لماذا تراجع الاهتمام بمحطة 08 مايو 1983 النضالية، في أفق التغيير المنشود؟


محمد الحنفي
2020 / 5 / 20 - 20:45     

إلــــــــى:

ــ الأوفياء المنجزين لمحطة 08 مايو 1983، الذين منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، مستمرا على نفس نهج حركة 08 مايو 1983.

من أجل العمل على استحضار روح 08 مايو 1983 في الممارسة الحزبية المرحلية / الإستراتيجية.
من أجل اعتبار الاشتراكية العلمية، كوسيلة وكهدف، حصنا منيعا لكل مناضلي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.

من أجل السعي الحثيث، في الممارسة التنظيمية، والجماهيرية، في أفق تحقيق الأهداف المرحلية / الإستراتيجية، المتمثلة في: التحرير ـ الديمقراطية ـ الاشتراكية.

محمد الحنفي

إن الاهتمام بمحطة 08 مايو 1983، كمحطة نضالية، وخاصة، بين الخط النضالي الديمقراطي، الذي كان يمثل الحركة الاتحادية الأصيلة، ويعتبر نفسه امتدادا لحركة التحرير الشعبية، وبين الخط اليميني / الانتهازي المتمخزن، بقيادة المكتب السياسي، الذي قاد حركة انشقاقية من الأعلى، في ذلك الوقت.

وحركة 08 مايو 1983، التي ترتب عن إنجازها، بنجاح، الفصل النهائي بين الخط النضالي الديمقراطي، وبين الخط اليميني المتمخزن، الذي تحالف، حينذاك، مع السلطة المخزنية، التي تدخلت، بهمجية، واعتقلت 31 مناضلا، من باب مقر الحزب المركزي في الرباط، بينما اعتقل الفقيد القائد الأممي، أحمد بنجلون، وبطريقة غير قانونية، وفي نفس الوقت تم اعتقال القيادي الرفيق: امبارك المتوكل من مسكنه، في مدينة آسفي، كما اعتقلت القيادي، كذلك، الفقيد المرحوم عرش بوبكر من منزله في قلعة السراغنة، وضمهم جميعا الى المعتقلين من باب المقر المركزي، ليصبح مجموع المعتقلين: 34 مناضلا، وفي مقابل ذلك، جازى المخزن الخط اليميني الانتهازي الممخزن، في الانتخابات البرلمانية، التي جرت بعد ذلك ب 34 برلمانيا، ليتحول ما صار يعرف بالاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنيةن حتى يتميز عن الاتحاد الاشتراكي ـ المكتب السياسي، الذي صدر في حقه قرار الطرد من الحزب، من قبل اللجنة المركزية، بقيادة الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، التي انعقدت عشية اعتقالات 08 مايو 1983.

ونحن عندما نتساءل:

لماذا تراجع الاهتمام بمحطة 08 مايو 1983؟

نتساءل كذلك:

ماذا تغير، حتى تم التراجع عن الاهتمام بمحطة 08 مايو 1983.

إن المفروض: أننا نحيي سنويا ذكرى 8 مايو 1983، باعتبارها محطة نضالية، خاضها مناضلو الحزب، في مسارهم النضالي، كما نحيي ذكرى اختطاف الشهيد المهدي بنبركة، في 29 أكتوبر 1965، كما نحيي ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون، كما نحيي ذكرى استشهاد الشهيد محمد كرينة، شهيد القضية الفلسطينية، وشهيد الشبيبة الطليعية؛ لأن لكل ذكرى، دلالتها التاريخية، والنضالية، والوطنية، والقومية، والأممية.

فإذا كانت ذكرى اختطاف الشهيد المهدي بنبركة، تصنفت في خانة مقاومة، ومواجهة المد الأمبريالي / الرأسمالي / الرجعي / اليميني المتطرف / المخزني (الديني)، الذين تحالفوا جميعا مع الدولة الصهيونية، التي اعتبرت، حينذاك، الشهيد المهدي بنبركة، عدوا لها، ويجب التخلص منه، لإفشال حركته على المستوى الدولي: في إفريقيا، وآسيا، وأميركا اللاتينية، حيث كان، حينذاك، مقبلا على ترأس المؤتمر الإفريقي / الأسيوي / الأمريكي اللاتيني، وصار معروفا: أنه كان يجري التنسيق بين المخابرات المغربية، والمخابرات الصهيونية المتمثلة في الموساد، والمخابرات الأمريكية، بهدف إنجاز عملية الاختطاف، والتخلص منه، دون أن يعرف له مكان الدفن، حتى الآن.

