الحديث عن -وحدة العراق- بعد خراب البصرة!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5336 - 2016 / 11 / 7 - 23:05
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

[email protected]
استعدادا وتحضيرا لمرحلة ما بعد داعش واعادة ضبط الخريطة السياسية على ضوء الاوضاع الجديدة بعد دحر هذا التنظيم الارهابي، أعلن متحدث بأسم المجلس الاعلى الإسلامي عن بنود وثيقة “التسوية السياسية” والتي سيطرحها رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم قريبا. مؤكدا قرب الانتهاء من صياغة الوثيقة والإعلان عنها، وموضحا بأن “ابرز بنود الوثيقة هي التأكيد على وحدة العراق وإنهاء الحديث عن مرحلة التقسيم، وإعطاء جميع الكتل السياسية حقوقها في حال وجود حق لها”.
ليس الهدف هنا مراجعة مواقف المجلس الاسلامي الاعلى المتغيرة ومنذ انتهاء الحرب، والتي كان لا يتوقف فيها عن الدعاية والتعبئة لاقامة اقليم الجنوب، الذي كان يريد له ان يكون اقليميا شيعيا، مقابل اقليم كردي واخر سني، بل ومساعيه الى اقناع العشائـر "السنية" في عام 2007 بأعلان اقليمهم ليقنع بقية الاحزاب الشيعية الشقيقة باعلان اقليم الجنوب.
أن الحديث عن وحدة العراق الان، هو تغيير استراتيجي جديد للمجلس الاعلى، ويبدو ان هذا عائد الى الشعور بالنشوة السياسية التي يعيشها هذا التنظيم، نظرا الى الاستحقاقات التي يتخيل ان المجلس الاعلى واحزاب الاسلام السياسي الشيعي سينعم بها بعد الخلاص من داعش. ولكن داعش لم تكن صنيعة ودمية لدى الدول الاقليمية الارهابية لتنفذ لها سياساتها او تحارب عنها بالنيابة، ولم تكن صنيعة امريكا والقوى الامبريالية كما كانت القاعدة في افغانستان. داعش خرجت من قلب القوى السنية التي ارادت حصة في السلطة ولم تستطع الحصول عليها، او على الاقل لم تراها حصة مجزية. داعش ظهرت نتيجة ألخطاب الطائفي الشيعي، فاجزاء من داعش هم بقايا حزب البعث، والتيار القومي العربي الذي سأمت هذا الخطاب. داعش خرجت من قلب التمييز الطائفي والمعاملة الدونية الذي تعرض له المواطنين في مناطق اطلقوا عليه ب "المثلث السني" ولكونهم "سنة".
ولما تزل، في معرض محاربة تنظيم داعش الارهابي، لازالت ايدي الميلشيات والشخصيات السنية متشبثة وبقوة بايدي تركيا والسعودية، لتزيح نفوذ الاحزاب الشيعية من مناطقها، بعد ان تخلت عن الحديث والخطاب عن "وحدة العراق".
لذلك ستظل القوى البرجوازية السنية تطالب بحصتها في السلطة وان لم تستطع نيلها من بغداد والمنطقة الخضراء، ستقوم بتأسيس ولاياتها، وبالدم، وستجد ووجدت من يمد لها يد العون مالا، وتسليحا، وما وجود داعش كان الا لتنفيذ هذا الهدف.
ان الاوضاع التي خلقت تنظيم داعش، ستخلق غيره. ان جذور ظاهرة "داعش" لازالت باقية وهي سعي طرف برجوازي لاحتكار السيطرة على السلطة والثروة بأسم " تمثيل السنة"، بوجه وبمنافسة مع جمع اخر من الطبقة البرجوازية ذاتها التي تستحوذ وتسيطر على مداخيل النفط والسلطة بأسم "تمثيل الشيعة"!
لذلك، ستستمر حرب التقسيم ولن يحل الامن والوئام والسلام وللاسف "ربوع الوطن" وللاسف. فالكلمة الاخيرة لم تقل بعد، وفصول هذه الحرب الطائفية التي بدأت منذ اعقاب حرب 2003 ولحد الان لازال تجري وبشكل دموي. هذه الحرب لن تنتهي كما يتوقع الحكيم بوحدة العراق وبعدم تقسيمه وبتفضله على اعطاء كل ذي حق حقه.
لن تقوم لوحدة العراق قائمة بعد سياسات احزاب الاسلام السياسي الشيعي، والتي ادت الى وسببت بظهور داعش. لقد قسموا البشر والجغرافية على اساس طائفي وقومي، وصنعوا واشتغلوا بجد ودأب على صناعة "هوية" للانسان، هوية شيعية، لها القدح المعلى، وهويات اخرى اسموها واطلقوا عليها "اقليات"! لقد عملوا بكل ما توفر وأوتي لهم من قدرات: احزاب، وميلشيات ومرجعيات دينية، ووسائل اعلام تضخ ليلا ونهار افكارهم الاسلامية، ومنظمات مجتمع مدني، وشراء ذمم على اساس حزبي وطائفي من اجل ترسيخ الهوية الطائفية.
ان المجلس الاعلى واحزاب الاسلام السياسي الشيعي لديهم مصلحة حياتية في ترسيخ هذه السياسة، لا يخدمهم معها باي شكل من الاشكال رفع شعارات "الوحدة" او "العابرة للطوائف". "الوحدة" معناها وجود طبقة سياسية مركزية واحدة تحكم كل مناطق العراق وبشكل منسجم وهارموني. العراق لا تتقاسمه سلطة مركزية موحدة تحكم كامل اراضيه وكافة مواطنيه. بل سلطات، طائفية وقومية. عصابات، اسر وعوائل وعشائر. وكل لديه ميلشيات ودعم مالي، وكلها تسعى من اجل السيطرة على اكبر ما يمكن من الثروات. واحد تلك الاحزاب هي المجلس الاعلى.
لقد اصبح التقسيم امر واقع، والحديث عن وحدة العراق وعدم التقسيم اصبح في خبر كان، وتكرم عمار الحكيم باعطاء كل ذي حق حقه، وتقرير اي لديه حق، واي ليس لديه حق، جاء متأخرا جدا. ان معركة الموصل اليوم، ستشكل منعطفا جديدا في امر وحدة العراق وعدم تقسيمه. ان حسم مصير الموصل سيدق مسمارا اخيرا في نعش وحدة العراق التي اصبحت بشكل واقعي في عداد الماضي. فقط وفقط بجهود احزاب مثل المجلس الاعلى.
تبقى الحقيقة الاولى والاخيرة والتي لا يمكن لاي سلطة ان لا تراها هي ان ما يوحد الجماهير التي جرى تدميرها، قصفها، ونهبها وتحت اية سلطة شيعية او كردية او عربية هي تلك المطالب التي نظمت التظاهرات من اجلها التي كانت دائرة في كردستان عشية نشوب حرب الموصل، وتظاهرات الجماهير في العراق على امتداد عامي 2015 - 2016، من اجل العيش بأمن وسلام، الحصول على عمل وخدمات، وحياة مرفهة. هذه ستظل قصة معركتنا، معركة الملايين الرئيسية اي كانت السلطة: شيعية، سنية، كرية ام عربية.