الجامعة العامة للتعليم الثانوي عامل لمزيد تأزيم القطاع


عربية الهرماسي
2019 / 2 / 28 - 18:27     

الجامعة العامة للتعليم الثانوي عامل لمزيد تأزيم القطاع
وقد انتهت إضرابات قطاع التعليم الثانوي بعودة المدرسين الى مدارسهم مصحوبين بارهاق نفسي و بتأكدهم من ان وضعهم المالي سيزداد سوء في قادم الايام وبتأكدهم، ايضا، بان الاتفاقية التي امضتها الجامعة للتعليم الثانوي ، في نقطة التقاعد، لا تنسحب الا على من انتدب مدرسا في سن الصبا في الوقت الذي صار فيه الانتداب للوظيفة العمومية لا يكون الا في سن تناهز الخامسة والثلاثين ويزيد، صار من الحتمي غلينا ان نقيم المسار النضالي ذاته ذلك انه بقدرما نحمل خطة ونبني مشروعا بقدرما نكون قادرين على تحقيق مطامحنا.
واول ملاحظاتنا ومنطلها هو ان اضراباتنا كاساتذة تبدو في السنتين الاخيرتين،في ظاهر أمرها جذرية خاصة إذا ما استمعنا للخطب الرنانة والحماسية لأعضاء الجامعة العامة.
إلا أن تأملا بسيطا لمضمون هذه الإضرابات يكشف ما تحمه من مأزقية تبين أننا في قطاع التعليم الثانوي نطرح من المشكلات ما نحن غير قادرين على حله: إننا بعبارة موجزة إزاء لا معقولية تاريخية تعكس كمّا من الثغرات العملية التي يعيشها اليوم المناضل النقابي. ويتعلق الأمر هنا بوضعية قصوى تجعل النضال النقابي مهزوما سلفا من جهة ما يفترض أن يحققه من مكاسب واقعية، وكذلك من جهة ما يفترض أن يكون للمضرب من قناعة ذاتية وتناغم بين فعله كمضرب وتصوره له كانسان ملتزم يفعل ما به يؤمن .
كل هذا يقودنا إلى طرح بعض الإشكالات التي تتعلق بحق الجامعة العامة للتعليم الثانوي في إدارة معركتها باستقلالية عن وصاية الاتحاد العام التونسي للشغل. وإننا لنسال في هذا السياق سؤالا بديهيا هو: من أجل ماذا تخاض معركة قطاع التعليم الثانوي؟ أي ما منزلة معياري الوضوح والتميز من التدليل المطلبي النقابي؟ وهل استطاعت الجامعة العامة للتعليم الثانوي استخدام بناء لغوي « syntaxe » واضح ومتميز يخرجها من دائرة الشعارات والصيغ القصوى غير العملية إلى مستوى المطالب الإجرائية قابلة التحقيق ؟
هذا في ما يهم سبب نضال قطاع التعليم الثانوي. أما في ما يتعلق بالشكل الذي تدار به معركة القطاع فإننا نسال: هل أن الأشكال النضالية التي اختارتها الجامعة العامة للتعليم الثانوي قد كانت ذات نجاعة وفعالية أم أنها على العكس من ذلك، جعلت الأساتذة لا فقط في مواجهة سلطة الإشراف بل وإنها في مواجهة المجتمع برمته؟
والى أي حد أسهمت الأشكال النضالية الإدارية التي اختارت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، كعدم مد الإدارة بأعداد التلاميذ أو ما تقترحه، اليوم، من إضراب عن إجراء امتحانات الأسبوع المغلق، في عزل القطاع ومزيد شيطنته؟
وأخيرا أية علاقة خلقت، بعد إضرابات 2018، بين النقابات ومنخرطيها من الأساتذة خاصة بعدما انتهى الأمر باقتطاع عشوائي من مرتبات الأساتذة في ظل صمت من الاتحاد وغياب لكل دور تضامني مفترض من الجامعة؟

حق الجامعة العامة للتعليم الثانوي في ادارة معركتها في استقلالية عن وصاية الاتحاد : الفدرلة والاتحاد