والاحتفال بذكرى الشهيد المهدي بنبركة، لا يعني إلا التمسك بنهجه، في مقاومة التسلط المخزني المستبد، بمصير الشعب المغربي، وبفكره، وبممارسته، وبدوره في جعل الشعب المغربي، في وقته، يحمل وعيا متقدما: ديمقراطيا، وسياسيا، وتقدميا، وجماهيريا / شعبيا، يستحيل على الظلامية أن تخترقه، وأن يكون لها مكان في الفضاء المغربي؛ لأن اللشعب، حينذاك، كان لا يهتم إلا بتطور، وتطوير الواقع، في تجلياته: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، خاصة، وأن الصراع، في ذلك الوقت، كان يجري على أرض الواقع، بين المخزن، وعملائه، مدعوما بالاحتلال الأجنبي غير المباشر، وبين الحركة الاتحادية الأصيلة، المدعومة من الشعب، والمرتبطة به.

وبين ثامن مايو 1983، وبين اغتيال الشهيد عمر بنجلون، في 18 دجنبر 1975، الذي بدأ مساره النضالي في الحركة الاتحادية الأصيلة، منذ كان طالبا، ومنذ رجع إلى المغرب، وبعد أن اشتغل في البريد، وانتمى، نقابيا، إلى الاتحاد المغربي للشغل، وترأس الجامعة الوطنية للبريد، وحرص على أن تسود الديمقراطية الداخلية في العمل النقابي: المركزي، والقطاعي، في الاتحاد المغربي للشغل، الذي اشتهر بجهازه البيروقراطي، بحيث يتحكم ذلك الجهاز في النقابة، التي يحركها كما شاء، ويجعلها محركة للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يتحركون كما شاء الجهاز البيروقراطي، وناضل من أجل الديمقراطية الداخلية، في الاتحاد المغربي للشغل، الذي أذاق الشهيد الأمرين، من التعذيب، في طابقه ما تحت السفلي، على يد زبانية الجهاز البيروقراطي، بقيادة المحجوب بن الصديق. وهو ما فرض العمل على استقلالية الجامعة الوطنية للبريد، عن الاتحاد المغربي للشغل. ولما التحق الشهيد عمر بنجلون بالاتحاد المغربي للشغل، آلى على نفسه: أن يعمل في اتجاهين، متفاعلين فيما بينهما، مما يقرب من العمل المزدوج، لفرض إرادة الشعب، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي:

الاتجاه الأول: يسعى فيه الشهيد عمر بنجلون، إلى بناء نقابات قطاعية مستقلة، انطلاقا من الجامعة الوطنية للبريد، ثم بتأسيس النقابة الوطنية للتعليم، التي تسعى إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية في العمل النقابي، سواء تعلق الأمر بالديمقراطية الداخلية، أو بالديمقراطية في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والنضال من أجل منطلق الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، حتى يصير للأداء النقابي، في صفوف النقابة الوطنية بالتعليم، وفي صفوف الجماهير التعليمية، مثالا يحتدى في القطاعات الاجتماعية الأخرى، حتى يتوسع الأداء النقابي الديمقراطي / التقدمي / الجماهيري / المستقل / والوحدوي، وصولا إلى إيجاد مركزية نقابية ديمقراطية / تقدمية / جماهيرية / مستقلة / وحدوية، يعتبر فيها الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، عندها، من الأساسيات في الأداء النقابي، ومن المنطلقات، التي تعبر عن صحة الأداء النقابي، وسلامته من التحريف الانتهازي، الذي يضر بالنقابة، والعمل النقابي: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا.

