ليس للمهزلة عنوان سوى، مهزلة..


محمد أكناو
2019 / 4 / 29 - 05:14     

من بؤس إلى بؤس

لا يكاد مشهد من مشاهد البؤس المتواصل بوطننا الجريح يتضح حتى يسطع من وسطه مشهد بئيس جديد، وفي كل مشهد يتوالى تفاقم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية و السياسية للجماهير الشعبية و طبقتها العاملة و عموم الكادحين و الأجراء ، من خلال اصرار النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي و حكومته الرجعية في شن الهجمات الطبقية تلو الاخرى، تنفيذا حرفيا منه لبنوذ الصفقات المبرمة مع الاستعمار الجديد و الذي تشكل المؤسسات المالية العالمية و وكلائها المحليين، مركز قيادة هذه الهجمات الطبقية و التي بموجبها تبقيه بالحكم على حساب جماجم ملايين الجماهير الشعبية لتصفية مكتسباتها التاريخية و تكريس مجتمع طبقي تنفرد بسلطته و ثرواته طغمة غاشمة لا تتجاوز المئات.
في هذا السياق، تلقى و يتلقى ميدان التعليم و على مدى طويل نصيبا وافرا من الهجمات الطبقية المدمرة لكل ما تم تشييده من مكتسبات و على رأسها منظومة التعليم العمومي و بقايا مجانيته و التي يعمل النظام على تفكيكها عبر سن مخطط التعاقد في التوظيف و عبر سن مخطط القانون الإطار 17-51 في التعليم و إلحاق شظاياها بالخوصصة، و أفرز واقع الصراع الطبقي تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لتفجير المعركة النضالية بٱعتبارها حلقة من حلقات النضال المستمر و الذي يراكم في بعده الاستراتيجي الدفاع عن ما تبقى من منظومة التعليم العمومي و ما تبقى من مجانية التعليم العمومي، و ذلك عبر الدفاع عن الوظيفة العمومية في ميدان التعليم و تعبر عنه التنسيقية في مطلب الادماج الفوري في أسلاك الوظيفة العمومية مكثفة نضالها في هذه المرحلة من شعار " اسقاط التعاقد " إلى "الادماج أو البلوكاج".

القيادات البيروقراطية من خيانات الامس الى خيانات اليوم.

لعل البؤس كل البؤس، هي المهزلة المتواصلة من طرف قيادة البيروقراطية النقابية سواء "المركزية" أو "الهامشية"، والتي عبرت عنها في بياناتها الأخيرة، "بيان الجمعة" و بلاغ الانسحاب غير المعلن/ إعلان الإنسحاب من معركة الدفاع عن منظومة التعليم العمومي و الدفاع عن ما تبقى من مجانية التعليم العمومي و إسقاط التعاقد.
هذه المعركة التي ٱشتدت ضراوتها ميدانيا و إعلاميا، و دخولها في مرحلة دقيقة و حاسمة بحيث أن كل تراجع سيؤدي الى ٱنكسار، وهو ما يمثل مباشرة الهزيمة المخزية، و ستكون بمثابة منصة هجوم طبقي جديد بكل الاسلحة الفتاكة بالمكتسبات المتبقية، و قد لا تتمكن القوى المناضلة من استجماع قواها لأشواط قادمة من المعركة النضالية. و بالمقابل، إن كل تقدم و انتصار يومي و لو كان بسيطا على الأرض للتنسيقية و للصف المناضل هو عزلة و انكشاف إضافي للعدو الطبقي و أجهزته و إبعاده عن المناورة، و من التاريخ نماذج كثيرة في هذا الباب ...
فأمام التصعيد الذي سطرته قواعد التنسيقية المكافحة عبر جموعات عامة و نقاشات موسعة، مباشرة بعد تفاهة مخرجات لقاء 13 أبريل، إنبرت القيادات النقابية إلى لعب أدوارها البيروقراطية المعتادة، وتنتقل من خيانات الأمس إلى خيانات اليوم، المتمثلة في كبح وثيرة النضالات المتصاعدة للشغيلة التعليمية، و تكسير معاركها عبر تغييب الآليات و الأساليب النضالية الوحدوية و مختلف صيغ العمل الجماعي التي من شأنها تعزيز وحدة صف الشغيلة و ووحدة مصيرها، ضدا على وحدة و أهداف العدو الطبقي بميدان التعليم، و كذا خفضها للسقف النضالي للمعارك الذي تجاوزها و إبعاد المعارك النضالية عن ميادينها وساحاتها الحقيقية، و خنق المعارك النضالية وحشرها في الدهاليز المظلمة المسماة بالحوار عبر الدعوة إليها و الاستجابة اليها، و أقل ما يعنيه الحوار بين النظام و النقابة في ظل مجتمعنا الطبقي له معنى وحيد و هو التعاون الطبقي و الوساطة و تحييد الشغيلة عن موقعها و ادوارها التاريخية، إن ما يسمى بالحوار بعيد كل البعد عن إرادة و مطالب جماهير الشغيلة، في معركة يمكن ٱعتبارها أم المعارك في ميدان التعليم.
إن القيادات البيرقراطية الشائخة ابانت من جديد عن عنفوان شبابها في قدرتها العجيبة على الخيانة، فالشيء الوحيد الذي لا تشيخ فيه البيرقراطية هو الخيانة، تحسن ممارسها بكل انتظام و رشاقة وفق الطلب و فوق الطلب في كثير من المعارك، فبذريعة السلم الاجتماعي تتلقى البيروقراطية النقابية الدعم المالي بشكل رسمي و تتلقى بعده الرشوة و الفتات بعد هذا الحوار و تلقي بعدئذ بفتات الفتات للشغيلة و بهذا يتاكد يوميا أنها غير معنية لا بقضية الطبقة العاملة و لا بالمعركة القائمة في ميدان التعليم و تعد صفقة يوم الجمعة 25 أبريل دليلا اضافيا على ذلك، حيث رضيت بالفتات في مجال الاجور و ذلك بعد صيام دام 8 سنوات، و ترضى لنفسها بمجرد التشاور حول قضايا و ملفات الشغيلة، مغلفة كل هذه الخيانات بالسلم الاجتماعي و المصلحة العليا !!!
ومن الطبيعي في ظل خيانة البيروقراطيات النقابية أن تمتنع عن تسطير برنامج نضالي وحدوي لمعركة وطنية ممركزة طويلة النفس مؤطرة بشعار النضال من أجل وحدة و جودة و مجانية التعليم العمومي وتدعو و تعبئ الشغيلة التعليمية الى تجسيده.
فما الذي يفرضه إذا، وضع البيروقراطية في قيادة النقابة على القواعد المناضلة في النقابة و منخطيها ؟


