اليَسارُ العَالمِيُ بيْنَ فشَل الأمَمِياتِ والبَحْثِ عنِ المَرْجِعيّةِ


محمد الهلالي
2017 / 9 / 28 - 21:03     

الوحْـدة العُـمالية والوحْـدة السِـياسـيَة

اختتمَ كارل ماركس (1818-1883) وفريدريك إنجلز (1820-1895) كتابهُما "البيان الشيوعي"، الذي صدرَ سنة 1848، بالجملة الشهيرة التالية: "يا عمال العالم اتحدوا"(1). صارت هذه الجملة منذ ذلك الحين شعارا عالميا يجسد بكثافة أحد الأهداف الأساسية للمشروع الماركسي الذي هو وحدة العمال على الصعيد العالمي. هذه الوحدة التي ينبغي عدم خلطها بوحدة الفاعلين السياسيين اليساريين ووحدة هيئاتهم التنظيمية.
وإذا كانت الفكرةُ اليسارية، التي هي الفكرة الثورية المعبر عنها من خلال فكر كارل ماركس وأتباعه، فكرةً كونيةً تكتسبُ طابعها الكوني من كونية الاستغلال، فإن مشروع اليسار هو مشروع عالمي يستجيب في عالميته هذه لعالمية الرأسمالية وتطوراتها المتتالية من استعمار وامبريالية وعولمة.
وبالرغم من أن لينين قد استعمل شعارا آخر يستجيب للتحالفات التي فرضتها مرحلة حركات التحرر الوطني والحروب الامبريالية، وهو الشعار الذي يقول: "يا عمال وأشخاص الأمم المضطهدة اتحدوا"، فإن شعار ماركس وإنجلز ظل الشعار المعبر عن أهمية الطبقة العاملة في التغيير. ولقد استعملَ بعض الماويين الشرقيين شعار لينين، كما استعمِلَ هذا الشعار في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية (الأممية الثالثة) سنة 1920.
وإذا كانت وحدة العمال ضرورة لانتصارهم، فإنها لا تتم بمعزل عن وحدة التنظيمات اليسارية المعبرة عن مصالحهم والتي يُفترض فيها أنها ستقودهم للنصر من جهة، ومن جهة أخرى، لا تحل محلهم وتستبد بمشروعهم وتحكم باسمهم.
ولقد كانت وحدة العمال ووحدة اليسار على الصعيد العالمي موضوع خلافات وصراعات، وأدت إلى حروب إيديولوجية وانشقاقات واتهامات بالخيانة واتهامات مضادة بنفس التهمة. وكان أهم عائق أمام إنجاز وحدة اليسار ووحدة العمال: العصبوية، أي النزوع نحو الانقسام والتشرذم والتشتت.
كان المثقفون والمناضلون المحترفون يرغبون دوما في الحلول محل المنتِجين المستغَلين، ويستغلون لتحقيق ذلك مواقعهم في القيادات المركزية للحركات السياسية اليسارية. ولقد نعتت روزا لوكسمبورغ (1871-1910) تلك المواقع "بالمركزية المتآمرة والدسّاسة التي تعني خضوع فروع الحزب لهيئته المركزية، وتوسيع نفوذ وتحكم هذه الهيئة إلى أقصى هوامش الحزب"(2)، وتشبه أعضاء اللجنة القيادية الحزبية ببهلوانيين بارعين لا يدركون أن الموضوع الوحيد الذي يهتم به القادة هو "الأنا" الجماعية للطبقة العاملة التي تطالب بالحق في أن "ترتكبَ الأخطاء وتتعلمَ من ديالكتيك التاريخ"(3). لقد أدت المركزية في التنظيم إلى تضخيم دور القيادة. ولقد عبر عن هذا الأمر بوضوح هرمان غورتر Herman Gorter في رسالة بعث بها إلى لينين سنة 1921 يقول فيها: "كنتم تريدون التنظيم فحصلتم على الفوضى، كنتم تريدون الوحدة فحصلتم على الانشقاق، كنتم تريدون القادة فحصلتم على الخونة، كنتم تريدون الجماهير فحصلتم على الطوائف"(4).
وهذا الأمر أكده العديد من الفاعلين البارزين في الحركة الشيوعية والعمالية. تقول سوزان فوت(5) Suzanne Voute (1922-2001): "لقد سادت حملات الوشاية ضد المعارضين، وتحولت أسرار أكاذيب الحزب إلى نظام، وأخفيت المنعطفات الكبرى وراء استمرارية الواجهة، وعمم منهج العقوبات التأديبية، والترقيات، وتخفيضات الدرجات والرتب... والطرد بتهمة عدم الانضباط لسلطة حزبية آنية نصبت نفسها بنفسها على المناضلين"(6).
