رأس المال: الفصل الخامس/ ثانياً – عملية إنماء القيمة


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6449 - 2019 / 12 / 28 - 22:39
المحور: الارشيف الماركسي     

إن المنتوج الذي يستحوذ عليه الرأسمالي هو قيمة استعمالية كخيوط الغزل، مثلا، أو الأحذية. ولكن رغم أن الأحذية هي، بمعنى معين، الأساس الذي يسير عليه كل تقدم اجتماعي، وأن صاحبنا الرأسمالي رجل تقدمي دون جدال، مع ذلك فإنه لا يصنع الأحذية حباً بها. ففي نطاق الإنتاج السلعي لا تكون القيم الاستعمالية الشيء الذي “يحبه المرء إكراماً لذاته” (qu’on aime pour lui-meme). إن الرأسماليين لا ينتجون القيم الاستعمالية إلا لأنها، أو بقدر ما تكون، القوام المادي أو الحامل للقيمة التبادلية. وثمة في ذهن صاحبنا الرأسمالي غايتان: أولا، إنه يبتغي إنتاج قيمة استعمالية لها قيمة تبادلية، نعني إنتاج مادة تصلح للبيع، إنتاج سلعة، وثانية، إنه يريد إنتاج سلعة تفوق قيمتها مجموع قيم السلع التي استخدمت في إنتاجها، ونعني بذلك قيم وسائل الإنتاج وقوة العمل التي اشتراها بنقوده الغالية من سوق السلع. إنه لا يتوخى إنتاج قيمة استعمالية بل سلعة أيضا، أي أنه لا يتوخى إنتاج قيمة استعمالية فحسب بل قيمة أيضا، وليس قيمة فحسب بل فائض قيمة أيضا في الوقت نفسه.
الحق، لا بد من التذكير بأننا إذ نتناول الآن إنتاج السلع، فإننا لم ندرس، عند هذا الحد، سوى جانب واحد من العملية، وبما أن السلعة هي وحدة القيمة الاستعمالية والقيمة في آن، كذلك عملية إنتاج السلع ينبغي أن تكون وحدة عملية العمل وعملية خلق القيمة(*).
والآن لنتفحص عملية الإنتاج كعملية خلق للقيمة أيضا.
نحن نعرف أن قيمة كل سلعة تتحدد بكمية العمل المبذولة في إنتاجها والمتجسدة فيها مادياً، نعني تتحدد بوقت العمل الضروري اجتماعياً لإنتاجها. وينطبق هذا القانون على المنتوج الذي يحصل عليه صاحبنا الرأسمالي كنتيجة لعملية العمل. إذن فأول خطوة ينبغي أن تكون حساب العمل المتشیئ في هذا المنتوج.
لنفترض أن هذا المنتوج هو خيوط الغزل على سبيل المثال.
لغزل الخيوط ينبغي توافر مادة أولية، نفترض أنها 10 باونات من القطن. وليس ثمة ما يدعو في الوقت الحاضر للتحري عن قيمة هذا القطن، فنحن نسلم بأن صاحبنا الرأسمالي قد اشتراه من السوق بقيمته كاملة، ولتكن عشرة شلنات. إن هذا السعر يعبر عما يلزم لإنتاج القطن من عمل، بصفته عملا اجتماعياً عاماً. ولنفترض أيضا أن بلى المغزل وتلفه في مثالنا يمثل جميع وسائل العمل المستخدمة الأخرى، وأنه يُعادل في القيمة شلنين. وإذا كانت تلزمنا 24 ساعة عمل، أو يوما عمل، لإنتاج كمية من الذهب تعادل 12 شلناً، فهذا يعني أن لدينا، بالأصل، يومي عمل متشيّئة في الخيوط.
وينبغي أن لا ندع هذا الوضع يضللنا وهو أن القطن قد اتخذ شكلا جديدة، وأن الجزء المهتریء من مادة المغزل قد اندثر. ذلك أنه إذا كانت قيمة 40 باوناً من الخيوط = قيمة 40 باوناً من القطن + قيمة المغزل كله، أي إذا كان وقت العمل المطلوب لإنتاج سلع الطرف الأول من المعادلة المذكورة مساوية لوقت العمل اللازم لإنتاج سلع الطرف الثاني منها، فإن 10 باونات من الخيوط هي المُعادل لـ 10 باونات من القطن + ربع المغزل، حسب القانون العام للقيمة. وفي الحالة التي ندرسها، يتجسد نفس وقت العمل في القيمة الاستعمالية للخيوط أولا، وفي القيم الاستعمالية للقطن وجزء من المنزل، ثانية. لذا، سواء كانت القيمة تتجلى في القطن والمغزل، أو في الخيوط، فالأمر سيان بالنسبة للقيمة. فعوضا عن أن يهجع المغزل والقطن في سكون، أحدهما جنب الآخر، فإنهما يمتزجان معا في عملية الغزل، ويتغير شكلاهما الاستعماليان، فيتحولان إلى خيوط، إلا أن قيمتهما لا تتأثر بهذه الواقعة مثلما أنها لا تتأثر قط فيما لو جرت مبادلتهما مبادلة بسيطة لقاء مُعادل من الخيوط.
إن وقت العمل اللازم لإنتاج القطن، الذي يؤلف المادة الأولية للخيوط، هو جزء من وقت العمل الضروري لإنتاج الخيوط، وعليه فإن الخيوط تحتويه. وينطبق الشيء نفسه على وقت العمل اللازم لإنتاج كتلة المغازل، التي لا يمكن غزل القطن دون اهترائها أو استهلاكها(1).
