اغلاق البارات والرأسمالية الطفيلية في العراق!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 00:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

أغلاق الملاهي والبارات لحماية المجتمع من العصابات: العبادي (2017)!
أعلن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي اثناء مؤتمره الصحفي الاخير حول إغلاق 40 ناديا ليليا وبارا هذه الايام مبررا هذا الاعلان، بانه من اجل حماية المواطن والمجتمع. يبدو ان العبادي، ورغم كل القضايا المطروحة في المجتمع، جنبا الى جنب البرلمان، ولجانه المتعددة، ومجلس محافظة بغداد، لديهم الوقت لتوجيه انظارهم الى المشروبات، والبارات، والنوادي الليلية، ليعلنوا عن سياسة منع المشروبات.
سياسة منع بيع المشروبات، بشكل قانوني او بقوة السلاح والارهاب، تتردد بين اونة واخرى. من الاسباب التي يسوقوها "الحفاظ على امن المجتمع.. احترام العوائل والاسر.. حماية المواطنين، واخيرا "لحماية صحة المواطن من المؤثرات العقلية". تستند، الاحزاب الشيعية، قانونيا، في قرار الاغلاق، وايكال امر تنفيذه الى وزارة الداخلية، على قانون 82 لعام 1994 لمجلس قيادة الثورة المنحل. يقول مدير إعلام هيئة السياحة محمد الرفيعي ان "اغلاق البارات والملاهي والنوادي الليلية الآن يتم العمل به حسب ذلك القانون"! واذن، رغم كل سياسات "اجتثاث البعث"، الا ان قوانينه تجذّر وتدام. خاصة المتعلقة منها بالحقوق الشخصية (وكذلك حقوق العمال) التي سحقها نظام صدام حسين. هكذا.. أسقط النظام البعثي وابقيت قوانينه سارية المفعول!
ما يتوجب قوله هنا، ان العملية كلها وهذا اللف والدوران لمنع المشروبات، هي عملية اقتصادية في الحساب الاول والاخير، تغطى بغطاء ديني، اخلاقي، والان اصبحت تروج لاسباب "صحية" لمنعه. والحقيقة هي ان منع بعض السلع، منها المشروبات، واعادة تسويقها وبيعها في السوق لهي فن وابداع من الاحزاب الاسلامية تستحق عليه براءة اختراع!
في السودان تبيع القوات الامنية الكتب الممنوعة التي تصادرها من المعتقلين السياسيين، وخاصة الكتب الماركسية، بعد ان تعيد استنساخها وتسربها وبشكل سري الى عملائها بالسوق السوداء، وباسعار مرتفعة، مستغلة قلة وجودها في السوق وممنوعيتها. في العراق تصادر الميلشيات الشيعية، وشرطة وزارة الداخلية المشروبات الروحية ليعاد بيعها في السوق السوداء، ايضا باسعار مرتفعة. وبما ان هنالك طلب عليها في السوق، تقوم الاحزاب الاسلامية باحتكار هذه التجارة، او مصادرتها ان تجرأ تجار اخرون على منافستهم، واعادة بيعها، وبشروطهم وباسعارهم في السوق السوداء.
ان وجود الاحزاب الاسلامية وميلشياتها في السلطة اعطاهم القدرة على التدخل في هذه العملية الاقتصادية، في عملية بيع هذه السلعة (المشروبات) وحشر انفسهم كحلقات اضافية طفيلية على الانتاج الرأسمالي، بين المنتج والمستهلك، يضعون لأنفسهم ارباحا، عبر رفع اسعار السلعة من خلال مصادرتها من التجار الاخرين، او احتكار الاتجار بها، لبيعها في السوق السوداء، محملين المستهلك عبء رفع الاسعار من حياته ومعاشه.