كان المناضلون "أمواتا بالنسبة للحزب" كما عبر عن ذلك جاك كامات(7). وسادت القاعدة التي لخصها راوول فيكتور كما يلي: "إذا رفضت أن تصبح رفيقَ الدرب فستتحول إلى طفيليات أو إلى جُـثة"(8).

هل هناك يسار عالمي؟

تشير عبارة اليسار العالمي إلى تيارات متعددة، نُسجت فيها بينها علاقات عداوة وصدام، ونشبت بينها حروب، كما عرفت في بعض الأحيان كيف تعقد تحالفات ظرفية. فاليسار العالمي قد يكون يسارا اشتراكيا، أو شيوعيا، أو تروتسكيا، أو يسارا على هامش اليسار الكلاسيكي.
يرتبط الاهتمام باليسار العالمي في عصرنا بالعولمة. وكأنها هي العامل الحاسم الذي سيعمل على إحيائه. وهذا يعني في نفس الوقت أنه غير موجود أو ضعيف. فالمؤرخ ماسيمو سالفادوري Massimo Salvadori (ازداد سنة 1936) يرى أن هناك "فرصة للاشتراكية في عصر العولمة"، وأن تدويل التطور الاقتصادي يفرض على "الأممية الاشتراكية" أن "تعمل على تصدير الحقوق الاجتماعية إلى الأماكن التي تعاني فيها اليد العاملة من الاستغلال الرأسمالي الأكثر قسوة والأقل مدنية". في حين يشير الفيلسوف يورغن هابرماس Jürgen Habermas (ازداد سنة 1929) إلى وجود جوابين على العولمة: إما مواكبة الليبرالية الجديدة، بالدفاع عن سياسة اقتصادية للعَـرض وعن دولةٍ مقاولةٍ تتلاءم مع السوق العالمية وتتخلى عن حماية المجتمع، وإما تبني سياسة التخندق، أي تبني سياسة الحماية. ويسجل أن الخيار الثاني يضعف المثل الديمقراطية الكونية المجسدة للمساواة، ويغذي العداء تجاه التنوع الثقافي، كما أن فشله حتمي بسبب سيطرة اقتصاد ليبرالي تَـنْـتُـجُ قواعدُه بصفة جزئية عن المفاوضات السياسية بين الدول. وتكمن أهمية اليسار العالمي في إعطاء الأولوية للسياسة على السوق، فالسياسة هي التي يجب أن تحدد الشروط التي تسمح بتحرير مجال السوق. وهذا الاختيار يحتاج لتكتلات سياسية موسعة قادرة على "تعويض خسارة الدولة للسيادة الاقتصادية دون التفريط في الشرعية الديمقراطية".
أما عالم الإجتماع أولريش بيك Ulrich Beck (1944-2015) فيتحدث عن وجود "قوة مولدة للتعدد داخل اليسار" في مواجهته للعولمة، بحيث نجد يسارا يتبنى مواقف حمائية، ويدافع عن الدولة الوطنية الضامنة للأمة والديمقراطية والحماية الاجتماعية، ويسارا ليبراليا جديدا يعتقد أنه قادر على تسريع تدويل الدولة الوطنية عبر دمجها في العلاقات الاقتصادية الدولية والمنظمات التي تعمل فيما وراء الحدود الوطنية، ويسارا عالميا لم يعد يؤمن بالدولة الوطنية ويعمل على توسيع مجال الديمقراطية في طار هوية وشبكات عالمية، وهو اليسار الذي يناضل من أجل عولمة أخرى، عولمة بديلة.
لا يمكن إثارة مسألة اليسار العالمي دون التطرق لدور أوروبا في تشكيله في نظره. فعلى شعوب هذه القارة أن تقوم بدور تاريخي دون أن يكون الهدف من ذلك هو الهيمنة، كما كان شأن الاستعمار الذي انطلق منها في الماضي. إن أوروبا مهددة اليوم بفقدان مكانتها ودورها في اقتصاد العولمة. كما أن عليها نشر القيم الكونية للأنوار، ومواجهة تحديات "نتائج النمو الاقتصادي"، والتصدي لتشكل "أولغارشية عالمية". وفي هذا السياق يتحدث الفيلسوف والمنظر للإيكولوجية السياسية "أندريه غورز" André Gorz (1923-2007) عن "فضاء أوروبي إيكولوجي واجتماعي". واقترح السياسي والاقتصادي الاشتراكي الألماني بيتر غلوتز Peter Glotz (1939-2005) فكرة "الولايات المتحدة الأوروبية". ولا يمكن لليسار أن يواجه العولمة، حسب هذا الأخير، إلا بالاعتماد على إستراتيجية أوروبية ترتكز على سياسة صناعية نظرا لان الدول فقدت السلطة على تدبير العمليات الاقتصادية. ويقر بأنه لا وجود ليسار سياسي أو نقابي أوروبي. ويدعو إلى ضرورة تشكيل "منظمات جديدة تحمل مشروع الديمقراطية الاجتماعية على الصعيد العالمي".
