- المساومة مع الشيطان - – فاشيّة ترامب ، - تقديس أوباما - و النظام الذى يخدمانه - لبوب أفاكيان


شادي الشماوي
2020 / 3 / 19 - 14:43     

" المساومة مع الشيطان " – فاشيّة ترامب ، " تقديس أوباما "و النظام الذى يخدمانه
بوب أفاكيان
جريدة " الثورة " عدد 636 ، 27 فيفري 2020
https://revcom.us/a/636/bob-avakian_on-bargains-with-the-devil-en.html

كإنسان لاديني لا أرغب في اللجوء إلى الإحالات الدينيّة بيد أنّ " المساومة مع الشيطان " تبدو إستعارة مناسبة لتشخيص مظاهر هامة ممّا حدث في السنوات الأخيرة في السياسة السائدة في هذه البلاد . في خطاب " يجب أن يرحل نظام ترامب / بانس " (1) ، أشرت إلى " تحالف غير مقدّس " بين الأصوليين المسيحيين الفاشيين و ترامب ذي التصرّفات الشخصيّة و " الأخلاق " التي من الجليّ أنّها في صدام مع " القيم " التي ليست أقلّ سفالة لكن المختلفة نهائيّا التي يتبنّاها هؤلاء المسيحيين الفاشيين . و مع ذلك ن ليس الأصوليّون الدينيّون وحدهم الذين عقدوا " مساومة مع الشيطان " ؛ فهناك أيضا أولئك الذين يدّعون أنّ ثمّة الكثير من " سلوك " ترامب لا يحبّذونه ، و قد ينؤون بأنفسهم عن بعض مواقف ترامب المتعصّبة البيّنة ، و مع ذلك يقولون إنّهم يساندونه لأنّه في ظلّ رئاسته أصبح الاقتصاد يسير بشكل جيّد.
و قد أشار البعض إلى عيوب في هذا الموقف الأخير ملمّحين إلى أنّ الكثير من " التقدّم الاقتصادي " الذى وفّر لترامب مصداقيّة بدأ عندما كان أوباما رئيسا وهندس " إستعادة عافية " من الأزمة الإقتصاديّة لسنة 2007-2008 ؛ و أنّ نسبة البطالة الرسميّة قد تكون منخفضة لكن نسبة البطالة الفعليّة أرفع بكثير ؛ و أنّ عديد مواطن الشغل ذا أجر متدنّى و غير مؤمّن ؛ و أنّ أعدادا هائلة من المتخرّجين من الجامعات يثقل كاهلهم بالديون الضخمة ؛ و أنّ الكثير من العائلات حتّى في صفوف تلك التي تبدو مرفّهة أو هي تعيش حياة رفاه إقتصادي ، تجد نفسها غير بعيدة عن أزمة صحّية كبرى جرّاء الضغط المالي أو حتّى اففلاس ؛ و أنّ أكثر من 550 ألف إنسان لا يملكون مأوى لقضاء الليل ؛ و أنّ اللامساواة في الدخل قد تعمّقت بدرجات فاحشة ... و ما إلى ذلك . لكن يجب أن يقال بصراحة قاسية أنّ حججا من هذا القبيل لم تلمس في الأساس عمق المسألة في علاقة بترامب و إنّما تستخدم ل لمصادقة على معيار و مقياس لا ينبغي أبدا تطبيقه أو القبول به – أنّه سيكون من الشرعي مساندة الفاشيّين ، من مثل نظام ترامب / بانس ، إن كان مثل هذا النظام عمليّايدخل تحسينات على الإقتصاد .
مع الأنظمة الفاشيّة السابقة حدث ، لفترة من الزمن ، أنّها حقّقت تحسينات هامة في الاقتصاد . فمثلا ، مع صعود موسيليني إلى سدّة الحكم في إيطاليا عقب الحرب العالمية الأولى ، تمّ القضاء على بعض الفوضى في المجتمع و في سير الاقتصاد و " أعيد فرض النظام " ( و قد جرى نقش هذا في الذاكرة في قول موسيليني " إجعلوا القطارات تسير في وقتها " ). و حتّى أكثر إثارة للمفاجأة ، حينما صعد هتلر و النازيّون إلى السلطة في ألمانيا ، عقب سنوات من تفشّى البطالة بصفة كبيرة و التضخّم المالي الفاحش المقدار ، وُجد تحسّن في الوضع الاقتصادي ،و لقي دفعا خاصا بفعل الحثّ على صناعة الآلات الحربيّة . و مساندة نظام ترامب / بانس على أساس أداء الاقتصاد ليست أقلّ فسادا أخلاقيّا من ما كانت عليه مساندة تلك الأنظمة الفاشيّة السابقة ، في ظلّ موسيليني و هتلر ، على الأساس نفسه .
