بين النزوح والعمل على اعادة الارادة للانسان!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5375 - 2016 / 12 / 18 - 23:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

تقدر الاحصائيات الان عدد النازحين داخليا في العراق نسبة 3 ملايين و500 الف لاجيء في مجتمع يقدر الان عدد سكانه بـ"36" مليون نسمة، يعاني 10 ملايين منه من قلة المساعدات الغذائية، ويحتاج اكثر من مليون ونصف مليون منزل للذين لم يجدوا موطأ قدم لهم حتى في العشوائيات او كما يسميها العراقيون (الحواسم). ليس ما يعاني منه هؤلاء النازحين هو الافتقاد للامن والطعام والدواء، بل ايضا استلاب ارادتهم، وكسر معنوياتهم خاصة وان بعضهم مر باوضاع النزوح اكثر من مرة، بحيث اصبح ثلاثة ملايين ونصف مواطن يصوبون انظارهم لمن يقدم طبقا من الطعام لهم، او يقدم لهم غطاء في برد الشتاء. ان هذا امر ليس قابل السكوت عليه، ويحتاج الى تدخل جدي من قبل كل انسان، وكل جهة تريد اعادة الارادة والكرامة للانسان، ليكون بيديه القدرة على الاسهام في حسم مصيره.
يتوزع النازحون على ما يزيد على 50 معسكرا او "كمب" في ستة مدن (دهوك، اربيل، السليمانية، بغداد، ديالي، وميسان). اضافة الى الساكنين في الجوامع، والبنايات الحكومية الفارغة، وفي المدارس المهجورة، والكنائس، والذين وجدوا ملجأ لدى المعارف والاصدقاء في اي مكان في العراق. استهلك معظمهم مالديه من مدخرات، يعيشون في معسكرات تفتقر في فصل الشتاء الى مستلزمات التدفئة، والصحة، والنظافة، وتصريف المياه، والحصول على الماء الصالح للشرب، والطعام الكافي والصحي، بعضهم لا يتمكن من تناول اكثر من وجبتين هزيليتين. يعيش فقط على المساعدات الانسانية للمنظمات العالمية والمحلية.
تقوم الاحزاب والميلشيات والحكومة، بفرض حصار وطوق على هذه المعسكرات والتي هي في الغالب خارج المدن، حتى يصبح الحصول على العلاج الطبي امرا في غاية الصعوبة، ويترك الاطفال، عاما بعد عام بدون تعليم. بل وحتى لاثبات المواطن لاوراقه الشخصية هي كوابيس يومية معاشة ولا يبدو لها من نهاية. كما وتؤدي عمليات التفتيش بين المواطنين عن اعضاء داعش المحتمل اندساسهم في صفوف النازحين الى تفريق الاسر عن بعضها البعض، الاباء عن اولادهم وزوجاتهم، مسببة المزيد من الاوضاع المهينة للاسر.
النازحون هم من مناطق مدنية او قروية والتي سيطر عليها ولاكثر من عقد تنظيم الدولة الاسلامية في بلاد الرافدين لتعقبها داعش. نشرت هذه التنظيمات وممارساتها اقسى اشكال الثقافة والتقاليد المهينة للانسان بشكل عام وللمرأة بشكل خاص من فرض الحجاب وتعدد الزوجات، وضرب النساء لاجل "تأديبهن". غالبا ما تعاني المرأة من اضطهاد وعنف الرجل، حيث تتحول المرأة الى وسيلة لتفريغ غضب الازواج الغاضبين والمحبطين واليائسين. في مجتمع يعيش رجاله –اضافة الى نساءه- البطالة وانتظار المساعدات. خاصة وان اعدادا ليست قليلة من الشباب متزوجين من اكثر من زوجة واحدة ولديه اطفال من كل الزوجات. اضافة الى موت بعض النساء الحوامل اثناء الولادة لعدم وجود المستلزمات الصحية، واحيانا تقتل النساء لسبب غير معلوم. على امتداد الصراع والحرب الطائفية، يتحول وضع النازحين الطارئ الى حالة دائمة. حسب بعض الاحصائيات، فان مايزيد على 60 % من هذه الاسر، لا تعلم ما هو مصيرها، والى اين ستذهب فيما بعد.