يقول رئيس الوزراء بأن هدفه حماية المواطنين والمجتمع!! وهو الذي اعترف في بداية ولايته بانه قد يقتل على ايدي خصومه في اية لحظة اثر حديثه عن الفساد المستشري في الحكومة، وكشفه لمئات الالاف ممن اسماهم بـ"الفضائيين"! في دولة تملك الميلشيات من القوة والسلطة ما يتحول تجاهها وتجاه اعمالها الاجرامية وقيامها بالاختطاف مرة بعد مرة، الى مجرد "حمامة سلام" ورسول مساعي حميدة، مفاوض لاطلاق سراح المختطفين، كما حدث مع افراح شوقي، والشباب المختطفين السبعة، وليس رئيس حكومة.
يقول العبادي، بان هذه البارات ترتادها "عصابات جريمة منظمة وأمور خارجة عن القانون"، وهو يعرف جل المعرفة ويرى بام عينيه بان العصابات الخارجة عن القانون، تعبث بامن المدن نهارا جهارا، تخطف وتقتل، وترهب، وتقتل الاطباء، والنساء، والمدنيين، وهي كلها امور "خارجة عن القانون" بامكان العبادي ووزارة داخليته، القبض عليهم في تجمعاتهم وفي مقراتهم ان كانت هنالك قدرة ونية واستعداد للقبض عليهم. لن يحتاج العبادي الى ان يرسل قوات في منتصف الليل الى اغلاق البارات والنوادي لحرمانهم من اماكن الاجتماع! في كل انحاء العالم توجد النوادي والبارات، وتحدث فيها المشاكل والشجارات، كما تجري الشجارات احيانا في قاعات البرلمان. لا يقوموا بغلق هذه الاماكن، بل يقومون بتوفير الحماية فيها وداخلها. لا يقوموا باغلاق البرلمانات، لوجود مشاجرات فيها، ولا يقوموا بغلق البارات والنوادي. يجب توفير الحماية وليس الاغلاق. والحال اذا كان هنالك شيء مفقود منذ عام 2003 ولحد الان هو الامان! ولن يتوفر بغلق الاندية والبارات!
اللجنة القانونية البرلمانية جنبا الى جنب لجنة الصحة والبيئة النيابية، اعتبرتا أن الخمور جزء من "المؤثرات العقلية"، انها أدرجت ضمن مشروع قانون "المخدرات والمؤثرات العقلية" تمهيدا لمنعه. لم تتحدث اللجنتان عن شيوع المخدرات في العراق بعد 2003. في احصائية اجريت في عام 2006، اتضح بان 7.2% من الشباب مدمنين على المخدرات، ونسبة 1.1% هم اساسا تحت سن الثامنة عشر. فاية دروس تثقيفية وتعليمية للشباب والاطفال للامتتناع عن تناول المخدرات؟ ان التقارير والاحصائيات الطبية التي قدمتها منظمات دولية مع وزارة الصحة في عام 2014 وعام 2015 توضح ان استخدام المخدرات في تزايد في العراق، وليس للحكومة اية سياسة غير سياسة "العلاج بالكي"! اي سياسة "منع المشروبات" وليس تقديم المعلومات، او معالجة المدمنين. ولكن هذه قصة اخرى.
ان القضية كلها تكمن، لا بحماية امن المواطن، ولا حماية امن المجتمع، ولاحماية صحة المواطن (فان ارادوا حماية صحة المواطن ليذهبوا الى المستشفيات وليعدلوا اوضاعها البائسة ان كان الامر يعنيهم)، ان المسألة الاساسية هي محاربة بيع المشروبات في السوق البيضاء، ونقل البيع الى السوق السوداء يدر ارباحا على رجال السلطة، والاحزاب والميلشيات. ففي قوانين السوق العادية والطبيعية الاسعار تحدد حسب العرض والطلب، الا انه في السوق الرأسمالي الاسلامي، وباستخدام "الايديولوجية الاسلامية" يحتكر رجال السلطة هذه التجارة، مستفيدين من موقعهم في السلطة والميلشيات التي تدعمهم للحصول وجني الارباح وبشكل طفيلي وبحماية "الدين"!