البلشفية طريق الثورة: الفصل السادس: سنة الثورة – تكتيكات الانتفاضة


آلان وودز
2020 / 3 / 13 - 08:59     



من كوخه في رازليف، كان لينين يتابع باهتمام شديد سيرورة الثورة، ويلتهم جميع التقارير والإحصاءات والروايات، وأي شيء يمكنه أن يساعد في فهم المسألة الأكثر أهمية وهي متى يجب على الحزب أن يضرب؟ وباستخدامه لطريقته الدقيقة المعتادة قام لينين بدراسة نتائج كل الانتخابات وكل الأصوات في السوفييتات والنقابات ومجالس المدن، في محاولة منه لمعرفة ما الذي تعنيه بالنسبة لميزان القوى الطبقية. لم ينس لينين ولو للحظة أن إحصاءات الانتخابات تقدم علاقة القوى بطريقة جزئية ومشوهة، لكن كل شيء كان يشير إلى تقدم سريع للحزب الثوري. كانت ذكرى تمرد كورنيلوف ما تزال حية في أذهان العمال والجنود، وكان خطر الثورة المضادة قد أثار استقطابا وتجذرا سريعين داخل السوفييتات. في كل مكان كانت هناك انتخابات جديدة في السوفييتات ومنظمات الجنود في الجبهة. وفي جميعها تقريبا، سجل التصويت لصالح البلاشفة تقدما مذهلا. كانت السلطة تنزلق من بين أيدي الزعماء اليمينيين الذين أظهروا عجزهم الكامل خلال حالة الطوارئ. بدأت السوفييتات في المراكز الصناعية الرئيسية (بتروغراد، فنلندا، الأسطول، الجيوش الشمالية، موسكو والمنطقة الصناعية الوسطى، الأورال) تغير، الواحد منها تلو الآخر، ولاءها من المناشفة والاشتراكيين الثوريين نحو البلاشفة.

صحيح أن الصورة لم تكن منسجمة. فالاشتراكيون الثوريون استمروا مسيطرين على سوفييتات الفلاحين والجنود في الجبهة. لكن هناك أيضا بدأت تتطور سيرورة فرز داخلي. بدأ تيار يساري يتطور بسرعة داخل الحزب الاشتراكي الثوري، وصار يتجه نحو الانشقاق والاصطفاف إلى جانب البلاشفة. كان الجناح اليميني للحزب الاشتراكي الثوري أقوى في منطقة الأرض السوداء ومنطقة الفولغا الوسطى. أما في أوكرانيا فقد تقاسموا السيطرة مع القوميين اليساريين. لكن المناشفة كانوا يفقدون المواقع في كل مكان. لم يتمكنوا من الحفاظ على النفوذ الذي كان لديهم على سوفييتات عموم روسيا عند بداية الثورة، سوى في معقلهم التقليدي، القوقاز. كان هذا هو ميزان القوى الذي حدد خطوة لينين التالية. لقد أصبح البلاشفة الآن القوة الحاسمة داخل السوفييتات. كان القادة الإصلاحيون معزولين ومحاصرين في ملجأهم الأخير، أي اللجنة التنفيذية السوفياتية. ألم يحن الوقت لحسم الأمور، لتوجيه الضربة الحاسمة؟

كان لينين مقتنعا بأن الوقت قد حان، وأن أي تأخير قد يكون قاتلا. لكن بقية قادة الحزب الآخرين لم يكونوا يفكرون على نفس المنوال. كانت قيادة الحزب ما تزال متأثرة بشدة بهزيمة يوليوز، وتميل إلى الحذر المفرط. وزينوفييف، الذي كان يتبع خط لينين دائما، اهتز بشدة وصار يتشبث الآن بكامينيف، الذي سلك، كالعادة، طريق “الاعتدال”. بدأ لينين منذ بداية شتنبر يقصف اللجنة المركزية بالرسائل، مطالبا إياها بإصرار البدء في تنظيم الانتفاضة. وفي رسالة له إلى اللجنة المركزية، بتاريخ 12-14 (25-27) شتنبر، افتتح بالكلمات التالية:

«إن البلاشفة، بعد حصولهم على الأغلبية في سوفييتات نواب العمال والجنود في كلا العاصمتين، يمكنهم ويجب عليهم أن يأخذوا سلطة الدولة بأيديهم»[1].

