست (بدائي، آسيوي، عبودي، اقطاعي، رأسمالي، شيوعي)، وعموماً ضد أي مُخطط لتطور التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية.
حسب أفكار دانيلوفا، يبدو أن مُخطط الخمس مراحل هو تعميم لتطور أوروبا التاريخي وحدها، وليس المُجتمع البشري ككل. تكتب: "ان تعاقب البُنى البدائية والعبودية وحلول الاقطاع مكانها، ومن ثم الرأسمالية، والذي يُميّز منطقة البحر الأبيض المُتوسط والمناطق التي تشترك في مصيرها التاريخي، لا يُمكن العثور عليه بأي طريقةٍ من الطرق في أي مكانٍ آخر". تقول دانيلوفا أن المفهوم المُنتقد يسمح لنا بحذف بعض التشكيلات بوصفها انحرافاتٍ أو استثناءات. تؤكد دانيلوفا أنه "تبيّن أن هناك مزيداً من الانحرافات والاستثناءات، أكثر من الحالات التي تُصنّف بأنها قاعدة، وثانياً، وهذه هي النُقطة الرئيسية، أن الانتظامات تعمل بطريقة مُحددة للغاية، بحيث لا يُمكن تفسيرها من خلال البيئة التاريخية وحدها". كل هذا قادها الى استنتاج يقول بأنه لا يوجد خط تطور واحد في العالم، بل خطوط مُتعددة. تصل دانيلوفا، بهذه الطريقة، دون حتى أن تُدرِكَ ذلك، ليس فقط الى التنصل من المراحل الخمس، بل أي أي مُخطط للتطور البشري، أي رفض جوهر نظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية. توصّلَ بعض العلماء الآخرين من قبل، الى استنتاجاتٍ مُماثلةٍ الى حدٍّ ما.
تكمن المُفارقة الكُبرى، ان صح التعبير، في حقيقة أنه نجد في جذر نظرية التاريخ نفسها المبدأ ذاته الذي نجده أيضاً في جذر تفسير نظرية التشكيلات الاجتماعية التي نظرنا فيها أعلاه، أي الضعف الذي قادَ الى هذا النوع من الاستنتاجات. ان اتباع هذا التفسير لتعاقب التشكيلات الاجتماعية وأنصار مفهوم الخطوط التاريخية المُتعددة، ينطلقون على حدٍّ سواء من انكار وحدة العملية التاريخية العالمية. تنظر كلتا المجموعتين الى تاريخ البشرية باعتبارها خُلاصة بسيطة لعمليات مُتوازية ومُستقلة لتطور عضويات اجتماعية وبُلدان وأثمم وأقاليم مُنفردة. لا يوجد سوى هذا الاختلاف بينهما: تتطور جميع هذه الوحدات بالنسبة الى الأول بنفس الطريقة وعلى نفس الخط، وبالنسبة للمجموعة الثانية، فهي تتطور بطريقة مُتنوعة ولكن على طول خُطوطٍ مُختلفة مُتوازية.
لقد أظهرنا أعلاه سابقاً ضعف بل وعُقم مفهوم التاريخ الانساني كمجموع تواريخ وحدات مُتميزة مُنفردة، مُرتبطة بالقوانين التي تعمل في داخلها وفي الخطوط المُوازية لها. لكن فكرة التطور مُتعدد الخطوط هي فكرة عقيمة بنفس القدر. حدَثَ التطور في مناطق مُختلفة في أشكالٍ مُتنوعة، لكن كانت كُل هذه العمليات في النهاية جُزءً من عملية تطورٍ مُوحّدةٍ لتطور المُجتمع البشري، تخضع لمجموعةٍ واحدةٍ من الانتظامات.
كان أحد العوامل الذي يشترط تطور المناطق المُتنوعة هو الاختلاف في سرعة تطورها.
كان السكان الأصليون الاستراليون، في الوقت الذي ظَهَرَ فيه النظام الرأسمالي العالمي في أوروبا، لا يزالون في مرحلة المشاعية البدائية. هذا جَعَلَ استعمار الأوروبيين لاستراليا أمراً حتمياً. جَلَبَ المستعمرين البيض الرأسمالية الى استراليا، ودمّروا سكانها الأصليين جُزئياً، ودُفِعوا الى الخلف الى أضعف المواقع. انهم اليوم لا يقفون أمام أي أُفاقاٍ للتطور سوى الاحتكاك ببنية المُجتمع الرأسمالي الاسترالي.
