هل الإسلام ينتمي إلى المانيا؟، هل هو جزء منها؟


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5832 - 2018 / 4 / 1 - 18:13
المحور: المجتمع المدني     

(1)
ألقى رئيس الجمهورية الألمانية الأسبق كريستيان فولف في العام 2010 خطاباً أشار فيه لأول مرة في تاريخ المانيا إلى أن "الإسلام جزءٌ من ألمانيا". وكان يريد بذلك التغلب على الأجواء السلبية التي نشأت بسبب مواقف قوى اليمين واليمين المتطرف من المواطنين الألمان المسلمين، أو من اللاجئين القادمين من دول عربية أو ذات أكثرية مسلمة، لاسيما حين كان، ولا يزال العداء للأجانب يستخدم بإصرار ومتعمد في الحملات الانتخابية المحلية والعامة. وقد أثار هذا الرأي الصريح والواضح نقاشاً واسعاً بين مؤيد له ومعارض، كما هوجم رئيس الجمهورية بقوة من المناهضين لهذا الرأي. ثم خفت حدة النقاش لفترة غير قصيرة حين أزيح عن المسؤولية. ولكنها عادت بفعل اللجوء الواسع النطاق وغير المتحكم به الذي شمل أوروبا الغربية، ولاسيما ألمانيا، في ضوء الأحداث الدامية والحروب بسوريا والعراق, ومشكلات الدول العربية الأخرى والأفريقية وأفغانستان، حين منع رئيس وزراء هنغاريا دخول أي لاجئ إلى بلاده، وحصر اللاجئون على الحدود وفي أوضاع كارثية، مما دعا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى التصريح الاستثنائي بتاريخ 30/08/2015 قالت فيه "نحن قادرون على ذلك"، أي على استيعاب اللاجئين، وبهذا فتحت، بتاريخ 04/09/2015، حدود ألمانيا أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين والآخرين القادمين من دول تعاني من حروب وأزمات سياسية واقتصادية. وأدى ذلك، وبسبب ضعف الاستعداد لاستيعاب هذا العدد الهائل الذي زاد عن المليون نسمة، إلى خلق أزمة سياسية وصراعات فكرية وسياسية حادة بألمانيا، استغلها اليمين واليمين المتطرف بشكل خاص ضد الحكومة الألمانية وضد ميركل مباشرة، وكذلك ضد اللاجئين. وقد وجد هذا التعقيد تجسيده في تنامي أصوات اليمين المتطرف في انتخابات أيلول/سبتمبر عام 2017 ، حيث دخل حزب اليمين المتطرف "البديل لألمانيا" لأول مرة إلى البرلمان الاتحادي منذ تأسيس الدولة الألمانية الاتحادية وحصل على نسبة أصوات قدرها 12,6% أو ما يعادل 94 نائباً ونائبة في البرلمان من مجموع 709 نائباً. لم يكن سبب ذلك عدد اللاجئين المرتفع الذين دخلوا ألمانيا هو الوحيد في الوصول إلى هذه النتيجة، التي اقترنت بخسارة كبيرة للأحزاب الثلاثة المؤتلفة في الحكومة الاتحادية، الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والحزب المسيحي الاجتماعي (CSU) والحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، ,لاسيما الأخير، بل كانت ولا تزال هناك أسباب عديدة ومهمة أخرى، منها مثلاً اتساع الفجوة في الدخل والمعيشة بين الأغنياء والفقراء، وتنامي عدد الفقراء والمعوزين بألمانيا وتراجع مستوى معيشة الكثير من المتقاعدين، أو ضعف الرعاية لكبار المسنين والمصابين بمرض الشيخوخة والعجز .. في أغنى بلد أوروبي.
