كركوك واستفتاء كردستان: وحدة الاراضي العراقية ام السيطرة على الابار النفطية؟


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5676 - 2017 / 10 / 22 - 21:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

في البدء يجب التأكيد على ان استفتاء كردستان وقضية كركوك مسألتان منفصلتان، وان تزامن امر الرد على هاتين القضيتين في ان واحد، او جرى الربط بينهما.
أن تأييدنا لاستفتاء كردستان انطلق من اجل اخراج الجماهير في هذه المنطقة من ملعب الصراع بين برجوازيتين قوميتين كردية وعربية، من صراع بين حكومة مركز وحكومة اقليم، الصراع الذي ضاعت في كنفه حقوق الناس، فقدوا الحصول على رواتبهم، المعلمين في حالة اضراب، والموظفين لا يستلمون رواتبهم لشهور، وان استلموها، بعد ان تكون السلطات الكردية قد اقتطعت نصف رواتبهم واستحقاقاتهم. الجماهير في كردستان تريد الامساك بخناق جهة واحدة لتطلب منها حقوقها، لا حكومتين، عدو طبقي واحد لا عدوين. ان وقوفنا مع حق الجماهير في كردستان من اجل ان تمسك الطبقة العاملة والجماهير في كردستان بخناق برجوازية واحدة هي البرجوازية القومية الكردية. وحتى ينتهي اللعب بالهويات القومية التي لا يوجد مستفيد غيرها هي، اي البرجوازيات الحاكمة النهابة واللصوصية من كلا الجانبين.
اما قضية كركوك فهي قضية مختلفة تماما. كانت قد ذكرت بدستور 2005 بفقرة خاصة بها تحت المادة 140. تقول هذه المادة ما يلي "تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة.. بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة التطبيع والاحصاء، وتنتهي بأستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها، في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبع". لم يجري اي استفتاء في كركوك ولا المناطق المتنازع عليها لمعرفة ارادة مواطنيها رغم مرور عشر سنوات. اليس هذا جزء من الدستور الذي لم يتم الالتزام به؟ لماذا لم تستفتى ارادة السكان في كركوك؟ والمناطق المتنازع عليها؟ رغم مرور عشر سنوات؟ ووفق الدستور؟ ان كان الدستور هو ما يجري الدفاع عنه اليوم!
لم يجري التعداد العام للسكان في العراق، ولا احد يعرف الان تعداد سكان العراق، والذي كان مقررا ان يجري كل عشر سنوات منذ تأسست دولة العراق لمعرفة سكانها وتوزيعهم الديمغرافي والخ من قضايا الاحصاء، والذي كان مقررا ان ينظم عام 2007. بل جرى تسييس التعداد العام، لسبب واحد لا غير، هو الخشية من نتائج التعداد في كركوك، ففيما اذا ظهرت الغالبية هي من الناطقين بالكردية فان ذلك سيعطي دليلا للاحزاب الكردية للمطالبة بضم كركوك الى اقليم كردستان. ناهيك عن ان هذه المدينة تعرضت لسياسات التعريب والتكريد والتهجير من احزاب كل قومية ضد افراد القوميات الاخرى.
لقد تم استغلال قضية الاستفتاء كحجة قدمت لهم على طبق من ذهب في هذا الوقت لحسم مسألة كركوك، تم ركل المادة الدستورية رقم 140، والتي كانت مركونة لسنين جانبا، وتم حسم السيطرة على مدينة "متنازع عليها" لصالح الاحزاب القومية العربية باسم "قوات انتشار الحكومة الاتحادية" والحشد الشعبي، اي كانت المادة الدستورية واي كانت نصوصها وفقراتها. تم اعادة ترتيب التوازن من جديد بين الاحزاب الاسلامية العربية والاحزاب القومية الكردية في مرحلة ما بعد داعش، بفعل القوة العسكرية لجيش الحكومة والحشد ودعم الحرس الثوري الايراني، وبفعل الصفقات والاتفاقات مع اطياف من الاحزاب الكردية، اي الاتحاد الوطني، بالضد من مساعي منافسه الحزب الديمقراطي.
ولكن هل انتهت القضية؟ سواء في كردستان او في كركوك؟ يقول العبادي ان الاستفتاء الان انتهى وأصبح من الماضي وندعو للحوار تحت سقف الدستور!
لقد عبرت جماهير كردستان عما تريد بادلائها بارائها في يوم 25 ايلول، سواء كان قد طالب به البارزاني او لم يطالب. وهذه ارادة ان تمت المساومة عليها، فانها قد تخبو ولكنها لن تموت. سواء بالاستقلال او بغيره، ستبقى القضية الكردية بحاجة الى حل. وان اصيب سكان كردستان اليوم بحالة من الذهول، فانهم على معرفة بما يريدون.
لقد تراجع او ساوم احد احزاب القومية الكردية، الاتحاد الوطني الكردستاني الخصم اللدود للحزب الديمقراطي الكردستاني، بذريعة انهم لن يدافعوا عن سرقة النفط (الاتهامات الموجهة للبارزاني)، لكن الحقيقة هي ان النهب والفساد لهذا الحزب، لن يكون اقل ما يقوم به الحزب الديمقراطي، ان توفرت لهم السبل لذلك. فمسؤولي تلك الاحزاب واسرهم تنعم بالمليارات، ومئات الالاف من شبابهم لازالوا يواصلون طلب اللجوء الى دول اوربا املا في الحصول على لقمة عيش وحياة كريمة. فالقول انهم لن يدافعوا عن الاستقلال لانهم لا يدافعوا عن سرقة النفط، يصح تصديقه ان كانت ايديهم بيضاء ونظيفة
ان هنالك شيء كشفته كل تلك الاحداث الاخيرة فهي كذب وزيف الادعاءات بالحفاظ على وحدة الاراضي العراقية ومن ضمنها كردستان، والحال ان الحكومة العراقية عاجزة عن حماية منافذها في جنوبها وشرقها وغربها. فالسلب والنهب تقوم به احزابهم وميلشياتهم. وجل قضيتهم في السيطرة على ابار النفط، مصدر الخيرات والنعم لكلا البرجوازيات العربية والكردية على السواء. قد تتم التسويات والصفقات واستخدام الحلول العسكرية لكسر اذرع بعضم البعض، لكنهم سيبقون جميعا في خندق، والناس التي تتطلع الى الامان، والعمل والحياة الطبيعية في الخندق المقابل في صراع لن ينتهي، لا بصفقات ولا بحلول عسكرية.