منهج حزب النضال التقدّمي - تونس غريب عن الماركسيّة – اللينينية


ناظم الماوي
2018 / 3 / 28 - 21:42     

منهج حزب النضال التقدّمي غريب عن الماركسيّة – اللينينية
الفصل الرابع من - تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة -

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة

( عدد 34-35 / جانفي 2018 )


تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة

ناظم الماوي


تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة

هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه .
( كارل ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850 " )
-----------------------------------

يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع .
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )
-----------------------------------

قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء .
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أنذ طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدّد هي ظاهرة مقيّدة ، ومؤقتة ، و إنتقالية ، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد .

( ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " 27 فبرلير – شباط 1957 ؛ الصفحة 225-226 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )

-------------------------------------------
إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرون فى الطريق الرأسمالي .
ماو تسى تونغ – سنة 1976
--------------------------------------------
فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها ، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه .
بوب أفاكيان ، مقولة مثلما وردت فى القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري - الولايات المتحدة الأمريكية ،2008
-------------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية.
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره "، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)


مقدّمة :
فى سياق الرحلة الطويلة التى أبحرنا فيها منذ سنوات الآن ، الشاقة حينا و الشائقة أحيانا ، رحلة كشف تحريفية و إصلاحيّة معظم فرق اليسار المتمركسة و إيضاح أنّه لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة و أنّ الماوية الثوريّة اليوم ، الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة الثوريّة أو الشيوعية الثوريّة اليوم ، تتجسّد فى الخلاصة الجديدة للشيوعية – الشيوعيّة الجديدة ، نحطّ الرحال عند حزب النضال التقدّمي الذى سنتفحّص مليّا خطّه الإيديولوجي والسياسي بالقدر الذى تسمح به لنا الوثائق التى تحصلنا عليها إلى حدّ الآن و أمّهات القضايا بؤرة تركيزنا في الوقت الحاضر . و هذا الحزب كما يقدّمه أصحابه هو إمتداد لحلقة " المناضلين الشيوعيين " التى تشكّلت فى أواخر ثمانينات القرن العشرين . و لفترة وجيزة من الزمن فى السنوات الأخيرة ، كان من أبرز وجوهه الإعلاميّة المعروفة النائب هشام حسنى الذى إستقال من الحزب ( أو أُقيل منه ) نهاية سنة 2012 أمّا أبرز القادة الذين يمكن أن نطلق عليهم منظّري الحزب فهو أمينه العام د. محمّد لسود ذلك أنّ أهمّ النصوص المرجعيّة لهذه المجموعة قد أتت بإمضائه .
و يعدّ هذا الحزب نفسه ممثّلا لتيّار تجاوز تشرذم منظّمات الملل اليساريّة و ذاتيّة فرق اليسار الماركسي و خاصّة منها ما يسمّيه بمجموعات " الخطّ الوطني الديمقراطي " و " الخطّ الألباني " ، من أجل حزب للطبقة العاملة واحد موحّد ، يقول . و يدّعى هذا الحزب أنّه ينطلق من الماركسيّة – اللينينية و أنّه خاض معاركا نظريّة جمّة إعلاء لرايتها و تطبيقها و تخصيصها على الواقع العياني .
و نحن فى عملنا هذا سنبيّن بالدليل القاطع و البرهان الساطع أنّ هذه المجموعة لا تعدو أن تكون مجموعة أخرى ماركسيّة – لينينيّة زائفة و أنّها قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء تسعى إلى دفن الماركسية – اللينينيّة و جعلها نسيا منسيّا و هو ما سنفصّله أدناه ، خطوة خطوة إنطلاقا من نصوص الحزب إيّاه وما نشره على موقعه على الأنترنت :
www.moussawat.com
وينهض جدالنا هذا الذى ننأى به عن المماحكات السجاليّة على الأعمدة التالية ، إضافة إلى هذه المقدّمة :

1- حزب لا ينتمى إلى الحركة الماركسية – اللينينية :
أ- خارج الحركة الماركسية - اللينينية من النشأة إلى الآن
ب- التجارب الإشتراكية للقرن العشرين وتصفويّة حزب النضال التقدّمي
ت- لا وجود للستالينيّة ، إنّها الماركسية – اللينينية
ث- تبييض وجه الإمبريالية الإشتراكية
ج- فهم حزب النضال التقدّمي للإشتراكية فهم غريب عن الماركسية – اللينينية
ح- الإشتراكية العلمية أم الشيوعية ؟
2 - تحريف حزب النضال التقدّمي للينينيّة :
أ- الأمميّة البروليتاريّة و إنعزالية حزب النضال التقدّمي
ب- وحدة شيوعية ثوريّة أم وحدة تجاوزيّة إنتهازيّة ؟
ت- نظرة حزب النضال التقدّمي البرجوازيّة للديمقراطية البرجوازيّة
3- النظريّة و الممارسة و تحريفيّة حزب النضال التقدّمي :
أ- نظريّا : جهل و تجهيل و عموميّات تروتسكيّة
ب- التنظير و الممارسة الإصلاحيّين
ت- التوحيد النظريّ و مثاليّة ميتافيزيقيّة محمد لسود
ث- مرض الحتميّة ينخر عظام حزب النضال التقدّمي
4- منهج حزب النضال التقدّمي غريب عن الماركسيّة - اللينينية :
أ- الذاتيّة والمنهج التاريخي و النظرة الشيوعية إلى العالم
ب- دمج الإثنين فى واحد أم إنشطار الواحد
ت- الحقيقة الموضوعيّة الماديّة مهما كانت أم الإنتقائيّة و البراغماتية ؟
ث- المثاليّة الميتافيزيقيّة أم المادية الجدلية ؟
5- طبيعة المجتمع و طبيعة الثورة :
أ- طبيعة العصر
ب- رأسماليّة متخلّفة أم رأسمالية كمبرادورية ؟
ت- إصلاحيّون أم ثوريّون ؟
6- برنامج حزب النضال التقدّمي برنامج برجوازي إصلاحي :
أ- برنامج برجوازي إصلاحي
ب- أوهام برنامجيّة
ت- برنامج حزب النضال التقدمي مبتور أصلا
7- فشل مشروع الخطّ التجاوزي لحزب النضال التقدّمي :
أ- تأسيس حزب لم يكن ينشده الخطّ التجاوزي
ب- تحالفات إنتهازيّة
ت- موقف إنتهازي يميني من إنتخابات دولة الإستعمار الجديد
الخاتمة :
المراجع :
الملاحق (4) :
( الملاحق 1 و 2 و 3 ترجمة شادي الشماوي نشرت على موقع الحوار المتمدّن )
1- لتحي الماركسية – اللينينية – الماوية
2- إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان؟
3- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة
4- محتويات نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " /
من العدد 1 إلى العدد 33 – بقلم ناظم الماوي
===================================================
4 - منهج حزب النضال التقدّمي منهج غريب عن الماركسية – اللينينية