فوق هذا وذاك، لم يترك هؤلاء النازحون لحالهم حتى تنتهي الحرب ليعاد اسكان تلك الملايين، فعمليات التهجير تشن بين حين واخر لاعادتهم بالقوة الى ما كانت تسمى "مدنهم". فقد استهدفت السلطات الحكومية في كركوك في الاونة الاخيرة النازحين الذين يصنفون "كعرب" بطردهم وهدم اماكن سكنهم، طرد العائلات من منازلها وتركها في الشوارع أو طردها إلى مناطق غير آمنة في البلاد ليكون ضحية النزعات القومية والطائفية.
في هذه الاوضاع تفرض الاحزاب والميلشيات المهيمنة حصارا على وسائل الاعلام لنقل وقائع ما يجري ، حيث يمنع الصحافيين والقنوات التلفزيونية من الدخول الى هذه المخيمات. لذلك تتحول هذه المعسكرات الى مناطق شبه معزولة عن العالم الخارجي، فلا احد يعرف مالذي يجري فيها الا ما قل، ومن هنا وهناك. تموت النساء، تحترق الخيام، يموت اعداد فيها دون سبب معلوم، وقلما تورد وسائل الاعلام اخبارهم. تدور الشكوك والشبهات حولهم، وكأنهم هم الذين أووا واحتضنوا داعش!
في هذا الاوضاع، لن يكون مستغربا ان تكون ارادة وقوة مئات الالاف من النازحين، شبابا، رجالا ونساءا، قد كسرت وحطمت معنوياتهم وركنوا الى الانتظار والتسليم واليأس. فحين يكون هم الانسان هو الحصول على ما يسد جوعه، يصبح التفكير بالاحتجاج على هذه الاوضاع المذلة، والسعي الى فرض الضغط والتعبير عن مطالب، وارادة التغيير امرا في غاية الصعوبة.
لكن السؤال الذي يجب ان يطرح هو انه اذا كان عيش ملايين ونصف المليون انسان في العراء، امر غير مقبول، ولا يجب ان يستمر، ويحتاج الى التدخل الفوري لحله، واذا كانت ارادة مئات الاف النازحين قد استلبت في تلك المعسكرات، فان من هم خارج المعسكرات بامكانهم التحرك لعمل شي. التحرك لتغيير الامور من حال الى حال.
من المؤكد ان الحل الجذري لقضية النازحين، هو الخلاص من احزاب هذه القوى التي سببت هذا المصير المأساوي والكابوس الذي يعيشه النازحون. فهؤلاء الثلاثة ملايين ونصف المليون انسان هم الضحايا المباشرين الذين يدفعون كل يوم وكل ساعة ثمن سياسات الاحزاب الطائفية، الشيعية منها والسنية، الكردية منها والعربية. ولكن حتى تحين تلك الساعة، فان التدخل المنظم والسريع هو مسؤولية كل انسان بوسعه القيام بعمل ما، واي حزب يريد ايقاف هذه المآسي. ان ايصال المساعدات الانسانية والعمل على تذليل وصولها من قبل اية جهات كانت، هي امر ملح فوري، وانهاء اوضاع التهديد والوعيد وارعاب الاسر النازحة، والتي تعمق مشاعر الحقد والكراهية بينهم على اساس قومي وطائفي، بفضح كل الجهات التي تقوم باعمال من هذا القبيل، هو ايضا ضرورة لا بد من العمل عليها، الا انه ايضا مما له اهمية هو العمل بكل الطرق الممكنة على تقوية النازحين انفسهم للوقوف على اقدامهم وللدفاع عن انفسهم، هي شروط مسبقة واساسية لاعادة الارادة للنازحين.