حَدَثَ نفس الشيء تقريباً على أراضي الولايات المُتحدة وكندا الحاليتين. كان سُكان المكسيك وأمريكا الوسطى والبيرو، لحظة الكشوفات الأُوروبية، في مرحلة التشكيلة الآسيوية. وكانت اسبانيا التي ألحقت تلك المناطق، اقطاعية. في البداية حدث فرض لنمط الانتاج الاقطاعي في التشكيلة الآسيوية في هذه المنطقة. في وقتٍ لاحق، ظهَرَ داخلها، في وقتٍ لاحق وبما يتناسب مع اندراجها في منطقة نفوذ البرجوازية العالمية، نمط الانتاج الرأسمالي.
في افريقيا جنوب الصحراء الكُبرى، كانت بعض الشعوب، أثناء بداية الاستعمار الأوروبي في مرحلة المشاعية البدائية وبعضها الآخر في مرحلة التشكيلة الآسيوية، والبعض الآخر في المرحلة التي تفصله عن المُجتمع الطبقي المُكتمل. كان ادراجهم في منطقة النفوذ الرأسمالي شرطاً لتطورهم على الخط الرأسمالي. نشأت لديهم، مع ظهور نظام اشتراكي عالمي، امكانيةً أُخرى، وهي التطور اللارأسمالي.
الأمر أكثر تعقيداً في بُلدان آسيا، خاصةً تلك التي ظهرَ فيها المُجتمع الطبقي في وقتٍ أقرب مما هو عليه في غالبية مناطق أوروبا (الشرق الأدنى، الهند، الصين). كانت كل الجهود المبذولة لايجاد مراحل تطور مثل تلك الموجودة في أوروبا تنجح بالكاد. كانت البُنية الاجتماعية الموجودة هناك خلال الفترات التي أطلَقَ عليها العُلماء كثيراً مُسمى الاقطاعية، تختلف اختلافاً جوهرياً عن الاقطاع الأوروبي، لكنها كانت مُشابهةً جداً لتلك التي عُثِرَ عليها في أوروبا في فترةٍ سابقة. لم يكن لديها أي أثر لنمط الانتاج البرجوازي حتى اندمجت في منطقة نفوذ الرأسمالية العالمية.
يبدو أن كُل هذه الأمور مُجتمعةً تدعم الفكرة القديمة حول وجود خط تطور خاص بالشرق يختلف نوعياً عن ذلك الذي سار عليه الغرب. ومن ثم، انجذَب بعض الماركسيين الذين خاب أملهم في التفسير الموصوف أعلاه لنظرية التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، الى هذا الرأي(26).
لكن كان ماركس وانجلز هما من طرَحَا حلّاً لهذه المُشكلة. كان هذا الحل يتمثل في القول بأنه منذ ولادة المُجتمع الطبقي حتى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، استمر نمط الانتاج الآسيوي في الوجود في بعض بُلدان الشرق. بعبارةٍ أُخرى، ظلت هذه البلدان في مرحلة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الطبقية الأولى، تماماً كما ظل جميع سكان استراليا الأصليين حتى نفس الفترة في مرحلة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية البدائية(27). كَتَبَ ماركس وانجلز، كما هو معروف حول الطبيعة الراكدة لبُلدان الشرق(28). أدى جرّ هذه البُلدان الى منطقة نفوذ الرأسمالية العالمية الى التغلّب على الركود وولادة نمط الانتاج البرجوازي فيها. أيّدَ ماركس وجهة النظر هذه(29). ما نُواجهه هُنا مرةً أُخرى هو تطور مُعيّن، ولكن ليس قوانين مُحددة، ولا خطاً تطورياً خاصاً. ان الحديث عن الخط الشرقي الفريد للتطور غير مُبرر مثلما بالضبط الحديث حول خط استرالي فريد للتطور.
فيما يتعلق بخط التطور الذي يُطلق عليه غالباً اسم غربي (أوروبي)، فيبدو انه غربي بمعنى جُغرافي صرف أكثر مما هو معنىً تاريخي. لا يُمكن للأنظمة العالمية من أي نوع، والتي تتجسد فيها التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، الا أن تكون محدودةً اقليمياً. انطلاقاً من العبودية، كانت تشمل أوروبا، منذ ذلك الوقت فصاعداً، حدث التعاقب المُتتالي على الأراضي الأوربية بشكلٍ خاص. كل هذا يولّد الوهم بأننا نتعامل هنا مع خط تطور اقليمي، غربي، أوروبي. في الواقع، كانت كُل أنظمة العضويات الاجتماعية هذه، على الرغم من حدودها الاقليمية، عالميةً تماماً، وليست اقليمية أو أوروبية بطابعها، تماماً كما كان كُل نظام العضويات الاجتماعية ما قبل القديم (ما قبل العبودي) في الشرق الأدنى عالمياً، وليس اقليمياً أو آسيوياً.