فى هذا الباب سنتناول بالنقاش بالخصوص مسائلا فلسفيّة تتّصل بالمنهج و المقاربة و رؤية العالم و مميّزات حزب النضال التقدّمي فى تعاطيه مع القضايا التى يعالجها .
أ- الذاتيّة و المنهج التاريخي و النظرة الشيوعية إلى العالم :
يقدّم هذا الحزب نفسه على أنّه أحد فرسان مناهضة الذاتيّة فينعت تيّاري الحركة الماركسية - اللينينية، الماوية و الخوجيّة، بالذاتيّة التى يطرح لتجاوزها الإتّكاء على القراءة التاريخيّة .
" إنّ القراءة الذاتيّة لتاريخ الحركة الشيوعية هو سبب الإنشقاقات بين الماركسيين و لا يمكن تجاوز هذا الوضع إلاّ بواسطة القراءة التاريخيّة ". ( أنظروا الجملة الأخيرة من " ضدّ الذاتية - فى أسباب الإنشقاقات و ضرورة التجاوز " )
و بادئ ذى بدء ، نقول لهم : ترووا قليلا وتمهلوا و نلمح إلى أنّ المشكل و الحلّ المطروحين ليسا من نفس النوع بمعنى أنّ الذاتيّة ، ماديّا جدليّا ، مقابلها ليس القراءة التاريخيّة و إنّما الموضوعيّة ؛ وحدة الأضداد / التناقض هي ذاتيّة / موضوعيّة و ليس ذاتيّة / قراءة تاريخيّة ، علما و أنّ القراءة التاريخيّة ذاتها قد تكون ذاتيّة أو موضوعيّة و قد تكون مثاليّة ميتافيزيقيّة أو ماديّة جدليّة .
و الماركسيّة مثلما شرح ذلك ماو تسى تونغ بإقتدار فى " فى الممارسة العملية " تبحث عن الحقيقة الموضوعية فى الواقع المادي الموضوعي و معيار و محكّ إعتبار فكرة صائبة ، حقيقة هو مدى عكسها وتطابقها مع الواقع المادي الموضوعي الدائم الحركة ، المادة فى حركة . و تشكّل النظريّة و الممارسة وحدة أضداد / تناقض و علاقتهما جدلية بما تعنيه من تأثير و تأثّر و كذلك تحوّل الواحدة إلى الأخرى أي تحوّل الممارسة إلى نظريّة و تحوّل النظريّة إلى ممارسة ( و لنذكرّ هنا بجملة ماركس و مفادها أنّ الأفكار تصبح قوّة ماديّة إذا تبنّتها الجماهير ) ، على أنّ الممارسة العمليّة مفهومة بصفة عامة و ليس بصفة ضيّقة ، معيار و محكّ صحّة النظريّة . و يتمّ تطوّر سيرورة تناقض الممارسة العمليّة / النظريّة فى شكل لولبي حلزوني تصاعدي لا يستبعد التراجعات .
والشيء نفسه يمكن أن نقوله بشأن ما هو ذاتي و ما هو موضوعي . فالذاتي إذا ما قصدنا به ماركسيّا ، الحركة الثوريّة سواء كانت مجموعة أم حزبا أم جبهة ، يؤثّر فى حركة الصراع الطبقي الموضوعيّة مثلما تؤثّر حركة الصراع الطبقي الموضوعية فى الذاتي أو الحركة الثوريّة .
إذن لم يفقه حزب النضال التقدّمي شيئا من مقولتي الذاتى و الموضوعي فى الماركسية وعلاقتهما الجدلية و إن أحالنا على أنّ مقصده من الذاتيّة هو على وجه الضبط المثاليّة الذاتيّة فيكون ردّنا ببساطة أوّلا ، إضافة إلى ملاحظة أنّ هذا ليس من الجدّية فى شيء ، و لماذا لم تستخدم مصطلح " المثاليّة الذاتيّة " منذ البداية ؟ و ثانيا ، إنّ المثاليّة تشتمل على المثاليّة الذاتيّة كما تشتمل على المثاليّة الموضوعيّة و لا نظنّ أنّنا فى حاجة إلى تفصيل هذه المسألة فالكتب الماركسيّة الناقدة للمثاليّة الذاتيّة و المثاليّة الموضوعية عديدة و بالتأكيد أنّ مؤسّسي هذا الحزب إطلعوا على كتاب جورج بوليتز " أصول الفلسفة الماركسية " الذى لاقى رواجا كبيرا فى ثمانينات القرن العشرين فى القطر و فيه ما فيه من شرح يفى بالغرض .
ثمّ إنّ القراءة التاريخيّة التى ينادى بها هذا الحزب لا تقابلها الذاتيّة كما سلف القول و إنّما تقابلها كنقيض " اللاتاريخيّة " . و زيادة على ذلك ، هناك النظرة الماديّة للتاريخ و هناك النظرة المثاليّة له . لذلك يتواتر لدى الشيوعيين الكلام عن المادية الجدلية و الماديّة التاريخيّة . و لئن صرّح هنا الحزب الذى ننقد فى وثيقة " برنامج حزب النضال التقدّمي " بأنّه يتبنّى الماديّة الجدليّة و الماديّة التاريخيّة منهجا فإنّنا بعد تفحّصنا لأقواله و أفعاله و تمحيصنا لها بعين ناقدة يتجلّى لنا عدم إعتمادهما بل و الأنكى من ذلك يتجلّى لنا أنّه عوّضهما ب " قراءة تاريخيّة " لا ندرى من أين أتى بها ؟ و هل هي متناقضة و فى أيّة نقاط و إلى أيّة درجة مع المادية التاريخية ؟
و إلى ذلك نضيف أنّ إعتبار حزب محمّد لسود للماويين ذاتيين لأنّهم يعلون علاوة على الماركسيّة – اللينينيّة راية الإضافات الخالدة لماو تسى تونغ فى علم الشيوعية ، الماويّة ، و يطبّقونها و يطوّرونها أمر قد يحثّ على الضحك لولا أنّه محزن و محزن جدّا .
و حين يبحث ضرورة ما أسماه " التخصيص " ، ينقد محمّد لسود الأحزاب الشيوعيّة العربية لكونها ظلّت ذاتيّة متمسّكة بالمراجع و لم تمض فى طريق " التخصيص " و فى نفس الوقت ينوّه بالتجربة الماويّة فى الصين و كيف أنّ الحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ قام باللازم ولذلك إفتكّ السلطة ( مثلا، " ما هي الإشتراكيّة ؟ "، ص 17 )، إلاّ أنّ الرجل سرعان ما يلغى إضافات تلك التجربة عمليّا و نظريّا التى أغنت الماركسيّة – اللينينيّة و يعدّها مقحمة على الماركسيّة – اللينينيّة ( " الإضافات التى يجرى إقحامها على الماركسيّة – اللينينيّة : الستالينيّة ، الماويّة التروتسكيّة ، الأنورخوجيّة ، الغيفاريّة ، الستالينيّة الجديدة ، الغرامشيّة ، الألتوسريّة ..." – ضد الذاتيّة ...، ص 5 ) فيسقط بلا أدنى شكّ فى الدغمائيّة و تجميد تطوّر علم الشيوعية فى قالبه الخاص لماركسيّته اللينينيّة الخاصة التحريفيّة بشكل خاص و المناهضة للينينيّة بوضوح .
" نحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به ، بل إننا مقتنعون ، على العكس ، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لهذا العلم الذي يترتب على الإشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الإتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخّروا عن موكب الحياة ."
لينين - " برنامجنا " )

" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم .فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي ."
( ماو تسي تونغ - " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " - 12 مارس/ أذار 1957؛ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22. )
و لردّ الأمور إلى نصابها نقول إنّ الماركسيّين – اللينينيّين – الماويّين و بوجه خاص أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعية الجديدة ، على خطى لينين و ماو تسى تونغ ينظرون إلى علم الشيوعية كعلم متطوّر أبدا شهد مراحل تطوّر ثلاث هي الماركسيّة فاللينينية فالماويّة و الماويّة مرحلة ثالثة لا تلغى الماركسية – اللينينية كما يسوّق لذلك أعداؤها بل طوّرتها و إرتقت بها فى مكوّناتها الثلاثة أي فى الإقتصاد السياسي و الفلسفة و الإشتراكية . والوثائق التى تشرح ذلك ليست محدودة بل بالعكس و منها وثائق رائجة عبر العالم قاطبة على غرار التى نوثّقها فى ملحق هذا البحث ( " لتحي الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة " ، الصادر عن الحركة الأمميّة الثوريّة سنة 1993 ) و منها كتاب شهير لبوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ( 1979 ) وهو متوفّر باللغة الأنجليزية على رابط الأنترنت التالي :
http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/MaoTsetungImmortal-Avakian.pdf
و قد ترجم فصولا منه شادي الشماوي و نشره على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته .
و نتوقّف للحظة لنسأل أصحاب الخطّ التجاوزي إن كان رفع راية الماويّة ذاتيّة ماذا يكون رفع راية الماركسية ؟ ثم رفع راية اللينينية ؟ ألن يكون ذاتيّة أيضا ؟ و ما قولكم لو نعتناكم بنعتكم أي بأنّكم أنتم أنفسكم ذاتيّون بما أنّكم تدّعون رفع راية الماركسية – اللينينية ( وهي منكم براء ) ؟
و نسترسل لنؤكّد أنّنا لن ننعتكم بالذاتيّة لأنّ أهمّ نصوصكم المرجعيّة ممضاة من طرف د. محمّد لسود . إنّنا كشيوعيين ثوريين ، أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعيّة الجديدة ، نتبنّى الماديّة الجدليّة و الماديّة التاريخية كما طوّرتهما الماركسية – اللينينية – الماوية و كما أعاد بوب أفاكيان صياغتهما و تنقيتهما من بعض الشوائب و ترسيخهما على أسس أكثر علمية ، و نطبّقهما و نفهم جيّدا العلاقة بين الفرد و القيادة الجماعيّة و بين الفرد و المجموعة و بين الحزب و الجماهير و بين الحزب و القائد الأبرز الذى يظهر صلب المجموعة القياديّة لكونه يعبّر أفضل تعبير عن الخطّ الإيديولوجي و السياسي .
وتهمة الذاتيّة ، على حدّ إدراكنا ، إختارها التيّار التجاوزي بدلا من ما يطلق عليه " تمسّك ذاتي بشخص" و" تقديس الزعامات " و مساوية لتهمة " عبادة الفرد " التى وُجّهت للمدافعين عن ستالين فى وجه تيتو و الخروتشوفيّة و للأغراض عينها و قد ردّ عليها الحزب الشيوعي الصينيسنة 1963 على النحو التالي فى " حول مسألة ستالين ":
" إن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بشنّهم حملة " مقاومة عبادة الفرد " ليس غرضهم هو العودة الى ما يسمونه ب " المقاييس اللينينية للحياة الحزبية و مبادئ القيادة " ، بل غرضهم على النقيض من ذلك هو خرق تعاليم لينين حول العلاقات المتداخلة بين القادة والحزب والطبقة والجماهير ومخالفة مبدأ المركزية الديمقراطية فى الحزب".(الصفحة 20 )
" لقد تمسك الحزب الشيوعي الصيني دوما بالتعاليم الماركسية - اللينينية حول دور الجماهير و الفرد فى التاريخ و حول العلاقات المتداخلة بين القادة و الحزب و الطبقة و الجماهير و تمسك بالمركزية الديمقراطية فى الحزب . لقد تمسكنا دائما بالقيادة الجماعية ، و فى الوقت نفسه نعارض التقليل من دور القادة . و بينما نقيم أهمية لهذا الدور نقاوم تقريظ الأفراد بصورة مفرطة و غير متّفقة مع الواقع و المبالغة فى دورهم . و منذ عام 1949 إتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قرارا، بناء على إقتراح الرفيق ماو تسي تونغ ، يمنع الإحتفالات العامة من أي شكل بأعياد ميلاد قادة الحزب و تسمية المدن و الشوارع و المؤسسات بأسمائهم .
إن موقفنا المثابر الصحيح هذا يختلف أساسيا عن " مقاومة عبادة الفرد " التى تدعو لها قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي . لقد أصبح واضحا أكثر فأكثر أن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بدعوتهم ل" مقاومة عبادة الفرد " لا يرمون إلى تطوير الديمقراطية و ممارسة القيادة الجماعية و مقاومة المبالغة فى دور الفرد كما يدعون ، بل لهم دوافع أخرى . فما هو بالضبط فحوى "مقاومة عبادة الفرد" فى نظرهم ؟ إذا تحدثنا بصراحة هو ما يلى :
أوّلا- أن يضعوا ستالين قائد الحزب بحجة "مقاومة عبادة الفرد" فى موضع معارض لتنظيم الحزب و البروليتاريا و جماهير الشعب ،
ثانيا - أن يلوثوا الحزب البروليتاري و دكتاتورية البروليتاريا و النظام الإشتراكي بحجة " مقاومة عبادة الفرد "،
ثالثا - أن يرفعوا مراكزهم بحجة " مقاومة عبادة الفرد " و يهاجموا الثوريين المخلصين للماركسية - اللينينية حتى يعبدوا الطريق لمدبرى المكائد المحرفين لإغتصاب قيادة الحزب و الدولة ،
رابعا - أن يتدخلوا بحجة " مقاومةعبادة الفرد " فى الشؤون الداخلية للأحزاب و البلدان الشقيقة و أن يسعوا الى قلب قيادة هذه الأحزاب و الأقطار بما يتماشى و إرادتهم ،
خامسا - أن يتهجموا بحجة " مقاومة عبادة الفرد " على الأحزاب الشقيقة التى تلتزم بالماركسية - اللينينية و يصدعوا الحركة الشيوعية العالمية.
إن حملة مقاومة "عبادة الفرد " التى شنّها خروشوف هي مكيدة سياسية حقيرة ، فهو ، كما وصف ماركس أحد الأفراد ، " فى عنصره مدبّر للمكائد بينما لا يساوى شيئا كنظرى ". (الصفحات 21 و 22)
( إنتهى المقتطف )
وحديثا ، فى سياق صراع خطّين عالمي صلب الحركة الماويّة ، الماركسية – اللينينية – الماوية ، نعت الدغمائيّون ( و منهم محمّد علي الماوي عربيّا ) أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ب " عبادة الفرد " لأنّهم يتمسّكون بالتقييم والخطّ الذين طوّرهما بوب أفاكيان الذى أمضى سنوات طوال بل عقودا فى التنقيب و البحث وقيادة حزبه و فى المساهمة فى قيادة الحركة الأممية الثوريّة ( منذ 1984 إلى 2006) ليتوصّل إلى الخلاصة الجديدة للشيوعية ( تجدون كملحق لهذا البحث وثيقتان تعرّفان بها ) . فكان ردّنا عليهم فى كتاب " صراع خطّين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية – هجوم محمد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربيّا " بشيء من التفصيل و بودّنا هنا أن نطلعكم على جزء ممّا أوردنا هناك هو ردّ بوب أفاكيان على تلك التهمة الموجّهة لحزبه يلخّص الموقف الشيوعي الثوري تلخيصا دقيقا:
" لماذا أنا مهمّ ؟ - لماذا جملة أعمالي و منهجي و مقاربتي مهمّين ؟ لأنّنا نقدّم فهما متطوّرا ، فهما راقيا لما تعنيه الثورة و تعنيه الشيوعية و كيفية المضي قدما نحو هدف الثورة والشيوعية ، و كذلك لمنهج الإنخراط و النضال لمعالجة التناقضات التى ستعترضنا حتما فى هذه السيرورة ...
إذا كان فعلا يقودنا فهم علمي لكون المجتمع الإنساني يحتاج و بإمكانه التقدّم صوب الشيوعية ، و لكون النضال من أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن يكون عملا واعيا للجماهير الشعبية ، من جهة ، بينما فى نفس الوقت ، يجب أن تكون لهذا قيادة ، و لا أفق لتحقيقه دونها - قيادة تجسّد فى علاقة بهذا الهدف الفهم و المنهج الأكثر تقدّما – و أن ما يتكثّف فى هذا الشخص ، نعم ، و لكن و بأكثر جوهرية فى جملة أعمال بوب أفاكيان و منهجه و مقاربته ، يمثّل هذه القيادة ؛ عندئذ ما يترتّب طبيعيّا عن ذلك هو الإعتراف بأن هذا أمر يجب توعية الجماهير الشعبية به و تعريفهم به ، و يجب أن نجعلهم يحتضنوه ، بفهم مدي حيويته بمعنى خدمته لمصالحها الجوهرية الخاصة و فى النهاية خدمته لأعلي مصالح الإنسانية جمعاء . و مثلما شدّدت على ذلك وثيقة لحزبنا حول مسألة القيادة الثورية :
" إنّ ظهور بعض الثوريين كتعبير مركّز لهذه السيرورة و تحوّلهم إلى تعبير مركّز لأفضل ميزات القيادة الثورية - بما فى ذلك بذل النفس بلا أنانية من أجل القضيّة الثورية و الحبّ العميق للجماهير ، و كذلك إستيعاب قوي للمنهج العلمي لإطلاق العنان للجماهير و رسم طريق الثورة فى تناغم مع مصالحها الموضوعية - بالتالى لا يكون وجود هكذا قائد أو قادة مصدر إزعاج و إنّما شيئا يرحّب به و يحتفى ! إنّه جزء من قوّة الشعب . "
( بوب أفاكيان – " الثورة " عدد 115، 13 جانفي 2008؛ " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " – الجزء الثاني " كلّ ما نقوم به يخصّ الثورة " )
ب- دمج الإثنين فى واحد أم إنشطار الواحد ؟
يقوم مشروع خطّ التجاوز على أنّ تيّاري الحركة الماركسية – اللينينية التاريخية ، الماوية و الخوجيّة ، تيّاران ذاتيّان صبيانيّان و بالتالى وجب تخطّيهما لإعتناق التجاوز . و لئن لم يعوّل أصحاب خطّ التجاوز على إستقطاب النواة الصلبة فى التيّارين إيّاهما وشدّدوا على إستقطاب الحلقات الأخرى و المتعاطفين ، فإنّهم يسعون إلى دمج الإثنين ( أو أكثر ) فى واحد بمعنى دمج الماويين والخوجيين ( و غيرهما ) فى تيّار نعتوه بالماركسي – اللينيني زعما .
