حوادث العمل خطر محلي وعالمي على العمال


جهاد عقل
2020 / 1 / 19 - 18:46     

عندما عقدت منظمة العمل الدولية مؤتمرها المئوي في شهر حزيران الماضي، كان موضوع السلامة والصحة المهنية للعمال في أماكن عملهم، إحدى البنود المحورية في أبحاث المؤتمر، وتم إتخاذ قرار بهذا الموضوع ضمن وثيقة القرارات الصادرة عن المؤتمر يوم 21 حزيران 2019 ضمن "المجالات المحددة" لنشاط المنظمة في حماية العمال .

وفي بيان منظمة العمل الدولية الصادر على شرف اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية يوم 28 نيسان 2019 تحت عنوان " السلامة والصحة في قلب مستقبل العمل، البناء على 100 عام من الخبرة"، جاء ما يلي:"يموت كل عام 2.78 مليون شخص بسبب وظائفهم، فيما يتعرض 374 مليون شخص للإصابة أو المرض من خلال الحوادث المرتبطة بالعمل، وتشير التقديرات الى أن أيام العمل الضائعة لأسباب متعلقة بالصحة والسلامة المهنية تُمثل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتصل النسبة في بعض البلدان الى 6%."

واضح أن قضية حوادث العمل وأمراض المهنة هي قضية تشغل مختلف الهيئات الدولية كما هو الامر على الصعيد المحلي، خاصة وأن تشكيل هيئات منظمة العمل الدولية قائم على مشاركة أطراف الإنتاج الثلاث : حكومات، إتحادات أصحاب العمل والنقابات العمالية. وبذلك هو هم عالمي كما هو محلي.

معطيات العام 2019 لحوادث العمل فيها تفاقم كبير

التلخيص السنوي المحلي لحوادث العمل يركز على حوادث العمل القاتلة وعدد ضحايا هذه الحوادث، وربما يجري رصد بعض حالات الإصابات الخطيرة والمتوسطة ( في فرع البناء)، سبب ذلك هو فقدان هيئة وطنية مستقله مع طاقم مهني تعنى برصد كافة حوادث العمل بما في ذلك الإصابات وليس فقط حوادث ضحايا العمل. وفي ظل تقاعس وزارة العمل والتوقف عن إصدارها التقارير الرسمية منذ ثلاثة أعوام والتي كانت تشمل عدد المصابين في تلك الحوادث يجري الإعتماد على تقارير صادرة عن منظمات وجمعيات تعنى وتهتم بهذه القضية مثل "خط العامل" و " فريق النضال ضد حوادث العمل في البناء والصناعة" و"منتدى حوادث العمل" والنقابات العمالية متمثلة بكتلة الجبهة النقابية، بالإضافة لمتابعه شخصية ورصد متواصل من قبلنا لهذه الحوادث .

وفق هذه التقارير حدث أرتفاع في عدد ضحايا حوادث العمل بالمقارنة مع العام 2018 ( 70 عامل ضحية حوادث العمل ) و2017 (57 عامل ضحية حوادث العمل ) الى 87 ضحية في حوادث العمل القاتلة في العام 2019 مما يعني إرتفاع بنسبة 50% بالمقارنة مع العام 2017، وإرتفاع كبير في إصابات العمل الخطيرة. ففي العقد الاخير بلغ عدد ضحايا حوادث العمل القاتلة 664 ضحية .

ضحايا حوادث العمل العمال العرب يدفعون الثمن الأكبر

عندما نقوم بتحليل حوادث العمل التي أدت الى سقوط ضحايا بل شهداء لقمة العيش نجد أن حصة الأسد من هذه الحوادث تكون من عمال البناء، فمن أصل 87 ضحية - شهيد لقمة عيش،نجد أن عمال فرع البناء دفعوا الثمن الأعلى ب 47 ضحية أي ما نسبته 54% من مجمل ضحايا حوادث العمل القاتلة. ويكفي أن نذكر هنا أن نسبة العاملين في فرع البناء لا تتعدى ال 8% من مجمل العاملين في مختلف الفروع التشغيلية، مما يعني أن كل عامل بناء يخرج الى العمل يوميًا مع شعوره بصحة القول "أحمل دمي على كفي".