تكمن ضرورة اليسار العالمي، حسب أولريش بيك Ulrich Beck، في تعرض المجتمع العالمي لثلاثة أخطار: هي الأزمات الإيكولوجية، والأزمات المالية، والشبكات الإرهابية. فمواجهة هذه الأخطار وخاصة الشبكات الإرهابية تتطلب تدخل الدول الشيء الذي يتعارض مع طبيعة الليبرالية الجديدة، وهذا يعني أن هذه المهمة لن تقوم بها إلا "الدول-الأمم"(9) عبر تبنيها لعمليات "التخلص الذاتي الفعال من العوائق الوطنية". ولقد تم تجريب هذه الطريقة في محاربة الجرائم المالية، ومنع الشركات متعددة الجنسيات من أن تصبح دولا تسيطر على بعضها البعض وتخرب بذلك أنظمة الحماية الاجتماعية والبيئية.
أما المنظر السياسي البريطاني دافيد هيلد David Held (ازداد سنة 1951) فيرى أن قبول العولمة يحتاج "لاشتراكية ديمقراطية عالمية" و"لديمقراطية عالمية". وإذا كان الاشتراكيون الديمقراطيون الوطنيون قد قننوا، في السابق، الرأسمالية من خلال إيجاد توافق ما بين الرأسماليين والعمال والدولة، الشيء الذي أدى إلى وجود "ليبرالية مؤطَرَة" تعترف بفضائل السوق وتصحح نتائجه الهدامة عن طريق سياسة اجتماعية تدخلية، فإن ذلك التوافق لم يعد ممكنا نظرا لقوانين العولمة. فالجواب اليوم يجب أن يكون عالميا، وهو يتمثل في الاشتراكية الديمقراطية العالمية التي بإمكانها أن توحد الليبراليين المعتدلين ومناهضي العولمة الإصلاحيين على أساس مبادئ المساواة في القيمة الأخلاقية والحرية، ومن أجل سيادة الحق والعدالة الاجتماعية، والفعالية الاقتصادية والتوازن الإيكولوجي على الصعيد العالمي.
إن الأوضاع الاقتصادية في عصرنا ملائمة، في نظر الكثير من الباحثين، لتشكيل اليسار العالمي. فهذه الأوضاع تتميز بتفاقم البطالة وتراكم الديون وسيادة سياسات التقشف من جهة، وحماية البنوك من طرف الدول. إضافة إلى وجود رأي عام عالمي ضد تضخم مركزة الثروات، وضد الحكومات المرتشية، والتنديد بالطبيعة غير الديمقراطية للحكومات بالرغم من وجود ظاهرة تعدد الأحزاب، واندلاع حركات احتجاجية على الصعيد العالمي: حركة "الغاضبون" Indignados في إسبانيا، الحركات الاحتجاجية في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (والتي سماها الإعلام المحافظ "ثورات الربيع العربي" علما بأنها ليست بالثورات وليست حركة عربية خالصة لاستحالة ذلك)، حركة الوقوف ليلا nuit debout بفرنسا، حركة المظلات Umbrella Movement بهونغ كونغ، حركة "احتلوا وول ستريت" بنيويورك(10).
أقر ماسيمو داليما Massimo D’Alima، الوزير الإيطالي السابق، بفقدان "الأممية الاشتراكية"، التي هي منظمة تنتمي للقرن الماضي، لأي وجود فعلي، ولتحولها إلى مجرد "نادي للأحزاب الصغيرة بعدما هجرتها الأحزاب الكبرى". وطالب كبديل لها بتشكيل "تجمع عالمي للتقدميين" يواجه قوة المال العظمى العالمية، هذه القوة التي تحالفت مع العولمة وأجهزت على "المشروع التضامني لليسار الذي ظل حبيس الدولة-الأمة".
تحتل العولمة ومواجهتها مكانة مركزية في مشروع اليسار العالمي. بل إن إيجاد إستراتيجية لمواجهة العولمة لا تنفصل عن إيجاد أداة تنظيمية وسياسية عالمية تقود وتنفذ تلك الإستراتيجية. يرى عالم الاجتماع بيير بورديو Pierre Bourdieu (1930-2002) أن "أسطورة العولمة" مكنت مالكي الرأسمال وإيديولوجييهم من تحويل الخيار السياسي القاضي بالتخلص من "الدولة الاجتماعية" إلى عملية محسومة لا رجعة فيها. لذلك فالرد عليهم يتمثل في الدفاع في نفس الوقت عن "الدولة الوطنية وعن الدولة العابرة للأوطان"، وفي بناء "كنفدرالية نقابية موحدة" تجسد مطالب "حركة اجتماعية أوروبية". أما عالم الاجتماع والمنظر السياسي البريطاني بول هيرست Hirst Paul (1946-2003) فيرى الحل في عمليتين تدعم الواحدة منهما الأخرى وهما: التنسيق الموسع للسياسات الاقتصادية للدول، وظهور مجتمع مدني عالمي انطلاقا من الجمعيات. ويرى كل من بورديو وهيرست ضرورة توفر قوى اليسار على إستراتيجية على المستوى الأوروبي والعالمي تربط ما بين العمليتين السابقتين.

