ترامب و مخاطر سياسة حافة الحرب


عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5428 - 2017 / 2 / 10 - 00:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ تسلم دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يوم 20/1/2017، والعالم، بما فيه أمريكا نفسها، يعيش في توتر شديد لم يعهده من قبل إلا في أوقات الحروب. ورغم أن ترامب لم يفز بأغلبية أصوات الناخبين، إذ حصلت منافسته هيلاري كلينتون على ثلاثة ملايين صوت أكثر منه، ولكن فاز ترامب بسبب النظام الانتخابي الأمريكي الخاص. ويعتبر فوز ترامب ضمن المد اليميني الذي يكتسح الغرب كرد فعل للإرهاب الإسلامي الوهابي، والهجرات المليونية، وأسباب اقتصادية التي أفرزتها العولمة، وكان ترامب قد وعد الشعب الأمريكي بمواجهة كل هذه الأسباب إذا ما فاز، وخاصة فيما يخص الإرهاب الداعشي.

كما وعد ترامب الشعب الأمريكي بفترة سلام وازدهار اقتصادي و"جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" إذ قال مرة في حملته الانتخابية: "اننا سوف ننتهج سياسة خارجية جديدة، ونتعلم أخيرا من أخطاء الماضي ... وسوف نتوقف عن النظر إلى إسقاط الأنظمة وإسقاط الحكومات .... هدفنا هو الاستقرار لا الفوضى ... في تعاملاتنا مع دول أخرى، سوف نسعى لتحقيق المصالح المشتركة كلما كان ذلك ممكنا، وخلق حقبة جديدة من السلام والتفاهم، وحسن النية ".(1)

إلا إنه منذ تسلمه الرئاسة خفتت عنده حدة الهجوم على داعش، واكتفى بترديد تعبير (الإرهاب)، وراح يوجه سهامه على إيران، والتي وصفها (بالدولة الإرهابية رقم واحد)(2)، وشملها ضمن سبع دول غالبية سكانها مسلمون، بقرار منع رعاياها من السفر إلى أمريكا. والغريب في الأمر أن جميع الدول التي شملها قرار المنع هي ضحية الإرهاب وليست راعيتها ولا مصدرها. فالدول الراعية للإرهاب هي السعودية والدول الخليجية وتركيا، وباكستان، والتي استثناها ترامب من قرار منع السفر. والسبب هو، كما اكتشف أكثر المحللين السياسيين الأمركيين، أن ليس لمؤسسة ترامب التجارية مصالح في دول المنع، بينما لها مصالح في الدول التي استثناها من المنع، كما جاء في مقال واشنطون بوست.(3)

وضمن هجومه على إيران، هدد ترمب بإلغاء الاتفاق النووي الذي عقدته أمريكا في عهد أوباما مع خمس دول كبرى أخرى، وبرعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتشديد المقاطعة الاقتصادية ضدها، وراح يلوِّح بشن الحرب عليها. ومن الجانب الآخر راح يخفف من تهديداته ضد الإرهاب، واقترب أكثر فأكثر إلى الدول الراعية له وخاصة السعودية، مما جعل بعض المحللين الغربيين ومنهم السيد باتريك كوك برن في الانديبندنت اللندية، يرى أن قرارات ترامب في منع السفر هي ليست موجهة ضد المسلمين كما هو المعلن، بل هو ضد المسلمين الشيعة فقط، لتصعيد الصراع الطائفي في المنطقة، والمشتعل أصلاً.(4). وهذا له مخاطر جسيمة على المنطقة. بل وحتى وعود ترامب بالتقرب من روسيا ومد جسور العلاقة مع بوتين في محاربة داعش، غير مضمونة، فلحد الآن المقاطعة ضد روسيا قائمة.

والجدير بالذكر أن ترامب لا يستطيع الخروج على موقف الغرب التاريخي المألوف من روسيا، وهو موقف متوارث منذ الاتحاد السوفيتي. فالغرب يبدو أنه لا يستطيع العيش بسلام والحفاظ على وحدته إلا بوجود عدو مشترك، والذي تمثل سابقاً بالشيوعية في عهد الاتحاد السوفيتي، ومن ثم بالإسلاموفوبيا والتطرف الإسلامي الذي هو بالأساس من إنتاج السعودية، الحليفة المقربة من أمريكا. ورغم أن روسيا الآن لم تعد دولة شيوعية، إذ صارت دولة ديمقراطية بنظام رأسمالي، إلا إن الغرب مازال يصر على اعتبارها دولة معادية تهدد مصالحه، لأن الغرب يحتاج إلى عدو مشترك يحافظ على وحدة دوله ويمنع نشوب حرب عالمية أخرى فيما بينها، وأمريكا لن تسمح لأية دولة أخرى ترقى إلى دولة عظمى تنافسها في القوة العسكرية والاقتصادية والنفوذ في العالم.

