المأساة والمهزلة مستمرة في عراق اليوم!


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 16:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نشرت جريدة العالم العراقية خبراً تحت عنوان "النجباء تبدأ العد التنازلي للرد على القوات الأميركية" يوم الأحد - 16 شباط (فبراير) 2020. وقد مرَّ الخبر، كما يبدو، دون تعليقات أو إشارات أو احتجاج وإدانة، رغم ما يحمله هذا الخبر الموجز من مخاطر جدية على الشعب العراقي والوطن. والأخطر من كل ذلك يبرز فيما تضمنه هذا الخبر من تحدٍ وقحٍ وتجاوز صلفٍ على الدستور العراقي والقوانين المرعية وعلى الدولة والقوات المسلحة العراقية، إضافة إلى الإعلان الرسمي عن استخدام السلاح والصواريخ من ميليشيا مسلحة خارج القانون وخارج القوات المسلحة العراقية. إذ صرح المتحدث باسم الميليشيا الطائفية الإيرانية المسلحة، ميليشيا "النجباء!!"، نصر الشمري في تغريدة له على تويتر يوم السبت بأن هذه الميليشيا التي تعمل خارج القانون قد "أعلنت عن بدء العد التنازلي للرد العسكري على القوات الأميركية. يأتي هذا التصريح بعد يومين من استهداف صاروخ قاعدة عسكرية عراقية يتمركز فيها أميركيون شمال بغداد. وأدعى بـ "أن هذا القرار عراقي بامتياز، ولن يسمح بالتدخل لتأجيله من أي طرف داخلي أو خارجي"، وأن "الرد سيكون باسم عمليات الشهيد القائد جمال"، في إشارة إلى الاسم الحقيقي لأبي مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي اغتيل مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد مطلع الشهر الماضي." (قارن: جريدة العالم 17/02/2020).
ان هذا القرار والتصريح، الذي ادلى بهما هذا الإرهابي الممثل لميليشيا إرهابية دموية وميليشيات أخرى مماثلة تحمل السلاح بدون غطاء شرعي متهمة بقتل الكثير جدا من العراقيات والعراقيين والمختطفات والمختطفين وممارسة التعذيب حتى الموت بكل نذالة، إضافة إلى حرق الخيام والهجمات المسلحة الليلية ضد المتظاهرات والمتظاهرين، لا يعبر عن استهانة كاملة بالدولة العراقية الهشة والمشوهة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، ولاسيما السلطات التشريعية والقضائية إلى جانب التنفيذية ومنها القوات المسلحة العراقية، فحسب، بل هو قرار إيراني صرف وبامتياز وتجاوز على الاستقلال والسيادة الوطنية، كما يعبر عن عمالة كاملة لإيران التي تريد عبر هذه الميليشيا وغيرها اثارة الإدارة الأمريكية وقواتها المسلحة في العراق للرد عليها بهدف إشاعة الفوضى والخراب في البلاد وتوفير الفرصة لتوجيه ضربة جديدة للانتفاضة الشعبية كتلك التي مورست ولا تزال تمارس في النجف والناصرية وبغداد وغيرها من مدن الوسط والجنوب. وتجاوزتها قوى الانتفاضة بكل بسالة وقوة وتحملت الكثير من الضحايا والعذابات.
إن مؤسسات الدولة العميقة المجرمة التي فرضت نفسها في العراق بقوة السلاح والدعم الدائم من الجارة الدموية إيران لهذه العصابات المنفلتة من عقالها والتي تمارس كل الجرائم بعلم ومعرفة وتأييد حكام العراقي الطائفيين ومنهم السفاح الخبيث عادل عبد المهدي والاستخبارات العراقية والمخابرات، والتي تريد الآن فرض رؤيتها على رئيس الوزراء الجديد الذي جاء بدعم وتأييد من كتلتي سائرون والفتح وامتلأ مجلس وزراءه دون أدنى ريب بمن ارتضتهما هاتين الكتلتين وقبل ذاك كسبت رضى إيران وخامنئها!
السؤال الذي يواجه كل العراقيات والعراقيين الشرفاء هو: أين هي السلطة القضائية والادعاء العام من إعلان ميليشيا طائفية مسلحة بشكل غير رسمي وخارج الشرعية الدستورية جهارا نهارا بأنها أطلقت صورايخ ضد مواقع عسكرية عراقية وضد السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وبتحدٍ صارخ للدولة العراقية؟ هل يخشى القضاء والادعاء العام من سطوة هذه الميليشيات، أم إنها مشاركة معها لأنها قائمة على أسس طائفية وملتحمة بها وبمصالحها؟ ألا يستطيع أحد في هذه الدولة الطائفية الغارقة في الفساد أن يقدم احتجاجاً ويطالب باعتقال هذا المدعو نصر الشمري ويقدم إلى المحاكمة لينال جزاءه العادل ومن معه من ميليشيا النجباء التي تطلق الصواريخ على مؤسسات دولة لها حرمتها في العراق وعلى معسكرات القوات المسلحة العراقية؟
إن انتفاضة الشعب الجارية بحاجة إلى المزيد من الجهد والتعبئة الشعبية لكنس الطغمة الحاكمة كلها من بلاد الرافدين ودفعهم إلى حيث موالاتهم، إلى أسيادهم حكام إيران الذين لم يضطهدوا الشعب العراقي والشعب السوري وشعب اليمن فحسب، بل وقبل هذا وذاك شعب إيران العزيز بكل قومياته وأتباع دياناته واتجاهاته الفكرية والسياسية الديمقراطية. إن النظام الإيراني الطائفي الفاسد والاستعماري الجديد هو الذي أرسل للعراق هذه الحثالات والطفيليات التي شكلت ميليشياتها أما في إيران أو في العراق وأوكل لها مهمة ممارسة الإرهاب ضد الشعب العراقي لفرض النظام الثيوقراطي الدكتاتوري المماثل لنظامها في العراق، وكما هو حال ودور ميليشيا حزب الله اللبناني والعراقي وبقية الميليشيات المماثلة.
إن أي حكومة ترتضي وجود مثل هذه الميليشيات ليست بحكومة وطنية ولا تستجيب لمطالب الشعب الذي يريد حصر السلاح بيد الدولة، ويريد دولة ديمقراطية حديثة وعلمانية ولا يريد دولة ثيوقراطية مدمرة لهوية المواطنة وحقوق الشعب والوطن. إلى هذا يناضل الشعب ويتصدر المنتفضون والمنتفضات ساحات النضال النبيل رغم كل أساليب القتل والخطف وحرق الخيام والاستباحات الليلية والغدر بالإعلاميين البواسل الذين يضعون أمام الشعب حقائق ووقائع ما يجري في العراق يومياً على أيدي الحكم الطائفي الفاسد والمشوه والمقيت والدولة العميقة المجرمة بكل مؤسساتها وميليشياتها ومكاتبها الاقتصادية واللجان المختصة بالاغتيال والاختطاف والتعذيب.