اليسار في العالم: انتصارات التشرذم

يخوض اليسار الجذري في معظم بلدان العالم نضالات ومعارك عديدة كأفراد ومجموعات صغيرة على عدة مستويات: فضح زيف إيديولوجيات الأنظمة القائمة، وإيديولوجيات مختلف الانتهازيين من اليمين واليسار الكلاسيكي، دعم نضالات العمال بالصيغ الممكنة، التصدي لفضح مختلف الخروقات والاعتداءات المرتكبة في مجال حقوق الإنسان وخاصة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما يقوم بتقديم بدائل يسارية يراها جديرة بالتصدي للرأسمالية العالمية والأنظمة التابعة لها، ويكثف وجوده، رغم ضعف عدده، في المنظمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان ومناهضة العولمة... لذلك لا يمكن الحديث عن انتصارات واضحة المعالم لهذا اليسار، لأن الانتصار الأساسي الذي حققه ولازال يحققه هو استمراره في ظل القمع والتعتيم وسيادة نزعة اللاتسييس، وانحطاط المستوى المعرفي والثقافي والدراسي للشباب، وانتشار عادات الاستهلاك والقيم السلعية والمُتعية...
أما اليسار الكلاسيكي، والتنظيمات اليسارية الجديدة التي تبنت أطروحاته مع تقديم المنتج اليساري الإصلاحي في حلل جديدة في الشكل، فيمكن القول أنه حقق عدة انتصارات في إطار مشروعه القائم على المشاركة في إدارة شؤون الدولة الرأسمالية في المركز الرأسمالي ومحيطه. وهي انتصارات لحظية تؤكد في نفس الوقت، لمن لازال يحتاج لتأكيد، أن إصلاح الرأسمالية من داخلها أمر يكاد يكون مستحيلا.
إذا أخذنا سنة 2015 كنموذج لتقييم عمل الحركات اليسارية على الصعيد العالمي فيمكن أن نسجل ما يلي:
- اليونان: انتصار حزب "سيريزا" Syrisa اليوناني (تحالف اليسار الراديكالي) في الانتخابات
- اليونان: مساندة الشعب اليوناني لهذا الحزب اليساري عبر استفتاء عام
- اليابان: تحقيق الحزب الشيوعي الياباني أفضل نتيجة انتخابية له (انتخابات البلديات) منذ عشرين سنة.
- إسبانيا: تحقيق تحالفات اليسار حول حركة "نحن قادرون" Podemos نجاحات هامة في الانتخابات في مدريد والمدن الكبرى.
- أمريكا (نيويورك): مشاركة حوالي خمسة آلاف ناشط في منتدى اليسار الذي يضم ماركسيين واشتراكيين ديمقراطيين وإيكولوجيين وأكاديميين...
- المكسيك (مكسيكو سيتي): انعقاد أعمال الدورة 21 لمنتدى ساو باولو لقوى اليسار في أمريكا اللاتينية والذي شارك فيه 104 حزبا.
- بريطانيا: فوز اليساري البريطاني جيرمي كوربن Jeremy Corbyn بزعامة حزب العمال
- النيبال: تبني دستور جديد لا ينص على أن الهندوسية هي دين الدولة، وتحقيق "حركة الأنصار الشيوعية" (ذات توجه ماوي) لانتصار انتخابي في إطار تحالفات سياسية.
- البرتغال: انتصار قوى اليسار في الانتخابات (وهي الحزب الاشتراكي، وكتلة اليسار، والحزب الديمقراطي المتحد الذي يتكون من تحالف الحزب الشيوعي البرتغالي وحزب الخضر).
تركيا: انعقاد اللقاء الأممي السابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، حضره 59 حزبا شيوعيا وعماليا من بين 92 حزبا وجهت لهم الدعوة.
إيطاليا: تكون كتلة يسارية جديدة من رحم البرلمان الإيطالي
ألمانيا: انعقاد المؤتمر 21 للحزب الشيوعي الألماني، بمشاركة 2_ حزبا شيوعيا وعماليا عالميا.