لا جدال في الأهمية العالمية لتشكّل النظام الرأسمالي في أوروبا. وبحلول بداية القرن العشرين، لم يجذب الى مجال نفوذه العالم بأسره وحسب، بل حفّزَ من خلال عملياته، في عددٍ كبيرٍ من البلدان التي كان تطورها مُتخلفاً، ظهور نمط الانتاج البرجوازي. الأمر أكثر تعقيداً فيما يخص الأنظمة الآسيوية والعبودية والاقطاعية. لم يمتد تأثيرها على العالم بأسره، فكانت درجة تأثيها على المُجتمعات الأكثر تخلفاً منها أقل في المقال. ولكن لم يكن بالامكان نشوء النظام العبودي لولا النظام الآسيوي للعضويات الاجتماعية في الشرق الأدنى. ولولا العبودية لما نشأ الاقطاع، ولولا الاقطاع لما نشأت الرأسمالية.
يبدو أن السمة العامة التي تُميّز نظام عالمي من العضويات الاجتماعية من نمطٍ مُعيّن هي حقيقة أن تطوره يُعد حتماً لظهور نظام عالمي جديد أكثر تقدماً، بحيث يبدو أن وجوده يُمثّل رابطاً ضرورياً في تاريخ البشرية. وهكذا، لم يكن النظام الرأسمالي والاشتراكي فحسب، بل حتى النظام الآسيوي القديم والعبودي والاقطاعي كلها ماحل ليس لهذه المنطقة أو تلك، بل مراحل للبشرية جمعاء.
في ضوء كُل ما قيل أعلاه، يتضح أنه لا يُمكن للمرء بأي حالٍ من الأحوال أن ينظر الى تاريخ البشرية على أنه مجموع بسيط لتواريخ العضويات الاجتماعية، وأنه لا يُمكن للمرء أن ينظر الى التشكيلات الاجتماعية على أنها مراحل تتعاقب في كُل عضوية اجتماعية وأن جميعها تمر بنفس المراحل. ان تاريخ المُجتمع الانساني هو كُلٌّ واحد، وتظهر التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية قبل كل شيء كمراحل لهذه الوحدة الواحدة. قد لا تظهر هذه التشكيلة أو تلك في تاريخ عضوية اجتماعية ما، لكن هذا لا يمنعها من أن تكون خطواتٍ في تاريخ المُجتمع البشري ككل. يحدث تعاقب التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية قبل كل شيء على مستوى البشرية جمعاء، في شكل حلول نظام العضويات الاجتماعية من نمطٍ مُحدد محل الأُخرى، وعندما تصل البشرية ككل الى هذه المرحلة أو تلك من مراحل تطورها، لا تتلاشى الحاجة الى "المرور" بالمراحل السابقة بالنسبة الى الأمم المُتخلفة، بل تختفي احتمالية ذلك ذاتها. عاجلاً أم آجلاً، لن يُصبح مُمكناً فحسب، بل من الضروري أن تتجاوز المراحل المتداخلة، وتنتقل الى المرحلة الأعلى التي وصلَت اليها البشرية ككل.

* يوري ايفانوفيتش سيمينوف 1929-2023 مؤرخ ماركسي وفيلسوف واثنوغرافي ومُتخصص في فلسفة التاريخ وتاريخ المُجتمع البدائي ونظرية المعرفة. تخرج من كلية التاريخ في معهد كراسنويارسك التربوي، وقسم الفلسفة من معهد مُعلمي العلوم الاجتماعية في جامعة الأورال. قام بتدريس الفلسفة في جامعات ذاتها. دافَعَ عام 1963 عن اطروحته في الدكتوراة في معهد الاثنوغرافيا، وأصبحَ في عام 1967 أُستاذاً في قسم الفلسفة في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، حيث عَمِلَ لمدة نصف قرن هناك. كما عَمِلَ بدوامٍ جُزئي لفترةٍ طويلة في معهد تاريخ العالم التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية. كان يعمل في الأبحاث المُتعلقة بمسألة المُجتمعات الطبقية الأولى التي سبقت العبودية. في الخمسينات اصبَحَ سيمينوف مُهتماً بمسائل نظرية المعرفة ونمط الانتاج الآسيوي. قدّمَ عام 1956 اطروحة درجة مُرشح العلوم الفلسفية بعنوان (بعض مسائل التفكير الانساني لما قبل التاريخ). نَشَرَ عام 1957 أعمالاً تتعلق بالمُجتمعات الطبقية الأولى، وجادَلَ فيها بأن التشكيل الاجتماعي الاقتصادي للطبقة الأولى لم يكونوا مُلّاكاً للعبيد، بل كان يعتمد على نمط الانتاج الآسيوي.