يبدو أن عدم تمتع الجامعة العامة للتعليم الثانوي بحقها في إدارة معركتها في استقلالية تامة عن وصاية الاتحاد العام التونسي للشغل أهم سبب لتخبطها وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات ترضي منخرطيها وتحقق لهم مطالبهم ولا تشعرهم بخذلان نقاباتهم لهم .
إن ما حصل في إضرابات 2018 وانتهائها بفشل ذريع وغير مسبوق وما ألت إليه وحدة الصف الاستاذي من تفكك وإحباط، جعل هذه الإضرابات التي يقارنها الأساتذة بما حققه نضال التعليم الابتدائي من مكاسب أهمها الاعتراف بمهنتهم كمهنة شاقة ويمتعهم بالتقاعد في سن الخمسة وخمسين سنة، قد أوصل الأساتذة إلى أوضاع نفسية متردية، إذ ما جدوى التحرك والنضال وخوض معركة تفضي إلى عدم مساندة الاتحاد لها؟
بلغة أخرى نقول إن القاعدة الأستاذية بنفسها في تبعيّة لجامعة هي بدورها تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل؟ وما الذي يمكن أن يجنيه تابع التابع من مكاسب؟ وأية فائدة من جامعة تقرر وتنتظر أن يساندها الاتحاد فلا يفعل؟ وأية قيمة لجامعة لا ميزانية قطاعية لها من شانها أن تمكنها من التحرك والتضامن مع القاعدة الأستاذية في حال تعرضت هذه القاعدة لحيف الاقتطاع العشوائي مثلما يحصل الآن بعد الإضرابات المذكورة أعلاه؟
من الواضح أن معركة جامعة عزلاء لا تمتلك من أمر قرارها ما يضمن سيادتها وسيادته، يؤدي بنا أن ننظر إلى الشكل النضالي الذي اتخذته الجامعة العامة:

في الشكل النضالي:

إن بحث مسألة الشكل النضالي هو بحث موضع الداء وهو ما جعلنا في مقدّمتنا نطرح سؤال اللِّمَ؟ أي لمَ تخاض المعركة ضدّ سلطة الإشراف في قطاع التعليم الثانوي؟ وما مدى وجاهتها؟
وفي هذا الإطار نلاحظ الرهانات والمطالب متداخلة مع شعارات غير واضحة الدلالة إذ كان يُفترض أن تنص الجامعة في مطالبها على المطالب الماديّة للأساتذة دون أن تعبّر عنها في بشكل شعارات مثل اصلاح التعليم والحفاظ على المدرسة العمومية من خطر الخوصصة وهذا لا يعني البتة التغاضي عن النضال من أجل الحفاظ وتحسين المدرسة العمومية بل يعني بالضرورة افرادها بمسار نضالي يقوم على تصوّر مدروس وفعّال في مواجهة ما يسمّى بإصلاح التعليم الذي يعين خوصصته.
ان الجامعة العامة للتعليم الثانوي بعدم تنصيصها على مطالب واضحة ودقيقة للقطاع ومنخرطيه تسقط في القصوية الغامضة وتعمد إلى تعويم قضايا القطاع بما يجعل نضال القاعدة الأستاذية بدوره مفتقرا لشكل نضالي ملموس ومحدّد مثل الاضراب الذي أدّت محاولة تلافيه إلى دخول الأساتذة في نضالات اداريّة بلا أيّة نتيجة بل لها نتيجة وحيدة هي عزل قطاع التعليم الثانوي وشيطنته.

في عزل قطاع التعليم الثانوي وشيطنته:

لعلّ غياب أشكال واضحة للنضال قابلة للتحقق مثل الدّخول في اضرابات دوريّة تنهك سلطة الاشراف وتقوّي القطاع وتحافظ على علاقته مع بقيّة القطاعات، هو سبب في عزل قطاع التعليم الثانوي وشعور الأساتذة بالدونيّة وقد اتّهموا باللاوطنية. بلغة أخرى إن عزل قطاع التعليم الثانوي وجعله لا يواجه سلطة الاشراف وانّما يواجه المجتمع بطمّ طميمه هو نتيجة للدخول في اضراب اداري مفتوح يتمثل في عدم اجراء امتحانات التلاميذ في ظلّ منظومة تربويّة تقوم أساسا على الامتحانات وعلى التقييم الجزائي.
كذلك فإن من أسباب شغور القاعدة الأستاذية بالدونية والاحباط هو أن النقابة لم تقم بشدّ ازرهم ضد الاقتطاع العشوائي.

