حقبة ما بعد داعش والتسابق الايراني- الامريكي


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5542 - 2017 / 6 / 5 - 01:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

طلبت وزارة الدفاع الاميركي (البنتاغون) تخصيص مبلغ 5.6 بليون دولار امريكي في ميزانيتها الجديدة لعام 2018 والتي ستبدأ من شهر تشرين الاول لهذا العام. وخصصت1.8 بليون دولار لغرض "تدريب وتسليح" العراقيين والسوريين في مناطق شرق سوريا (للسوريين يقدم مبلغ نصف مليار دولار لدعم القوات التي تقف ضد داعش والباقي يقدم الى العراق). الاهداف التي روجت لهذه الميزانية ووفقا لوزارة الدفاع هي لـ"محاربة داعش والفرق الجماعات الارهابية الاخرى وانها ستستخدمها من اجل تحقيق الاستقرار في المنطقة"، والحال لم يتمكنوا الا من الاعتراف ايضا بان مساعيهم تنصب على "تحجيم الوجود والتأثير الروسي - الايراني في العراق والمنطقة.. ومن اجل اعطاء وزن سياسي ومادي للمواجهة وللتصدي للنفوذ الايراني- الروسي من جهة، ولتقوية الجماعات السنية في العراق ليكون لها مكانا اكبر في بغداد، وفي محاربة داعش" من جهة اخرى. ان سياسة ترامب العسكرية تجاه العراق هي العودة الى ماكان عليه التواجد العسكري الامريكي في زمن بوش الابن، حيث بلغ عدد الجيش تقريبا 500 الف جندي، الا ان ترامب يدعو الى زيادة عدد القوات الاميركية الى 540 الف جندي. وهكذا تستخدم ورقة "مكافحة الارهاب" من جديد، كما صدعوا اسماعنا باكاذيب حرب 2003 للخلاص من اسلحة الدمار الشامل، ولارتباط نظام صدام بالقاعدة.. وهكذا، تعود نفس الاسطوانة المشروخة لتعمل من جديد في دورة جديدة: مرحلة مابعد داعش لتهدد باستمرار السيناريو الاسود.
من جهة اخرى تحد ايران وميلشياتها الموالية لها في العراق اسنانها لتتمسك بكل ما اوتيت من نتائج عسكرية لعملية استرداد الموصل لتحولها الى انتصارات سياسية. خطاب الاسلام السياسي الشيعي الان يعكس حالة من الارتباك والتخبط وفقدان الصواب لماهية وماسيجري في مرحلة مابعد داعش. في الوقت الذي يستهلكون وقتهم في الحديث عن "المصالحات التاريخية" و"المصالحات الاجتماعية" و"العابرة للطوائف" واخيرها وليس اخرها "التعايش السلمي" بين مكونات المجتمع العراقي"! يعلنون بان رئيس الوزراء القادم من الحشد الشعبي على الرغم من النص "القانوني" بعدم سماح الجهات العسكرية التدخل في السياسة والانتخابات ولا حتى في الاحزاب!! وسط انباء مرعبة لهم باحتمالية تأجيل الانتخابات بما قد يترتب عليه من فقدان وقت وهم الذين يتسابقون مع الزمن من اجل الحفاظ على سلطتهم لاربع سنين اخرى في الحكم، وخوفا من احتمالية تدبير امريكا -في ليل- لبديل وحكومة "صديقة" لهم كما يتطلعون. رعبهم من احتمالية دمج الحشد الشعبي مع مؤسسات الدولة، وبقاء ظهورهم الى الحائط بدون ميلشيات وهي التي وصل عددها وفق المالكي الى 180 ميلشيا، خاصة وان اكثريتها التي ترفع راية ولاية الفقيه تعتاش على التسلح والتدريب والتمويل من ايران.