وأثناء النقاشات حول الأجانب والمسلمين صرح رئيس الجمهورية السابق يواخيم غاوك في العام 2016 قائلاً "المسلمون المقيمون في ألمانيا هم فقط الذين ينتمون إليها"، وبمعنى واضح: إن "الإسلام لا ينتمي إلى المانيا". وبذلك خالف كريستيان فولف وجدد النقاش حول هذا الموضوع.
وخلال الفترة المنصرمة استمر النقاش الموضوعي والشعبوي يدور بين هاتين الصيغتين: "الإسلام ينتمي إلى المانيا" أو إن "المسلمين جزءٌ من المانيا"، وأن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، على حد تعبير وزير الداخلية الألماني الجديد ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي في بافاريا، الذي أطلقه في أول يوم تسلم فيه مسؤولية وزارة الداخلية الألمانية في 16/03/2018. ومع هذا التصريح الأخير تفجر النقاش واحتدم من جديد، إذ تصدت له المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اليوم التالي مباشرة (17/03/2018) وقالت:
“الإسلام ينتمي إلى ألمانيا“. وأضافت أن “البعض قد يجد مشكلة في قول ذلك، وهذا حقهم”، إلا أن “مسؤولية الحكومة الفيدرالية تتمثل في تعظيم التماسك داخل المجتمع، وليس إضعافه“. ثم واصلت قولها "إن ألمانيا كانت مسيحية ويهودية، ولكن 4.5 ملايين مسلم يعيشون فيها حاليا، ولذلك فإن دينهم الإسلام بات الآن جزءاً من ألمانيا" (الأردن تايمز، 22/03/2018). ثم توالت النقاشات في المقابلات الصحفية ونشر المقالات الصحفية بين مؤيد لزيهوفر ومعارض له، أو مؤيد لميركل ومعارض لها. ولقد أيد الحزب اليميني المتطرف، البديل لألمانيا، رأي زيهوفر بحرارة وفي مجلس النواب.
(2)
يشير القانون الأساسي الألماني (الدستور) إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي تشكل القيم والمعايير والأسس والنظم التي تعتمدها الدولة الألمانية ومجتمعها في العلاقات الداخلية والخارجية. ومن أبرز تلك المبادئ التي تضمنها الدستور الألمانية والتي تمس موضوع البحث، يجدها المتتبع في المواد 1-19 التي تشكل الفصل الأول من القانون الأساسي الألماني، نشير هنا إلى بعض مضامينها:
1) تقوم الدولة الألمانية على الفصل بين الدين والدولة، وهذا يعني بأن الدول الألمانية، كأي دولة بالعالم، لا دين لها لأنها شخصية معنوية، وهي علمانية، والدين فيها يخص الفرد.
2) كرامة الإنسان مصانة ولا يجوز المساس بها، وهو نص جامع لكل البشر ومانع لأي تجاوز. وهو نص قاطع وأساسي لم يحدد هوية فرعية لهذا الإنسان أو ذاك، وبالتالي، فالمسيحي واليهودي والمسلم والهندوسي والبوذي أو من أي دين أو مذهب مقيم بألمانيا، هو إنسان محترم ولا يجوز المساس بكرامته ويحاسب وفق القوانين المرعية حين يرتكب أية مخالفات.
3) يتمتع المواطن والمواطِنة بألمانيا، ومنهم كل حاملات وحاملي الجنسية الألمانية من أصل غير الماني، بحقوق وواجبات متساوية بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الفكر والفلسفة التي يتبناها، وهم متساوون أمام القانون.
4) فكل من يعيش على الأرض الألمانية يتمتع بحرية العقيدة والضمير والإيمان، وله الحق في ممارسة دينه وطقوسها وإقامة شعائره الدينية، وبناء دور العبادة أو أن يكون بلا دين.
5) ويحرم القانون الأساسي أي تمييز بين البشر، سواء أكان بين الرجل والمرأة، أم بين البشر على أساس البشرة أو اللغة أو القومية.. الخ.