القواعد النقابية من الإنفعال و النقد الى الفعل النضالي و تقديم بديل نقابي ديمقراطي.

المدخل الأساسي للنضال النقابي الحقيقي والجاد هو نضال القواعد المناضلة في الفروع المحلية و الإقليمية بكل جهة، من أجل دفع المعارك النضالية الى مستوى انخراط أوسع للشغيلة في المعارك النضالية، معارك الطبقة العاملة بشكل عام و معارك الشغيلة التعليمية بالتحديد، و العمل على البناء القاعدي للنقابة و تفعيل دورها التنظيمي بكل مسؤولية نضالية.
ان الإنخراط النقابي، ليس الحصول على بطاقة يتم أداء مبلغها، أو التسارع على موقع في تشكيلة مكتب محلي أو اقليمي او جهوي أو حتى وطني، بل الإنخراط بمسؤولية نضالية و الإنتداب لمهمة عظيمة جوهرها القيام بالواجب الذي تمليه الظروف الموضوعية مسلحا بوعي نقابي من اجل تغيير الأوضاع السائدة في ميدان التعليم، و تحسين شروط العمل فيه و تحصين مكتسباته التاريخية. لكن السائد و ما تم تكريسه بٱعتبارات عديدة و على مدى مهم، هو ما نعيشه الان، منخرطون يشترون البطاقة و مكتب نقابي يبيع البطائق ... بيع وشراء منذ البداية، فماذا سننتظر ؟ منخرطون في النقابة يعتقدون ان النقابة ستحميهم من اي تهور في اداء واجبهم المهني أو خطأ جسيم في ممارستهم المهنية، نضال بالوكالة، لو حضر شخص أو شخصين فقد تم تمثيل النقابة في احد الاشكال النضالية، الشخص هنا يمثل نقابة، لكم ان تتخيلوا ماذا يعني ان تكون النقابة مختزلة في شخص، عزوف و تملص من اداء الواجب النضالي النقابي، تنظيميا : في الغالب لا يتم إحترام ٱنتظام مواعيد الإجتماعات، في الغالب لا يتم توثيق محاضر الإجتماعات، في الغالب ما تسود الإرتجالية برامج أعمال الإجتماعات، إذ ليس هناك إعداد حقيقي، في الغالب ليس هناك تقارير مالية و ادبية متواصلة، في الغالب لا تضع المكاتب النقابية برنامجا متكاملا وشاملا لنضالها : الجماهيري، ، النقابي، التكويني، الإشعاعي ... فالعفوية تطغى وتسود و يتم تدبير اليومي و تلقي مفاجآت الواقع العنيد و ٱرتجال إجابات عليه...
كان لابد من الوقوف عند هذه الممارسات و فضحها في صفوف المكاتب النقابية و في صفوف المنخرط في النقابة قبل "نقد السماء" أي بيروقراطية القيادة، و الديناصورات الشائخة، لأن النقد ضد البيروقراطية لا معنى له إذا لم يواكبه نضال نقابي قاعدي، فما معنى أن نكون منخرطين في النقابة و لا نجسد خطواتها النضالية ؟ و ما معنى أن نكون ضد البيروقراطية ونحن لا نشتغل و لا نفعل ديمقراطية الفروع و بناء و صياغة القرارات بشكل قاعدي ؟ فما معنى أن ننادي بإسقاط التعاقد و إسقاط القانون الاطار و أن نطالب بتعليم عمومي مجاني موحد ... و لا ننخرط كتنظيم نقابي في النضال من أجله ؟