لقد شهدت الايام الاخيرة دفاعا منقطع النظير عن الاسلام، وشن هجمة شرسة من المالكي على القوى المدنية والعلمانية، اختطاف شباب من القوى المدنية، ثم اطلاق سراحهم لاحقا. وتصريحات الخزعلي بمسؤولية الحشد الشعبي عن جرائم الاختطاف (والتي سنرى مصداقية رئيس الوزراء فيما اذا كان سيقدم المسؤولين من الحشد الشعبي، وعلى رأسهم هادي العامري الى المحاكمة عن ارتكاب هذه الجرائم التي حدثت خارج مؤسسات وقوانين الدولة!!!)، المجلس الاسلامي الاعلى يقوم بعسكرة وتدريب الاطفال في النجف بالضبط كما يفعل داعش. يجري العمل خلف الكواليس باعادة تشريع القانون الجعفري وان كان باسماء اخرى.
ان الصراع والتسابق الامريكي – الايراني يجري الان استعدادا لمرحلة ما بعد داعش. المرحلة التي يخشى ستراتيجيوا الاسلام السياسي الشيعي باحزابهم وميلشياتهم من وضع مسالة الدولة وهويتها على طاولة السؤال، بعد هزيمة مشروع المحاصصة والطائفية سيء الصيت والذي وضعت اسسه الولايات المتحدة 2003، والتي استثمرته احزاب الاسلام السياسي الشيعي بمعونة ايران اقصى استثمار من اجل ان تكرس وتثبت سلطتها في الحكم في العراق.
لا يخفى على اي انسان يعيش في العراق مدى فشل الاسلام السياسي الشيعي في تحقيق ابسط مستلزمات الحياة الطبيعية في المجتمع، من توفير فرص معيشة عادية مثل توفر فرص العمل، ضمان بطالة، خدمات مثل الكهرباء، الامن والامان، الصحة والتعليم، والذي نهش بكل مفصل من مفاصل المجتمع الفساد والارهاب. ان تلك كانت سمات الدولة الطائفية الشيعية في العراق بعد 2003. كما لا يخفى على اي انسان في العراق التاريخ الاسود الذي رسمت ملامحه وفرضته الادارات الاميركية المتعاقبة، من فرض الحروب والحصار والتقسيم الطائفي باسم "المحاصصة" سيئة الصيت، واخيرا اليوم الى كذبة جديدة - قديمة اسمها "محاربة الارهاب ومحاربة داعش"!
ان تمويل واسناد الحركات الاسلامية الارهابية كان سمة من سمات الادارات الاميركية منذ اواخر سبعينات القرن المنصرم، ودعمها لداعش او للنصرة او غيرها هو من اجل تقليم اظافر تنظيم ارهابي لصالح استيلاء تنظيم اسلامي ارهابي جديد، بدعوى مكافحة الارهاب. امريكا لن تحارب الارهاب، بل تستولده. بدون الارهاب لن تتمكن الرأسمالية في امريكا من جني الارباح من بيع السلاح ولن تتمكن من ايجاد الذريعة لتحتل وتتوسع وتفرض هيمنتها على صعيد عالمي. الارهاب هو بسبب امريكا ونتيجة له. انه استراتيجيتها العسكرية الجديدة في شن الحروب في المنطقة.
ان من هو غائب في هذا المسرح هو الطبقة العاملة والجماهير المليونية الكادحة والساخطة على الاوضاع والتي لم تحول لا قوتها العددية ولا موقعها الاقتصادي الى قوة سياسية، رغم كل اعتراضها وافتضاح امر احزاب الاسلام السياسي الشيعي امامها ليس الان بل منذ عام 2004. ان مصالحها وامنها وحياتها ووجودها تحتاج الى ان تقف بكامل قيافتها لتدافع عنه امام هجمة اباطرة المال والفاسدين واللصوص والنهابين، الذين لن يتوانوا على ان يزجو المجتمع بحرب جديدة ولعقود قائمة من اجل ادامة ارباحهم ليس الان فقط بل في مرحلة ما بعد داعش ايضا، ان درس داعش يجب ان يكون جرس انذار للطبقة العاملة والجماهير الكادحة في العراق تجاه مسببيه ولاعبيه.. ويجب ان لا يمر او تطويه صفحة النسيان، ناهيك عن ان لا ندعهم يوجهوا انظارنا لمرحلة مابعد داعش!