6) ويفرض القانون الأساسي احترام بنوده والالتزام بها، بغض النظر عن موقف الفرد من هذه المادة أو تلك، إذ لا بد من الالتزام بكل المواد، كما يحق لكل الفرد العمل السلمي والديمقراطي من أجل إجراء تغيير على أي مادة لا يتفق مع مضمونها وعبر مجلس النواب أو الاستفتاء الشعبي العام. وإلى أن يتحقق له ذلك، عليه أن يلتزم بالقانون الأساسي جملة وتفصيلاً ودون أي موقف انتقائي من مواده.
7) يضمن الدستور الحق في اللجوء السياسي، كما يمكن أن يقبل اللجوء لأسباب أخرى على وفق قوانين تنظم ذلك.
8) ويجري هنا تأكيد أهمية العمل على تحقيق الاندماج بالمجتمع الألماني من خلال تعلم اللغة الألمانية والاطلاع الجيد على ثقافته وتاريخه وتقاليد شعبه وعاداته.
(3)
هذه المضامين وغيرها الواردة في القانون الأساسي الألماني تعني فعلياً بأن الدولة الألمانية، التي تفصل بين الدين والدولة، ليست دولة مسيحية، بل هي دولة حيادية، لا دين لها، ولا يدخل الدين في هويتها كدولة، ولا في سياساتها ولا في مواقفها إزاء المواطنات والمواطنين على وفق انتماءاتهم الدينية والمذهبية. وبالتالي، فالمسيحية لا تنتمي للدولة الألمانية، كما لا تنتمي إليها اليهودية أو الإسلام، ولا أي دين آخر، فكلها ديانات لا تنتمي للدولة الألمانية، إذ أن الدين يعتبر مسألة فردية ومرتبطة بالفرد ذاته، وليس بالدولة التي يعيش فيها. وعليه فأن التعبير القائل بأن الإسلام جزءٌ من المانيا، هو تعبير خاطئ وبعيد عن الواقعية، كما هو غير واقعي القول بأنها دولة مسيحية. إنها دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة، ولا يغير من هذه الحقيقة أن الدستور الألماني متأثر بالحضارة والثقافة والتقاليد المسيحية الأوروبية، ولكنها حضارة وثقافة متنورة، ويستند قانونها الأساسي على القيم الحضارية وتلاقح الثقافات للمجتمعات البشرية التي تحققت عبر القرون المنصرمة. فمن غير المعقول ولا المقبول أن نقول بأن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، إذ إن هذا، يعني، شاء الإنسان أم ابى، إن على الدولة الألمانية أن تأخذ بالقيم والمعايير والأحكام الواردة بالقرآن من جهة، وبشرائع المسلمين بمختلف مذاهبهم، إذ لا يمكنها أن تنتقي مذهباً إسلامياً واحداً دون غيره، من جهة ثانية. فهل هذا يتوافق مع الدستور الألماني، هل يجوز أن يأخذ الألمان بتعدد الزوجات كما هو وارد في القرآن "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" (سورة النساء، الآية 3)، أو أن يأخذ بتوزيع الأرث الوارد في القرآن على أساس التمييز بين الذكر والأنثى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ"، (سورة النساء، الآية 11)، أو أن يأخذ بزواج القاصرات اللواتي لتوهن بلغت التاسعة من طفولتها، كما جاء في شرائع المسلمين على وفق الآية القائلة : "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا "، (سورة الطلاق، الآية 4)، بل ويحلل روح الله الخميني عملية التفخيذ الجنسي مع الرضيعة، حيث ورد في كتابه الموسوم "تحرير الوسيلة" قوله: "12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأمّا سائر الاستمتاعات كاللّمس بشهوة والضمّ والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة ، ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شيء غير الاثم على الأقوى"، (ص 221 )، أو هل يجوز تحريم الزواج المثلي، الذي لا يحرم ببلداننا، رغم انتشار المثلية فيها، فحسب، بل ويؤدي في الكثير من الأحيان إلى القتل والتمثيل فيهم ... الخ. أعتقد إن كل ذلك غير ممكن في مجتمع قانونه الأساسي متقدم وحضاري وحديث وقوانينه تجيز ذلك.