والاتجاه الثاني: النضال من أجل جعل الحركة الاتحادية الأصيلة، متطورة، في اتجاه تحولها إلى حزب عمالي، باعتماد الاشتراكية العلمية: كوسيلة، وكهدف، منطلقا لبناء الأيديولوجية الهادفة إلى جعل طليعة المجتمع (الطبقة العاملة) واعية بذاتها، وبالواقع الموضوعي، وبموقعها من علاقات الإنتاج، وبفائض القيمة، حتى تتأهل لانفراز جزئها الثوري، الذي يقود الصراع: في مستوياته الأيديولوجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، والشروع، مباشرة، في بناء الدولة الاشتراكية. وهو ما كان يدركه الحكم في المغرب، الذي يقود الصراع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لخدمة مصالحه، ومصالح الطبقات الاجتماعية، التي كان يصنعها، سواء تعلق الأمر بالإقطاع، أو بالإقطاع الجديد، أو بالبورجوازية الكبرى، والمتوسطة، والصغرى، بعقليتها المريضة بالتطلعات الطبقية، حسب نوع الامتيازات المقدمة لعملاء الحكم، وحسب نوع الخدمات، التي كان يقدمها كل عميل للحكم. وأكثر من هذا، انطلاق الحكم من استغلاله للدين الإسلامي، ليشرع في رعاية الأحزاب، والتوجهات المؤلجة للدين الإسلامي، التي سلطها على الجامعة المغربية، باعتبارها مجالا، كانت تنشط فيه كل التوجهات اليسارية، لتتحول الجامعة: من مجال لإنتاج المتنورين / التقدميين / اليساريين / العلمانيين، العاملين على تحويل المجتمع المغربي، إلى مجتمع متنور، وساع إلى إقامة دولة وطنية، ديمقراطية، علمانية، إلى مجال لإنتاج مختلف التوجهات الظلامية، باتخاذ شعار إحياء التراث، وسيلة لإحياء كل التراث الظلامي، الذي يمكن اعتباره: أسوأ ما أنتجه التاريخ العربي / الإسلامي، بدل الحرص، فقط، على إحياء الجوانب المشرقة، التي تساعد مختلف الأجيال، على الانخراط في عمل عربي / إسلامي متنور، وهادف إلى جانب القيام ببناء مجتمع ديمقراطي، تعرف الجامعة هجوما ظلاميا، ينطلق منه الظلاميون، في اتجاه جعل أدلجة الدين الإسلامي، منطلقا لتجييش جحافل الذين وجدوا أنفسهم أميين، أو أشباه مثقفين، من الذين يتحولون إلى أتباع، للعناصر الظلامية المتمكنة من المنهج الظلامي، ومن التاريخ الظلامي، ولتصير بسبب ذلك أدلجة الدين الإسلامي، وسيلة للسيطرة على الجامعة، وعلى المجتمع، ولتقود الصراع الظلامي، ضد التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، في الجامعة المغربية، وفي المجتمع.

والشهيد عمر بنجلون، كان يدرك، جيدا، منطلق الحكم، وتوظيفه للدين الإسلامي، ودعمه للأحزاب، والتوجهات الظلامية، المؤدلجة للدين الإسلامي، حتى تخوض الصراع الأيديولوجي، ضد التنوير، والتحرر، والديمقراطية، والاشتراكية، في الجامعة، لذلك كانت الاستعانة بالظلاميين، الذين اغتالوا الشهيد عمر بنجلون، تحت إشراف المخزن.

واغتيال الشهيد عمر بنجلون، على يد من كانوا يسمون في ذلك الوقت ب: (الشبيبة الإسلامية)، وأمام أنظار المخزن، لم يكن نهاية لتوقف إنتاج الفكر الاشتراكي العلمي، وإشاعة أيديولوجية الاشتراكية العلمية، بل كان بداية الإصرار على التمسك بهذا الفكر الاشتراكي العلمي، في تطوره، وفي إشاعة الأيديولوجية المترتبة عن الاقتناع به، بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، التي سماها الشهيد عمر بنجلون، في تقديم مشروع التقرير الأيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي، في يناير 1975، ب (أيديولوجية الكادحين)، حتى وإن تراجع إنتاجها على مستوى الجامعة المغربية، الذي لا يرتبط بالهجمة الظلامية على الجامعة المغربية فقط، وإنما ارتبط، كذلك، بالتراجعات الخطيرة، التي عرفها اليسار، والتوجهات اليسارية داخل الجامعة المغربية، لينشط، بعد ذلك، من يمكن تسميتهم بالمتياسرين، الذين شرعوا بدورهم، يسفهون أحلام اليسار الاشتراكي العلمي، ويصرون على مواجهة الظلاميين، على مستوى الجامعة، مما أدى إلى استشهاد الشهيد أيت الجيد، الذي لا زالت قضية اغتياله معروضة أمام المحاكم، حتى الآن.