النموذج الكلاسيكي لعالمية اليسار: الأمميات

ارتبط الفكر اليساري بكل مكوناته منذ تشكله ونضجه في القرن التاسع عشر بسعيه ليكون عالميا كاستجابة نضالية لعالمية الاستغلال. ولقد تجسد عمل المنظرين الأوائل منذ كارل ماركس وبرودون وباكونين وغيرهم في العمل على إنشاء هيئات يسارية عالمية، عمالية وسياسية تمثلت في الأمميات.
- الأممية الأولى (1864-1872): عُـرِفت بـ"الجمعية العالمية للعمال"، وضمت في صفوفها أنصار جوزيف برودون Joseph Proudhon (1809-1865) الرافضين لتسييس الحركة العمالية، وأنصار فردناند لاسال Ferdinand Lassalle (1825-1864) الذين يتبنون نموذج الدولة العسكرية، ولاجئين سياسيين، وشيوعيين ماركسيين، إضافة إلى عمال فرنسيين وإنجليز وألمان وإيطاليين. وكانت لها عدة فروع في أوروبا وأمريكا الشمالية رغم القمع (سويسرا، بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، هولندة، النمسا، الولايات المتحدة الأمريكية). احتد الصراع في مؤتمر لوزان (1867) بين الماركسيين والبرودونيين حول برنامج اقترحه برودون يرتكز على إبعاد العمال عن السياسة، ولم يتم تبني موقف برودون، وسيطرت وجهة نظر الماركسيين. وكان الخلاف حادا في مؤتمر بروكسل (1868) بين ماركس من جهة وبرودون ولاسال من جهة أخرى. واحتدم الخلاف في مؤتمر بال (1869) بين ماركس وميخائيل باكونين Mikhaïl Bakounine (1814-1876) الذي طالب بتبني شعار إلغاء الدولة. انهارت الأممية الأولى بعد تجربة كومونة باريس (التي استمرت من 10 مارس 1871 إلى 29 مايو 1871) بسبب تناقضاتها الداخلية. وتم طرد باكونين في مؤتمر لاهاي (1872)، وتبنت الأممية قرار تشكيل حزب سياسي للعمال، وتم نقل مقرها إلى نيويورك تحت ضغط ماركس.
- الأممية الثانية (1889-1919): هي الاتحاد العالمي للأحزاب الاشتراكية. تشكلت من اجتماع عدة أحزاب عمالية واشتراكية وديمقراطية. ولقد هيمن موضوع "التوجه الذي عليها تبنيه وكذا دور الأحزاب الاشتراكية المنتمية إليها" على نقاشات مؤتمراتها (مؤتمر بروكسيل المنعقد سنة1891، مؤتمر زيوريخ المنعقد سنة 1893، مؤتمر لندن المنعقد سنة 1896). دافع غيورغي بليخانوف Gueorgui Plekhanov (1856-1918) عن ضرورة مناهضة الحرب العالمية، ودافع الماركسيون عن أطروحة ديكتاتورية البروليتاريا وتأسيس أممية شيوعية ماركسية دون أن يتمكنوا من إقناع المشاركين في مؤتمر لندن بأطروحاتهم. وفي مؤتمر باريس (1900) أيد كارل كاوتسكي Karl Kautsky (1854-1938) فكرة مشاركة الأحزاب الاشتراكية في الحكومات البرجوازية. واقترحت روزا لوكسومبورغ Rosa Luxemburg (1871-1919) أن تعارض الأحزاب الاشتراكية الممثلة في البرلمان الاعتمادات المخصصة للحرب الاستعمارية. وصار موضوع الحرب مركزيا في مؤتمر شتوتغارت (1907)، واقترحت روزا لوكسومبورغ ولينين "تحويل الحرب الاستعمارية إلى حرب أهلية" لكن اقتراحهما رفض. ورفض بعض قادة الأحزاب الاشتراكية، مثل إدوارد برنشتاين (1850-1932)، معارضة التوجه العسكري لحكوماتهم. ويمكن أن نخلص إلى أن الأممية الثانية عرفت صراعات بداخلها بين ثلاث تيارات على الأقل: تيار يميني يمثله إدوارد برنشتاين، وتيار وسطي يمثله كارل كاوتسكي، وتيار راديكالي يمثله أوغست بيبل August Bebel، وكارل ليبكنخت Karl Liebknecht، وروزا لوكسومبورغ ولينين. ولقد تعرضت الأممية الثانية للانشقاق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
- الأممية الثالثة (1919-1943): تسمى أيضا بالأممية الشيوعية (والكومِنترن Comintern وهي التعبير المختصر لـ The Communist International) تأسست سنة 1919 في موسكو بقرار وتوجيه من لينين والبلاشفة على يد ثمانية أحزاب شيوعية وعمالية موالية للنظام السوفييتي(11). ومن الشخصيات السياسية الشيوعية البارزة التي ساهمت في تأسيسها: لينين، روزا لوكسومبورغ، ليون تروتسكي، كلارا زتكين (1857-1933)، نيكولاي بوخارين (1888-1938)، كارل راديك (1885-1939). ولقد سيطر على أعمالها وتوجهاتها التوجه اللينيني من سنة 1919 إلى سنة 1922. ثم سيطر عليها التوجه الستاليني من سنة 1924 إلى سنة 1935. وفي مايو 1943 تم حلها تحت مبرر أن شكلها التنظيمي لم يعد ينسجم مع واقع الأحزاب الشيوعية وعوضها ستالين بـ "الكومنفورم Kominform الذي كان مجرد مكتب اتصال(12)، وظل يعمل من سنة 1947 إلى سنة 1956. ولقد استعملت لتصفية الحسابات مع المخالفين عبر الإقصاء والتطهير(13). وينسجم موقف ستالين القاضي بالتخلص من الأممية الثالثة مع أطروحته التي هي "بناء الاشتراكية في بلد واحد".
