عامان على العدوان والملفات ما زالت مفتوحة


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5220 - 2016 / 7 / 11 - 17:18
المحور: القضية الفلسطينية     

عامان على العدوان و الملفات ما زالت مفتوحة
بقلم: محسن ابو رمضان

مر عامان على العدوان الاخير على قطاع غزة و الذي بدأ في 8 يوليو لعام 2014، مارست به اسرائيل أبشع انواع الانتهاكات لمبادئ حقوق الانسان و وثيقة جينيف الرابعة حيث استشهد حوالي 2200 شهيد و جرح حوالي 11 الف جريح، بالإضافة الى تدمير للبينة للتحتية و المرافق الانتاجية و الاف من المنازل و الورش و المصانع و المزروعات، و محطات المياه و شبكات الطرق و الكهرباء في محاولة لإلحاق الخسائر الاقتصادية الى جانب الاجتماعية و البشرية.
رغم مرور عامان على العدوان فما زالت الملفات الرئيسية مفتوحة و متفاعلة حيث الحصار ما زال مستمرا بأشكاله المختلفة و يعيش المواطنين في معتقل كبير و عملية اعادة الاعمار تسير ببطء شديد بالاستناد الى الية الرقابة المقيدة و المقيتة، و رغم الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية فما زال ملف جرائم الحرب التي ارتكبته اسرائيل غير مفعل، و الانكى من ذلك كله فان الانقسام ما زال مستمرا و المصالحة أصبحت بعيدة المنال.

ان هذه المناسبة الاليمة تدفعنا للتذكير بمعاناة شعبنا الناتجة عن العمليات العدوانية الشرسة بحقه، حيث تشرد اكثر من 500 ألف انسان و انتقلوا من الحدود الشرقية و الشمالية من القطاع الى وسطها و غربها، قطن القسم الاعظم منهم في مدارس الايواء التابعة للأونروا و القسم الاخر لدى ذويهم، حيث تضاعفت المعاناة الاقتصادية و الاجتماعية.

و امام هذه الواقع الذي ما زال مأساويا حيث يعتمد على المساعدات الغذائية اكثر من 80% من المواطنين الى جانب الارتفاع المذهل بنسب الفقر و البطالة التي وصلت الى 60% بين صفوف الشباب، و هي الاعلى بالعالم، الى جانب ازمات الكهرباء و المياه و المعابر و الموظفين، لابد من اجراء مراجعة تقييمية للأداء بما يساهم في تخفيف الاعباء و تعزيز الصمود للمواطنين، علما بأن التقارير الدولية تؤكد مدى خطورة الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و التي تشير بان قطاع غزة مكان غير ملائم للعيش في العام 2020.

ان العديد من الملفات التي ما زالت مفتوحة، مرهونة بقدرتنا على مواجهتها بما يعني انهاء الانقسام و تحقيق المصالحة، و بناء استراتيجية عمل وطني فلسطيني موحدة و ليس فقط لمواجهة الحصار و لكن ايضا لمواجهة الاستيطان و تهويد القدس و السيطرة على الموارد بما يعني اعادة الصراع الى طبيعته الاصلية لشعب محتل يسعى للتخلص من الاحتلال.

حتى يعود الصراع الى طبيعته لمواجهة الاحتلال و انجاز حقوق شعبنا لابد من اعادة استنهاض اشكال الكفاح السياسي و الدبلوماسي و الجماهيري و ذلك عبر استنهاض اوسع حركة لقوى التضامن الشعبي الدولي الى جانب اعتماد حملة المقاطعة (BDS) و عدم التردد في ملف محاكمة مجرمي الحرب انتصارا لحقوق الضحايا و مبادئ حقوق الانسان و تفعيلا كآليات المسائلة.

ان النظرة الموضوعية لما يجري بالإقليم تؤكد التراجع النسبي للقضية الوطنية لشعبنا، و التي لم تعد تحتل الاولوية أمام التحديات و المشكلات الطائفية و العرقية و الجهوية و أمام صراع دول العالم على موارد المنطقة، و محاولة العمل على تعزيز و استمرار هذه الصراعات وصولا الى تقسيم هذه البلدان جغرافيا و تفكيك وحدتها و تماسكها.

تتزامن حالة التراجع النسبي للقضية الفلسطينية مع التقدم الذي يحققه اليمين المتطرف في اسرائيل و الذي تبرز مؤشراته من خلال ترؤس اسرائيل للجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة علما بأنها دولة متهمة بارتكاب جرائم حرب في عام 2014 و عمليات العدوان التي سبقها في العام 2012 وفي عام 2008-2009، و فرض عقاب جماعي عبر الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، كما تبرز هذه المؤشرات من خلال نجاحها في تحقيق التطبيع مع تركيا و تعزيز التوافق مع روسيا خاصة بالملف السوري، و يبرز ايضا من خلال اقتراح حصول اسرائيل على عضوية مراقب في مؤتمر الوحدة الافريقية و كذلك عبر تقرير اللجنة الرباعية الذي يساوي بين الضحية و الجلاد، الامر الذي دفع دولة الاحتلال للتشدد أمام مبادرة السلام عبر رفض نتنياهو للمبادرة الفرنسية و وضع اشتراطات كبيرة تجاه المبادرة العربية للسلام.

واضح أن حصار قطاع غزة و عزله عن الضفة هو جزء من الاستراتيجية الصهيونية و هو تنفيذا لمنظومة التمييز العنصري و استنساخا لها، كما ان ما تقوم به دولة الاحتلال يعكس أنها ماضية قدما في مشروعها الاحتلالي و التوسعي في الاستيطان بما يبدد من حقوق شعبنا المشروعة.

تهدف اسرائيل من خلال الامعان في فرض الحصار على قطاع غزة الى تخليفه و تعزيز التوتر في نسيجه الاجتماعي و تعمق حالة الاحتقان الداخلي وصولا للانفجار الاجتماعي في مواجهة بعضه البعض، و لعل المؤشرات الواضحة من خلال السرقات و عمليات القتل والصراعات و المشاحنات العائلية دليل واضح على اهداف الاحتلال من وراء الحصار، مصحوبة بالرغبة بالهجرة و البحث عن مخارج غير شرعية للعمل و مواجهة البطالة، الامر الذي يتطلب مزيدا من الانتباه من قبل صناع القرار من خلال اعداد منظومة ادارية ذات وجهة تنموية و ديمقراطية تحقق المشاركة و تستخدم اليات تعزز من الصمود و التماسك الاجتماعي و ذلك لضمان سير المجتمع بمسارات صحية.
ان المنظومة الادارية المطلوبة يجب أن تستند الى حكومة وحدة وطنية تصيغ السياسات الناجمة عن مواجهة التحديات و المشكلات الناتجة عن الحصار.


ان قراءة الصورة بإطارها الموضوعي يجب ان تدفع صناع القرار السياسي و الوطني الى اجراء مراجعة تقييمية جادة لنتائج عدوان 2014 من حيث استمرارية فتح الملفات الرئيسية و عدم وجود افاق لإغلاقها ( الحصار، الاعمار، الانقسام) بما يتطلب البدء اولا في ترتيب البيت الداخلي و العمل على تحقيق الوحدة الوطنية.

لقد أثبتت المتغيرات في الاقليم أن الدول تتجه الى التركيز على مصالحها الخاصة البحتة، الامر الذي يتطلب الاستفادة مما يجري و ذلك عبر التركيز على مصالحنا الوطنية البحتة و التي لا يمكن أن تتحقق دون الوحدة الوطنية و القيادة الديمقراطية الجماعية بعيدا عن الاقصاء و على أسس من الشراكة الحقيقية.