والإصرار على الاستمرار، على نهج الشهيد عمر بنجلون، قاد إلى إنجاز محطة 08 مايو 1983، بعد إنجاز محطات محددة، كانت تهدف إلى ترسيخ ممارسة الديمقراطية الداخلية، داخل الحركة؟

فما هي الدلالة التاريخية، والواقعية، والمستقبلية، لمحطة 08 مايو 1983؟

إن محطة 08 مايو 1983، التي ساهم فيها كل الأوفياء للحركة الاتحادية الأصيلة، وشهداء حركة التحرير الشعبية، وحركة التحرر الوطني، تحمل، في بنيتها، جملة من الدلالات التاريخية، والواقعية، والمستقبلية، التي تجعل منها محطة أساسية، في عملية التحول، التي عرفتها الحركة الاتحادية الأصيلة، في تاريخها، والتي حسمت وبصفة نهائية، مع المرضى بالعمل على تحقيق التطلعات الطبقىة، كمرض بورجوازي صغير، ومتوسط. وهو حسم: تثبت الأيام، أنه لا يمكن إعادة إنتاج أي شكل من أشكل الحوار، مع حزب البورجوازية الصغرى، التي كانت تقود حزبها حينذاك، قيادة: قادت عملية الانشقاق من الأعلى، كما جاء في بيان اللجنة المركزية المجتمعة يوم 08 مايو 1983، ليتم الحسم، نهائيا، مع التوجه اليميني / الانتهازي / البورجوازي الصغير، بقيادة المكتب السياسي، الذي قاد عملية الانشقاق من الأعلى، ليبقى الاتحاد الاشتراكي: اللجنة الإدارية الوطنية، خاليا من الانتهازيين، ليصير الحسم مع اليمين الانتهازي / البورجوازي الصغير، من الدلالات الكبرى، للمحطة النضالية ل 08 مايو 1983، وبالتالي: فإن الاستمرار الحقيقي للحركة الاتحادية الأصيلة، يتمثل في (الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية)، التي يقتنع بها جميع المنتمين إلى الحركة الاتحادية الأصيلة، كأساس لبلورة الأيديولوجية المعبرة عن مصالح الطبقة العاملة، وكل حلفائها، من فلاحين فقراء، ومعدمين، ومثقفين ثوريين، وتلاميذ، وطلبة، ومأجورين، وغير ذلك، الذي أصبح يهتم بالقضايا الكبرى للشعب المغربي، وطليعته الطبقة العاملة، وتفرغ للبناء التنظيمي، الذي ينتظر منه الكثير، تجاه الشعب المغربي، وتجاه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالخصوص.

إلا أن الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، صار يعاني معاناة شاملة، وعميقة، من:

1) اليمين الانتهازي، في الميدان، وفي المنظمات الجماهيرية، وخاصة في النقابات، وعلى رأسها الك.د.ش، التي كانت تجمع المنتمين للاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية بهم، والتي ستعرف مجموعة من التحولات، في اتجاه اليمين الانتهازي، الذي يتواجد في البرلمان، ويتواجد معه ممثلو الك.د.ش فيه، الذين دخلوا جميعا في تنسيق مع حزب الاستقلال، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ليستمر الخيار الذي تبلور في الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، أن يتمسك مناضلوه، على قلتهم، بالك.د.ش، التي ساهموا في تأسيسها، وبفعالية منقطعة النظير، في أواخر نونبر 1978، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975.