نحن نؤكد أننا لا نفرق بين عامل وآخر لا قوميًا ولا دينيًا فالعامل ضحية حادث العمل هو إنسان أولًا وقبل كل شيء، لكن الواقع المؤلم ووفق التصنيف الذي تضعه مختلف التقارير مع بعض الفروقات الهامشية بينها، تؤكد أن العمال العرب الفلسطينيين محليًا ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة، هم أكثر من يدفع الثمن الباهظ لهذه الحوادث، حيث تصل نسبتهم من الحوادث القاتلة عامة 55% ومن الحوادث القاتلة، وفي فرع البناء تبلغ النسبة 70% (في تقرير آخر 66%)،

لسنا في سياق تحليل أسباب وقوع هذا العدد الكبير من شهداء لقمة العيش من العمال العرب، لكن لا بد من الإشارة الى بعض الحقائق ومنها بعد مكان العمل، إهمال أصحاب العمل بتوفير وسائل السلامة والصحة، قضية التوعية والتأهيل للعمال بهذا الخصوص وغيرها من الأسباب . لكن على ما يبدو أن الإهمال الحكومي في تنفيذ أنظمة السلامة والصحة المهنية لها علاقة بهوية العمال ضحايا حوادث العمل كما هو الامر في سياسة التمييز التي تنتهجها في مختلف القضايا المتعلقة بالأقلية العربية عامة.

ضحايا حوادث العمل وماذا عن ضحايا أمراض المهنة؟

واضح أن المعطيات التي يجري التطرق لها تتمركز حول حوادث العمل القاتلة التي تقع في مكان العمل، لكنها لا تشمل الضحايا من العمال الذين يفقدون حياتهم جراء أمراض المهنة التي أصابتهم خلال عملهم بسبب تعاملهم مع مواد خطرة او بيئة عمل غير آمنه، وكما ذكرنا سابقا معظم ضحايا حوادث العمل في العالم والتي تقدر بحولي 2,8 مليون شخص هم نتيجة الإصابة بامراض المهنة .

كنت قد تابعت هذا الموضوع ضمن نشاطي النقابي، وبعد جهود مكثفة وبالتعاون مع عدد من الزملاء والاخصائيين، وعلى أثر تقرير تخميني قدمه خبراء منظمة العمل الدولية بهذا الخصوص، تم تشكيل هيئة لتقوم برصد حالات أمراض المهنة والوفيات الناتجة عنها، لكن هذه الهيئة لم تكتمل نشاطها بعد، لصعوبة الحصول على المعطيات من مختلف الجهات المهنية، لذلك المعطيات لديها ما زالت منقوصة وغير مكتملة.



تقرير منظمة العمل الدولية قدر عدد ضحايا أمراض المهنة محليًا بحوالي 1500 ضحية في العام، وفي المؤتمر التأسيسي لهيئة رصد معطيات ضحايا امراض المهنة كان التقدير ما بين 2000 - 2500 ضحية مما يؤكد أن قضية السلامة والصحة المهنية قضية يجب أن تكون في أعلى سلم الإهتمام على الصعيد الحكومي من جهة وعلى صعيد أصحاب العمل والنقابات العمالية.

الدور الحكومي منقوص وموتور

منذ بداية العام الحالي 2020 وخلال ثلاثة أيام من الاسبوع الحالي راح ضحية حوادث عمل ثلاثة عمال (حتى كتابة هذه السطور)، وفي جميع هذه الحوادث كان يصدر تعقيب رسمي أن طواقم وزارة العمل والشرطة يقومون بالتحقيق بأسباب وقوع هذه الحوادث، وبهذا التعقيب ينتهي الموضوع، ويجري التعتيم على مجريات التحقيق وسط فقدان الشفافية، وإطلاع الجمهور بل وأهل الفقيد على الأسباب الحقيقية لوقوع الحادث ومن المسؤول.

صدق الرفيق النقابي دخيل حامد رئيس كتلة الجبهة النقابية عندما حمل المسؤولية لحوادث العمل للحكومة، التي تتخاذل في القيام بمسؤولياتها، ليس فقط بموضوع العقاب بل في تنفيذ معطيات ومواصفات وأنظمة السلامة والصحة المهنة في مختلف أماكن العمل ومختلف المهن ليس فقط في فرع البناء.