وعليه عند تعيين قيمة خيوط الغزل، أو تعيين وقت العمل اللازم لإنتاجها، ينبغي أن ننظر إلى جميع العمليات الخاصة، المختلفة المنفصلة عن بعضها من حيث الزمان والمكان، والضرورية لإنتاج القطن أولا، ثم إنتاج الجزء المستهلك من المنزل ثانية، ثم أخيراً لغزل الخيوط بالقطن والمغزل، ينبغي النظر إليها باعتبارها أطواراً مختلفة ومتعاقبة من عملية عمل واحدة. إن مجمل وقت العمل الماثل في خيوط الغزل هو عمل سابق، ولا أهمية في شيء أن يكون العمل اللازم لإنتاج العناصر المكونة للخيط قد وقع في صيغة الماضي البعيد، قبل أمد بعيد من العمل المبذول في العملية النهائية، أي: عملية الغزل، الأقرب للحاضر، بصيغة المضارع التام. ولو كانت كمية محددة من العمل، كأن تكون 30 يوما، تلزم لبناء منزل، فإن المقدار الكلّي لوقت العمل الماثل فيه لا يتغير لمجرد أن العمل في اليوم الأخير قد نفذ بعد 29 يوما من تنفيذ عمل اليوم الأول في إنتاج المنزل. لذا فإن وقت العمل الذي تحتويه مواد العمل ووسائل العمل ينبغي أن يعتبر عملاً أُنفق في مرحلة مبكرة من عملية الغزل، قبل أن يبدأ إنفاق العمل في شكل الغزل بصورة فعلية.
إن قيم وسائل الإنتاج، نعني قيمة القطن والمغزل، التي تجد التعبير عنها في سعر 12 شلنا، هي إذن، أجزاء من مكونات قيمة الخيوط، أي أجزاء من مكونات قيمة المنتوج. مع ذلك ينبغي أن يتحقق شرطان: أولا، إن القطن والمغزل ينبغي أن يستخدما فعلياً في إنتاج قيمة استعمالية ما. وينبغي في حالتنا هذه أن تنجم عنهما خيوط. وعليه لا يغير من القيمة نوع القيمة الاستعمالية التي تحملها، ولكن يجب أن تحملها قيمة استعمالية ما. ثانيا، ينبغي لوقت العمل الا يتجاوز الزمن الضروري حقا في ظل الظروف الاجتماعية المحددة التي تحيط بالإنتاج. وبناء على ذلك، إذا كان غزل باون واحد من الخيوط لا يلزمه أكثر من باون واحد من القطن، فلا يجوز استهلاك ما يزيد على باون واحد من القطن لتوليد باون واحد من الخيوط. وكذلك الحال فيما يتعلق بالمغزل. وحتى لو أصابت الرأسمالي نزوة استخدام مغزل ذهبي عوضا عن مغزل الفولاذ، فإن العمل الذي يدخل في قيمة الخيوط لن يكون سوى العمل اللازم اجتماعياً، أي وقت العمل الضروري لإنتاج مغزل الفولاذ.
نحن نعرف الآن أي جزء من قيمة الخيوط تكوّنه، وسائل الإنتاج، أي يكوّنه القطن والمغزل. وهذا الجزء يساوي 12 شلناً، أي ما يتجسد في يومي عمل. أما الخطوة التالية من البحث فهي معرفة مقدار ذلك الجزء من قيمة الخيوط الذي يضيفه عمل الغازل إلى القطن.
ينبغي الآن أن ندرس هذا العمل من وجهة نظر تختلف تماما عن تلك التي اعتمدناها خلال عملية العمل. فهناك نظرنا إليه على أنه ضرب معين من النشاط البشري الهادف لتحويل القطن إلى خيوط. وكلما كان العمل موائماً لغايته كانت الخيوط أجود، شريطة أن تبقى الظروف الأخرى ثابتة. في البدء كنا ننظر إلى عمل الغازل على أنه صنف خاص يختلف عن الأصناف الأخرى من العمل المنتج؛ وقد تكشف هذا الاختلاف ذاتياً وموضوعياً، في الهدف الخاص للغزل، أي في الطابع الخاص للعمليات التي يقوم بها، كما في الطبيعة الخاصة لوسائل إنتاجه، والقيمة الاستعمالية الخاصة التي يتميز بها منتوجه. إن القطن والمغازل وسائل ضرورية لازمة بالنسبة لعملية الغزل، ولكن لا نفع فيها البتة في صنع مدفع. أما الآن فعلى العكس من ذلك، لا نعاين عمل الغازل إلا في حدود کونه عملا خالقاً للقيمة، أي منبعا للقيمة، وفي هذا الإطار لا يختلف عمل الغازل، في شيء، عن عمل الرجل الذي يثقب ماسورة المدفع، أو أنه لا يختلف في شيء (وهذا أقرب إلى مثالنا) عن أعمال زارع القطن وصانع المغزل المتجسدة في وسائل إنتاج الخيوط. وبسبب هذا التماثل وحده، يمكن لزرع القطن وصنع المغزل وغزل الخيوط أن تؤلف أجزاء مكونة للقيمة الكلية نفسها، قيمة الخيوط، ولا تتباين هذه الأجزاء إلا من ناحية كمية، ولم يعد يهمنا، هنا، نوعية العمل او طابعه، أو محتواه، بل كمّيته فحسب. ويمكن حساب هذه الكمية ببساطة. ونمضي في افتراضنا أن الغزل عمل بسيط غير ماهر، عمل اجتماعي وسطي معين. وسنرى فيما بعد أن الافتراض المعاكس لن يغير في الأمر شيئا.
خلال عملية العمل، يمر العمل دون انقطاع، بتحوّل: إنه يتحول من شكل فاعلية إلى شكل وجود، من شكل حركة إلى شكل موضوع متشییء. ففي نهاية ساعة من الغزل تتمثل حركة عمل الغزل بكمية معينة من الخيوط، بتعبير آخر إن كمية معينة من العمل، هي ساعة من الغزل، قد تشيّأت في القطن. ونحن نستخدم تعبير: ساعة عمل، أي إنفاق الغازل لقوته الحيوية خلال ساعة، ولا نستخدم تعبير عمل الغزل، لأننا ننظر إلى العمل الخاص الذي يدعى بالغزل من زاوية كونه إنفاقاً عاماً لقوة العمل، وليس من زاوية كونه العمل الخاص للغازل.
ومما له أهمية حاسمة الآن، ألا يستهلك طوال فترة عملية تحويل القطن إلى خيوط أكثر من وقت العمل الضروري اجتماعياً. فإذا كان ينبغي، في ظل شروط الإنتاج الاعتيادية، أي شروط الإنتاج الاجتماعية الوسطية، أن يتحول (آ) باون من القطن إلى (ب) باون من الخيوط خلال ساعة من العمل، فإن يوم العمل لن يحسب على أنه 12 ساعة عمل ما لم يتم تحويل (12) باون من القطن إلى (12 ب) باون من الخيوط.