و إذا كانت البيروقراطية احد العوامل الاساسية التي كانت سببا في نشوء التنسيقيات التعليمية و المجموعات الفئوية ضد سيطرتها على أجهزة و قواعد النقابة و شلها لحركتها النضالية و قيادتها المعارك الى الفرجة و الإحتفالية، والى روتين، الاشكال النضالية التي لا تستهدف مكمن حل الملفات المطلبية
فإن أزمة العمل النقابي لا تختصر بهذه السهولة فقط في البيروقراطية، بل في ٱنصراف القاعدة المنخرطة الغير المسؤولة أمام ٱنخراطها في النقابة، و عدم ٱنخراط القاعدة المسؤولة في العمل و النضال النقابي.
و مع توالي الهزائم و الانكسارات تسوء حالة اليأس و التذمر و المزاج السيئ لدى الشغيلة، بل يصل الامر بالمنخرطين في النقابة الى الدعوة الى الانحساب منها و انتقادها دون تقديم بدائل علمية و عملية.
إن انتقاد البيروقراطية ضرورة و مهمة نضالية لها معنى بناء وسط العمل و النضال النقابي، أما غير ذلك فستبقى مجرد اصوات تنطبق مع مساعي النظام و الراسمال في جعل النقابة في وضعية التعاون الطبقي و اضعافها و تشتيت وحدة شغيلتها و وحدة تنظيمها و تليينها و احتوائها و جعلها مجرد دكان للبيع و الشراء.
إن الحل ليس القيام بمواسم هجرة النقابة و تركها فارغة على عروشها للبيرقراطية و الطفيليين الصغار يعيثون فيها فسادا، فهذا الاقدام هو كذلك خيانة ، لا تقل في حجمها عن خيانات البروقراطية كلاهما سيان، لانهما لا يتجهان صوب تفعيل علة وجود النقابة.
إن الواجب تجاه قضية الجماهير الشعبية و طبقتها العاملة يفرض علينا الإنخراط في العمل النقابي كل حسب موقعه بل وأن ندعو له، على أساس أن نربط فيه تحقيق الحقوق والملفات المطلبية بالنضال المنظم و الواعي، ورفع الدينامية النضالية من القاعدة الى القيادة، عبر عقد جموعات عامة محلية و اقليمية وجهوية وتسطير ملفات مطلبية و تسطير برامج نضالية من اجلها، وتاطير الشغيلة نظريا و تكوينها في مقرات النقابة و في المعارك النضالية، هكذا يتم وضع القيادة البروقراطية وطنيا أمام واقع تصاعد النضالات و سقفها و أفقها، و فضح خياناتها المتكررة في أفق تخصيب شروط عزلها و إحلالها بقيادة عمالية بروليتارية تنتصر لقضية الطبقة العاملة.
الواجب النضالي كذلك يحتم علينا، الدفع بٱتجاه أفقية المعركة النضالية بميدان التعليم و ربطها بباقي المعارك الجماهيرية لتشكيل ميزان قوة على الارض قادر على حسم المعارك لصالح الجماهير الشعبية، بينما عزل المعركة عن الجماهير يعني عزلها عن قوتها، و إفراغها من مضمونها الكفاحي التقدمي.
آن الأوان ولم يفت بعد، لنقل المعركة الاستراتيجية بميدان التعليم للجماهير، للدخيرة الحقيقة للنصر الاكيد.