لماذا نقول بأن دور الطرف الحكومي موتور ومنقوص، لأن هذا ما لاحظناه في تقرير" وزارة العمل وخدمات الرفاه - دائرة السلامة والصحة المهنية" الصادر قبل عدة أيام تحت عنوان :"تلخيص نشاطات 2019 - وضع تنفيذ إتفاقية الأمان مع الهستدوت"، يقع التقرير على إمتداد 7 صفحات، يجري في مقدمته التأكيد على زيادة وتيرة التفتيش على مواقع العمل والتركيز على ظاهرة إغلاق ورشات بناء بسبب خلل في توفير وسائل السلامة والأمان فيها، قلنا الدور الحكومي موتور لأن قضية إغلاق 1352 ورشة بناء من أصل 7000 ورشة بناء تم إجراء تفتيش فيها خلال عام 2019 ( تفتيش 55% من ورشات البناء في البلاد التي يقدر عددها ب 13 الف ورشة) مقابل 189 ورشة فقط تم إغلاقها في العام 2018، هذا المعطى بحاجة الى دراسة خاصة بحد ذاته.

أما المعطى الإحصائي الآخر الذي يتطرق له التقرير فيتعلق بعدد ضحايا حوادث العمل القاتلة في فرع البناء، ويحدد بأن العدد هو 38 ضحية، وهذا الرقم لا يتوافق مع المعطى المتفق عليه من قبل مختلف الجهات بما فيها نحن وما رصدناه من حوادث بهذا السياق، وعنما قمنا بفحص اسباب هذا الفارق، إتضح أن وزارة العمل لا تشمل الحوادث الناتجه عن حالة دهس في مكان العمل وغيرها من الحوادث. وبذلك يكون تقرير الوزارة منقوص بلا شك.



أما الإشارة الثانية التي تلفت الإنتباه تتعلق بالإرتفاع الكبير في حوادث العمل القاتلة خلال العقد الأخير، ففي العام 2010 كان عدد ضحايا حوادث العمل في فرع البناء 23 مقابل 47 ضحية العام 2019 أي أن العدد تضاعف في ظل عمليات أغلاق ورشات العمل والتفتيش المكثف .

عدم تنفيذ إتفاقية السلامة والامان

يتطرق تقرير الوزارة أيضا الى الإتفاقية التي تم التوقيع عليها ما بين الحكومة والهستدروت (النقابة العامة) في شهر تشرين ثاني 2018، بعد تهديد الأخيره بالاضراب العام، وسط الإشارة أن بنود الإتفاقية ال 14 لم تنفذ بكاملها حتى الآن، وما تم تنفيذه هو خمسة بنود بالكامل وأربعة بنود نفذت بشكل جزئي، طبعا على ذمة تقرير الوزارة، مما يؤكد على تقاعس الحكومة وتحملها المسؤولية من خلال التنفيذ المنقوص للإتفاقية من جهة والتعامل بتوتر زائد مع الموضوع وليس ضمن إستراتيجية تكفل الوصول الى شط الامان وتقليص ظاهرة حوادث العمل وأمراض العمل.

علينا الإشارة هنا كما أكدنا سابقًا، الى حقيقة توقف الوزارة عن إصدار تقرير متكامل حول حوادث العمل وإصابات العمل منذ ثلاث سنوات وعدم تقديم كامل المعطيات بشفافية للجمهور كما كان متبعًا في السابق، وهذا يتنافى مع إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 155 بخصوص السلامة والصحة المهنية في العمل والتوصية رقم 187 للمنظمة نفسها.

أولوية للجبهة

قضية مكافحة ظاهرة حوادث العمل وتوفير بيئة عمل آمنه كانت وما زالت على جدول أعمال نشاط كتلة الجبهة النقابية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، حيث بُذِلت وتُبذَل جهود فائقه من أجل ضمان السلامة والصحة المهنية لعمالنا، ورفع صوتهم ووضع هذه القضية وبإستمرار على جدول الأعمال اليومي نقابيا وإعلاميًا ومواصلة الضغط على الحكومة، التي كما لاحظنا من المعطيات، بأنها أول وآخر من يتحمل مسؤولية هذا الإهمال، الذي يؤدي، الى سقوط الضحايا من العمال في مكان عملهم، لأن وفاة عامل في عمله لا تعني حالة رقمية أو إحصائية، بل هي قضية حق العامل بضمان بيئة عمل آمنه تضمن له الحق بالحياة والصحة، لذلك نعود ونناشد مختلف الأطراف العمل بتنسيق وبتعاون من أجل تقليص ظاهرة حوادث العمل، بل والقضاء عليها من خلال توفير كامل وسائل السلامة والصحة المهنية وبيئة عمل آمنه للعاملين في مختلف اماكن العمل، والتركيز ليس فقط على إغلاق ورشات العمل، بل على قضية الإرشاد والتوعية لمختلف الجهات من أجل الوصول للهدف المنشود ألا وهو ضمان السلامة والصحة لكل إنسان عامل والعودة الى بيته وأهله سالمًا معافى من مكان عمله.