ذلك لأن وقت العمل الضروري اجتماعية هو وحده الذي يحتسب في تكوين القيمة.
ولكن ليس العمل وحده، بل كذلك المادة الأولية والمنتوج يظهران الآن في ضوء جديد يختلف تماما عما رأيناه فيهما من زاوية عملية العمل الخالصة. فالمادة الأولية لا تبدو، هنا، سوی كوعاء لامتصاص كمية محددة من العمل. والواقع أنها تحولت إلى خيوط بفعل هذا الامتصاص، لأنها قد غُزلت، لأن قوة العمل على شكل غزل قد أضيفت إليها. أما المنتوج، أي الخيوط، فليس هو الآن أكثر من مؤشر يقيس كمية العمل التي امتصها القطن. فإن أمكن غزل 1باون من القطن إلى 1 باون من الخيوط خلال ساعة واحدة، فإن 10 باونات من الخيوط تشير إلى امتصاص 6 ساعات عمل. إن كميات معينة من المنتوج، وهذه الكميات محددة حسب معطيات التجربة، لا تمثل الآن سوى كميات معينة من العمل، سوی کتل معينة من وقت عمل متبلور. إنها ليست سوى تجسيد مادي لساعة أو ساعتين، أو يوم من العمل الاجتماعي.
ولم نعد نعبأ، هنا، بكون العمل، هو على وجه الدقة، غزلاً وموضوعه قطناً ومنتوجه خيوطاً مغزولة، أكثر مما نعبأ بكون موضوع العمل كان في الأصل منتوجاً ثم بات مادة أولية. فلو أن العامل عمل في منجم للفحم، بدلا من معمل للغزل، إذن لقدمت له الطبيعة موضوع عمله، الفحم. مع ذلك فإن كمية معينة من الفحم المستخرج، كأن تكون قنطاراً، سوف تمثل كمية معينة من العمل الممتص.
افترضنا، عند بيع قوة العمل، أن قيمتها اليومية تساوي 3 شلنات، وأن 6 ساعات عمل متجسدة في هذا المبلغ، وبالتالي يلزم هذا المقدار من العمل الإنتاج متوسط ضروريات العيش اليومية التي يحتاجها العامل. ولو أمكن لصاحبنا الغازل أن يحول 1باون من القطن إلى 1 باون(2) من الخيوط في ساعة واحدة، لاستطاع بالتالي أن يحول، في 6 ساعات من العمل، 10 باونات من القطن إلى 10 باونات من الخيوط.
إذن يمتص القطن، خلال عملية الغزل، 6 ساعات عمل. وهذه الكمية نفسها من وقت العمل تتجسد في كمية من الذهب تبلغ قيمتها 3 شلنات. فالغازل قد أضاف إلى القطن قيمة قدرها 3 شلنات، بما قام به من غزل.
والآن، لنحسب القيمة الكلية للمنتوج، للباونات العشرة من الخيوط. لقد تشيّأ فيها يومان ونصف يوم من العمل، منها يومان ماثلان في القطن والمادة التي بلت من المغزل، ونصف يوم عمل امتصه القطن خلال عملية الغزل. وبما أن هذين اليومين ونصف يوم عمل يتمثلان في كمية من الذهب تبلغ قيمتها 15 شلناً، إذن فـ 15 شلناً هي السعر المطابق لـ 10 باونات من الخيوط، أو أن ثمن باون واحد من الخيوط يساوي شلن وستة بنسات (*1).
إن صاحبنا الرأسمالي يحدق في ذهول. فقيمة المنتوج تساوي بالضبط، قيمة رأس المال المنفق. وهذه القيمة التي دفعها مقدماً لم تتنامی، لم تنجب فائض قيمة، والنقد بالتالي، لم يتحول إلى رأسمال. إن سعر الباونات العشرة من الخيوط هو 15 شلنا، ولم ينفق الرأسمالي في السوق غير 15 شلنا على العناصر المكونة للمنتوج أو – وهذا ما يعني الشيء نفسه – على عناصر عملية العمل، فقد دفع 10 شلنات لقاء القطن، وشلنين لقاء المادة المهترئة من المغزل، و3 شلنات لقاء قوة العمل. إن قيمة الخيوط تضخمت، ولكن لا فائدة في ذلك، لأن هذه القيمة ليست غير مجموع القيم التي كانت موجودة، من قبل، متوزعة في القطن والمغزل وقوة العمل، وأن مجرد جمع القيم الموجودة أصلا لا يضاعف هذه القيمة، لا يولد فائض قيمة (3) بالمرة. فهذه القيم التي كانت مفصولة عن بعضها بعضا باتت متركزة الآن في شيء واحد، ولكن هكذا كانت أيضا في مبلغ 15 شلنا، قبل أن ينقسم هذا إلى ثلاثة أجزاء بشراء السلع.
ليس ثمة في هذه النتيجة، بذاتها ولذاتها، أي شيء من الغرابة. إن قيمة باون واحد من الخيوط تساوي شلنا وست بنسات، وإذا رغب صاحبنا الرأسمالي في شراء 10 باونات منها، فعليه أن يدفع لقاءها 15 شلنة. وغني عن البيان أنه سواء اشترى المرء منزله جاهزا من السوق، أو شيده لحسابه الخاص، فإن أسلوب الاقتناء لن يزيد، في كلا الحالين، مقدار النقد المنفق لحيازة المنزل.
ولكن الرأسمالي، الذي ينعم باقتصاده السياسي المبتذل قد يقول إنه دفع النقود سلفاً على نية جازمة في أن يجني المزيد. لكن طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، ومن يدري فلعله كان ينوي جني النقود دون أن ينتج شيئاً على الإطلاق (4). إنه يتوعد ويهدد. ويقسم أنه لن يقع في المصيدة ثانية. ولسوف يشتري السلعة، في المستقبل، جاهزة من السوق عوضا عن أن يصنعها بنفسه. ولكن لو أن جميع أقرانه الرأسماليين فعلوا الشيء ذاته، فكيف يتسنى له أن يجد السلع في السوق؟ ثم إنه لا يستطيع أن يأكل النقود.