و في المدّة الأخيرة ، نبّهت حركة " لنرفض الفاشيّة " التي أشارت منذ البداية إلى الطبيعة الفاشيّة لنظام ترامب / بانس ، إلى واقع أنّه غداة بتّ مجلس الشيوخ في قضيّة إقالة ترامب من منصبه ، و تبرئته له :
" لقد عرفت الفاشيّة تطوّرا إلاّ أنّها عرفت قفزة كبرى بفعل هذه المحاكمة الخدعة . في الأيأّم الأخيرة ، توسّع منع الملمين لشمل ستّة بلدان أخرى ، بما يؤشّر على تسارع نسق تجميع المهاجرين على الحدود ... و تدمير البيئة ... و الحرب و حتّى الحرب النوويّة صادر تهدّد بالإندلاع ... و حكم تفوّق البيض ... و الغوغاء الفاشيّة و الجرائم العنصريّة الكثيرة ... و محو الحقيقة و العلم ... و حقّ الإجهاض الذى يكاد يتبخّر ... و قد تمّ دوس حكم القانون و الديمقراطية و الحقوق المدنيّة ... كلّ هذا و غيره كثير سيتسارع نسقه و يتعمّق جرّاء تبرئة ترامب من قبل مجلس الشيوخ . "
[ بيان ترجمه و نشره على صفحات الحوار المتمدّن شادي الشماوي، تحت عنوان " مجلس الشيوخ يبرّر دونالد ترامب ، دائسا حكم القانون و دافعا بالفاشيّة إلى الأمام في أمريكا - يجب أن تنتظم لإبعاد نظام ترامب/ بانس من السلطة " ]
و يتيسّر كلّ هذا و يتعمّق بسبب المساندة المقدّمة لترامب ، مهما كانت الأعذار أو العقلنة . و في حين أنّه يمكن أن لا يكون ترامب حرفيّا " الشيطان " – و ما هو كذلك المسيح كما يبدو أنّه يذهب في إعتقاد بعض الأصوليين الدينيين المتعصّبين -فإنّ " مساومة " تشمل مساندة ترامب شيء لا يستطيع أي إنسان أبدا أن يفعله دون تحطيم أيّة لياقة و إنسانيّة لا زال يتحلّى بها بعدُ .
-------------
تقديم المساندة للحكم الرأسمالي المفروض فاشيّا ، ليس مع ذلك الشكل الوحيد المعبّر عن الإفلاس الأخلاقي في الحقل السياسي . و هذه هي الحال أيضا مع أولئك الذين لم يستطيعوا أن يخلّصوا أنفسهم من البلاء و الإدمان ، من المساندين لممثّلي هذا النظام الأكثر " تنويرا " و مثال لافت للإنتباه عن هذا هم أولئك الذين سمحوا م ب الإستطارة الوهميّة من الفرح للإعتقاد بانّه عندما أتى باراك أوباما إلى الرئاسة عني ذلك نوعا ما أنّ سنوات طوالمن الإضطهاد و الإخضاع الرهيبين قد إنتهيا و أنّ الحواجز أمام الفرص و تحقيق الأحلام قد رُفعت . و في الحقيقة ، بينما ربّما عُيّنت المزيد من الوجوه السود في مناصب عليا ،و بينما تقرّبتض الوجوه الثاقافيّة من السود من جماعة أوباما ، لم يتغيّر الوضع بالنسبة إلى جماهير الشعب من السود – بما فيها المئات الذين وقع قتلهم على يد الشرطة سنويّا و الإرهاب البوليسي العام الموجّه ضد السود و مضطهَدون آخرون – لم يتغيّر إلى الأفضل أثناء رئاسة أوباما . و بالفعل ن بهذا المضمار النتيجة الأساسيّة لصعود أوباما إلى الرئاسة كانت تعزيز و مزيد تشجيع الكذب الخبيث بأنّه لا وجود لحواجز أمام أي كان " لينجح" في أمريكا ، بتبعات لا مناص منها ( أو تأكيد صريح ) بأنّه إن لم " ينجح " البعض فالخطأ خطؤهم – كذب أطلقه لسان أوباما ذاته في خطابه عند إنتصاره في انتخابات 2012.