- الأممية الرابعة (تأسست سنة 1938): أسسها ليون تروتسكي Léon Trotski (1879-1940). كان مقرها الأول بباريس. ولما تم اغتيال تروتسكي في المكسيك سنة 1940 تعرضت لعدة انقسامات من سنة 1940 إلى سنة 1953. وتم القيام بإعادة توحيد فروعا سنة 1963، وهي المحاولة التي أسفرت عن تأسيس "الأممية الرابعة-السكرتارية الموحدة (QISU). ومن أبرز قياديي هذه الأممية: جوزيف هانسن Joseph Hansen (1910-1979)، وبيير فرانك Pierre Frank (1905-1984)، وإرنست ماندل Ernest Mandel (1923-1995)، وميشيل بابلو Michel Pablo (1911-1996).
وتأسست سنة 1982 "الرابطة الأممية للعمال-الأممية الرابعة" (LIT-QI) انطلاقا من تجارب التروتسكيين في أمريكا اللاتينية بقيادة ناهويل مورينو Nahuel Moreno (1924-1987). ويعتبر التروتسكيون أن الأممية الرابعة هي "حزب البروليتاريا العالمية للثورة الاشتراكية". وهي تستجيب لتحليلهم للأزمة التي يعاني منها اليسار والتي هي أزمة "قيادة بروليتارية" تعمل على فضح "التيارات الإصلاحية"، وتتشبث بالأطروحة التي تقول أن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي بإمكانها إنجاز "الثورة البروليتارية". كما يرون أن الأممية الثالثة كانت تعبيرا عن مصالح "الطبقة المتوسطة والارستقراطية العمالية"، وأنها تخلت عن الأممية لصالح القومية. وتحدد الأممية الرابعة مرجعتها باعتبارها "ماركسية لينينية تروتسكية"، وترتكز على برنامجها الذي أعده ليون تروتسكي تحت عنوان "البرنامج الانتقالي، احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة". وهي تعبير أيضا عن محاربة الستالينية وأطروحة "بناء الاشتراكية في بلد واحد"، وتطرح بديلها الذي هو "الثورة العالمية والدائمة".

"الوحش الوديع" ومستقبل اليسار:

لم يعد اليسار الاشتراكي، حسب الكاتب الإيطالي رفائيل سيمون Raffaele Simone (ازداد سنة 1944)، حاملا لأي مشروع كبير يتناسب مع خطورة المرحلة وحجمها. ومما يزيد وضع اليسار تعقيدا كون اليمين يتميز عنه بفهمه واستيعابه لعصرنا الذي يتميز بالفردانية، والغلو في الاستهلاك، والعجلة في كل شيء، والارتهان لوسائل الإعلام. لقد عرف اليمين كيف يكون نفعيا وبراغماتيا بدون الإحالة على إيديولوجية علنية. ولقد لجأ اليمين إلى التحالف مع أرباب المقاولات والمالكين لوسائل الإعلام من أجل تسويق مجتمع "الاستمتاع"، والدفاع عن مصالح الناس على المدى القصير، والوعد بتحقيق الأمن. إن مشروع اليمين هذا يسميه رفائيل سيمون "بالوحش الوديع"(14). يقول في وصفه له: "يصف ألكسيس دو طوكفيل Alexis de Tocqueville في كتابه عن الديمقراطية في أمريكا شكلا جديدا من السيطرة يندمج في حياة المواطنين الخاصة، مطورا نزعة تسلطية وتحكمية أكثر اتساعا وأكثر وداعة، تحط من قيمة حياة الناس دون أن تعذبهم. هذه السلطة الجديدة لم تعد الكلمات القديمة، مثل الاستبداد والاضطهاد والتعسف، تعبر عنها بشكل ملائم. وتعمل على تحويل المواطنين، الذين خاضوا صراعات من أجل الحرية، إلى حشود من الأفراد المتشابهين الذين يشتغلون بلا كلل من أجل الحصول على متع سوقية"(15)، ويضيف قائلا أن "هؤلاء الناس يضعون مصيرهم في يد سلطة ضخمة ووصية عليهم، تتحمل مسؤولية ضمان تحقيق متعهم، وتركز كل جهودها لتثبيتهم في طفولتهم طيلة حياتهم. فهي ترغب في أن يستمتع المواطنون حتى لا يفكروا إلا في المتعة، فهي تهتم بأمنهم وتيسر حصولهم على المتعة، وتقوم بتليين إراداتهم وإخمادها وسلب عقولهم"(16).