2) أن الحكم الداعم لليمين الانتهازي، ساهم بشكل كبير، في الحصار المضروب على الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، من الاستمرار في اعتقال مناضليه، انطلاقا من 08 مايو 1983، ومحاكمتهم، وإصدار أحكام جائرة في حق 34 من المناضلين، وفي مقدمتهم: القائد الأممي: الفقيد أحمد بنجلون، والقائد العظيم: عبد الرحمن بنعمرو، والقائد الكبير الذي صار معروفا بمعتقل الملوك الثلاثة: الفقيد محمد بوكرين، الذي خبر معظم السجون المغربية، وخبرته الأقاليم، والفروع، وكل التنظيمات الحزبية، ومدرجات الجامعات المغربية، والذي لعب دورا كبيرا في صلابة التنظيم: الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، والرفيق امبارك الطيب الساسي، الذي كان يشكل سندا كبيرا للحزب، والرفيق امبارك المتوكل، الذي يرجع له الفضل الكبير، في تجذر مناضلي الحزب، في بنية الك.د.ش، والفقيد المرحوم عرش بوبكر، الذي قام بدور أساسي على المستوى الميداني للحزب، ومرورا باعتقالات، ومحاكمات يناير 1984، وما تلاها من توقيفات، وطرد للمناضلين، وتجويع أسرهم، وعائلاتهم. غير أن الإرادة لا تزداد إلا صلابة، كما تقتضي ذلك حركة التاريخ، ليبقى المناضلون مستمرين، في القيام بمهامهم النضالية، والتنظيمية، في أفق الارتقاء بالتنظيم إلى مستوى أرقى.

3)الأحزاب، والتوجهات الرجعية، التي تكونت برعاية، ودعم الكيان المخزن،ي في مختلف الأقاليم، والجهات، وتأسست تنظيماتها، على جميع المستويات، برعاية السلطات المخزنية، التي وجهت كل العناصر الفاسدة في المجتمع، إلى هذه التنظيمات، التي تسيطر بواسطة هؤلاء الفاسدين، على معظم الجماعات الترابية، التي تحولت إلى ضيعات، يذهب إنتاجها، وتمويلها، إلى جيوب هؤلاء الفاسدين، الذين ينهبون ثروات الشعب المغربي، بدون حساب، مع ضمان الإفلات، من العقاب.

4) الأحزاب، والتوجهات الظلامية، التي تقوم على أساس العمل، على تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل. ومن هذه الأحزاب والتوجهات، وجد من قام باغتيال الشهيد عمر بنجلون، والشهيد أيت الجيد، وسواء أعلنت هذه التنظيمات، صراحة، عداءها للاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية الوطنية، أو لم تعلنها، فإن اعتمادها على الظلامية، وعلى المنهج الظلامي، في التغلغل في صفوف الأميين، يتناقض تناقضا مطلقا، مع الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كاختيار لبلورة الأسس، والمقومات، التي يقوم عليها الفكر العلمي النقيض، لممارسة الظلامية، التي تعتبر سدا منيعا، يقف وراء جعل الجماهير الشعبية الكادحة، مجيشة وراء الظلاميين، تؤيد ما يؤيد الظلاميون، وتحارب من يحاربه الظلاميون، وقد يبرز من أمييهم، من ينفذ قراراتهم، باغتيال المناضلين، الذين أصدروا حكمهم عليهم، بالإضافة إلى الحملات التكفيرية، التي يقودونها ضد العلمانيين، واليساريين، وضد الإنسان، وحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وضد الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ومثل هؤلاء الظلاميين، ومن على شاكلتهم، عندما يصلون إلى مستوى تحمل المسؤولية، بعد وصولهم إلى الحكم، فإننا نجد أنهم غالبا ما يفتضح أمرهم.

فمحاربة الحرية، لا يعني إلا تكريس العبودية، بمضامينها المختلفة، من منطلق اعتقاد مؤدلجي الدين الإسلامي/ أنهم أوصياء على الدين الإسلامي؛ لأن أدلجتهم للدين الإسلامي، التي ليست إلا تحريفا له، من أجل الوصول إلى السلطة، إما لفرض تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل.