نَشَرَ دراسةً حول نشأة المُجتمع الطبقي عام 1962، وقدّمها الى معهد الاثنوغرافيا وحصل على درجة الدكتوراة في العلوم التاريخية.
كان سيميونوف في العام 1967 استاذاً في قسم الفلسفة في معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، وصار منذ 1980-1984 رئيساً لهذا القسم.
من كُتبه: (نشوء المُجتمعات البشرية) 1962، (كيف نشأت البشرية) 1966، (أصل الزواج والعائلة) 1974، (تطور التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية والمنطق الموضوعي لتطور الدين-مسائل الالحاد العلمي) 1976، (من فجر تاريخ الانسانية) 1989.

1- Yu. I. Semenov, The category "social organism" and its significance for historical scholarship , Vopro sy Is torn, 1966, no. 8 (in Russian).
2- من هم "أصدقاء الشعب" وكيف يُحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين، من مؤلفات لينين في 10 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1978، ص33.
the economic content of narodism and criticisms of it in Mr Struve s book , Collected Works, vol. 1, p. 411 (both in Russian).
3- مؤلفات لينين في 10 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1978، ص46، 47
4- دفاتر عن الدياليكتيك، فلاديمير لينين، ترجمة الياس مرقص، دار الحقيقة 1988، ص241
5- مؤلفات لينين في 10 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1978، ص53
6- نفس المصدر، ص46-49
7- نفس المصدر، ص48
8- Lenin, The economic content of narodism , Collected Works, vol. 1, p. 410
9- See, for instance, A.Ya. Gurevich, To the discussion of precapitalist formations: formation and form , Voprosy Filosofia 1968, no. 2, 118-19 (in Russian).
10- نقد الاقتصاد السياسي، كارل ماركس، ترجمة راشد البراوي، دار النهضة العربية 1969، ص2-3
11- K. Marx and F. Engels, Selected Works, vol. 1, Moscow, 1973, p. 504
12- See, for instance, E.M. Shtaerman, Ancient society: the modernisation of history and historical analogies , Problems m the History of Pre-capitalist Societies, vol. 1, Moscow, 1968, p. 647 (in Russian).
13- See E.M. Zhukov, Fifty years of Soviet historical science , Voprosy Istorii, 1968, no. 1, 25 (in Russian)
14- See G.A. Melikishvili, Concerning the question of ancient oriental class societies , Voprosy Istorii, 1966, no. 2, 73, (in Russian) and English translation in Introduction to Soviet Ethnography cd. S. P. Dunn and E. Dunn, vol. 2, Berkeley, 1974, pp. 560-1, 568-9.
أ- حضارة وادي الإندوس، أو وادي السند، والمعروفة أيضًا بحضارة هارابان، نسبةً إلى مدينة هارابا المدينة الأولى التي تم اكتشافها عند التنقيب، تعتبر من أقدم الحضارات التي وجدت في منطقة شبه القارة الهندية والتي تقع على نهرين هما؛ نهر غغارهاكرا، ونهر السند،، وقد تم اكتشافها أول مرة عام 1921 في باكستان عند منطقة نهر السند، ووُجدت العديد من الآثار التي تعود الى هذه الحضارة في الكثير من الأماكن الأخرى، منها كراتشي، ودلهي، وغيرها. وحضارة وادي السند من الحضارات المتطورة منذ العصر البرونزي، كما أن سبب تسميتها يعود إلى مكانها الذي يقع على نهر السند. بدأت نشأة حضارة وادي السند في منطقة تسمى مهرجاره، تقع على سفح ممر جبلي، في منطقة تسمى حديثًا ببلوشستان، وتقع غرب باكستان، وقد بدأت المرحلة المبكرة من الحضارة عام 3300 قبل الميلاد. انتشرت الحضارة من أفغانستان إلى باكستان والهند، وتم العثور على ما يصل إلى 1052 مدينة تابعة لها.
أما حضارة هوانغ هو، في حضارة صينية تقع على النهر الأصفر الصيني. تثبت كمية كبيرة من المعلومات الأثرية أن النهر الأصفر كان أكثر المناطق ازدهاراً في تاريخ الصين المبكر 3600-1600 قبل الميلاد.
15- See Yu.I. Semenov, Thecategory "social organism" , Voprosy ¡stoni, 1966, no. 8 (in Russian).