سقطت رسالة لينين كالقنبلة. شعر أعضاء اللجنة المركزية بالصدمة من محتواها ونبرتها إلى درجة أنهم قرروا اتلافها، كما ذكر بوخارين لاحقا:

«عندما دخلت، جاء ميلوتين فجأة لمقابلتي وقال: “أنت تعلم، أيها الرفيق بوخارين، لقد تلقينا رسالة صغيرة هنا”. قمنا بقراءة الرسالة. جميعنا بدأنا نلهث. لم يكن أحد قد طرح المسألة بهذه الحدة بعد. لا أحد كان يعلم ما الذي ينبغي فعله. كان الجميع في حيرة لفترة من الوقت. ثم تداولنا وتوصلنا إلى قرار. وربما كانت هذه هي المرة الوحيدة في تاريخ حزبنا التي قررت فيها اللجنة المركزية حرق رسالة للرفيق لينين»[2].

وتتالت الرسائل، وكانت كل واحدة منها أكثر إلحاحا من سابقتها:

«ماذا نفعل؟ نحن نكتفي فقط بإصدار القرارات. نحن نضيع الوقت. لقد حددنا “تواريخ” (20 أكتوبر، مؤتمر السوفييتات. أليس من السخيف تأجيله لفترة طويلة؟ أليس من السخف الاعتماد على ذلك؟)

في ظل هذه الظروف سيكون “انتظار” مؤتمر السوفييتات وما شابه، بمثابة خيانة للأممية، وخيانة لقضية الثورة الاشتراكية العالمية.

يجب علينا… أن نعترف بحقيقة أن هناك تيارا، أو رأيا، داخل لجنتنا المركزية وبين قادة حزبنا يفضل انتظار مؤتمر السوفييتات، ويعارض الاستيلاء على السلطة على الفور، يعارض انتفاضة فورية. يجب التغلب على هذا التيار، أو الرأي، وإلا فإن البلاشفة سوف يغطون أنفسهم بالعار الأبدي ويدمرون أنفسهم كحزب. إن تفويت مثل هذه اللحظة و”انتظار” مؤتمر السوفييتات سيكون حماقة مطلقة أو خيانة محضة».

وأخيرا اضطر لينين، المستاء من تكتيكات التأخير داخل اللجنة المركزية، إلى التهديد بالاستقالة منها وحمل النضال إلى قواعد الحزب:

«حيث أن اللجنة المركزية لم تجب على تلك النداءات المستمرة التي أطلقتُها لمثل هذه السياسة منذ بداية المؤتمر الديمقراطي، وبالنظر إلى حقيقة أن اللجنة المركزية تحذف من مقالاتي كل الإشارات إلى تلك الأخطاء الصارخة التي ارتكبها البلاشفة، مثل القرار المخزي بالمشاركة في البرلمان التمهيدي، وقبول المناشفة في رئاسة مجلس السوفييتات، إلخ، الخ.. فإني مضطر إلى اعتبار ذلك تلميحا “خفيا” لعدم رغبة اللجنة المركزية حتى ولو النظر في هذه المسألة، وتلميح خفي إلى أنه يجب علي أن أغلق فمي، وكاقتراح لي بأن أتقاعد.

أنا مجبر على تقديم استقالتي من اللجنة المركزية، وإذ أقوم بذلك أحتفظ لنفسي بحرية ممارسة الحملة بين قواعد الحزب وفي مؤتمر الحزب.

لأنني مقتنع عميق الاقتناع بأنه إذا “انتظرنا” حتى مؤتمر السوفييتات وتركنا اللحظة الحالية تمر، فسوف نتسبب في تدمير الثورة»[3].

آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

هوامش:

[1] LCW, The Bolsheviks Must Assume Power, vol. 26, p. 19.

[2] M. Liebman, Leninism Under Lenin, p. 137.

[3] LCW, The Crisis has Matured, vol. 26, p. 69, p. 81, p. 82 and p. 84.