و نرصد هنا نظرة نكوصيّة و معادية للماديّة الجدليّة لدى مؤسّسي حزب النضال التقدّمي ذلك أنّ التيّارين كانا تاريخيّا متّحدين فى إطار الحركة الماركسيّة – اللينينيّة المناهضة للتحريفيّة المعاصرة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني و على رأسها ماو تسى تونغ ثمّ حصل إنشقاق بعد وفاة الزعيم الشيوعي و الإنقلاب التحريفي فى الصين سنة 1976 و ظهر إلى الوجود الماويّون المواصلون للخطّ الثوري للحركة الماركسية – اللينينية و المتشبّثون بالتجربة الماويّة و الفاضحون للتحريفيّة الصينية التى جلبت إليها أحزابا و منظّمات كانت ضمن الحركة الماركسية – اللينينية العالمية ؛ و الخوجيّون الذين رموا لدغمائيّتهم التحريفية بالتجربة الماويّة عرض الحائط و وقفوا كذلك ضد التحريفية الصينية – البرجوازية الجديدة الصينية و على رأسها هواو كوفينغ و دنك سياو بينغ حينها لأسباب مختلفة لكنّهم إلتقوا معها فى الهجوم التحريفي الخبيث على ماو تسى تونغ و ما أضافه إلى علم الشيوعيّة .
و إذن كانت الحركة الماركسية – اللينينية موحّدة بفعل سيادة خطّ بروليتاري ثوري بقيادة الحزب الشيوعي الصيني و فى مقدّمته ماو تسى تونغ و إنفرط عقدها بعد أن غيّبه الموت و حصول إنقلاب تحريفي فى الصين ؛ كانت هناك وحدة و إنشطر الواحد . و ما يسعى إليه حزب النضال التقدّمي بمنهج يقول عنه تاريخي هو وحدة من نوع دمج الإثنين فى واحد هي من جهة معادية للمادية الجدلية و تمضى من جهة أخرى ضد المسار التاريخي لتطوّر الحركة الماركسية – اللينينية فتكوّن وحدة جديدة لاتاريخيّة أصلا ، نكوصيّة حالمة ( حتّى لا نقول " تتعدّى الأماني الساذجة " ) . لذلك حكم تاريخ الصراع الطبقي منذ البداية على مشروع التجاوز بالفشل وراء الفشل كما سنرى فى حينه .
لقد أكّد لينين فى " فى مسألة الديالكتيك " ( وذكره ماو تسى تونغ فى " فى التناقض " ):
" إنّ وجهتي النظر الأساسيتين ( أو الممكنتين ؟ أو المشاهدتين تاريخيّا ؟ ) عن التطوّر ( الإرتقاء) هما : التطوّر كنقصان وإزدياد ، كتكرار؛ والتطوّر كوحدة الضدين( إنقسام الواحد إلى ضدين متعارضين تربط بينهما علاقة متبادلة)."
و مشدّدا على جوهريّة قانون التناقض / وحدة الأضداد فى الجدلية و الرؤية الماديّة الجدليّة للعالم ، صرّح ماو تسى تونغ :
" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أن طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدد هي ظاهرة مقيدة ، و مؤقتة ، و إنتقالية ، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد . "
(" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، صفحة 226 ).
و قد خاض الماويّون صلب الحزب الشيوعي الصيني نضالا تاريخيّا على الجبهة الفلسفيّة كان محوره إنشطار الواحد و دمج الإثنين فى واحد و قد ألّفوا عددا من المقالات بهذا الشأن ليبيّنوا رجعيّة دمج الإثنين فى واحد و من هذه المقالات نشير إلى" ثلاث صراعات كبرى على الجبهة الفلسفيّة فى الصين " الذى صدر سنة 1972 و المتوفّر باللغة العربيّة بموقع الصوت الشيوعي و تحديدا بمكتبة ماو للعرب و فى فقرته الأولى نقرأ : " منذ سنة 1949 ، السنة التي شهدت ميلاد الجمهورية الشعبية الصينية ، دارت ثلاث صراعات مبدئية كبرى على الجبهة الفلسفية في الصين ، الصراع حول مسألة البناء التحتي الاقتصادي و البناء الفوقي ، الصراع حول مسألة معرفة التطابق بين الفكر و الوجود ، و الصراع بين مبدأ " الواحد ينقسم إلى اثنان " و المثالية " الاثنان يندمجان في واحد " ...".
و على ذات الجبهة الفلسفيّة كذلك خاض الماويّون الصينيّون نضالا تاريخيّا تمحور حول التحليل و الخلاصة . وفيما كان التحريفيّون الصينيّون و فى مقدّمتهم ليوتشاوتشي و ذراعه فى المجال الفلسفي، يانغ هزيانتشن ، يدافعون على أنّ التحليل معرفة مظهري التناقض و أنّ الخلاصة هي دمج الإثنين أو جمعهما كما جاء على لسان محمد لسود فى " ضد الذاتيّة ..." ، كان الماويّون الماديّون الجدليّون يؤكّدون حقيقة أنّ التحليل هو معرفة مظهري التناقض الرئيسي و الثانوي ، المهيمِن و المهيمَن عليه و انّ المظهر المهيمِن يحدّد طبيعة التناقض ، و أنّ الخلاصة هي إلتهام مظهر لآخر و قد شرح ماو تسى تونغ الفهم الصحيح ضاربا مثالا للخلاصة كيف أنّ الجيش الأحمر الصيني إلتهم جيش الكيومنتانغ و سحقه . ( أنظروا " ماو يتحدث الى الشعب 1956 - 1971 " لستوارد شرام ، الطبعة الفرنسية ، نشر الصحافة الجامعية الفرنسية بفرنسا سنة 1977 نشر قبلها بالانجليزية فى لندن سنة 1974 ).
و هذا يدلّ على أنّ قادة حزب النضال التقدّمي قد وصلوا إلى الحضيض من الناحية الميتافيزيقيّة بعد أن وصلوا قاع القاع من الناحية المثاليّة .
و " دمج الإثنين فى واحد " كتعبير عن المثاليّة الميتافيزيقيّة داء شائع فى أوساط فرق اليسار المتمركس لم يصب به حزب النضال التقدمي وحده فحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد مصاب به هو الآخر ، و قد عرّينا فهمه التحريفي للمسألة فى الكتاب الذى أفردناه لنقد خطّه الإيديولوجي و السياسي و تحديدا ضمن نقطة " حزب لينينيّ أم سفينة نوح ؟ " كعنوان فرعي جدّ معبّر.
ت- الحقيقة الموضوعية الماديّة مهما كانت أم الإنتقائية و البراغماتية ؟
الذى يقرأ بتمعّن و رويّة الوثائق المرجعيّة لمجموعة حزب النضال التقدّمي و يتملّى فى كتاباتهم ، لا سيما " نقد الخطّ الوطني الديمقراطي " و " " الخطّ الألباني و التنكّر السياسي - فى نقد المنطلقات الذاتيّة و الممارسة الإنتهازية والتسخيريّة " لا يفوته التفطّن إلى المنهج الإنتقائي المعتمد . ففضلا عن أنّ أصحاب ذلك الحزب يشوّهون التسمية التاريخية لتيّاري الحركة الماركسية – اللينينية فيحوّلون الماويين إلى " خطّ وطني ديمقراطي " ويحوّلون الخوجيين إلى " خطّ ألباني " فى محاولة يائسة و بائسة لتهميش المكوّنين الأساسيين تاريخيّا لتلك الحركة الماركسيّة – اللينينيّة العالمية ، نلفيهم يعتمدون نقاط نقد خوجي و تروتسكي ( و الخوجية نهلت ما نهلت من التروتسكيّة ) وُجّهت تاريخيّا ضد الماويّة ليسلّطوا سياط نقدهم على من إعتبروهم "خطّا وطنيّا ديمقراطيّا " و العكس بالعكس ، يمسكون بنقاط نقد ماوي للخوجيّة ليضربوا بها " الخطّ الألباني " . فتكون النتيجة ببساطة أخذ الغلّة الماويّة لرجم الخوجيّة و إلتقاط الحجارة الخوجيّة لرجم الماويّة . و من ثمّة يرفع محمّد لسود يديه علامة على الإنتصار على الإثنين ويصرخ وجب التجلبب بجلباب الخطّ التجاوزي الذى سيمزج بين مكوّنات من هذا و ذاك و من التروتسكيّة و غيرها فى خليط سحري من يشربه يحلّق فى السماء متوهّما أنّه من الملائكة .
و مثل التروتسكيّين و الخوجيّين ، كما سنفصّل لاحقا ، يخرج علينا الخطّ التجاوزي بأطروحة أنّ العالم برمّته رأسمالي ( فيدمج الإثنين : البلدان الرأسمالية – الإمبريالية من جهة و البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة من جهة أخرى ، فى واحد ) و بالتالى يستنتج بلا أدنى شكّ أن الثورة الضروريّة طبيعتها إشتراكية هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، نعثر عليه فى أكثر من موقع ينافح عن مواقف ماويّة إنتقاها خدمة لأغراضه الحجاجيّة . و فى " الخطّ الألباني و التنكّر السياسي - فى نقد المنطلقات الذاتيّة و الممارسة الإنتهازية والتسخيريّة " تجدونه يدين " الستالينيّة " و فى أماكن أخرى ، على غرار كرّاسه " ما هي الإشتراكية ؟ " ، يتصدّى للهجوم على أفكار ستالين و ممارساته التى يقدّر محمّد لسود ذاتيّا أنّها مفيدة فى الإقناع بما يسوّق له .
و هكذا ليس بوسع الخطّ التجاوزي إلاّ السقوط فى الإنتقائيّة لأنّ الحركة الماركسية – اللينينية بتيّاريها الأساسيين ، الماويّة و الخوجية ، إمتداد وجزء لا يتجزّأ من تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و التجارب الإشتراكية للبروليتاريا العالميّة فى القرن العشرين و مهما سعى إلى إهالة التراب عليها فإنّها ستظل ماثلة أمامه وخلفه و فوقه و تحته و حتّى داخل أذهان جماعته و داخل ذهنه هو ؛ لا مفرّ من الحقائق ، و الخطّ التجاوزي لم يولد من فراغ و لا يعيش فى فراغ ! و لأنّ محمد لسود قد أدرك ذلك ، لم يبق أمامه سوى تطويع هذه الوقائع لقراءته اللاتاريخيّة وتربيع المثلّثات إستنادا إلى منهج إنتقائي يخوّل له التلاعب بتاريخ الحركة الشيوعية العالمية و بإنكار الواقع أو أجزاء منه تارة و إبراز أخرى طورا .
و صلة الإنتقائيّة بالبراغماتيّة / النفعيّة صلة وثقى حيث تعدّ البراغماتيّة حقيقة الشيء الذى " يعمل " بمعنى المفيد و الناجح فى لحظة ما و هي هكذا تتنافى مع الماديّة الجدليّة و البحث العلمي عن الحقيقة فى الواقع المادي الموضوعي الملموس و المتحرّك أبدا .
و لم يستقصى أصحاب مشروع التجاوز حقيقة الماويّة و مجموعاتها و حقيقة الخوجيّة ومجموعاتها فى أدقّ دقائق الأمور والإختلافات ، بل على العكس صاغوا وثائقا عامة هلاميّة تضع الجميع بضربة واحدة كما يقال فى سلّة واحدة و ذلك خدمة لإبراز المشروع التجاوزي فى أقرب وأسرع وقت ممكن وفرضه بالتلاعب بما وُضع فى السلّة إخفاءا و إظهارا حسب متطلّبات الجدال و الصراع .
هذه البراغماتيّة و الإنتقائية فى تناقض تام مع اللينينية و مبادئها حيث حذّر لينين من الإنتقائية فقال :
" يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )


ث- المثاليّة الميتافيزيقيّة أم الماديّة الجدليّة ؟
لم ينجز هذا الحزب الذى يرفع عقيرته صائحا بالقراءة التاريخية تقييما علميّا شاملا للتجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا و الحركة الشيوعية العالمية ماضيا و حاضرا . لم ينجز التحليل ( إنشطار الواحد و معرفة مظهريه ) المطلوب لينينيّا لتحديد المكاسب و النقائص فى كافة مكوّنات الماركسيّة الثلاثة أي الإقتصاد السياسيّ و الفلسفة و الإشتراكية و لا نعثر لديه ، على حدّ علمنا و ما نُشر إلى الآن ، عن عمل ضرورته أكثر من أكيدة من أجل بناء ما يكون أفضل مستقبلا و لم ير النور . ما هي المكاسب و ما هي النقائص فى التجربة السوفياتية و كذلك فى التجربة الصينيّة ؟ و كيف يتمّ تجاوزها ؟ سيحمّلهم التاريخ وزر التغاضي عن مسائل مصيريّة من هذا القبيل .
و هذا الإستهتار بالتقييم العلميّ الملحّ كأساس لبناء أي جديد أرقى شيوعيّا ينمّ عن تعامل مثالي ذاتي مع هذه التجارب إذ هو يطمس جانبي المكاسب و النقائص و الأخطاء كما يطمس جدليّة الإستمرار و القطيعة و نشرح فنقول ما الذى سيستمرّ و نحتفظ به من أطروحات و سياسات و تنظيرات بإعتبار أنّ الممارسة العمليّة و تطوّر علم الشيوعية و الواقع المادي أثبتوا صحّته و ما الذى أثبت الواقع و أثبتت الممارسة العمليّة و تطوّر علم الشيوعية خطأه أو عدم دقّته لتغيّر فى الظروف الذاتيّة أو الموضوعيّة أو فى الإثنين معا و تترتّب القطيعة معه . تطوَّرَ علم الشيوعية و طوّره أبرز قادة البروليتاريا العالمية وفق جدليّة الإستمرار و القطيعة تفاعلا مع الواقع المادي المتحرّك أبدا و متطلّبات فهمه فهما صحيحا لتغييره تغييرا ثوريّا . و لم يتسنّى ذلك إلاّ ببذل الجهود المضنية و التضحيات الجسام .
" إنّ المثالية و الميتافيزيقا هي الشيء الوحيد فى العالم ، الذى لا يكلّف الإنسان أي جهد ، لأنّها تتيح له أن يتشدّق كما يشاء دون أن يستند إلى الواقع الموضوعي و دون أن يعرض أقواله لإختبارات الواقع . أمّا المادية و الديالكتيك فهي تكلّف الإنسان جهدا ، إذ أنّها تحتّم عليه أن يستند إلى الواقع الموضوعي و أن يختبر أمامه ، فإذا لم يبذل جهدا إنزلق إلى طريق المثالية و الميتافيزيقا. "
( ماو تسى تونغ ، ملاحظة على" المعلومات الخاصة بطغمة خوفنغ المعادية للثورة "( مايو- أيار– 1955) ).
و يهمّنا هنا أن نضرب مثالا له دلالة كبرى بالنسبة للتعاطى المثالي لمحمد لسود مع التجربة الماويّة فى الصين . ففى " نقد الخطّ الوطني الديمقراطي " ذكر محمّد لسود نظريّة العوالم الثلاثة السيّئة الصيت و ألصقها إلصاقا بماو تسى تونغ و لم يجتهد مطلقا للبحث عن مدى صحّة أو عدم صحّة أن تنسب هذه النظريّة إلى ماو تسى تونغ فكتب هناك :
" لقد صدر الوطد في البداية عن تمسك ذاتي بشخص ماوتسي تونغ مع إرادة ، متناقضة مع هذا التمسك، للحسم في مقولة العوالم الثلاثة التي أتى بها ماو نفسه. وهكذا انطلق المشروع الوطدي من عملية توفيق مستحيلة لأن العوالم الثلاثة تقع في صميم التنظير الماوي ".
واجب الشيوعيين الماديين الجدليين البحث عن الحقيقة و ليس ترديد ما يكون رائجا و سائدا من أفكار حتّى صلب المجموعات اليساريّة و حتّى الماويّة منها . فالحقيقة العلميّة منبعها و محكّ صحّتها الواقع الماديّ الموضوعيّ و ليس ما يفكّر فيه هذا أو ذاك فى لحظة ما ( و إن كان ما يفكّرون فيه جزء من الواقع الموضوعي ) . إلصاق تلك النظريّة التحريفيّة الرجعيّة بماو تسى تونغ تشويه للماويّة طالما جعله أنور خوجا و حزب العمل الألباني و أشياعهم فضلا عن التحريفيين الصينييّن حصان طروادة لمهاجمة الماويّة الحقيقية الثوريّة و شدّدوا عليه إلى درجة أنّ من يقف وراء كتاب " ردّا على حزب العمل الألباني" من الماويين الأوائل بالقطر فى سبعينات القرن الماضى و ثمانيناته قد إبتلعوا الطعم و قبلوا بالتهمة على أنّها حقيقة ومردّ ذلك عدم قيامهم بالواجب الشيوعي لتقصّى المسألة و الإستئناس بما توصّلت إليه بحوث الماويّين عالميّا.
وإنّا لنعجب وهيهات أن ينقضي عجبنا من موقف محمّد لسود من نظريّة العوالم الثلاثة و إلصاقها بماو تسى تونغ زورا و بهتانا عندما ينطق فى كرّاس " فى الديمقراطيّة " بالجمل التالية :
" المفترض دائما فى الشائع أن يكون معلوما و فى ما درج الإنسان على إستعماله يوميّا أن يكون معروفا لديه و لكن الواقع غير ذلك فى كثير من الأحيان حيث ذيوع فكرة ما ليس دليلا على دقّتها فضلا عن صحّتها " .
أن تكون فكرة سائدة أو شائعة لا يعنى أنّها صحيحة . بيد أنّ الكثير من الذين يدّعون تطبيق الماديّة الجدليّة و الماديّة التاريخيّة و عموما النظرة الشيوعية إلى العالم أخفقوا ويخفقون فى التخلّص ممّا بات الماويّون الثوريّون أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعيّة الجديدة يشخّصونه على أنّه أبستيمولوجيا شعبويّة أي طريقة شعبويّة لبلوغ الحقيقة .
و نحن ، فى إطار تقييمنا لتنظيرات الماويّين و ممارساتهم تقييما علميّا إنطلاقا من قمّة ما بلغه تطوّر الجانب الثوري للماويّة ، الماركسية – اللينينية – الماويّة ، أي الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الشيوعيّة الجديدة ، بما هي روح الماويّة الثوريّة و شيوعية اليوم ، قمنا بالبحث اللازم فى الأمر وتوصّلنا إلى حقيقة أنّ الطعم الخوجي و التحريفي الصيني الذى إبتلعه الكثيرون و منهم ماويّون ليس سوى إجحاف فى حقّ ماوسى تونغ و التاريخ . و قد تطرّقنا لهذه النقطة بالذات فى كتابنا المعنون " ضد الدغمائيّة و التحريفيّة ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " فقلنا :
" من الأخطاء الفادحة أن ننسب " نظرية العوالم الثلاثة " لماو تسى تونغ :