كما أتفق مع الأستاذ سالم مشكور(5)، في قوله أن قرارات ترامب المتشددة لا تمثل مزاج ترامب وحده، وإنما هو اتجاه يميني متشدد سائد في أمريكا والغرب وكل العالم. و من دلالات ونتائج صعود اليمين في الغرب هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وفوز ترامب في أمريكا، وربما القادم أعظم وأسوأ، وهو احتمال فوز مرشحة حزب الجبهة القومية الفرنسية، مارين لوبين (Marine Le Pen) في الانتخابات الرئاسية القادمة هذا العام، أو بزيادة نصيبها من الأصوات، وبالتأكيد ستأتي في المرتبة الثانية من بين المرشحين على الأقل في الدورة الأولى من الانتخابات.

كذلك هناك استقطاب بين اليمين واليسار في الغرب. فمقابل استقطاب وتطرف وتنامي اليمين، هناك أيضاً استقطاب وتشدد في أحزاب اليسار، وعلى سبيل المثال، اصرت قواعد حزب العمال البريطاني على انتخاب جرمي كوبيرن اليساري المتشدد لرئاسة الحزب، رغم أن زعامته ستقلص من حظوظ الحزب في الفوز بالسلطة في الانتخابات القادمة عام 2020.

ولكن الأخطر على منطقة الشرق الأوسط في سياسات ترامب هو تهديده لإيران وخاصة بعد ما قامت الأخيرة بتجربة إطلاق صاروخ بوليستيك، فاعتبر ترامب ذلك مخالفا للإتفاق النووي المبرم، ولقرار الأمم المتحدة. بينما القرار في الحقيقة يمنع إيران من التجارب على الصواريخ البوليستية الحاملة للرؤوس النووية فقط، وليس للصواريخ الأخرى. لذلك، فترامب يريد أن يجر دول المنطقة إلى حرب كارثية، إرضاءً لحليفاته في المنطقة مثل السعودية والدول الخليجية وتركيا وإسرائيل.

فكما يرى مايك وتني الكاتب السياسي الأمريكي(1)، أن إجراءات ترامب ستجلب الضرر على أمريكا أكثر، إذ ليس بإمكانه إلغاء الاتفاق النووي من طرف واحد، لأن هناك خمس دول كبرى أخرى إضافة إلى الأمم المتحدة التي أبرمت هذا الاتفاق مع إيران. لذلك، فالسياسة التي يتبعها ترامب هي استفزاز إيران عسى أن ترتكب القيادة الإيرانية خطًأً فضيعاً بإلغاء الاتفاق النووي من جانبها، وبذلك يتخذه ترامب ذريعة لشن الحرب عليها، وعليه ينصح مايك وتني إيران بعدم ارتكاب حماقة إلغاء الاتفاق من جانبها. كذلك إذا أقدم ترامب على أي إجراء عدواني ضد إيران فإن حلفاء أمريكا في الغرب سيتخلون عنها، وبالتالي سيزيد ترامب من عزلة بلاده، خاصة وأن هناك دولاً كبرى مثل روسيا والصين والهند وغيرها من دول بريكس (BRICS)، ستواصل التعامل مع إيران في حالة فرض المقاطعة الاقتصادية عليها.

وأخيراً نقول، صحيح أن سياسات ترامب اليمينية العنصرية كشفت الجانب القبيح من أمريكا، ولكن في نفس الوقت كشفت الجانب الجميل أيضاً. إذ شاهدنا كيف تحركت الجماهير في عشرات المدن الأمريكية احتجاجاً على قرارات ترامب بمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، وأوامر العديد من القضاة للمسؤولين في الدولة في تحد شجاع للرئيس، بعدم تنفيذ تلك القرارات لأنها مخالفة للدستور الأمريكي. وهذه التظاهرات واعتراضات القضاة تمثل الوجه الحضاري الديمقراطي لأمريكا. لذلك وحتى إذا ما فاز شخص أرعن مثل ترامب بالرئاسة، فالديمقراطية تحمل معها حلولها الذاتية لتلك الأخطاء. ومن هنا نعرف أن النظام الديمقراطي هو أفضل الأنظمة للحكم.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Trump Plays Cat and Mouse with Iran by Mike Whitney
Why is the Trump administration threatening Iran?
On February 1, National Security Adviser Michael Flynn announced that the administration was “putting Iran on notice” after it tested a ballistic missile which the US sees as a violation of Iran’s treaty obligations. Flynn’s frigid tone made it clear that the administration is considering the use of military force. But why?
http://www.counterpunch.org/2017/02/08/trump-plays-cat-and-mouse-with-iran/
2- ترامب يصف إيران "بالدولة الإرهابية رقم واحد"
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/223919.html

3- Countries where Trump does business are not hit by new travel restrictions
By Rosalind S. Helderman
The seven nations targeted for new visitation restrictions by President Trump on Friday all have something in common: They are places he does not appear to have any business interests.
https://www.washingtonpost.com/politics/countries-where-trump-does-business-are-not-hit-by-new-travel-restrictions/2017/01/28/dd40535a-e56b-11e6-a453-19ec4b3d09ba_story.html?utm_term=.4eab2de1c90a&wpisrc=nl_most-draw14&wpmm=1

4- Patrick Cockburn: Donald Trump s Twitter aggression towards Iran will deepen sectarian conflict in the Middle East
http://www.independent.co.uk/voices/donald-trump-iran-twitter-iraq-mosul-middle-east-instability-a7561611.html

5- سالم مشكور: ترامب وإيران.. ونحن
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224056.html