ليتها لم تكن كذلك : لكنها كانت!!


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5417 - 2017 / 1 / 30 - 22:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ليتها لم تكن كذلك، لكنها كانت!!
من وين بدي جيب عرسان لبناتي؟!!
منذر خدام
واضعا رأسه بين يديه يخفي دمعة جرت على خده فسقطت في كمه، ألقيت عليه السلام، " كيفك يا أبو محمد؟! شايفك زيرن ومتفكر كتير شو القصة هونها بتهون؟!!. سحب رأسه من بين يديه وقال لي من وين بدها تهون يا دكتور؟!! والله ما كسر ضهري غير هالبنات، من وين بدي جبلهم عرسان؟!! راحوا الشباب يا دكتور، استشهدوا، وكثرت الأرامل، والغريب يا دكتور صار من بقي من الشباب يفضل أرامل الشهداء على العازبات... لكن يا عمي هون مو بس بتاخد عروس وبتاخد معها بيت أو شي مليون ليرة!!! .. مرت الشهيد بيعطوها مليون ليرة أو بيت مو هيك على حد علمك ؟!!" . بهذه العبارات الصريحة والواضحة يكثف أبو محمد معاناة جيلين أو أكثر من البنات الشابات في ريف الساحل وفي غيره، التي قلت فرص الزواج بالنسبة لهم نظرا لاستشهاد عشرات الآلاف من الشباب في هذه الحرب المجنونة التي دمرت الحجر والبشر، وكل ذلك في سبيل الحفاظ على السلطة اللعينة. يقول أبو محمد : " عندي يا دكتور خمس بنات وشب وكلهم متعلمين والحمد لله. الشاب ماني خايف عليه باعتباره وحيد ما رح يروح عالجيش( ونصيحتي لكل أب أن لا يجب أكثر من ولد ذكر حتى ما يروح على الجيش)، لكن البنات صرن بسن الزواج وخايف يعنسوا. ولك المشكلة ما بس العرسان قلوا تكاليف الزواج صارت لا تطاق...". أبو محمد الفلاح البسيط يشتغل ذهنه على مشكلة اجتماعية من أخطر المشكلات التي سوف تواجه المجتمع السوري في المستقبل القريب، على افتراض أن الحرب توقفت وبدأت مرحلة السلام والأعمار. تشير بعض التقديرات إلى أن ضحايا الحرب في سورية يتجاوز المليون، عداك عن الجرحى والمشوهين اللذين يزيد عددهم على المليون بكثير، وأغلب هؤلاء من الشباب. وإذا أضيف إليهم عدد اللذين هاجروا إلى أوربا وغيرها وجلهم من الشباب أيضاً سوف يزداد عدد اللذين خسرتهم سورية كأزواج محتملين. بحسبة بسيطة هذا يعني بالمقابل أن ملايين الشابات السوريات سوف يفقدن فرص الزواج.
حتى عام 2010 كان يغلب على المجتمع السوري التوازن بين الإناث والذكور، بأرجحية بسيطة للإناث خصوصا في محافظة درعا. ففي جميع الإحصاءات السكانية التي جرت في الماضي كان يمثل عدد الذكور نحو 49.00% وعدد الإناث 50.00% ويكاد يصح ذلك في جميع محافظات سورية باستثناء محافظة درعا التي كان عدد الإناث فيها يمثل نحو 51.00% بمقابل نحو 48.00% للذكور. هذا الواقع بلا شك قد تغير كثيرا نتيجة الحرب، وصار عدد الإناث أكبر بكثير من عدد الذكور. من المعلوم أن روسيا حتى اليوم لم تستطع أن تعيد التوازن إلى المجتمع الروسي بين الإناث والذكور جراء نتائج الحرب العالمية الثانية التي سقط لها فيها أكثر من اثنين وعشرين مليون قتيل. ومما لا شك فيه سوف تحتاج سورية أيضا إلى عقود من السنين حتى تعيد التوازن إلى المجتمع بين الذكور والإناث.
وقد ترتب على هذه الواقعة نتائج كارثية أخرى، إذ أخذت منظومة القيم الاجتماعية تتهدم، فصارت الدعارة رائجة، وكثرت حالات الطلاق، عداك عن عشرات الآلاف من الأطفال غير الشرعيين من الناحية القانونية، خصوصا في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة الإرهابية، لكن بغطاء شرعي ديني بحسب اجتهاداتهم. كل ذلك كان يمكن توفيره وصونه لو استجابة السلطة منذ البداية للعقل والمنطق ونفذت الإصلاحات التي وعدت الناس بها، لكنه الاستبداد الذي ما نظر يوما إلى البلد إلا كمزرعة خاصة، وإلى الشعب كرعايا في مزرعته.