ويأخذ بالتلقين والوعظ: “فكّروا في ما أنا فيه من زهد. كان بوسعي أن أعبث بشلناتي الخمسة عشر، ولكن، عوضا عن ذلك، استهلكت النقود بصورة منتجة، وصنعت بها خيوطاً”. هذا صحيح، ولكنه كوفيء على ذلك، ومعه الآن خيوط متينة وليس تأنيب الضمير. أما أن يلعب دور المكتنز، فلن ينفعه في شيء أن يعود القهقرى في هذه المسالك الوعرة، فقد دلنا المكتنز إلى أي مصير يقود التقشف. فحيثما لا يوجد شيء، يفقد القيصر حقوقه. وأيا كانت فضيلة زهده، فليس في العملية ما يكافأ به، لأن قيمة المنتوج الناجم عن العملية مساوية تماما لمجموع قيم السلع التي دخلت في عملية إنتاجه. دعه إذن يعزي نفسه بالفكرة القائلة إن الفضيلة نعمة لا يماثلها أجر غير الفضيلة. ولكن لا، ها هو يلحف القول: إن لا حاجة بي للخيوط؛ فلقد أنتجتها للبيع. إذن، فليبعها، أو، وهذا خير له وأبقى، أن لا ينتج في المستقبل غير تلك الأشياء التي تلبي حاجاته الشخصية، وهو تریاق شافٍ سبق أن وصفه طبيبه العائلي ماکلوخ لعلاج وباء فيض الإنتاج. ولكن العناد يجتاحه، فيجادل قائلا: ترى أيستطيع العامل بيديه وقدميه المجردة أن ينتج السلع من لا شيء؟ ألم أقدم المواد التي بها، وفيها وحدها، يستطيع أن يجسد عمله؟ ولما كان الشطر الأعظم من المجتمع يتألف من أمثاله المعدمين، أفلم أُسدِ، بأدوات إنتاجي وقطني ومغازلي، خدمة لا تقدر بثمن، لا للمجتمع فحسب بل للعامل أيضا الذي زودته، علاوة على ذلك، بضروريات العيش؟ وهل يصح الا أتلقى شيئا منه عن كل هذه الخدمة؟ ولكن ألم يقدم له العامل خدمة مقابل تحويل قطنه ومغزله إلى خيوط؟ ثم إن الأمر لا يتعلق هنا بالخدمة (5). فما الخدمة سوى النتيجة النافعة التي تتمخض عن قيمة استعمالية ما، سواء كانت سلعة أم عملاً(6). بيد أننا، هنا، نعالج القيمة التبادلية. فقد دفع الرأسمالي للعامل قيمة قدرها 3 شلنات، وقام العامل بإرجاع ما يعادل هذه القيمة بالضبط، إذ أضاف بعمله، إلى القطن، قيمة قدرها 3 شلنات: لقد سدد القيمة بقيمة. وإذا بصاحبنا المزهو برأسماله منذ برهة، يتلبس، بغتة، حالة عامله المتواضع، ويعلن: ألم أشتغل أنا أيضا؟ ألم أقم بعمل الإشراف والرقابة على الغازل؟ أفلا يخلق هذا العمل قيمة هو أيضا؟، ويحاول مدير معمله (Manager) وناظر عماله (overlooker) أن يكتما ابتسامة سخرية. وفي غضون ذلك يستعيد الرأسمالي سيماءه المألوفة بعد أن يطلق ضحكة من صميم القلب. لقد رتل كل صلوات الاقتصاديين ليضللنا، ولكنه لن يشتريها بقرش من نحاس. فهو يترك هذه الحيل والشعوذات والألاعيب لأساتذة الاقتصاد السياسي الذين يتقاضون الرواتب على هذه المهنة. أما هو، فإنه رجل عملي، ولئن كان لا يفكر ملياً بما يقول خارج الأعمال، إلا أنه في الأعمال يعرف ماذا يفعل.
لنتفحص الأمر عن كثب. لقد افترضنا أن القيمة اليومية لقوة العمل تساوي 3 شلنات لأن نصف يوم عمل، أو ست ساعات عمل، كانت متشيئة فيها، نعني أن وسائل العيش اللازمة لإنتاج قوة العمل ليوم واحد، تکلف نصف يوم عمل. بيد أن عمل الماضي الماثل في قوة العمل، والعمل الحي الذي يمكن أن تنجزه، أي التكاليف اليومية للحفاظ عليها، وما تنجزه من عمل في اليوم الواحد، هما مقداران مختلفان كلياً. فالأول يقرر القيمة التبادلية لقوة العمل، والثاني يؤلف قيمتها الاستعمالية. وإذا كانت قيمة نصف يوم عمل تكفي لإعالة العامل 24 ساعة، فليس هناك ما يمنع العامل من العمل يوما كاملاً.
إن القيمة التبادلية لقوة العمل والقيمة التي تستطيع خلقها هذه القوة في عملية العمل، هما مقداران مختلفان تمام الاختلاف. وكان هذا الاختلاف بالذات نصب عين الرأسمالي عندما اشترى تلك السلعة، أي: قوة العمل. ففي نظره لم تكن الخواص النافعة التي تتميز بها قوة العمل، والتي يمكن بفضلها صنع خيوط غزل أو صنع أحذية، سوی شرط مسبق لازم (conditio sine qua non)، إذ ينبغي إنفاق العمل في شكل نافع كي يتسنّى له خلق قيمة. غير أن الشيء الحاسم هو القيمة الاستعمالية الخاصة التي تمتلكها هذه السلعة في كونها منبعا للقيمة، بل منبعاً لقيمة أعلى من القيمة التي تحتويها هي ذاتها.
