احتجاجات العاطلين عن العمل


نادية محمود
2018 / 7 / 30 - 00:11     

اندلعت ومنذ الثامن من تموز تظاهرات عارمة انطلقت في البصرة وعمت مدن العراق الاخرى التي شكل الشباب العاطل عن العمل اغلبيتها الساحقة. رفعت الشعارات والهتافات المطالبة بفرص العمل، والخدمات مثل الكهرباء، وتوفير الماء الصالح للشرب، حيث الماء العالي الملوحة ادى الى نفوق الحيوانات والى موت الزراعة في المناطق الزراعية في المدينة. وقام المتظاهرون ولاول مرة باعمال واشكال احتجاجية ربما لم تمارسها من قبل من قبيل تطويق ومحاصرة حقول النفط، او اغلاق الموانيء كما جرى في الايام الاولى.
ان هذه تطورات في غاية الاهمية للجماهير، فبعد ان رفعت في صيف 2015 شعارات "باسم الدين باكونا الحرامية" الشعار الذي عبر الحدود غربا الى لبنان في نفس العام، وصار متظاهرو هذا البلد يرددونه نظرا لوجود نفس الظاهرة في ذلك البلد، واتجه شرقا قبل ايام، حين بدأ عمال وكادحوا ايران في مناطق عبادان يكررونه، دفع العاطلون عن العمل هذا العام، شعارهم خطوة الى الامام، بمضيهم الى تطويق حقول النفط، ونداءهم بقطع الطريق على الميناء ومع الحدود الايرانية، من اجل وضع اكبر ما يمكن من الضغط على الحكومة لتستجيب الى مطالبهم، والتي تتمحور حول فرص عمل، وخدمات، مثل الكهرباء وماء صالح للشرب للانسان للحيوان، وماء للزرع. لقد توصل الشباب العاطلون بغريزتهم الطبقية الى ان تضرب السلطة بـ" اعز ما تملك" كما يردد بعض المواطنون، الا وهي حقول النفط. قد يتبادر الى الذهن بان محاصرة حقول النفط حدث بتدخل ايران وتنظيمات تابعة لها، الا ان الغضب تصاعد على وجود شركات نفط وثروات هائلة، ووجود مئات الالاف من العاطلين عن العمل.
من الواضح، انه رغم وعود حكومة العبادي بتوفير فرص عمل (10 الاف درجة وظيفية في البصرة و7 الاف درجة في الناصرية.. وهكذا) واطلاق عدد من المليارات لاجل الخدمات، الا ان لن يكون بوسع هذه السلطة لا حل مشكلة البطالة ولا التقليص منها، فسبعة او عشرة الاف فرص عمل، تريد تقديمها الحكومة، هي ليست ما نزفت من اجله الدماء، وازهقت الارواح، واغتيل فيها الناشطون، واعتقل من اجله المعتقلون، وجرح العشرات من المتظاهرين. ان الجماهير الكادحة والعاملة والعاطلة عن العمل، تريد فرص عيش انساني كريم يستحقها الانسان. تريد اشباع حاجاتها المادية، تريد كهرباء وماء نظيف، تريد فرص عمل يمكنها من ان تغطي نفقات معيشتها، تريد دخلا، ان لم تكن هنالك فرص عمل، ضمانا اجتماعيا يمكنها من تلبي اول وابسط حاجاتها واكثرها اساسية مثل الطعام والمسكن على اقل تقدير. ان هذه المطالب تقمعها الحكومة واجهزتها الامنية بالنار، وبالغاز المسّيل للدموع، وبرشاشات المياه على المتظاهرين، اما الاجهزة غير الرسمية فتقوم بالاعتقالات وبارهاب المتظاهرين، وما اغتيال احد المحامين الذي عبر عن تقديمه للدعم للمتظاهرين والدفاع عنهم مجانا في البصرة الا مثالا اخرا وليس اخيرا على عنف الاجهزة الحكومية وغير الحكومية لاسكات المتظاهرين.
الا ان حتى اخماد التظاهرات لا يعني توقف الجماهير عن مطالباتها، فحاجات الانسان ضاغطة، ان لم يجري اشباعها، وتطمينها، ستنفجر مرة اخرى، وباشكال مختلفة وحتى بمديات مختلفة. والحال ان الصراع بين الطبقة البرجوازية الحاكمة والتي استخدمت الدولة ومصادرها كمورد لارباحها ولتنمية رساميلها ولاثراءها من جهة، والجماهير العاطلة عن العمل التي تعيش الفقر والحرمان وحرارة الصيف، لهو اعقد من ان تحسمه الحكومة ب "17 الف" فرصة عمل. وسيبقى الصراع متواصلا ومحتدا، قد يخمد مرة، وينفجر مرات.
الا انه رغم تلك " الانفجارات" والحركات الاحتجاجية، التي تشكل مدارسا مهمة للجماهير، الا ان عدم وجود افق سياسي واضح لحقيقة كيف يمكن الخلاص من هذه الطبقة، وليست الحكومة، فان الصراع سيظل مستمرا، هم سيديموا جنيهم للاموال والثروات، واستخدامهم سياسة الجزرة والعصا.. والجماهير ستواصل تحملها مرة للاوضاع وتنفجر في مرات اخرى. اذا كان هنالك تطلع وبحث عن حل جذري لهذه الاوضاع، لا بد من التنظيم، والانتظام، بشكل طبقي، وبحزب سياسي، وبمجالس عمالية منبثقة من قلب الحركة العمالية وحركة العاطلين عن العمل. الحزب الشيوعي العمالي العراقي وضع لنفسه هذه المهمة للقيام بها وانجازها. افتقاد هذه الاحتجاجات لتنظيم وقيادة، رغم اهميتها كحركة سياسية بامتياز، الا انها ستذهب ادراج الرياح، فمما له اهمية قصوى هو الوعي باهمية تنظيم هذه الحركة من قبل الشباب العاطل عن العمل، فتنظيم هذه الحركة واخراجها من عشوائيتها الى التنظيم، هي الضمان لتجنب مصير ثورات الربيع العربي التي اظهرت اي خسارات فادحة ، واي مآلات مصيرية كالحة تتركها الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، ان لم تنظم نفسها للمضي بثورتها للنهاية. حيث، بدون تنظيم وبدون قيادة لهذه الحركة، تمتلك الوضوح لما تريد تحقيقه وكيف تريد تحقيقه، من الممكن ان يجري الالتفاف على انتفاضة العاطلين عن العمل، حيث ستخلص الاحزاب البرجوازية نفسها من المأزق، و تقوم الحكومة، كعادتها، مرة بالحديد والنار ومرة بالوعود الكاذبة بالسعي الى اطفاء لهيب هذه الحركة. علما، انه حتى لو تمكنت من اطفائها، فان الجمر سيبقى تحت الرماد.
ان انتفاضة العاطلين عن العمل، هي امتداد لحركة عام 2011، و2015، ربما تتمكن الحكومة من اخمادها لفترة، ولكن ان لم توفر الحكومة ضمان بطالة لكل عاطل عن العمل بالغ سن الرشد، الحد الادنى من توفير سبل العيش، او ان توفر فرص عمل، فليس للعاطل عن العمل ما يخسره في النضال ضد هذا النظام سوى جوعه.