و الإحباط بشأن ما يمثّله أوباما قاد عديد الناس إلى العماء ، أو إلى غضّ الطرف عن الحروب الإجراميّة و جرائم أخرى ضد الإنسانيّة ،و نهب البيئة على يد الولايات المتّحدة ( و " حلفائها " ) حينما كان أوباما يتراّس الجهاز التنفيذي و كان " القائد الأعلى " .و قد شمل هذا القتل الإسرائيلي سنة 2014 لأكثر من ألفي شخص في غزّة ، بفلسطين – غالبيّتهم العظمى من المدنيين ،و منهم مئات الأطفال – وهو شيء دعّمه تماما و بالضرورة أوباما . ثمّ هناك معنى و تأثير ما قاله أوباما في علاقة بالفتنام . ففي مقال حديث (2) ، سلّطت الضوء على التدمير الهمجيّ و الفظاعات الفاسدة الأخلاق المقترفة من قبل جيش الولايات المتحدة في الفتنام ، و منها :
- قتل ملايين المدنيّين الفتناميين ، بالقذف المستمرّ بالقنابل و الرشق بالمدافع ، حتّى للمدارس و المستشفيات و السدود و بنية تحتيّة حيويّة خرى و الإستعمال الواسع النطاق لقنابل النابلم [ الحارقة للبشر و للشجر ] و الفسفور الأبيض و المكوّن البرتقالي ، و ملايين الأسلحة المضادة للأشخاص ، و الحرق حدّ الموت و التسبّب في إعاقة عدد ضخم من الأطفال و غيرهم ؛
- تدمير حياة ملايين الفتناميين الآخرين – بتحطيم أجزاء كبيرة من الأرض و الحيوانات الضروريّة للغاية لحياة الناس في الفتنام الريفيّة ؛
- تعذيب المساجين – بمن فيهم أعداد كبيرة من المدنيّين ، ذكورا و إناثا و شيوخا و شبّانا و حتّى أطفالا ؛
- إحداث عاهات في الأجساد و حمل أعضاء الجثث الفتناميّة المقطوعة ك " غنائم نصر " ؛
- الإغتصاب الجماعي للنساء و البنات الفتناميّات .

كلّ هذا و أكثر يمثّل " الخدمة " التي قدّمها جيش الولايات المتّحدة و جنوده في الفتنام . هل لبراك أوباما كرئيس و " قائد أعلى " ما يقوله بهذا الشأن ؟ أجل ، قال شيئا . فقد تكلّم ليس ليدين هذه الفظاعات التي لا توصف و لدفن إمكانيّة أن يتكرّر ذلك أبدا – و إنّما ، بالعكس ، ليمدح الذين فعلوا ذلك . و على سبيل المثال ، أنظروا الملاحظات التالية لأوباما كجزء من خطاب ألقاه إبّان إحياء ذكالفتنام في 28 ماي 2013 :
" أحد الفصول الأكثر إيلاما في تاريخنا هو الفتنام – و بالأخصّ ، كيف عاملنا فرقنا العسكريّة التي قدّمت الخدمات هناك ... لقد رسمتهم أحد أروع آيات البطولة و الإستقامة في كتب التاريخ العسكري ."
هنا ، ينبغي أن نقول إن ّالأعمال البطوليّة الحقيقيّة و الإستقامة الحقيقيّة لجنود الولايات المتحدة و قدماء حرب الفتنام إجترحها إولئك – و عددهم يبلغ في نهاية المطاف الآلاف – الذين إنقلبوا على تلك الحرب و إضطلعوا بدور مفتاح في فضح ما كان يقوم به فعلا جي الولايات المتحدة هناك و في المساهمة في ما صار معارضة جماهيريّة للحرب . لكن ، الحديث عن " البطولة و الإستقامة " لدى الفرق العسكريّة التي قدّمت خدمات في الفتنام ، يعادل عمليّا تبنّى الجرائم البشعة حقّا المقترفة بصورة منهجيّة و بلا هوادة على يد جيش الولايات المتحدة و جنوده في الفتنام ؛ و تساوى ملاحظات أوباما قول إنّ ما كان " مؤلما " ليس تلك البشاعة و ليست تلك الفظائع المقترفة في حقّ الشعب الفتنامي ، بل واقع أنّ الذين أمروا و الذين نفّذوا تلك الأعمال التي لا توصف لم يلقوا الدعم و الإحترام المستحقّين حسب وجهة نظر أوباما ! و يخدم هذا ليس " تشريف " جرائم الحرب الشنيعة و الجرائم ضد الإنسانيّة في الماضي فحسب بل ل " إصباغ الشرعيّة " و تشجيع مساندة هكذا أعمال من طرف الولايات المتحدة ( و " حلفائها " ) حاضرا و مستقبلا .
و متابعة للكناية في العنوان ، هل يمكن لأيّ إنسان أن يستمرّ في تقديس أوباما دون أن " يبيع ضميره إلى الشيطان "- ليس لأوباما ذاته فحسب بل إلى " الشيطان " الأكبر ، النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، و يغدو خادما وفيّا له ؟
--------------------------------
(1) " يجب أن يرحل نظام ترامب / بانس ! باسم الإنسانيّة نرفض القبول بأمريكا فاشيّة ؛ عالم أفضل ممكن " ، شريط فيديو هذا الخطاب لبوب أفاكيان متوفّر على موقع www.revcom.us .
(2) المقال المستشهد به هنا هو " بوب أفاكيان – حول إقالة الرئيس ، و الجرائم ضد الإنسانيّة ، و الليبراليين و الأكاذيب ، و الحقائق المستفزّة و العميقة " ، وهو متوفّر على موقع www.revcom.us .
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++