هذه هي الخدمة الغريبة التي يتوقعها الرأسمالي من قوة العمل. وهو في هذه الصفقة يتصرف وفق القوانين السرمدية لتبادل السلع. الواقع، إن بائع قوة العمل، شأن بائع أي سلعة أخرى، ينال القيمة التبادلية لقوة عمله، وينفصل عن قيمتها الاستعمالية. إنه لا يستطيع أن يحوز على إحدى هاتين القيمتين دون أن يهجر الأخرى. فالقيمة الاستعمالية لقوة العمل، أو بتعبير آخر العمل نفسه، لم تعد تخص بائعها مثلما أن القيمة الاستعمالية للزيت المباع لم تعد تخص تاجر الزيت الذي باعه. لقد دفع الرأسمالي، مالك النقد، القيمة اليومية لقوة العمل، وأصبح استعمالها خلال اليوم، يوم العمل، يخصه وحده. إن الظروف التي تجعل تكاليف إعالة قوة العمل ليوم واحد تساوي عمل نصف يوم فقط، رغم أن بوسع قوة العمل هذه أن تشتغل على مدى يوم كامل، جاعلة من القيمة التي تخلقها باستعمالها طوال اليوم تساوي ضعف قيمتها اليومية، هذه الظروف هي، بلا ريب، ضربة حظ سعيد للشاري، ولكنها ليست حيفاً ينزل بالبائع على الإطلاق.
لقد كان صاحبنا الرأسمالي يعرف مسبقاً هذا الحال، وهذا هو مبعث ضحكه(*2). يجد العامل، إذن، في ورشة العمل، وسائل الإنتاج الضرورية لعملية عمل تمتد لا إلى ست ساعات، بل إلى 12 ساعة. وكما أن 10 باونات من القطن امتصت 6 ساعات من العمل وتحولت إلى 10 باونات من الخيوط، كذلك الحال الآن فإن 20 باوناً من القطن سوف تمتص 12 ساعة عمل، وتتحول إلى 20 باوناً من الخيوط. لنتفحص الآن منتوج عملية العمل الممددة زمنية. إن العشرين باونا من الخيوط تحتوي الآن على 5 أيام عمل، منها أربعة أيام ترجع إلى الكمية المستهلكة من القطن والمغزل، أما اليوم الخامس فقد امتصه القطن خلال عملية الغزل. إن التعبير بالنقد عن 5 أيام عمل هو 30 شلنأ، أو جنيه واحد و10 شلنات. والنتيجة أن هذا هو سعر 20 باوناً من الخيوط. والباون الواحد من الخيوط سعره الآن كما في السابق شلن واحد و6 بنسات. إلا أن المبلغ الإجمالي لقيم السلع الداخلة في هذه العملية يساوي 27 شلنا. بينما قيمة الخيوط تبلغ 30 شلنا. إن قيمة المنتوج قد ازدادت إلى ما فوق قيمة السلع الداخلة في إنتاجه بمقدار التُسع ((، وهكذا تحولت الـ 27 إلى 30 شلنا. لقد تولد فائض قيمة قدره 3 شلنات.
أخيراً نجحت الحيلة، فتحول النقد إلى رأسمال.
إن كل شروط المعضلة قد روعيت ولم تنتهك القوانين المنظمة لتبادل السلع بأي حال. فالمعادل بودل بمعادل. والرأسمالي کشارٍ قد دفع عن كل سلعة قيمتها كاملة: القطن، المغزل، قوة العمل. وفعل بعد ذلك ما يفعله كل شارٍ للسلع؛ فاستهلك قيمتها الاستعمالية. إن عملية استهلاك قوة العمل، وهي في الوقت نفسه عملية إنتاج السلعة، أدت إلى إنتاج 20 باوناً من الخيوط قيمتها 30 شلنا. لقد غادر صاحبنا الرأسمالي السوق شارياً، وها هو الآن يعود إليه كبائع للسلع. إنه يبيع خيوطه بسعر شلن و6 بنسات للباون الواحد، أي بسعر لا أرخص ولا أغلى من قيمتها بالضبط. مع هذا فإنه يستخرج 3 شلنات من التداول زيادة عن المبلغ الذي ألقاه فيه بالأصل. إن هذه الاستحالة برمتها، أي تحول النقد إلى رأسمال تقع في نطاق التداول، وتقع خارجه أيضا. فهي تقع بتوسط التداول، لأنها مشروطة بشراء قوة العمل من سوق السلع. وهي تقع خارج نطاق التداول، لأن التداول ليس إلا إيذانا ببدء عملية توليد فائض القيمة، وهي عملية تجري، برمتها، في حقل الإنتاج. “وهكذا يسير كل شيء على أحسن ما يرام في أفضل العوالم الممكنة”(*3). إن الرأسمالي إذ يحول نقده إلى سلع تخدم كمواد بناء لمنتوج جديد، أي عناصر مادية لعملية العمل، ويلقح المادة المتشيئة الميتة بالعمل الحي، فإنه يحول القيمة، قيمة العمل الماضي المتشییء، الميت، إلى رأسمال، إلى قيمة حبلى بالقيمة، إلى وحش مفعم بالحيوية، يشرع في العمل، وكأنه جسد موله بالغرام(*4).
ولو أجرينا الآن مقارنة بين عملية تكوين القيمة وعملية إنماء القيمة، لوجدنا أن هذه الأخيرة ليست سوى استمرار للأولى بعد تمديدها إلى ما وراء نقطة معينة. وإذا لم يجر تمديد عملية العمل إلى ما وراء النقطة التي تعطي فيها ما يعادل بالضبط قيمة قوة العمل التي دفعها الرأسمالي، فإنها لن تكون سوى عملية تكوين للقيمة، أما إذا تجاوزت هذا الحد فإنها تصبح عملية إنماء للقيمة.
