الطبقة العاملة في العراق و-الحرب على الارهاب- بين الموقف الطبقي والوطني!


نادية محمود
2017 / 2 / 5 - 22:46     

امتدادا لمقالتي السابقة حول شعار مؤتمر اتحاد نقابات العاملين في العراق (يد تعمل ويد تحارب الارهاب) والذي عقد في الشهر الماضي. اود ان ادلي ببعض النقاط الاضافية حول التوجه "الوطني" والشعور والسلوك الطبقي لدى الطبقة العاملة حول مقولة "الحرب على الارهاب".
ينبع الشعار المطروح في المؤتمر اعلاه لدى العمال او نقاباتهم -على اقل تقدير- في مسالة الحرب الدائرة اليوم في الموصل، او ما يسمونها الحرب على داعش من شيوع الافكار والتصورات والايديولوجية البرجوازية وهي "الوطنية". فوقوف الطبقة العاملة مع الدولة الحالية بجيشها وميلشياتها - ميلشيات الحشد الشعبي، والبيشمركة، والميلشيات السنية، باعتبارها قوى محررة وضد داعش، نابع ومتأت من مسعى كامل تاريخ الطبقة الرأسمالية الحاكمة في العراق من الترويج لهذه الايديولوجية لتشييع "الروح الوطنية" من اجل كسب الشرعية والحصول على الولاء لحكم هذه الدولة، باعتبارها تمثل "المصالح الوطنية" وناطقة باسم الجميع وصياغة اذهان الطبقة العاملة لتفكر وتنظر بذات الافق وبذات الاتجاه.
هنا اريد ان اوضح معنى "الشعور والحس الوطني"، ماهي حقيقته، وكيف انه لا يعدو ان يكون وهما كانت ولازالت الرأسمالية الحاكمة واحزابها تعمل على نشره وغرسه واشباع اذهان الناس منه و جعلت منه كأنه حقيقة. ان تكون وطنيا، بالنسبة لخطاب الرأسمالية الحاكمة يعني ببساطة ان تحب وطن"ك" ولديك التزاماته اتجاهه، واحد هذه الالتزامات واهمها على الاطلاق هو الدفاع عنه الذي قد يستدعي التضحية بالنفس من اجله. ان الالة الدعائية والفكرية للرأسمالية الحاكمة قد اشتغلت بدأب بحيث جعلت من لا يكن شعور "الحب للوطن" سيواجه بالتنديد وبالاستنكار بانه ليس وطنيا! وكأنه يجب ويستوجب على المرء ان يكون وطنيا.
والحال ليس هنالك وطن للعمال! كما قالها ماركس قبل قرنين من الزمن، فالعمال يتحركون بموجات بشرية مليونية على سطح الكرة الارضية بحثا عن فرصة عمل وكرامة. انهم نزحوا من العراق وبالملايين، لان لا حقوق للعمال في هذا "الوطن"، في هذه البقعة الجغرافية التي يدعون حمايتها، والعامل محروم من كل شيء، يعاني الفقر والجوع والحرمان وانعدام الحقوق. مع على هذا الانسان المسلوب الحقوق ان يهب محاربا للدفاع تحت راية ميلشيات الدولة، باسم الدفاع عن الوطن و"الحرب على الارهاب"، حتى تستقر تلك الزمر في اماكن مريحة تنعم بالمال والسلطة والقوة.
ان المشاعر "الوطنية" و"محاربة للارهاب" هو افضل سلاح استخدمته الطبقة الحاكمة لادامة حكمها وسيطرتها على المجتمع، كما تسيطر اليوم على اذهان الطبقة العاملة في العراق اليوم، والذي عبر عنه شعار مؤتمر اتحاد نقابات العاملين. الا ان هذه السياسة "الدفاع عن الوطن" و"الحرب على الارهاب" هو في الحقيقة لاخفاء ولابعاد عن الانظار صراعا اخرا، صراعا حقيقيا وجادا بين الطبقات. هو الصراع الطبقي الذي يجب ان تضع الطبقة العاملة أذهانها وعملها حوله.