بجلاء ، يصدح كتّاب " ردّا على حزب العمل الألباني " بأنّ " نظرية العوالم الثلاثة " مصدرها ماوتسى تونغ و بأنّها خطأ إقترفه الحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادة ماو تسي تونغ . و لم يرد هذا الحكم مرّة واحدة بل تكرّر فى ثنايا الكتاب عدّة مرّات ما يقطع بأنّ من يقفون وراء هذه النصوص مقتنعون تمام الإقتناع برأيهم هذا .

ففى الصفحة الخامسة من النسخة الورقية نقرأ : " إنّ الأخطاء التى إرتكبها الحزب الشيوعي الصيني و خاصة منها نظرية العوالم الثلاثة المعادية للتحليل الطبقي ..." . وفى الصفحة 15 ، كتبوا : " ويستند حزب العمل فى تحليله لنفي البناء الإشتراكي على فداحة الأخطاء المرتكبة التى أفضت إلى نظرية العوالم الثلاثة ...". و فى الصفحة 39 ، يجعلون من فترة من فترات تاريخ الصين الماوية " فترة " نظرية العوالم الثلاثة "... و ينتهون مع نهاية الكتاب تقريبا فى الصفحة 175 إلى القول إنّ :" كلّ الأخطاء التى إرتكبت فى التجربة الصينية بإستثناء نظرية العوالم الثلاثة التى مثّلت إنحرافا واضحا عن الماركسية – اللينينية وعن التحليل الطبقي إنّ جلّ الأخطاء قد وقع نقدها و تجاوزها خاصة فى فترة الثورة الثقافية ...".