ولو مضينا إلى أبعد من ذلك، وقارنّا بين عملية تكوين القيمة وعملية العمل البسيطة، لوجدنا أن هذه الأخيرة تنحصر في أداء العمل النافع الذي ينتج قيمة استعمالية. ونحن نتأمل الحركة، هنا، من ناحية نوعية، من ناحية صنفها وأسلوبها، الهدف والمحتوى. أما إذا نظرنا إلى عملية العمل هذه عينها كعملية توليد للقيمة، فإنها تعرض نفسها من ناحية الكم فقط. ولا تعود المسالة هنا سوى مسألة الوقت الذي يتطلبه العمل لإنجاز العملية، أي مسألة الفترة الزمنية التي تبذل خلالها قوة العمل جهودها على نحو نافع. وهنا نجد أن السلع التي تدخل في عملية العمل، لا ينظر إليها بعد الآن كعوامل مادية ذات وظيفة محددة تشتغل عليها قوة العمل لغاية معينة. فهي لا تحسب بعد الآن إلا بوصفها كميات معينة من العمل المتشییء، وسواء كان هذا العمل متبلوراً في وسائل الإنتاج من قبل أو يضاف إليها لأول مرة خلال العملية بفعل نشاط قوة العمل، فإنه لا يحسب في الحالتين إلا وفق مدته، إنه يبلغ كذا من الساعات وكذا من الأيام، وهلمجرا. زد على ذلك أن الوقت المنفق في إنتاج أي قيمة استعمالية لا يحسب إلا إذا كان مساوياً لوقت العمل الاجتماعي الضروري. وينطوي هذا على عواقب شتّى. فأولا تقتضي الضرورة أن تؤدي قوة العمل وظيفتها في ظل شروط اعتيادية. فلو كانت ماكنة الغزل الآلي هي أداة العمل السائدة اجتماعياً في الغزل، فلا يجوز أن نضع دولاب غزل يدوي بين يدي الغازل. كما لا ينبغي أن يكون القطن نفاية رديئة تتسبب في حدوث انقطاعات متكررة، بل يجب أن يكون بجودة اعتيادية. وبخلاف ذلك نجد أن عامل الغزل ينفق وقت عمل أطول مما هو ضروري اجتماعياً لإنتاج باون من الخيوط، وهذا الوقت الإضافي لن يخلق، في الحالتين، قيمة ولا نقدا. إن كون العناصر الشيئية لعملية العمل ذات طابع اعتيادي، ليس مرهونة بالعامل، بل يتوقف كلياً، على الرأسمالي. وهناك شرط آخر وهو، أن قوة العمل نفسها ينبغي أن تكون ذات طابع اعتيادي. فعليها أن تتمتع في الاختصاص الذي تستخدم فيه، بالدرجة الوسطية من المهارة والبراعة والسرعة السائدة في ذلك الاختصاص، ولذلك حرص صاحبنا الرأسمالي، بالغ العناية، على شراء قوة عمل من السوق تتسم بمثل هذه الجودة المعتادة. وينبغي لهذه القوة أن تزاول نشاطها بالقدر الوسطي المعتاد من الجهد وبالدرجة الاعتيادية اجتماعياً من الشدة. ويسهر الرأسمالي على أن يتم ذلك على هذا النحو، وألا يتقاعس عماله هنيهة واحدة عن العمل. لقد اشتری استخدام قوة العمل لفترة معينة، وهو يتمسك بحقوقه. إنه لا يريد أن يُسرق.
أخيراً، ينبغي عدم التبديد في استهلاك المواد الأولية ووسائل العمل، وعند صاحبنا، لهذا الغرض، قانون عقوبات (code penal) شرّع له، يحظر أي تبديد في استهلاك المواد الأولية وأدوات العمل، فهذا التبديد يمثل إنفاقاً غير مجد للعمل المتشییء، ولذا لا يحسب في المنتوج، ولا يدخل في قيمته (7).
ونرى أن الفرق بين العمل، منظوراً إليه كخالق للقيمة الاستعمالية، والعمل منظورة إليه کمولد للقيمة، وهو فرق سبق أن اكتشفناه عند تحليلنا للسلعة، يتمثل الآن في تمايز بين وجهين مختلفين من عملية الإنتاج.
وإذا نظرنا إلى عملية الإنتاج كوحدة تضم عملية العمل النافع وعملية توليد القيمة، فإنها عملية إنتاج للسلع، أما إذا اعتبرناها وحدة لعملية العمل وعملية توليد فائض القيمة، فإنها تصبح عملية إنتاج رأسمالي، أو الإنتاج الرأسمالي للسلع.
لقد أشرنا في موضع سابق إلى أن عملية إنماء فائض القيمة لا تتأثر في شيء بنوعية العمل الذي يستحوذ عليه الرأسمالي، سواء كان عملا وسطياً بسيطاً، أم كان عملا معقدة أكثر تخصصاً، ذا وزن نوعي أعلى. فكل عمل من نوع رفيع أو طابع أكثر تعقيداً من العمل الاجتماعي الوسطي، ليس سوى إظهار (Ausserung) لقوة عمل من صنف أعلى كلفة، قوة عمل يتطلب إعدادها كلفة أعلى، أي أن إنتاجها يتطلب وقت عمل أطول، وبسبب ذلك فإن لها قيمة أعلى من قوة العمل البسيطة. وبما أن قوة العمل هذه ذات قيمة أعلى، فإنها تظهر نفسها في عمل من صنف رفيع، وتتشيّأ في قيمة أكبر نسبياً خلال فترات متساوية من الزمن. وكائنا ما كان الاختلاف بين درجتي مهارة عمل الغازل وعمل الجوهري، فإن ذلك الجزء من العمل الذي يعوض فيه الجوهري عن قيمة قوة عمله الخاص، لا يختلف في شيء، من ناحية النوعية، عن الجزء الإضافي من العمل الذي يولد به فائض قيمة. وسواء كان العمل صياغة مجوهرات أم غزل خيوط، فإن فائض القيمة لا ينبثق إلا من فائض كمي في العمل، لا ينبثق إلا من تمدید عملية العمل نفسها، إطالة عملية صياغة الجواهر هنا، وإطالة عملية غزل الخيوط هناك (8). ومن جهة أخرى، يتحتم في كل عملية توليد للقيمة، أن نختزل العمل المعقد إلى عمل وسطي اجتماعي، كأن يُختزل يوم عمل معقد إلى ستة أيام من العمل البسيط (9). ولكي نوفر على أنفسنا جهد العمليات الحسابية، ونبسط تحليلنا، نفترض أن عمل العامل الذي يستخدمه الرأسمالي هو عمل اجتماعي وسطي بسيط (*5).