ب- انظر صفحة الويكيبيديا حول الانهيار الاجتماعي، باللغة الانجليزية، حيث الأمثلة كثيرة حول الغزو، واندماج شعوب اصغر بشعوبٍ أكبر، وانحلال مُجتمعاتٍ بأكملها.
https://en.wikipedia.org/wiki/Societal_collapse
16- See Shtaerman. in Problems in the --union-- of Pre-capilalnt Societies,. vol. 1. p. 647 (in Russian).
جـ- كانت الحكومة اليونانية في الفترة ما قبل الكلاسيكية قليلة التدخل في الشأن الاقتصادي. على الرغم من حقيقة أن مُعظم الأراضي اليونانية جبلية والأنهار صغيرة بشكلٍ عام، الا انه كان هناك ما يكفي من الأراضي الخصبة والأمطار الشتوية للحفاظ على الزراعة ولكي تمثل الجزء الأكبر من الانتاج الاقتصادي. كانت الأراضي اليونانية مملوكةً للعائلات، بالرغم من وجود بعض العقارات الكبيرة التي تسيطر عليها النخبة، عمل لديها الفلاحين الذين لم يملكوا الأرض. كان العبيد موجودين ولكن ليس لأعداد كبيرة. كانت الحصناعات الحرفية تتم للاستهلاك الداخلي. اقتصرت التجارة على التبادلات المحلية بين الريف ومراكز المدن. كان تزايد السكان، وازدياد الفائض الذي تملكه الحكومة، وتوسع التجارة، والتوتر الشديد بين السلطة السياسية الطبقية والفلاحين هو الذي ادى تدريجياً الى حلول الاقتصاد الكلاسيكي (العبودي). أُنظر:
https://eh.net/encyclopedia/the-economy-of-ancient-greece/
17- C.L. Woolley, The Sumenans, Oxford, 1928. p. 193
18- ضد دوهرينغ، فريدريك انجلز، دار التقدم 1984، ص211
19- See L.S. Vasiliev and I.A. Stuchevskii, T h r e e models of the emergence and evolution of pre-capitalist societies , Voprosy Istorii, 1965, no. 5 (in Russian). E.J. Hobsbawm, Introduction to K. Marx, Pre-capitalist Social Formations, London, 1964, pp. 36-8.
20- مُختارات ماركس وانجلز في 4 مُجلدات- المُجلّد الأول، دار التقدم 1975، ص55
21- K. Marx, First draft of the reply to V.l. Zasulich s letter , Marx and Engels, Selected Works, vol. 3, Moscow, 1973, p. 157.
22- Ibid
23- مُختارات ماركس وانجلز حول الاستعمار، دار التقدم 1971، ص64، 69-70
24- تقرير اللجنة المُختصة بالمسألة القومية ومسألة المُستعمرات 26-تموز، في: المُختارات في 10 مُجلدات-المُجلّد العاشر، دار التقدم 1978، ص91
25- L.V. Danilova, Controversial problems in the theory of precapitalist societies , Soviet Anthropology and Archaeology, 1971, vol. 9, 269-328 (a translation from the Russian). The Russian original appeared in Problems in the History of Pre-capitalist Societies, Moscow, vol 1, p. 27.
26- See. G. Lewin, The problem of social formations in Chinese history , Marxism Today, 1967, no. 1,21-2.
27- Marx, T h e British rule in India , and T h e future results of the British rule in India , both in Marx and Engels, Selected Works, vol. 1, pp. 488-94 Capital, vol. 1, Moscow, 1965, pp. 357-9 T h e letter to Engels in Manchester, June 2nd 1853 , K. Marx and F. Engels, Selected Correspondence, Moscow, 1975, pp. 75-6. F. Engels, The letter to Marx in London, J u n e 6th, 1853 , Marx and Engels, Selected Correspondence, pp. 75-7.
28- Marx, The British rule in India , and The future results of the British rule in India , both in Marx and Engels, Selected Works, vol. 1, pp. 490-6 Capital, vol. 1, p. 539 T h e letter to Engels in Manchester, June 14th, 1853 , Marx and Engels, Selected Correspondence, pp. 79-80 Marx, Capital, vol. 3, Moscow, 1966, p. 796.
29- Marx, The future results of the British rule in India", Marx and Engels, Selected Works, vol. 1, pp. 494, 497-8

ترجمة لمقالة:
Philosophy in the USSR, Problems of Historical materialism, Progress Publishers 1979, Translated to English 1981. Article: The theory of socio-economic formations and world history, Yu. I. Semenov, P33