معضلة التضامن النقابي:

أخيرا فإنّ غياب التضامن النقابي مع الأساتذة المضربين أي غياب ردّ فعل واضح وعملي من قبل النقابة لدعم المضربين وتمكينهم من شروط موضوعية أي ماديّة لتحقيق استقلاليتهم ضدّ السلطة، قد مكّن هذه السلطة من ابتزاز القطاع عن طريق الاقتطاع من مرتبات الأساتذة خاصّة وأنّ هذا الاقتطاع بلغ الثمانية أيّام من راتب ضعيف مقارنة مع قيمة العمل وفي نظام اقتصادي يتّسم بارتفاع مشط وغير مسبوق للأسعار وفي بلاد تسير في اتجاه تصفية كلّ ما تبقى من نظام الحماية الاجتماعيّة. بعبارة أخرى يمكننا القول إن غياب استقلالية القرار المالي للجامعة العامّة للتعليم الثانوي وغياب سيادتها وحق تصرّفها في مداخيل الانخراطات عوضا عن تحكم المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل في كل الموارد الماليّة للقطاع وهو حال جميع القطاعات، يجعل القاعدة الأستاذية وهياكلها مغلولة وخاضعة لابتزاز مزدوج من قبل البيروقراطية النقابية والسلطة ويحوّل النضالات إلى عبث.
ختاما يمكننا القول إن نظام التراتبية الادارية أو ما اصطلح على تسميته بالبيروقراطية النقابية هو سبب رئيسي لتعطيل العمل النقابي في كلّ القطاعات، ولجعله مفتقدا للمرونة؛ إنه بعبارة واضحة عائق للتحركات وللنضالات النقابية الى حد يبلغ معها هذا العائق مبلغ ايقاف التحركات واجهاض الفعل النقابي ذاته بمعنى أن البيروقراطيّة النقابية مرض عضال أصيبت به النقابات التونسيّة لما فيها من وحدنة وسلطوية فلا قرار إلاّ قرار المكتب التنفيذي أي أنّ مصير القطاعات ومنخرطيها بكمّهم الهائل رهين قرار الأعضاء الثلاثة عشرة بما يعني أن غياب الفدرلة أي استقلالية كل قطاع وغياب اقتداره على ضمان سيادته الداخلية وكذلك غياب تنسيقه التشاركي (وليس التابع) مع بقية القطاعات يجعل من البيروقراطية النقابية توظّف قانونها الدّاخلي حبن تروم ذلك وبما يخدم حساباتها الخاصّة، ضدّ التحركات النضالية للشغيلة فيتم بذلك قمع هذه الاحتجاجات واحباطها وانتهاؤها باللاإجرائية وهو في نظرنا من أهمّ أسباب اعتراض فئة من الأساتذة على الاضراب متعللين في ذلك بغياب تحقق فعلي للمكاسب بعد اضرابات سنة 2018 أما في نقطته الثانية فإن قولنا يهمّ اصلاح المدرسة العموميّة الذي نراه اليوم قائما على مجرّد شعار أجوف. ولنا في هذا الشأن أن نشير وإن بإنجاز إلى سلطة الاشراف أي إلى وزارة التربية من جهة والى الجامعة العامة للتعليم الثانوي من جهة ثانية: فأما الوزارة فبرنامجها يراهن على خوصصة التعليم وتغليب مقولة الكم على الكيف وعلى جعل التلميذ غير قادر على الاكتساب الذاتي للمعرفة كارها للدرس في فضاء/ سجن يحكم فيه عليه أن يكون "ممتازا" في مواد (الرياضيات، الفيزياء، الاقتصاد والتصرف... وغيرها من المواد العلميّة) تصرف النظر عن خصوصية ذكائه واختلافيته الذاتية ولما قد يؤهله للإبداع في مجالات أخرى كالمجالات الفنيّة مثلا.
أما عن الجامعة العامة فإن غياب برنامج عملي واضح ومتميز وإجرائي فإنما يجعل ما تدافع عنه وتسميه "المدرسة العمومية" لا يعدو إلا أن يكون مجرّد دال لا مدلول له.
عربية الهرماسي
أستاذة الفلسفة