يذكر رفائيل سيمون(17) أن "الوحش الوديع" فرض نفسه على الحداثة عبر ثلاثة واجبات هي:
- الواجب الأول هو الاستهلاك الذي هو مفتاح النظام، فالسعادة تتحقق بالاستهلاك وفي الاستهلاك والشراء والتسوق والحصول على المال بأبسط وأيسر الطرق، وتفضيل التبذير على التوفير، والشراء على الرزانة، والأنانية الفردية على احترام البيئة.
- الواجب الثاني هو الاستمتاع، واعتبار العمل أمرا ثانويا وبدون قيمة، وتفضيل أوقات الفراغ (والعطل والتنزه والألعاب والبرامج التلفزيونية التي تتحدث عن المشاهير) عن العمل. فالاستمتاع ينظم إيقاع حياة الأفراد ويعيد تشكيل معالم المدن التاريخية والطبيعية ويفرض تشييد الفنادق الضخمة والمراكز التجارية. كما يحتل التلفزيون والألعاب الإلكترونية والحواسيب مكانة مركزية في الحياة. بل إن الأحداث المأساوية تتحول، حسب منطق الاستمتاع هذا، إلى مشاهد للفرجة، وإلى ألعاب فيديو. وبهذه الطريقة ينسى الأفراد الأزمات الاقتصادية والمضاربات المالية وخطط التقشف وانتهاكات الحريات...
- الواجب الثالث هو عبادة الجسد الشاب، وصَبْـيَـنـَة الراشدين. فـ"الوحش الوديع" يرعب الأشخاص الذين يعانون من السمنة والتجاعيد وتقدم السن، فصار تجديد الشباب صناعة ثقيلة، بحيث نرى أن الناس يلهثون في جميع أنحاء الأرض بحثا عن أنظمة الحمية، وينفقون الثروات من أجل الحصول على مستحضرات التجميل لتبدو الوجوه ناعمة ومراهقة، ويستثمرون في جراحة التجميل وعمليات شد الوجه (الليفتنغ) وحقن البوتوكس...
يلاحظ رفائيل سيمون أنه "لم يوجد في التاريخ البشري مجتمع يخضع لاستبداد الجسد والشباب مثل المجتمع المعاصر"، وأن لهذا الاستبداد نتائج أخلاقية وخيمة على العلاقات بين الأفراد تتمثل في سيادة "نزعة أنانية واستعلائية وصبيانية تحتقر التعب والجسد العليل والمسنين والبشعين والمعاقين، وتحتقر كل ما يُفَنّدُ أسطورة الشباب الخالد".
لم يتمكن اليسار من امتلاك "فهم حقيقي لهذا الانقلاب الحضاري المتمثل في انتصار الفردانية والاستهلاك"، وبقي "متشبثا بأفكاره الاجتماعية القديمة". وهذا يعني بكل بساطة أنه "خسر المعركة". ومن الغريب أن الأزمة الخانقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي لم تدفع الناس للانضمام لليسار. وسبب ذلك حسب رفائيل سيمون هو "خضوعهم للوحش الوديع".
قد يكون "الوحش الوديع" هو إيديولوجية العولمة التي استفادت استفادة قصوى من الوسائل السمعية البصرية ومن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن تقادم صيغ التعبير اليساري عن أطروحات اليسار إضافة إلى تشرذمه وإنهاك نفسه بالحروب الداخلية.
وإذا كان اليسار العالمي لازال مشروعا مستقبليا، سواء تعلق الأمر باليسار الاشتراكي الديمقراطي، أو اليسار الشيوعي أو يسار الأممية الرابعة، فهل من الممكن أن يعرف وعي اليساريين طفرة نوعية تجعلهم يجدون طريقهم نحو تشكيل قوة يسارية عالمية لمواجهةِ "ليفياتانِ"(18) عصْرِنا: العولمة؟




هوامش:

1)
نقشت هذه الجملة على قبر كارل ماركس في مقبرة "هايغات" Highgate بلندن.
2)
- Rosa Luxemburg, Marxisme contre Dictature, Spartacus, Cahiers mensuels, Paris, 1946
3)
نفس المرجع.
