علام يتفق اليسار العراقي؟ الجزء الثاني


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5513 - 2017 / 5 / 7 - 21:29
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

طرح عدد من القراء بعض الاسئلة حول موضوع علام يتفق اليسار والذي نشر على جريدة الى الامام وصفحة الحوار المتمدن. هنا، ساضع بعض الافكار التي اطرحها بصيغة تساؤلات قد تنفع في نقاشنا حول موضوع وحدة اليسار.
لنبدء من الاساسيات والمسائل الاولية جدا: هل يتفق اليسار على ان العراق دولة رأسمالية تعتمد الاقتصاد الريعي، وليس الصناعي او الزراعي او المالي، كأحد اشكال ألاستغلال الرأسمالي لانتزاع فائض القيمة والارباح؟ وان عدم وجود صناعة متقدمة، او زراعة متقدمة وسيادة الاستيراد بدلا من الصناعة المحلية لا يغير من كنه العلاقات الانتاجية كونها علاقات رأسمالية؟ الرأسمالية ان اتسمت باي شيء، فانها لا تتسم بالغباء. انها تذهب مباشرة الى ما يجلب لها الارباح، لا الصناعة الوطنية شغلها الشاغل ولا التنمية ولا تشغيل الايدي العاملة. ما يهمها هو انتزاع الارباح فقط لا غير.
بناء عليه، هل يتفق اليسار على ان في المجتمع العراقي الرأسمالي، هنالك طبقة عاملة وبغض النظر عن حجم وتعداد الطبقة العاملة كبيرا او صغيرا قياسا الى حجم السكان في المجتمع؟ ان كان الامر كذلك، فماهي مهام اليسار؟ لقد بينت احداث الربع الاول من عام 2017 عن سلسلة من الاعتراضات العمالية في العراق(1). التصدي لقانون الضمان الاجتماعي الذي تشتغل من اجل تعديله العديد من التنظيمات العمالية، هل هذا امر يعني اليسار؟ من ناحية اخرى، هل لازال لقوى اليسار تمسكا بمسعى وبالنضال من اجل السلطة للعمال وديكتاتورية البروليتاريا(2)، ام انها اسقطت هذا المطلب من لائحتها؟ عدم التطلع الى ديكتاتورية الطبقة العاملة يعني القبول والرضوخ لديكتاتورية البرجوازية والطبقة الرأسمالية، لا غير. ان اختزال مسالة انهاء سلطة الطبقة البرجوازية الى مسالة تغيير الحكومة بل والى "تغيير المفوضية" كما يطالب مقتدى الصدر امرا لا يجيب على جوهر المسألة. هل اذا تغيرت المفوضية ستأتي الينا حكومة رشيدة توزع الموارد وفق قوانين العدالة الاجتماعية؟ هل هنالك من يصدق هذا الكلام؟ ان مطلب الامان و ضمان المعيشة هي ما تريده الطبقة العاملة والجماهير بشكل اعم في العراق، سواء كان مع هذه المفوضية او غير مفوضية.
هل يتفق اليسار على ان العراق كدولة رأسمالية تتبنى الايديولوجية الدينية ومنذ عام 2003 وتسعى لترسيخها بكل ما اوتيت من قوة من اجل احكام سلطتها، على اعقاب الايديولوجية القومية العربية التي ارت المجتمع عذابات من الجحيم؟ ما العمل تجاه هذه الايديولوجية؟ هل علينا المطالبة بفصل الدين عن الدولة اولا وقبل كل شيء باعتبارنا قوى يسارية. فصل الدين عن الدولة من اجل حقن الدماء، من اجل ايقاف ماكنة الموت التي تعمل بجد منذ عام 2003 ولحد الان؟ من اجل ان لا يظهر لنا داعش اخر، بوجه حكومة شيعية، ويريد تأسيس دولة " خلافة اسلامية"؟ من اجل انهاء تصنيف البشر على اساس طائفي: من اجل ان لا يسبب اسم الانسان ذعرا له ويضطر لتغييره خوفا على حياته.