_______________________

(*) – (جرت الإشارة في حاشية سابقة أن هناك في اللغة الإنكليزية مفردتين للتعبير عن هذين الجانبين المختلفين من العمل: نفي عملية العمل البسيطة، أي عملية إنتاج القيم الاستعمالية، يدعى بـ الشغل (work)، وفي عملية خلق القيمة يدعى بـ العمل (labour)، وذلك بالمعنى الاقتصادي الدقيق للكلمة. ف. إنجلز). (حاشية للطبعة الإنكليزية. ن.ع.).
(1) – إن قيمة السلع لا تتأثر بالعمل المباشر المبذول عليها، بل تتأثر ايضاً بالعمل المبذول في الأدوات والعُدّة والمباني التي تُعين على أداء العمل المباشرة. (ریکاردو، المرجع المذكور، ص 16).
(2) – هذه الأرقام اعتباطية تماما. |

(*1) – كان الشلن الواحد يومذاك يساوي 12 بنساً. (ن. ع).

(3) – هذه هي المسلَّمة الأساسية التي يرتكز عليها مذهب الفيزيوقراطيين القائل بأن كل عمل إنما هو عمل غير منتج باستثناء الزراعة، وهو مذهب غير قابل للدحض في نظر الاقتصادي المحترف. “إن هذه الطريقة في إدراج قيم أشياء عديدة في شيء واحد”، (كأن ندرج في قيمة الكتان قيمة ما يستهلكه الحائك من قوت) و”وضع قيم عديدة، طبقة فوق طبقة، إن جاز التعبير، وجمعها في قيمة واحدة، يجعل هذه الأخيرة تتضخم بنفس النسبة … إن تعبير الجمع يصف خير وصف الطريقة التي يتكون بها سعر المصنوعات الحرفية، وما هذا السعر إلا مجموع عدة قيم استهلكت وجمعت معا، لكن الجمع لا يعني الضرب”، (مرسييه دي لاريفيير، المرجع المذكور نفسه، ص 59).
(4) – هكذا سحب بين اعوام 1844- 1847 جزءا من رأسماله الموظف في مجالات الإنتاج ليلقي به في مضاربات أسهم سكك الحديد، كما أغلق مصنعه في أثناء الحرب الأهلية الأميركية وقذف بعماله في الشارع، كي يقامر بأمواله في بورصة القطن في ليفربول.
(5) – “أغدق المديح على نفسك، واکسِها ما تشاء بالزينة والحلي القشيبة… لكن كل من يأخذ أكثر أو أفضل، مما يعطي إنما يتعاطى الربا ولا يقدم الخدمة، بل يؤتي إساءة للجار، شأن الذي يسرق وينهب، وليس خدمة ولا حسنة للجار كل ما يسمى بهذا الاسم. إن الزاني والزانية، يقدم أحدهما للآخر، خدمة، ويمنحه لذة عظيمة. والفارس يقدم لمثير الفتن خدمة كبرى بمساعدته على السلب في الطرقات، والاعتداء على الناس والبلاد. وأتباع البابا يؤدون لأنصارنا خدمة كبيرة، فهم لا يغرقون ولا يحرقون ولا يفتكون بجميع أنصارنا، ولا يتركونهم يتعفنون جميعا في السجن، بل يدعون البعض منهم على قيد الحياة، ويكتفون بطردهم أو بتجريدهم مما يملكون. والشيطان نفسه يؤدي لأتباعه خدمة لا تقدر بثمن… جماع ذلك أن العالم مليء بخدمات ونِعم يومية كبرى ورائعة”. (مارتن لوثر، إلى القساوسة: في الوعظ ضد الربا، إلخ، فيتنبرغ، 1540).
(6) – في مؤلفي مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، ترد على الصفحة 14 الإشارة التالية حول هذه النقطة “ليس عسيراً أن ندرك أية خدمة تقدمها مقولة «الخدمة» (service) لفئة من الاقتصاديين من طراز ج. ب. ساي و ف. باستيا”.
(*2) – “الحال الذي يجعله ضاحكاً”، اقتباس محوَّر عن غوته، مسرحية: فاوست، الجزء الأول، حجرة الدراسة. (ن. برلين).
(*3) – مقتبس عن فولتير – كنديد أو المتفائل Candide ou l’optimisme. (ن. برلین)

(*4) – مقتبس عن غوته، فاوست، الجزء الأول، حانة قبو آورباخ في لايبزيغ. (ن. برلین).
(7) – وهذا أحد الظروف التي تجعل الإنتاج القائم على الرق عملية باهظة التكاليف. فهنا، حسب تعبير الأقدمين الصائب، لا يتميز العامل عن الحيوان والآلة، سوى في أنه أداة ناطقة، والحيوان أداة شبه ناطقة (instrumentumn semivocale)، والآلة اداة خرساء (instrumentum mutum). ويحرص العبد على أن يشير الحيوانات وادوات العمل على أنه ليس شبيهاً بها، وأنه إنسان. وكان يستشعر رضى غامراً في إقناع نفسه بأنه كائن مختلف بأن يعامل الحيوان دون شفقة، ويتلف الآلة بلذة (con amore). من هنا نبع المبدأ الاقتصادي المعمول به في هذا النمط من الإنتاج، وهو استخدام أغلظ الأدوات واثقلها، مما يجعل إتلافها عسيراً بسبب هذه الغلظة. ولا نجد، في الولايات القائمة على الرق، المحاذية لخليج المكسيك، حتى زمن الحرب الأهلية، سوى محاريث من طراز صيني قديم تنبش التربة نبش الخنزير او الخلد، بدل أن تشقها وتقلبها. راجع: ج. إي کایرنز، قوة العبيد، لندن، 1862، ص 46 وما يليها.
(J.E. Cairens, The Slave Power, London, 1862, p. 46 sqg).
ويروي اولمستد في مؤلفه: ولايات الرق الساحلية SeaBoard Slave States ، ص (46-47).