ومحاربة الديمقراطية، باعتبارها (بدعة) غربية، تدخل في إطار ما يسميه الظلاميون، على اختلاف أنواعهم، ب (البدع)، انطلاقا مما يردد في مختلف مساجد المسلمين يوم الجمعة بالخصوص: (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)؛ لأن كلمة بدعة، الذي يعني كل ما خالف ماجاء في القرءان، مما لم يتم نسخه، حتى وإن كان في بنية النص القرءاني، نجد أن الظلاميين، بتلويناتهم المختلفة، يدخلون فيه مجموعة من المفاهيم السياسية، والحقوقية، التي صارت واضحة، بعد ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الديمقراطية، ومفهوم حقوق الإنسان، من منطلق: أن الديمقراطية تقتضي تمكين جميع أفراد المجتمع، من المساهمة الفعالة، في التقرير، والتنفيذ، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لأن ذلك التمكين، يجعل الإنسان يشعر بمكانته، في عملية تشكيل الواقع، الذي يصير خاليا، بفعل ذلك، من الأمراض: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وممارسة الديمقراطية، بمضامينها المختلفة، يمكن من تحقيق العداء الوارد في القرءان، بل يتناقض مع كل ممارسة تسعى إلى فرض الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وما دام الأمر كذلك، فالديمقراطية، بمفهومها المذكور، مطلب اجتماعي / سياسي لكل البشعوب المقهورة. وما يذهب إليه الظلاميون، من كونها (بدعة) ناجم عن كونها تنير الطريق أمام الجماهير الشعبية الكادحة، حتى تستطيع معرفة ما يجب لها، وما يجب عليها، في الممارسة الديمقراطية الهادفة إلى وضع حد للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، بمظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ومحاربة حقوق الإنسان، وحقوق العمال، التي يعتبرها الظلاميون، كذلك، (بدعة غربية)، يجب التصدي لها، حتى لا يتوسع العمل من أجل تحقيقها على أرض الواقع، وحتى لا تتحقق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تتحول إلى اهتمام يومي، أو مطلب شخصي؛ لأن حقوق الإنسان، وحقوق العمال، ساهمت في بلورتها كل الأمم، والشعوب، من أجل وحدتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، والشغلية.
ولذلك، فحقوق الإنسان، وحقوق العمال، ليست غربية، بقدر ما هي إفريقية / أسيوية / أوروبية / أمريكية شمالية / جنوبية / أسترالية؛ لأن كل الأمم التي تعيش في القارات المذكورة، ساهمت، من خلال المنتظمات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، بعيدا عن المعتقدات، وعن اللغات، وعن الأعراق، وعن الألوان خاصة؛ لأن الإنسان: رجلا كان، أو امرأة، يستحق أن يتمتع بكل حقوقه الإنسانية، ولأن العاملين، والعاملات، في مختلف المجالات، يستحقن، ويستحقون التمتع بكل الحقوق الإنسانية، والشغلية. وهو ما يترتب عنه: أن الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، ليست غربية، وليست شرقية، وليست شمالية، وليست جنوبية. إنها لكل الأمم، التي ساهمت، عبر ممثليها، في المنتظمات الدولية، في بلورة مبادئ تلك الحقوق، بما في ذلك الدول الإسلامية، أو الدول التي يعتبر غالبية سكانها من المسيحيين، أومن الذين يومنون بالبوذية، أو الزرادشتية، وغيرها من المعتقدات المعتمدة في هذا العالم، والتي لا يوجد من المومنين بها، من يعتبر صكوك حقوق الإنسان، وحقوق العمال،، بدعة غربية، باستثناء مؤدلجي الدين الإسلامي، الموسومين بالظلاميين، لدورهم في الحقل الذي يفسح المجال أمام تسييد الإنسانية.

فلماذا يعتبر الظلاميون، بأنواعهم المختلفة، صكوك حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بدعة غربية؟

إن ثنائية الشرق، والغرب، لا يمكن أن تعكس إلا ثنائية التخلف / التقدم، كما تعكس ثنائية الإيمان / الكفر، وتعكس كذلك ثنائية المعتقد أو المذهب الواحد / تعدد المعتقدات أو المذاهب. وهي ثنائية تنفي طرفها الآخر، وتبين إلى أي حد يتمسك الظلاميون بالشرق، وبالإيمان، وبالاعتقاد الواحد، أو بالمذهب الواحد، كبؤرة كبرى للتخلف، الذي ينتج لهم الأتباع، والمجيشين المستعدين لتنفيذ أوامرهم، التي توصلهم إلى الحكم، والسيطرة على المجتمع، الذي يصير محكوما بعقلية العصور الوسطى، التي تحول دون تقدم أي بلد، ودون نهضة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، من أجل أن تدوم سيطرتهم على القطيع، الذي يمكنهم من رقاب الشعب، أي شعب، بما في ذلك الشعب المغربي.