(4)
منذ أيام والصحف والتلفزة الألمانية مشغولة بنشر الربورتاجات والمقابلات والمقالات والآراء حول ما حصل في واحدة من المدارس الابتدائية ببرلين حيث أساءت تلميذة ألمانية مسلمة إلى بنت ألمانية يهودية بعد أن سألتها عن دينها، كما أساء وتحرش وهدد تلميذ مسلم آخر تلميذ آخر لكونه لا يؤمن بالله، وأنه سيدخل النار. إن هذه المسألة جديرة بالمناقشة من جانب العرب والمسلمين والتصدي لها. إذ إن التلاميذ الصغار لا يميزون بين من يؤمن بالله أو من هو يهودي أو مسلم أو مسيحي، فلا بد أن تكون هذه المسألة مطروحة في بيوت العائلات العربية والمسلمة ومن الوالدين، وليس كلها طبعاً. إن من واجب العائلات العربية والمسلمة أن تلعب دورها بما يسهم في تثقيف وتنوير وتوعية بناتهن وأبناءهم بمبدأ الاعتراف بالديانات والمذاهب كلها، وبأتباعها وأن من حق الإنسان أن يؤمن بهذا الدين أو ذاك، وهي مسألة شخصية بحتة ولا يجوز التدخل فيها أو مساس كرامة من يؤمن بدين أو مذهب أو فكر أو فلسفة أخرى أو اتهامه بالكفر. إن المجتمع الألماني قائم على احترام الديانات والمذاهب دون تمييز، وبالتالي لا بد من الالتزام بهذا المبدأ المثبت في دستور ألمانيا وبغير ذلك سيكبر الأطفال وهم متحفزون ضد أتباع الديانات الأخرى، ومنها ضد السامية أو ضد الملحدين ..الخ، وهو امر بالغ الخطورة على مستقبل العلاقات الاجتماعية بألمانيا، ولاسيما وأن هناك ما يقرب من 4,5 مليون مسلم ومسلمة بألمانيا وبحدود 12 مليون نسمة في دول الاتحاد الأوروبي.
(5)
لهذا اعتقد وأرى بأن التعبير الصائب والسليم هو القول بـ "أن المسلمات والمسلمين بألمانيا هم جزءٌ من مواطني ومواطنات ألمانيا"، وهذا ينطبق على مسلمات ومسلمي الاتحاد الأوروبي، ما داموا يتمتعون بكامل الحقوق والواجبات ومتساوون أمام القانون، ويحق لهم إقامة دور عبادتهم ويمارسون طقوسهم وشعائرهم الدينية بكل حرية، والتعامل معهم لا يختلف من حيث القانون الأساسي عن التعامل مع المسيحيين أو اليهود أو الهندوس أو البوذيين أو الصابئة المندائيين أو الإيزيديين المقيمين بألمانيا.
حين أطرح هذا الرأي، أدرك تماماً بوجود أفراد وجماعات بألمانيا لهم سياسات ومواقف وسلوكيات مناهضة للأجانب، ولاسيما ضد العرب والمسلمين وضد السامية. ولكن الغالبية العظمى من السكان الألمان ديمقراطيون ويعون تماماً قانونهم الأساسي ويؤيدونه ويرفضون الظواهر السلبية التي تظهر في المجتمع، إذ أن مثل هذه الظواهر السلبية، بل وأكثر منها، موجودة في الدول العربية وذات الأكثرية المسلمة في الموقف من المسيحيين واليهود وأتباع ديانات أخرى. ورغم ذلك هذا لا يبرر وجود مثل هذه الظواهر والكفاح ضدها بطريقة سلمية وديمقراطية أمر ضروري دائماً.