“اطلعوني هنا على أدوات عمل لا يرضى عندنا رجل عاقل أن يثقل بها عاملاً من اجرائه، وأظن أن وزنها المفرط وغلاظتها يجعلان العمل أصعب مما يتم بأدواتنا بنسبة 10 في المائة على الأقل. ويؤكدون لي أن الطريقة المهملة والفظة التي يستخدم بها الأرقاء أدوات العمل، تجعل من تزويدهم بأدوات أخف وزنا وأقل غلظة شيئا غير اقتصادي، وأن أدوات كالتي نقدمها لعمالنا ونجني منها الربح لن تدوم يوما واحدة في حقول القمح بفرجينيا – رغم أن التربة هنا أكثر رخاوة وأقل وعورة من أراضينا. وكذلك حين سألت لماذا استعاضوا عن الجياد بالبغال في كل المزارع، قيل لي إن السبب الأول، وقد اعترفوا أنه السبب الحاسم، هو أن الجياد لا تستطيع احتمال المعاملة التي تتعرض لها دوما على أيدي الزنوج. إذ سرعان ما تصاب بالعرج أو الشلل على ايديهم، بينما البغال تتلقى سيل الهراوات وتخسر علفة أو علفتين بين حين وآخر من دون أن تتضرر جسدياً، كما أنها لا تصاب ببرد ولا تمرض، فيما لو أهملت او أرهقت بالعمل. ولا حاجة بي للذهاب إلى أبعد من نافذة الغرفة حيث أكتب، لأشهد، في كل لحظة تقريبا ما تتعرض له الدواب من معاملة سيئة تكفي أي مزارع من الشمال لأن يطرد، بسببها، السائس على الفور”.
(8) – إن التمييز بين العمل المعقد والعمل البسيط (أو الماهر skilled وغير الماهر unskilled) يرتكز، من ناحية، على وهم محض، أو في الأقل، على فروق لم تعد قائمة منذ أمد بعيد، ولم يكتب لها البقاء إلا بفضل عُرف تقليدي، كما يرتكز هذا التمييز، من ناحية أخرى، على الوضع البائس لبعض فئات الطبقة العاملة، وهو وضع يحرمها من انتزاع قيمة قوة عملها، أسوة بالآخرين. وثمة ظروف عرضية تلعب هنا دوراً كبيراً بحيث أن هذين النوعين من العمل يتبادلان الموضع في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال حيثما تكون القدرة الجسدية للطبقة العاملة قد تدهورت وأنهكت، بصورة نسبية طبعاً، وهذا هو الحال في جميع البلدان التي يسودها إنتاج رأسمالي متطور، فإن الأشكال الدنيا من العمل، التي تقتضي قدرة كبيرة من القوة العضلية تسمو عموما إلى منزلة عمل معقد، بالمقارنة مع الأشكال المرهفة من العمل التي تهبط إلى منزلة العمل البسيط. خذ مثلا على ذلك أن عمل البنّاء راصف الآجر (bricklayer) ، يحتل في إنكلترا منزلة أرفع من منزلة ناسج الدمقس. ورغم أن عمل قاطع النسيج القطني ( fustian-cutter ) يتطلب الكثير من الجهود الجسدية، ومضر بالصحة تماما، فإنه لا يعتبر، مع ذلك، سوى عمل بسيطة. من جهة أخرى ينبغي ألا نتصور أن ما يسمى بالعمل الماهر (skilled labour) يشغل حيزاً واسعاً في قوة العمل القومية. وحسب تقديرات لينج (Laing) فثمة في إنكلترا، (وويلز) 11 مليونا و300 ألف شخص يعتمدون في العيش على العمل البسيط. ولو طرحنا من أصل الـ 18 مليون نسمة التي تؤلف المجموع الكلي للسكان أيام كتابته للتقرير، مليون «أرستقراطي»، ومليون ونصف المليون من المعوزين والمتشردين والمجرمين والبغايا، إلخ، و4 ملايين و650 الف شخص يؤلفون الطبقة الوسطى، لكان الباقي نفس الرقم المذكور أعلاه: 11 مليوناً. إن لينج يدخل في عداد الطبقة المتوسطة أناسا يعيشون على فائدة استثمارات صغيرة، إلى جانب الموظفين، والكتاب، والفنانين، والمدرسين، ومن شاكل ذلك. ولكي يضخم عدد هذه الطبقة فإنه يضيف إلى الـ 4 ملايين و 650 الف نسمة، فضلا عن المصرفيين ومن إليهم، “عمال المصانع”، ذوي الأجور المرتفعة! بل إنه يدخل البنّائين، راصفي الآجر (bricklayers)، في عدادهم ايضا. (ص. لينج، البؤس القومي، لندن، 1844، [ص 49- 52 وما يليها]). .([S.Laing,National Distress etc.,London,1844, p. 49-52 sqq)
“إن الطبقة الكبرى التي ليس لديها ما تعطيه لقاء القوت غير العمل الاعتيادي البسيط ، تؤلف السواد الأعظم من الشعب”. (جيمس ميل، في مقال المستعمرة، ملحق في الانسيكلوبيديا البريطانية، لعام 1831).
(James Mill, in article “Colony”, Supplement to the Encyclopaedia Britannica, 1831).
(9) – “حين نلجأ إلى العمل لقياس القيمة، فإن ذلك يعني بالضرورة عملاً من نوع معين واحد… يسهل تحدید تناسب الأنواع الأخرى معه”. (ج. كازنوف، موجز الاقتصاد السياسي، لندن، 1832، ص 22-23).

([J. Cazenove], Outlines of Political Economy, London, 1832, p. 22-23).

(*5) – “وإذا كان ثمة اقتصاديون محترمون قد اعترضوا على هذا التأكيد الاعتباطي، أفلا يحق لنا الرد عليهم، كما يقول المثل الألماني، بأن الشجر يمنعهم من رؤية الغاب! إن ما يتهمونه بأنه شيء لفقه التحليل، هو، في الواقع، طريقة تمارس كل يوم في أرجاء العالم كله. ففي كل مكان يجري التعبير عن قيم السلع على اختلاف أنواعها من دون تمييز، أي في كمية معينة من الذهب أو الفضة. وبهذا بالذات فإن مختلف أنواع العمل التي تمثلها هذه القيم، قد اختزلت بنسب مختلفة إلى مقادير معينة من نوع واحد من العمل العادي، هو العمل الذي ينتج الذهب أو الفضة”. هذه الإضافة ترد في الطبعة الفرنسية، الكتاب الأول، ص 198. (ن. ع).