ولذلك، فإن من مهام حزب الطبقة العاملة، أو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، خوض صراع أيديولوجي، وسياسي مرير، ضد الظلاميين، بكل فئاتهم، وتوجهاتهم، وأحزابهم، وتقرير عدم فتح أي حوار معهم، وأن يفرز من بين مناضليه متخصصين في تفكيك الخطاب الظلامي، الذي ينتجه الظلاميون، الذين لا يكتفون بالسيطرة على القطيع، لتمتد سيطرتهم على الجامعات، بواسطة ذلك القطيع، من أجل الكشف عن التخلف الفكري، الذي يقود إلى إنتاج التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يتمكن حزب الطبقة العاملة، أو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، عن طريق متخصصيه، في تقييد خطاب الظلاميين، على مستوى الأسس، وعلى مستوى المنطلقات، وعى مستوى المضامين التافهة لهذا الخطاب، وعلى مستوى النتائج، التي يريدون الوصول إليها، وتوظيف عملية التفكيك المعرفية / العلمية، في عملية المواجهة، وفي اختراق المعنيين، من أجل تفكيكهم، وجعلهم يبحثون عن الخلاص، من سيطرة الظلاميين على فكرهم، وعلى ممارستهم، في أفق توعيتهم، بخطورة تبعيتهم للظلاميين على مستقبلهم، وعلى مستقبل الشعب الذي ينتمون إليه، ثم إن الانتقال بهم إلى مستوى الوعي بالذات، وبالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وبموقعهم من علاقات الإنتاج، سعيا إلى جعلهم ينخرطون في الصراع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ضد الظلاميين، وضد الطبقة الحاكمة، وسعيا إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، عن طريق انخراط القطاعات الإنتاجية، والخدماتية، في النقابة المناضلة، التي تقود الصراع بصدق، من أجل تمكين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من إدراك أهمية التطور، بدل الانحسار في خانة التخلف، وأهمية تعدد المعتقدات، التي لا علاقة لها بالأيديولوجية، وبالسياسة، بدل قيام الدين الواحد المؤدلج، أو المذهب الواحد المؤدلج، بالسيطرة على الواقع، في تجلياته المختلفة، وفي كل مجالاته، وأهمية النضال النقابي المستقل، والمناضل، بدل الانحسار في النقابات الحزبية، وأهمية الانخراط في حزب الطبقة العاملة، من أجل الانخراط في عملية التغيير الشامل للأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير جميعها، في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي خدمة مصالح الشعب.

فماذا تغير حتى تم هذا التراجع؟

إن مشاركة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في الانتخابات، يقتضي اعتبار المشاركة وسيلة، لإثبات أن المخزن الذي يتحكم في كل شيء، وأن الطبقة الحاكمة، لا يسعيان، أبدا، إلى احترام الخيار الديمقراطي، الذي ناضل من أجله حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، باعتباره حزبا للطبقة العاملة، وأن الديمقراطية المعتمدة في الانتخابات، هي ديمقراطية الواجهة، التي لا تتجاوز أن تكون محصورة في المحطات الانتخابية، وبعدما ينتهي أمر ديمقراطية الواجهة.

وإذا كانت الطبقة الحاكمة، ومعها الأحزاب التي كونتها الإدارة، وحزب الدولة، الذي تم تكوينه بقرار من الدولة، بالإضافة إلى الأحزاب الرجعية التقليدية، وأحزاب (اليسار) المتمخزن، أصبحت تراهن على ديمقراطية الواجهة، التي تكون نتائجها معروفة مسبقا، تحولت إلى أحزاب ممخزنة، لتصير جزءا لا يتجزأ من المخزن، كما أثبتت الشروط القائمة ذلك.