هل نتفق على فصل الدين عن التعليم؟ ان مراسيم التكليف الشرعي في المدارس الابتدائية المصنفة "شيعية" على سبيل المثال، ليست فقط اعتداء على حقوق الطفل، وبرمجة تفكيرهن واخلاقهن بما يتلائم والتعاليم الدينية. بل هي مسألة سياسية طبقية بامتياز، من اجل خلق جيل للمستقبل من الناخبات والمصوتات للاحزاب الاسلامية، وتقرير توجهاتهن السياسية المستقبلية بدءا من الطفولة. خلق جيل من "الامهات" اللواتي سيعلمن اولادهن احترام الدين وبناء عليه الخضوع للاحزاب الاسلامية. ان اختزال مسالة المواجهة الطبقية السياسية الثقافية والفكرية الى مسالة "محاربة الطائفية" وان كانت امر ايجابي، امر غير كاف. انه لا يجيب على المسالة الاصيلة وهي ان الاسلام السياسي هو ايديولوجية للطبقة البرجوازية الحاكمة حاليا في العراق بعد 2003، وانها تستخدمها لقمع الطبقة العاملة بشكل اساسي وللقوى التحررية بشكل عام ولم تنجو منها حتى الاطفال الاناث في سن التاسعة من العمر
هل يتفق اليسار على انه اذا ما اريد للانسان ان يعيش بكرامة يجب ان تمسك الطبقة المنتجة للخيرات السياسة بيدها، حيث انها الان بأيدي مستغليها ولا شرعية لهذا الامر. وبما انه واضح وجلي بان توازن القوى ليس في صالحها الان، فان النضال من اجل تحقيق اجزاء من تلك الاهداف، لهي امور ايجابية، ولاجل تحقيق حتى تلك الاجزاء لا بد من نضال متعدد الجوانب والمستويات، يبدأ في المعمل والمصنع، الى النضال في الحي والبيت والجامعة والمدرسة والشارع وفي كل مكان سواء كان هدف قوى اليسار هو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية اواستلام الطبقة العاملة امرها السياسي.
ان التظاهرات والاعتراضات والاحتجاجات من اجل فرض الاصلاحات امر لا بد منه. انها تمارين سياسية يجب ان تخاض. لم يقل احد ان مهمة اليسار يسيرة، بل انها عسيرة، لكن اختزال الحلول السياسية التي على اليسار ان يتقدم بها لاخراج المجتمع من عنق الزجاجة الذي يمر به الى تكرار نفس الجمل التي يكررها الحكيم والصدر والمالكي من "عبور الطوائف والعابرة للطوائف" و"المصالحة التاريخية او المصالحة المجتمعية" او " تغيير المفوضية" هي "دعايات حرب" لادامة سلطتها السياسية، ان قوى اليسار مهمتها اكبر وهي وضع حلول لانقاذ المجتمع.
لذلك ان كان هنالك من افكار يمكن ان توضع للعمل: فهي تحقيق الامن والامان من اجل وقف نزيف الدماء. وهذا اذ كان سيتم، سيتم اولا وقبل كل شيء عبر تأسيس دولة علمانية في العراق وثانيا: تضمين الضمان الاجتماعي لكل انسان عاطل عن العمل، لان الفقر يذل الانسان، يفقده ارادته، يحوله الى "حثالة"، يبيع نفسه لمن يملأ بطنه وبطون اسرته الخالية، يجعله يسحق على نفسه وكرامته من اجل ان يدبر امر عيشه، خاصة وانه يوجد ما يكفي من ثروات في المجتمع.
******
(1) تظاهر عمال كهرباء الزبيدية في واسط،عمال كهرباء كركوك، تظاهرات سائقي الشاحنات، تظاهرة اهالي الناصرية ومدينة قلعة سكر والمثنى على خصصخة الكهرباء، احتجاجات عمالية على شركة لوك أويل الروسية المستثمرة لحقول غرب القرنة بعد ان سرحت الأخيرة عدد من العمال في البصرة.
(2) علي مهدي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراق قال بان الحزب كف عن المطالبة بديكتاتورية البروليتاريا منذ عام 1993. الحزب الشيوعي العمالي العراق الذي تأسس في نفس العام وضع ديكتاتورية البروليتاريا كهدف لتأسيسه.