4)
أرسل هرمان غورتر هذه الرسالة إلى لينين سنة 1921، بعدما أرسل له رسالته الشهيرة سنة 1920 تحت عنوان "رسالة مفتوحة إلى الرفيق لينين"، والتي تناول فيها الجماهير والقادة، المسألة النقابية، النزعة البرلمانية، الانتهازية في الأممية الثالثة. والرسالة منشورة في موقع الماركسيين:
https://www.marxists.org/francais/gorter/works/1920/00/gorter_19200000_1.html
5)
تعتبر "سوزان فوت" فاعلة وناشطة مهمة في الفرع الفرنسي لليسار الشيوعي الأممي من سنة 1943 إلى سنة 1950. وكانت أيضا عضوة في مجموعة "روبل" Rubel لنشر أعمال كارل ماركس في منشورات "لابلياد" La Pléiade. طردت من الحزب الشيوعي الأممي سنة 1981، وأسست: Cahiers du marxisme vivant.
6)
-Les leçons d’un éclatement, Cahiers du marxisme vivant, n°2, Toulon, 1994
7)
- Benjamin Lalbat, entretien avec Jacques Camatte, Bélaye, 2014, p. 20.
8)
مقال تحت عنوان: "على هامش عيد ميلاد، أكثر من 20 سنة من العصبوية الستالينية الجديدة..."، على الموقع التالي:
http://pantopolis.over-blog.com/2015/04/en-marge-d-un-anniversaire-vingt-annees-de-sectarisme-du-cc.html

9)
الدولة-الأمة: هي الدولة التي يوجد تطابق بينها وبين أمة توجد في مجال ترابي محدد ومعرّف وفق هوية مشتركة للسكان تمنح للأمة مشروعيتها. إنها مفهوم سياسي نتج عن تقاطع ما بين مفهوم سياسي وقانوني الذي هو الدولة وتصور يستمد معناه من الهوية وهو الأمة. تتميز الدولة-الأمة بممارسة نفوذ وسلطان يرتكز على السيادة المنبعثة من المواطنين. وحسب تعريف اليونسكو للدولة-الأمة، فإن هذه الأخيرة هي الدولة وقد أدمجت بداخلها أشخاصا لهم نفس الأساس الإثني والثقافي، لكن معظم الدول في الواقع هي متعددة الإثنيات.
10)
- حركة "الوقوف ليلا" Nuit Debout: حركة اجتماعية احتجاجية ظهرت في فرنسا في مارس 2016، تخترقها توجهات متعددة، بدون قائد ولا ناطق رسمي، ظهرت في باريس وانتشرت في عدة مدن فرنسية أخرى، كان محركها الأساسي الاحتجاج ضد تعديل قانون الشغل.
- حركة المظلات (المعروفة في الصحافة العربية بثورة المظلات): حركة احتجاجية ديمقراطية ظهرت في هونغ كونغ سنة 2014. سميت بهذا الاسم لأن المتظاهرين كانوا يستعملون المظلات لوقاية أنفسهم من الغاز المسيل للدموع. ولقد أطلق عليها في البداية اسم occupy central with love and peace (لنحتل مقر الحكومة المركزي بالحب والسِلم).
- حركة "احتلوا وول ستريت" (Occupy Wall Street, OWS)، حركة احتجاجية أمريكية اندلعت في نيويورك في شهري شتنبر وأكتوبر 2011.
11)
تأسست أممية أخرى، انطلاقا من بيان أصدره الحزب الشيوعي العمالي الألماني (KAPD) تسمى بالأممية الشيوعية العمالية سنة 1922، وكانت تعتبر نفسها على يسار الأممية الرسمية (الأممية الثالثة)، ولكنها ظلت عديمة الفاعلية.
12)
اسم "الكومنفورم" هو اختصار للعبارة الروسية التي معناها: "مكتب الإعلام الخاص بالأحزاب الشيوعية والعمالية".
13)
اجتمع تسعة وعشرون حزبا شيوعيا في صوفيا سنة 1995 وأحيوا الأممية الثالثة لكن تلك العملية كانت شكلية لا غير.
14)
- Le Monstre doux. L Occident vire-t-il à droite ? Gallimard, 2010
15)
- Le Monde, 12-09-2010
16)
نفس المرجع.
17)
- Agir par la culture, n° 28, Hiver 2011
18)
ليفياتان Leviathan، وحش مذكور في الأساطير الفينيقية، وذكرته التوراة باعتباره وحشا بحريا. واستعمله طوماس هوبز Thomas Hobbes للدلالة على الدولة في مؤلفه الذي يحمل نفس الكلمة كعنوان. واستعمل الكلمة أيضا الفيلسوف ألان Alain والشاعران رامبو وأبولينير والكاتب فيكتور هوغو.