و فى الواقع يجانب هذا الحكم الحقيقة الموضوعية و التاريخية ولا أساس له من الصحّة . و حتى قبل سنوات من كتابة و نشر " ردّا ..." ، قام الشيوعيون الماويّون الثوريون عبر العالم بإثبات أنّ الخطّ البروليتاري الماوي بريئ من هذه التهمة و أنّ التحريفيين الصينيين و على رأسهم دنك سياو بينغ الذين أصدروا كتيّبا يعرض هذه النظرية سنة بعد وفاة ماو و نسبوها له زورا و بهتانا ، أرادوا إستغلال إسم ماو تسي تونغ و سمعته للترويج لإستراتيجيتهم العالمية الجديدة التى تتناقض و السياسات المبدئية الشوعية الماوية تمام التناقض . و كأمثلة شهيرة عن هذه الردود الشيوعية الماوية الثوريّة نذكّر بمثالين إثنين هما :

1- الرسالة المفتوحة التى وجهها الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوعي الصيني فى نوفمبر 1977 و التى فنّد فيها دعاوى التحريفيين و فضحها و دافع عن ماو تسي تونغ . و قد توفّرت منها نسخ كثيرة بالفرنسية و لاقت رواجا كبيرا عبر العالم .( وهي متوفّرة على الأنترنت باللغة الفرنسية على الرابط التالي :

http://etoilerouge.chez-alice.fr/docrevinter4/chili2.pdf

2- وثيقة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية المؤرّخة فى نوفمبر 1978 وهي تحمل عنوانا معبّرا بالأنجليزية ترجمته هي " إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " تبرير للإستسلام " و قد روّجت أيضا فى صفوف الشيوعيين عالميّا. ( و رابطها على الأنترنت هو :

http://www.marxists.org/history/erol/ncm-5/rcp-3.htm
ولسائل أن يسأل لماذا هذه الأمثلة دون غيرها ؟ و إجابتنا بسيطة و مفادها أنّ هذان الحزبان هما اللذان سيبادران بعقد ندوات و بالعمل على التصدّى لهذه النظرية المعادية للشيوعية الماوية و التصدّى للتحريفية الصينية و الخوجية و السوفياتية ... ؛ و على توحيد الماويين المناهضين لتلك الأرهاط من التحريفية . و من ثمار جهودهما إعلان مبادئ لتوحيد الماركسيين – اللينينيين سنة 1981 ثمّ تشكيل الحركة الأممية الثورية سنة 1984 و المساهمة الكبيرة فى صياغة بيان الحركة الأممية الثورية لسنة 1984.