ان افقار 30% في مجتمع وصل تعداده 35 مليون نسمة، عيش ما لايقل عن 7 ملايين انسان في حالة فقر وتعاني من الجوع و الفقر والمرض، ويعانون ازمة سكن، ويعانون انعدام الرعاية الاجتماعية، لا تشكل امرا "ارهابيا"، لا تشكل قضية "وطنية" تقتضي التدخل وشن حرب من اجلها من قبل الطبقة العاملة وللذين لا امان اقتصادي لهم. ان هذه امور لا تدفع الطبقة العاملة لشن صراع حقيقي ضدها لانهاءها. بل يتم سوقهم الى حروب اخرى، وللدفاع عن مصالح اخرى، بعيدة كل البعد عن مصالحهم وهمومهم اليومية. وهذا ما تريد احزاب الطبقة الرأسمالية الحاكمة ابعاده عن الاذهان، ابعاد ذهنها عن الصراع الطبقي، الصراع مع احزاب الطبقة الحاكمة نفسها. بل تقوم بترويج قضية اخرى محله وبعيدا عنه، وتقوم بالتعبئة الفكرية والسياسية والعسكرية وحتى الاخلاقية تجاهه. تروج لـ"محاربة الارهاب"، ومن لا "يحارب ضد الارهاب" هو "ليس وطنيا"، وهو خائنا! ومن اجل اهدافهم الكاذبة على العمال ان يدفعوا حياتهم ثمنا من اجله.
انها اهداف مخادعة، لان تاريخ الاربع عشر سنة الماضية هو تاريخ اسود كتبت سطوره تلك القوى، اسالت انهار من دماء، وازهقت مئات الالاف من الارواح باعمال القتل الطائفي، وقتل المنادين بالحرية والمساواة والاصلاح، قتل النساء والمعارضين المطالبين بالاصلاح وشباب الايمو.. والقتل على اساس الهوية الطائفية، والقتل لاسباب النهب والسلب، هذا ناهيك عن سرقة ونهب اموال المجتمع، ونقلها لحساباتهم الشخصية. انهم بذاتهم عناصر ومكونات للارهاب.
نعم الخلاص من داعش امر يسر القلب، ولكن هذه ليست حربا من اجل الخلاص من داعش، انها حربا من اجل اعادة توزيع الحصص فيما بينهم من جديد. انهم يقولوها بشكل واضح وبدون تردد وقبل الشروع بالحرب في الموصل بـأن "الارض لمن يحررها!"، وهم يشمرون عن سواعدهم لتوقيع عقود "اعادة الاعمار" للمدن التي هدموها بالحرب، سيسرقوا وينهبوا المليارات من الدولارات، كما فعلوا في السنوات المنصرمة وفي عموم وفي كل زاوية من زوايا العراق.
انها حرب من اجل اعادة رسم الخريطة السياسية مجددا في العراق، مع بروز الحشد الشعبي، الذي يراد له ان يكون الحرس الثوري الايراني - العراقي، الدولة الثانية، دولة في داخل الدولة. في مرحلة ما بعد داعش، هي مرحلة الحشد الشعبي، الذي اطلقوا عليه تسمية "المقدس"، مرحلة اعلان تكريس الدولة الرأسمالية في العراق براية ايديولوجية دينية طائفية شيعية.
وسيرى العمال ليس بقاء ذات الطاس وذات الحمام، بعد خلاصهم من "الحرب على الارهاب" من حيث قلة فرص العمل والخدمات والصحة المتدهورة وباهظة الثمن، والتعليم المكلف واللامجاني، بل سيكون لهم الحشد الشعبي بالمرصاد لحماية الطبقة الحاكمة من اية اعتراضات او انتفاضات يقوم بها العمال انفسهم.
ان الدفاع عن الوطن وهم، و"الحرب على الارهاب" وهم اخر. فما تريد احزاب الطبقة الرأسمالية الحاكمة هو ادامة وجودها، ادامة نهبها، وتحويل العمال الى وقود لحروبها وصراعاتها فيما بينها من اجل هذا الهدف. ان الصراع الوحيد الذي يجب ان تخوضه الطبقة العاملة هو صراعها الطبقي لازالة هذه الطبقة الحاكمة التي تقطر ارهابا ودما. ان هذه هي الحرب الوحيدة التي يجب ان يخوضها العمال مع عدوهم الاول والاخير: الحرب مع كل الرأسمالية، كطبقة وكدولة وكنظام حكم.