-تحرير الموصل- وموقف الاتحادات العمالية في العراق!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5582 - 2017 / 7 / 16 - 22:50
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

يتبادل العراقيون التهاني بتحرير الموصل. الا ان ما يلفت الانتباه، هو ان تقوم احد الاتحادات العمالية "الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق" الذي بدون شك يدافع عن مصالح الطبقة العاملة، الا انه يقوم بتهنئة احد طرفي الصراع البرجوازيين بانتصاره على الاخر، برسائل تهنئة" شعبوية" للـ"ألقوات الامنية والحشد الشعبي" كقوة منتصرة! وكأن الحرب القائمة لم تكن حربا بين اطرافا برجوازية اسلامية كل يسعى يحقق غلبة على الاخر في المقام الاول والاخير.
ان وظيفة الاتحادات "العمالية" –كفرضية عامة- بتمثيل مصالح الطبقة العاملة، التعبير عنها والتخندق في خندقها، وان تقوم بفضح الحرب التي تدور ووتعقب مصالح احزابا وقوى برجوازية، محلية، كانت او اقليمية او عالمية على حساب دماء وحياة وامن مئات الالاف التي دمرت، واولئك الذين سيظلون يعانون من اثار هذه الحرب لسنوات ان لم يكن لاجيال قادمة.
ما كان متوقعا من اتحاد عمالي مثل الاتحاد العام لنقابات العاملين، هو بدلا من توجيه رسائل "تهنئة"، ان يطرح اسئلته ويبحث عن الاسباب التي جلبت داعش، والكيفية التي تم فيها القضاء على هذا التنظيم! والتي لم يذهب ضحيته الا الالاف المؤلفة من العاطلين عن العمال الذين استخدموا وقودا في هذه الحرب من فقراء ومعدمين من وسط وجنوب العراق وكذلك من المنطقة الغربية على السواء. اضافة الى الالاف من الاسر المدنية التي قتلت بدون مبرر في الموصل، والتي كان بالامكان حفظ حياتها، ليس من قبل داعش الذين استخدمهم ونقلهم من مكان لاخر كدروع بشرية، بل من قبل القوات العراقية بمختلف صنوفها وقوات التحالف الذين لم يكلفوا نفسهم عناء حماية ارواح الناس حين كان بامكانهم ان يفعلو ذلك، وقد كان بامكانهم ان يفعلوا ذلك.
لقد ذكرت منظمة العفو الدولية على لسان مديرة الابحاث للشرق الاوسط لين مالوف، للقول الى ان "عوائل باكملها مسحت من على وجة الارض. العديد منهم مدفون تحت الانقاض الان. من حق اهالي الموصل ان يعرفوا، بان العدالة يجب ان تأخذ مجراها، وان تعالج الاثار المرعبة لتلك العمليات"! وتطالب المتحدثة في تقريرها الصادر بهذا الخصوص والذي صدر مؤخرا "بان تعلن الخسائر البشرية خلال المعارك العسكرية من اجل استعادة الموصل فورا وبشكل علني ومن قبل اعلى المستويات في العراق، ومن قبل الدول التي شاركت في قوات التحالف التي تقودها امريكا.. وان هيئات تحقيق يجب ان تشكل وبشكل فوري لكشف الحقائق وتقديم الادلة، ونشرها بشكل علني". كذلك قامت بعض القنوات التلفزيونية العالمية بنشر تقارير مصورة عن اعمال القتل غير المبرر الذي كانت تقوم به القوات العراقية من مختلف صنوفها، والتي يبدو فيها مرتكبو جرائم القتل وكأنهم ابطالا فوق القانون.
كل ما حدث هو جرائم ارتكبتها اقطاب السلطة الحاكمة، تلك التي جاءت الى السلطة بعد 2003، اللصوصية، الفاسدة، والتي تستخدم الارهاب والميلشيات من جهة، وتلك الاقطاب التي فقدت سلطتها وامتيازاتها، من بقايا حزب البعث، مدعومة بقوى اقليمية، وباجندات عالمية، كل من اجل مصالحه واهدافه. ولم يكن ضحية كل هذا السيناريو الدموي البربري الذي عاشته جماهير العراق، سوى الجماهير هذه نفسها.
كان حري باتحادنا العمالي على الاقل ان يقول ان الخلاص من داعش، امر مهم، ولكن كان يجب ان يطرح الاسئلة: لماذا وكيف ظهر داعش، ومن مول داعش؟ ومن فسح المجال لداعش، واية سياسات التي عبدت الطريق امام داعش للظهور لارتكاب كل تلك الوحشية؟ من هم المسؤولين من اجل ان لا يتكرر هذا السيناريو الدموي. ان الرعب الذي شهده الناس في الموصل، وعدم ايلاء اي اعتبار والتفريط بحياة الناس من قبل كل الاطراف في هذا الصراع، يجب ان لا يمر بدون عقاب... لا ان ترسل رسائل تهنئة!
لقد قلنا وما نزال ان الحروب الطائفية تقدم منفعة هائلة للطبقة البرجوازية الحاكمة وتقدم فائدة قصوى للاحزاب البرجوازية من اجل المصالح الاقتصادية لستراتيجيوها وتجار حروبها، لانها تخضع لهم ارادة العمال، واتحاداتهم العمالية، وتسوق المعركة اعلاميا وماديا وكأنها معركتهم والحال ما العمال والعاطلين ومئات الالاف من الاسر المتيتمة الا ضحية لهم!
والحال ان حصة الطبقة العاملة من سياسة تلك الاحزاب البرجوازية الاسلامية و"قواتها الامنية وحشدها الشعبي" لم يكن غير البطالة، الاستعباد الاقتصادي، والارهاب السياسي. فالعمال يعانون الحرمان من الحقوق، وتلك الاحزاب البرجوازية الاسلامية وميلشياتها عملت على بث الرعب في افئدة العمال انفسهم، قامت انتهاك حقوقهم، طردهم من العمل، نقلهم من اماكن الى اخرى عقوبة لهم اذا ما قاموا باعتراضات ورفعوا مطاليبهم، حرمانهم من عقد العقود مع العمال، حرمانهم من ابسط مستلزمات الحماية من خطورة العمل، هذا ناهيك عن تحويل مئات الاف منهم اما الى البطالة او الى الالتحاق بالميلشيات بحثا عن لقمة العيش، منع عنهم ضمان البطالة الى الحد الذي ينخرط الشبان فيه في تلك الميلشيات حتى يؤمنوا تقاعدا لاسرهم في حالة موتهم جاعلة من التطوع في صفوف الميلشيات هو وسيلة "للضمان الاجتماعي"!!
فهل بعد كل هذا، وبدلا من النداء بفتح التحقيقات عن سبب مجيء داعش، والجرائم التي ارتكبت في تلك الاوضاع، توجه التهاني بالانتصار! ان الناس تنزف، ولا زالت، وستبقى لسنين قادمة. فالارضية التي خلقت داعش، لازالت في كامل خصوبتها. ان لم يقم العمال، والعمال بشكل اساسي بتجفيف منابع الارهاب، كل منابع الارهاب، لن تنتهي داعش واخواتها.