(6)
إن من واجب العرب والمسلمين عموماً، ودون استثناء، إن يدركوا بشكل سليم وواقعي، بأن التعايش العقلاني بين أتباع جميع الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والفلسفية بألمانيا أو بأوروبا، يستوجب مجموعة من المتطلبات، منها بشكل خاص:
1. التعلم الجاد والمسؤول للغة الألمانية، باعتبارها لغة المجتمع الذي أصبحنا نشكل جزءاً منه، مع بعض خصوصياتنا.
2. الاطلاع الجاد والمعقول على ثقافة هذا البلد وشعبه الذي احتضننا، ومعرفة تاريخه وعاداته وتقاليده وأعياده واحترامها.
3. الالتزام الثابت بمواد الدستور الألماني كلها، بغض النظر عما يمكن أن يختلف هذا الإنسان أو ذاك مع هذه المادة أو تلك فيه، إذ بدون هذا الإقرار والالتزام بالقانون الساسي لا يمكن أن تنشأ علاقات سليمة في المجتمع.
4. إن ما يتمتع به الإنسان العربي أو المسلم بألمانيا لا يتمتع ولو بمثقال واحد منه مواطنات ومواطنو البلدان العربية والدول ذات الأكثرية المسلمة، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أي إنسان عاقل، كما إن ما عانى ويعاني منه أتباع الديانات الأخرى، كالمسيحيين، والإيزيديين والمندائيين والشبك والبهائيين، كما هو حالهم بالعراق وإيران، أو حال المسحيين في مصر وباكستان ... الخ، إضافة إلى الصراعات والنزاعات الطائفية في هذه البلدان، خير دليل على هذا الواقع المزري.
5. لا يجوز للمسلمين والمسلمات أن يطالبوا بأن يكون الإسلام جزءاً من ألمانيا، بمعنى القبول بما هو وارد في القرآن والشرائع العديدة، إذ سينشأ مجتمعاً متصارعاً ومتنازعاً، كما يجري اليوم بالدول العربية والدول ذات الأكثرية المسلمة، والدور الذي تمارسه القوى السلفية والإسلامية المتطرفة والتكفيرية، التي ترى في بقية الديانات كفرا وأتباعها كفاراً يجب اجتثاهم!!!، بل على المسلمين والمسلمات كأفراد يشكلون أن يؤكدوا بأنهم جزءً من ألمانيا، ولكل فرد منهم الحق، كغيره من المواطنين والمواطنات، في ممارسة الدين الذي يعتنقه والطقوس التي يلتزم بها بحرية تامة، أو من لا يؤمن بأي دين أو إله.
6. إن ما حصل في مدرسة برلينية، بل وفي مدارس أخرى ببرلين وألمانيا في الإساءة إلى طفلة يهودية الديانة، أو بمن لا يؤمن بالله، من جانب أطفال عرب ومسلمين سيؤدي إلى عواقب وخيمة ما لم نعالجها مبكراً. إن من واجب عائلات العرب والمسلمين أن يربَّوا بناتهم وأولادهم على مبادئ الاعتراف بالديانات وأتباع الديانات الأخرى والقبول بالآخر وتجنب التمييز والأفكار العنصرية التي تناهض الديانات الأخرى، بما في ذلك ضد السامية أو ضد اليهود، وأن الدين مسألة شخصية لا يجوز المساس بها بأي شكل كان، كما أن الإيمان بالله هو الأخر قضية شخصية لا يجوز مس كرامة الإنسان الأخر الذي لا يؤمن بالله. إن هذه المسالة بحاجة إلى عملية تثقيف وتنوير وتوعية مستمرة في البيوت والمدارس وفي وسائل الإعلام لكي ينشأ الأطفال عموماً، ولاسيما أطفال المسلمين والمسلمات، على أسس قويمة وقيم ومعايير إنسانية وحضارية حديثة.