و فى الصفحة 13 من هذا البيان التاريخي وردت بشأن نظرية العوالم الثلاثة الفقرة الآتي ذكرها ملخّصة موقف الشيوعيين الماويين الثوريين :

" وقد إنتعشت تماما جميع هذه التيارات على إثر الإنقلاب الذى حصل فى الصين وما تلاه من قيام التحريفيين بصياغة " نظرية العوالم الثلاثة " و محاولتهم فرضها على الحركة الشيوعية العالمية . و كان الماركسيون – اللينينيون - الماويون على حق عندما دحضوا تشويهات التحريفيين التى كانت تدعى بأن ماو قد دافع عن " نظرية العوالم الثلاثة " . و لكن هذا غير كاف إذ يجب تعميق نقد " نظرية العوالم الثلاثة " بنقد المفاهيم التى تدعمها و بالكشف عن جذور هذه النظرية . و تجدر الملاحظة هنا أن المغتصبين التحريفيين فى الصين كانوا مضطرين للتنديد علنا برفاق ماوتسى تونغ فى السلاح متهمينهم بمعارضة " نظرية العوالم الثلاثة "."
و من هنا نلمس حقيقة أنّ " ردّا ..." لم يفعل سوى ترديد حكم صادر عن التحريفيين الصينيين المنقلبين على الخطّ البروليتاري الثوري الماوي و معيدي تركيز الرأسمالية فى الصين و عن الدغمائية التحريفية الخوجية . لم يقطع الماويون فى هذا الكتاب مع آراء دنك سياو بينغ و أنور خوجا بل يبدو أنّهم كانوا متأثّرين بها إلى درجة أنّهم لم يبحثوا فى المسألة بحثا جدّيا و علميّا ؛ بل و تجاهلوا جهود الرفاق الماويين عبر العالم تجاهلا ينمّ عن إستخفاف تغذّيه نزعة قومية تنظر للمسألة من زاوية قومية لا أممية بالأساس وهو ما سنكتشف أثاره فى مواقف أخرى و إكتفوا بترديد أحكام غالطة و ضارة كلّ الضرر تجافى الحقيقة و تنال من التراث الثوري للبروليتاريا العالمية و تنال من ماو تسى تونغ ذاته و لا تفرّق بين الماركسية و التحريفية .

و عليه من واجبنا اليوم كشيوعيين ماويين ثوريين أن ننقد هذا الإنحراف و نتجاوزه ناشرين الحقيقة ف " على الشيوعيين أن يكونوا مستعدّين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أية حقيقة ، تتفق مع مصلحة الشعب و على الشيوعيين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب " ( ماو تسى تونغ ، " الحكومة الإئتلافية " 24 ابريل – نيسان -1945 ؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثالث ؛ الصفحة 286 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ).
( إنتهى المقتطف )

وننهى هذه النقطة المتعلّقة بجوانب من المنهج المثالي لزعيم حزب النضال التقدّمي بالتعليق على كلام يخصّ الخوجيّة والتجربة الألبانيّة .
جاء فى " " الخطّ الألباني و التنكّر السياسي - فى نقد المنطلقات الذاتيّة و الممارسة الإنتهازية والتسخيريّة " :
" كانت كل الوسائل الحديثة المستعملة من قبل بيروقراطية الحزب والجيش في ألبانيا من سيارات ومعدات اتصال ، من وارد ألمانيا الغربية . "
و من العجيب في بابه والغريب عن سياقه أنّ السيد لسود لا يحيلنا و لا على مرجع واحد يسمح لنا كقرّاء بالتثبّت من مدى صدق المعلومات التى أوردها . هذا أوّلا ، و ثانيا ، تفوح من كلامه هذا مثاليّة فجّة مسجّلة فى صيغة " كلّ الوسائل الحديثة " هكذا كلام يصدر عن إرادة تحطيم التجربة برمّتها و رميها فى غياهب النسيان بأسرع وقت ممكن ، دون تحليل الإيجابي فيها و السلبي و دون مراعاة الحقائق التى ينطق بها الواقع حتّى لدى من لا يمسكون بين أيديهم لحظة قراءة نصّ محمّد لسود كتبا عن التجربة الألبانيّة و لهم قدر من المعرفة التاريخيّة و أوتوا قدرا من الذكاء . و ببساطة سيسأل سائل : أين ذهبت المساعدات السوفياتية لعقود ؟ و هل تبخّرت المساعدات الصينية زمن ماو تسى تونغ لعقود فى ليلة و ضحاها ؟ ليتجرّأ الخطّ التجاوزي على إطلاق حكم مثالي من قبيل ما مرّ بنا أعلاه .
هذا معناه ليست لنا عقول يا سيّد محمد لسود ! هذا معناه رفع راية القراءة التاريخيّة لإسقاط التاريخ بجلالته و إنكاره تمام الإنكار !
و تقترن مثاليّة محمّد لسود بأسلوب تهكّمي ساخر لا يطال حزب العمل الألباني أو شخص أنور خوجا فحسب بل يطال الشعب الألباني أيضا ( و حتّى ستالين و ماو اللذان ساعدا ذلك الشعب ) . فما معنى " لم تتمكّن هذه الدويلة ... من بناء صناعة ثقيلة أو خفيفة أو حتى بوزن الريشة " ( إضافة إلى " المادة الأولى في قائمة صادراتها هي ... الأحمرة " ) سوى الإستهزاء بشعب لأنّه يعدّ بضعة ملايين لا غير ؟ أهذا من الماركسيّة أصلا ؟ للقرّاء الحكم على هكذا سلوك .
و ما أتعس الحجّة الآتى ذكرها و التى رغب محمد لسود أن يعتمدها لخدش وجه أنور خوجا :
" لم يكن أنور خوجا ، ذلك الذي يصفه كبار المفكرين الماركسيين بأنّه مجرّد صحفي اشتراكي من الدرجة الثانية ، يوما منظّرا ولا رجل مبادئ ..." ( " الخطّ الألباني و التنكّر السياسي..." ، فقرة " الخطّ الألباني و الخوجيّة " ).
لعلّكم أدركتم معنا أنّ السيّد لسود لا يحيلنا على مرجع معيّن و لا على مصدر معيّن و لا أسماء و لا هم يحزنون ! ما يطالبنا به هو أن نصدّق كلاما قرأه أو سمعه هو أو هو من عنديّاته و نسبه بعمليّة لفّ و دوران إلى غيره . فيكون ردّنا : لن تنطلي مثلما لن تنطلي علينا خدعة الحطّ من قيمة أنور خوجة كمنظّر و قائد لحزب العمل الألباني ( و للماويّين نقد علمي كافي و شافي للخطّ الدغمائي التحريفي الخوجي تضمّنته عشرات الوثائق عبر العالم ) لمجرّد نعته بأنّه كان صحفيّا. و هل هذه المهنة ، على إفتراض صحّة المعلومة غير المؤكّدة على حدّ علمنا الآن ، مصدر عار أم تنفى إمكانيّة أن يصبح الرجل قائدا ومنظّرا ؟ من وجهة النظر الماركسيّة ، تخريجة محمد لسود غريبة عن الفهم الشيوعي الغرابة كلّها . أن يصبح إنسان قائدا شيوعيّا أو تصبح إنسانة قائدة شيوعيّة و حتّى منظّرا شيوعيّا أو منظّرة شيوعية ليس مرتبطا بمهنة معيّنة أو بمستوى تعليمي معيّن أو بسنّ أو لون معيّن . و يكفى أن نشير إلى أنّ ماو تسى تونغ كان معلّما و أنّ ديمتروف الذى كان أحد أبرز قادة الحركة الشيوعية العالمية ( و للماويّين الثوريّين نقد مفصّل لتكتيك الجبهة المتحدة العالميّة ضد الفاشيّة الذى كان هو من واضعيه و المدافعين عنه ) إشتغل عامل طباعة فى دار نشر .
وحدها المثاليّة الذاتيّة و التخلّى عن المبادئ الشيوعية تخوّل للسيّد لسود النطق بما نطق .
=====================================================