والفرق بين حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الذي يعتبر المشاركة في الانتخابات مجرد تكتيك، يسعى إلى فرض حريتها، ونزاهتها، عن طريق جعلها انتخابات غير فاسدة، وغير مؤسسة على تسييد الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، احتراما لكرامة الناخبين، ولإرادة الشعب المغربي، والانضباط لنتائجها، مهما كانت، وكيفما كانت.

أما أحزاب (اليسار) المتمخزن، فتعتبر الانتخابات استراتيجية، تهدف إلى تمكين المنتمين إلى تلك الأحزاب، من الوصول إلى المؤسسة المنتخبة، من أجل استغلال التواجد فيها، لتحقيق التطلعات الطبقية، لقيادات، ومرشحي (اليسار) المتمخزن، في حالة وصولهم إلى التحكم في المؤسسات المنتخبة، بالإضافة إلى التمتع بامتيازات أخرى.

وبناء على مار أينا، فمشاركة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، التي تتم في إطار تحالف اليسار الديمقراطي، ثم في إطار فيدرالية اليسار الديمقراطي، لا يمكن أن تكون إلا نضالية، تهدف إلى ممارسة الفضح من الداخل، كما يفعل، تماما، كل حزب من الأحزاب المكونة لفيدرالية اليسار الديمقراطي، وما يقوم به برلمانيا فيدرالية اليسار الديمقراطي، في الدورات البرلمانية العادية، لمجلس النواب المغربي، خير دليل على ذلك. وما تقوم به الفيدرالية من فضح للممارسات المتبنية للفساد، أثناء الحملات الانتخابية، على مستوى التراب الوطني، خير دليل على ذلك.

وانطلاقا من هذا المعطى، نجد أن روح 08 مايو 1983، حاضرة، وستبقى حاضرة، شئنا، أم أبينا، في الممارسة الحزبية اليومية، على جميع المستويات، وفي كل الأبعاد.

وما دام حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، يشد بالنواجذ، على أيديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، وما دام الحرص على تحقيق الأهداف المرحلية / الإستراتيجية: (تحرير ـ ديمقراطية ـ اشتراكية)، كما سطرها الشهيد عمر بنجلون. وهو أمر يقتضي استحضار أهمية 08 مايو 1983، كمحطة للحسم مع اليمين الانتهازي، بقيادة المكتب السياسي في ذلك الوقت، الذي قاد عملية الانشقاق من الأعلى. وهو ما يجعل إحياء ذكرى 08 مايو 1983، وسيلة للتمسك بالأمهات، التي تغذي المناضلين الحزبيين، ومناضلي اليسار المناضل، بالقوة الأيديولوجية، والفكرية، والمنهجية، وهي ترفع شأن أي مناضل يساري / حزبي، في علاقته بالجماهير الشعبية، وإحياء محطة 08 مايو 1983، يفترض في كل أطراف اليسار، المساهمة في إحيائها، من أجل استعادة الأسس، والقيم، التي قادت إلى إنجاز هذه المحطة، وبصدق نضالي متميز، من أجل الفصل، بين من يختار الشعب، ومن ينحاز إلى المخزن، المتسلط على رقاب الشعب المغربي.

والذين أنجزوا المحطة النضالية الرائدة، في 08 مايو 1983، منهم من قضى نحبه، ومنهم من لا زال ينتظر. ولكن الحزب يستمر، والنضال يستمر، والعمل من أجل تحقيق الأهداف، يجب أن يستمر، ونحن لا يمكن إلا أن نشيد بمحطة 08 مايو 1983، التي قادها الرفاق: الفقيد أحمد بنجلون، وعبد الرحمان بنعمرو، وامبارك الطيب الساسي، ومحمد بوكرين، وامبارك المتوكل، والفقيد عرش بوبكر، واليزيد البركة، من أجل تصحيح مسار الحركة الاتحادية الأصيلة، والحسم نهائيا مع اليمين الانتهازي / الانتخابي / المتمخزن، وإلى ما لا نهاية، والذي أصبح بعض قيادييه ينتقدون انتهازية القائد اليميني فيه.