الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 5)


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 00:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 5)
منذر خدام
الديمقراطية والعلمانية والليبرالية .
الديمقراطية الحديثة والعلمانية تنتميان إلى سياق تاريخي واحد هو سياق التاريخ الأوربي، أي التاريخ الرأسمالي. خطاب العلمانية موجه إلى تحييد الدولة عن الشان الديني ونقل الدين من الحيز العام إلى الحيز الخاص وإبعاد الميتافيزيقيا عن قراءة مصالح الناس لصالح القراءات الوضعية لها.هذا يعني الانتقال من القراءات المتعددة للأيديولوجيا الدينية إلى تعدد الأيديولوجيات الوضعية حسب التمايزات الطبقية في المجتمع وحسب وضعياتها التاريخية . وفي هذا الإطار يجري إنتاج مفهوم الفرد المواطن واعتباره الحقيقة الوجودية الوحيدة المتميزة لقيام البناء الاجتماعي ومنظومة الحقوق المختلفة خصوصا تلك التي تندرج تحت عنوان الحقوق الطبيعية.
أما خطاب الديمقراطية بالمعنى الضيق فهو خطاب موجه إلى إدارة علاقات السيطرة ونظام الحكم بما يعني ذلك في صورتها المتقدمة ، اعتبار الشعب مصدر جميع السلطات ومعيار شرعيتها، ومصدر التشريع والرقابة ، يحقق ذلك عن طريق ممثلين عنه ينتخبهم بصورة دورية.أما بالمعنى الواسع فهي خطاب موجه إلى إعادة بناء الحياة الاجتماعية ككل على أساس الحرية والمساواة ، أي تحويلها لتشمل بالإضافة إلى المستوى السياسي ،المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بحيث تتحول إلى نمط حياة كاملة لجميع أفراد المجتمع في جميع أشكال وجودهم الاجتماعي. الديمقراطية سواء بالمعنى الضيق أو بالمعنى الواسع والعام فهي ضرورية للعلمانية كما أن العلمانية ضرورية للديمقراطية .
العلمانية كما ظهرت في سياق التاريخ الأوربي لم تكن معادية للدين ولا تنكر القيم الدينية سواء الوضعي منها أو السماوي، بل قامت أساسا على معاداة الكنيسة باعتبارها: من جهة مؤسسة فكرية تحارب حرية الفكر وتعرقل تطور العلم والإبداع الحر، وتلاحق المفكرين والعلماء وحتى المجتهدين منهم في مجال تطوير العقيدة الدينية.بالإضافة إلى أنها أمنت الغطاء الأيديولوجي للطبقة الإقطاعية ككل.
ومن جهة ثانية باعتبارها مؤسسة اقتصادية تملك إقطاعيات واسعة تستغل العاملين فيها أبشع استغلال،تحت غطاء ديني.
الليبرالية هي الأخرى تنتمي إلى السياق الأوربي وقد ظهرت في البداية كمذهب اقتصادي يقوم من حيث الجوهر على اعتبار أن رأس المال هو أساس التمايزات الاجتماعية ،وأن استقصاء الربح هو الدافع لصياغة العلاقات الاجتماعية بدلا من النبالة وملكية الأرض.[1] لقد هيمنت الليبرالية كمذهب اقتصادي طوال القرنين السابع عشر و الثامن عشر وكان شعارها المعروف هو " دعه يعمل دعه يمر " .غير أنه مع تطور الرأسمالية واتساع الاهتمام بالشؤون السياسية العامة بفضل نضالات الطبقة العاملة وغيرها من الطبقات والفئات الشعبية عمدت البرجوازية إلى نقل مفهوم الليبرالية لحرية الاختيار من المجال الاستهلاكي إلى المجال السياسي لتكتسب بذلك أبعادا ديمقراطية لا تزال تنمو في سياق عملية صيرورة تاريخية معقدة.
تقوم الديمقراطية الليبرالية من حيث المبدأ على أساس تعظيم قدرات الفرد على الاختيار بحيث يحقق من جراء ذلك أفضل المنافع وأكبرها[2] .هذا من الناحية النظرية أما في الواقع العملي لم يكن متاحا دائما تحقيق هذا التزاوج بين تعظيم قدرات الفرد على الاختيار وتعظيم المنافع المترتبة على ذلك،إلا على نطاق ضيق جدا هو نطاق النخبات الاقتصادية والسياسية. فحق المشاركة في الانتخابات كتعبير عن حق المشاركة السياسية كان في البداية حكرا على الطبقة العليا من المجتمع البريطاني واستمر ذلك حتى الثلث الأول من القرن التاسع عشر.لكن في بداية الثلث الثاني من القرن المذكور (1832) سُمح للطبقة الوسطى بالمشاركة السياسية في عمليات الانتخاب،وكان على العمال أن ينتظروا حتى نهاية القرن التاسع عشر حتى يُسمح لهم بالمشاركة،أما النساء فلم يمنح لهم حق الانتخاب إلا في عام 1928. بل وكان وضع المرأة أسوأ حيث ألزمها القانون بطاعة زوجها ،وجردها من حق الملكية الذي أعطاه للزوج منذ تاريخ الزواج ،ليتصرف كما يشاء بما كانت تملكه زوجته. ينطبق هذا الحال على أغلب الدول الأوربية .[3]
ففي فرنسا ظلت المرأة محرومة من الأهلية التجارية إلا بإذن زوجها حتى عام 1938، ولم تمنح حقوقها السياسية إلا في عام 1944 .[4]
مع نهاية القرن العشرين أصبحت الديمقراطية الليبرالية تقوم على مجموعة من المبادئ والأسس هي التالية:
- التعددية السياسية وتداول السلطة سلميا .
- دورية الانتخابات وصوت واحد لكل مواطن.
- احترام رأي الأغلبية .
- الدولة الدستورية بما يعني ذلك من وجود قانون أساسي للدولة (دستور) يتضمن فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
- سيادة القانون على مختلف المستويات الإدارية والاجتماعية .
- إقرار حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-هلال،علي الدين،" مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث" في أزمة الديمقراطية في الوطن العربي ،ندوة،(بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية ،1987)،ص 38.
2-C .P .Macpherson , Democratic theory ( Oxford : Calerdon press ,1973 ) PP 3-23
3- حريق،إليا " التراث العربي والديمقراطية : الذهنيات والمسالك "(بيروت ، المستقبل العربي ،العدد 1/2000 ) ص22-23 .
4- المرجع السابق ص 22-23 .