الديمقراطية والنظام السياسي العربي( الحلقة4)


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5298 - 2016 / 9 / 28 - 21:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


البيئة الثقافية للنظام السياسي العربي.
في الحقل الثقافي يبدو الوطن العربي أكثر تجانسا وتماسكا وتمايزا عن غيره.فالثقافة العربية الإسلامية تشكل الفضاء العام للمجتمعات العربية فيه تتحدد مختلف التفاعلات الثقافية، وتتكون
الاستعدادات الثقافية وتتشكل منظومة القيم العامة ..الخ.ونظرا لأهمية الثقافة في تكوين الشخصية العربية وفي وعيها لذاتها فإنها الأكثر تنظيما وتأطيرا في مؤسسات ترعى شؤونها على امتداد الوطن العربي.
وفي إطار الوحدة الثقافية العامة التي تجمع الوطن العربي، تبدو الثقافة السياسية هي الأخرى ذات طابع عام ومشترك.في الوقت الراهن تتمحور الثقافة السياسية العربية حول عدة قضايا رئيسية هي :
أ-قضية الانتماء والهوية.الانتماء هو نوع من التمايز المنطبع في الشعور الذي يجيب عن تساؤل من نحن؟ بهذا المعنى فهو يتضمن مجموعة من القيم الرمزية التاريخية التي تجعل من أي مجموعة بشرية تختلف عن غيرها وتحدد في الوقت ذاته العلاقة معها إن منافسة وصراعاً أو صداقة وتعاوناً.سؤال الانتماء هو سؤال عن الوجود.
أما الهوية فهي بالإضافة إلى استيعابها لبعض محددات مفهوم الانتماء وخصوصا البعد القومي، أي الشعور بالانتماء إلى تكوين أقوامي محدد، فإنها تتضمن العديد من المتغيرات التي تتولد في سياق السيرورة التاريخية والتفاعل مع الغير وتأخذ طابع العصر.سؤال الهوية هو سؤال كيف نحن ؟وبالتالي فهو سؤال عن الوضعية.
الانتماء يمكن أن يتحرك في مستويات عديدة بدءاً من أصغر شكل للوجود الاجتماعي ،أي الأسرة وحتى مستوى المجتمع والدولة والأمة مرورا بالعشيرة والقبيلة والطائفة والطبقة أو الفئة الاجتماعية ..الخ.(1).
في الوطن العربي لا تزال الانتماءات إلى أشكال الوجود الاجتماعي العائدة إلى ما قبل الدولة حاضرة وقوية ويزيد من قوتها تنامي الطابع الأمني للدولة وإلحاق جميع المنظمات الجماهيرية بها وتغييب المجتمع المدني أو منع تفتحه بصورة طبيعية.
ب- القضية الثانية التي تشغل الثقافة السياسية في الوقت الراهن هي قضية المشاركة السياسية. في جميع الدول العربية، لا فرق بين نظام ملكي أو جمهوري ،تكاد تكون المشاركة السياسية للجماهير معدومة أو محدودة وشكلية إلى حد بعيد، وذلك بسبب طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة وخوفها من المساءلة.إن احتكار السلطة السياسية من قبل نخب معينة عسكرية أو مدنية أو عائلية أو تكوين مركب منها جميعا ، يجعل القرار السياسي ذا طابع نخبوي فوقي لا علاقة للجماهير به مما يدفعها نحو مزيد من السلبية (2).مع ذلك قد تنتفض في بعض الحالات الانعطافية وخصوصا عندما تمس في وجودها القومي أو في قضاياها
القومية متحدية حكامها ومتجاوزة لهم كما حدث على إثر حرب الخليج الثانية وكما حصل
يحصل مع الانتفاضة الفلسطينية.
ت-القضية الثالثة التي تشغل الثقافة السياسية العربية هي قضية الدين والقومية .هل الوعي القومي أم الوعي الديني يلعب الدور الحاسم في تكوين الشخصية العربية ؟ سؤال طالما استجر سجالات ونقاشات حامية دون التوصل إلى نتيجة حاسمة، وذلك بسبب كون السؤال خاطئ مبدئيا ومن حيث الأساس. الدين والقومية يتداخلان في الوعي العام وفي الثقافة العامة وفي الثقافة السياسية على وجه الخصوص لدى الأغلبية الساحقة من جماهير الأمة العربية ،فلا يفرقون بينهما ،وبالأحرى لا يجدون أي تعارض بينهما.وعلى المستوى الرسمي تكاد جميع دساتير الدول العربية أو أنظمتها الأساسية تنص على أن دين الدولة هو الإسلام(باستثناء لبنان)،وأن الشريعة الإسلامية هي من المصادر الأساسية للتشريع أو المصدر الرئيس له.كما تنص الدساتير العربية على أن كل قطر عربي هو جزء من الأمة العربية . أضف إلى ذلك تتفق جميع الدساتير العربية على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، لكن في الممارسة العملية ،وهذه أيضا تتفق فيها الدول العربية،ثمة فارق كبير بين النص والتطبيق خصوصا عندما تتعلق الحقوق المنصوص عنها بالسياسة و حرية التعبير والتنظيم والتظاهر.حالة الطوارئ والحكم بالقوانين الاستثنائية هي الحالة السائدة في الدول العربية حتى في تلك التي أخذت بشيء من الانفتاح (3) . وأكثر من ذلك فلا تزال الأسرة الخلية الأساسية لغرس القيم العامة وتنشئة الأجيال عليها ومنها القيم السياسية على وجه الخصوص،ففيها يتقرر إلى حد بعيد مستقبل الأبناء وطريقة تفكيرهم وفلسفتهم في الحياة، تليها وسائل الاتصال الجماهيري من صحف ومجلات وكتب وراديو وتلفزيون، وأخيرا يأتي دور المنظمات السياسية من أحزاب وأندية وغيرها..الخ.(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-هلال،علي الدين .مسعد، نيفين " النظم السياسية العربية :قضايا الاستمرار والتغير" بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية،1999) ص 126.
2- هلال، علي الدين وآخرون،" الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي"(بيروت،مركز دراسات الوحدة العربية،1983)، ص 110-111.
3-إبراهيم ،سعد الدين ،محرر،"التعددية السياسية والديمقراطية في الوطن العربي"،(عمّان منتدى الفكر العربي ،1989) ص 228-243.
4-رشاد،عبد الغفار،" الثقافة السياسية : الثابت والمتغير" دراسة استطلاعية ،(الخرطوم ، مطبعة خطاب الحديثة، 1991) ص64.
أنظر أيضا المنوفي،كمال " الثقافة السياسية وأزمة الديمقراطية في الوطن العربي"،المستقبل العربي، السنة 8،العدد 8 تشرين الأول/أكتوبر،ص68.