ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة1)


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ممكنات الديمقراطية في الدول العربية.
منذر خدام
(1)
(الديمقراطية والأسئلة الصعبة)
يكاد يقارب البديهة تقبل الديمقراطية والدعوة إليها في جميع دول العالم ، خصوصا، بعد زوال الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية. وبالفعل فقد تسارعت حركة الانتقال إلى النظام الديمقراطي على الصعيد العالمي، في أوربا الشرقية، وفي أفريقيا، وأسيا، وأمريكا اللاتينية،لكن بقيت الدول العربية ضعيفة التفاعل والاستجابة. ونظرا للصخب الذي رافق، ولا يزال يرافق عمليات التحول هذه ،التي لا تخلو من الاستعراض سواء في الإعلام ،أو في الخطاب السياسي ،أو في التطبيق ،أخذت تتداخل في الوعي العام ،وفي الوعي السياسي، وحتى في الفكر النظري، الأسئلة المتعلقة بالديمقراطية ،وعمليات الانتقال والتحول إلى الأنظمة الديمقراطية ، نجم عن ذلك نوع من التبسيط ،والاستسهال ،والتسرع في الإجابة عنها.
مثلا كيف يمكن الانتقال إلى النظام الديمقراطي في ظروف التبعية ،أو في البلدان التي لم يبلغ تطور الرأسمالية فيها المستوى الضروري الذي يسمح بتوطين الديمقراطية ؟ يلح هذا السؤال كون الديمقراطية تعبير عن نمط الحياة السياسية للرأسمالية الصناعية .
ثم كيف يمكن لقوى اجتماعية تنتمي في مجملها سواء من ناحية التكوين ،أم من ناحية الوضعية ،إلى مجتمعات ما قبل الرأسمالية ،أي إلى المجتمعات العضوية ،القبلية ،أو العشائرية أو الطائفية ،أن تحتضن الديمقراطية؟
بعبارة أخرى ما هي الكتلة التاريخية التي يمكن أن تنجز عمليات الانتقال والتحول الديمقراطي في ظروف التخلف؟. وهل صار الخيار الديمقراطي خيارا مؤكداً فعلا في الدول العربية؟.
من الواضح أننا إزاء عملية معقدة جدا يتداخل فيها النظري والعملي، المحلي والعالمي، العقلاني والعاطفي ، ما هو رأسمالي وغير رأسمالي لتجعل أسئلتها مركبة ومتداخلة وأجوبتها معقدة لا تقبل القطع بها، بل فقط النسبية ، والاحتمالية.
فالقول مثلا أن الديمقراطية لا يمكن بناؤها في ظل التبعية يفنده الواقع من ناحيتين على الأقل: من ناحية أن العولمة التي تزيد من الاشتراط المتبادل بين جميع دول العالم وبين الوحدات البنيوية المكونة للنظام الرأسمالي هي عملية موضوعية من يحاول وضع نفسه خارجها ،على افتراض أن هذا ممكن ،يحكم على نفسه بالموت الحضاري.ومن جهة ثانية إن ما يجري واقعيا في جميع دول العالم من تحول باتجاه الديمقراطية يجري في إطار عمليات الاندماج المتسارعة الجارية عالميا ،وليس من خارجها أو على الضد منها.السؤال الحق في هذا المجال ليس هو كيف نخرج من إطار العولمة ، وما تفرضه من علاقات تبعية، بل أن نجعل التبعية متبادلة ،والاشتراط المتبادل يتحرك في اتجاهين،من دول الأطراف باتجاه دول المركز وبالعكس، وليس في اتجاه واحد كما هو حاصل اليوم أية من دول الأطراف باتجاه دول المركز.
كذلك القول بأن الديمقراطية هي وليدة النظام الرأسمالي الصناعي، وبالتالي لا يمكن أن تطبق إلا في المجتمعات التي أنجزت ثورتها الصناعية ،كما هو الحال في الدول الأوربية ومثيلاتها من الدول المتقدمة، تكذبه واقعة أن الهند التي تعيش نظاما ديمقراطيا مستقرا،بل أكبر نظام ديمقراطي في العالم ،لم تكن قد أنجزت ثورتها الصناعية ولم تنته منها بعد. كما أن هناك دول عديدة أنجزت ثورتها الصناعية منذ زمن ، لكنها لم تتحول إلى الديمقراطية إلا في الفترة الأخيرة،مثل كوريا الجنوبية والعديد من دول جنوب شرق أسيا، وأمريكا اللاتينية.
كما أن القول بأن الديمقراطية بحاجة إلى بنية اجتماعية انصهارية تختفي منها البنيات الأهلية القائمة على العلاقات الشخصانية،أو بالحد الأدنى اضمحلال دورها الاجتماعي لصالح مؤسسات المجتمع المدني ،والأحزاب السياسية والنقابات، تخالفه الوقائع في العديد من الديمقراطيات الأوربية ، وفي الهند التي تمثل بحق أنموذجا محرجا للتنظيرات الغربية المتعلقة بالديمقراطية. فليس كل ما هو أهلي يتناقض مع الديمقراطية .ربما هناك نوع من التنظيمات الأهلية التي لا تتوافق مع الديمقراطية ،وتحول دونها ،أو تعيقها،وهي تلك التي تدخل مع غيرها في علاقات تحديد على قاعدة النفي،بمعنى أن وجودها يتحدد من خلال نفيها لغيرها ،أو تميزها عنها على قاعدة الهيمنة.أما التنظيمات الأهلية التي تقوم بينها علاقات ندية يتحدد من خلالها وجود أي منها بوجود الآخر فهي تدعم الديمقراطية ولا تنفيها أو تعيقها.
ثم هل يمكن اعتبار الديمقراطية وكأنها سلعة قابلة للاستيراد والتصدير ،كما في العديد من التنظيرات العالمثالثية ؟ ألا يجب النظر إليها كصيرورة ؟ بكلام آخر هل المطلوب ديمقراطية ناجزة وكاملة، أم هوامش للحرية والديمقراطية ، يمكن البناء عليها وتطويرها مع تعمق التحولات المدنية المصاحبة؟.ثم ما هي الضمانات أن لا تظل الهوامش الديمقراطية ،التي يمكن أن تسمح بها الأنظمة الحاكمة ،مجرد هوامش شكلية تعيد إنتاجها باستمرار؟.
الأسئلة السابقة المشحونة بالشك ،وغيرها كثير، لا يجوز النظر إليها على أنها أسئلة تعجيزية تدفع باتجاه اليأس،أو أنها من نوع الأسئلة التي لا تخاطب واقعا معينا، ومتميزا. بل على العكس تماما ،يكفي أن ننظر في واقعنا العربي لنشاهد نموذجا مشخصا تسائله ولديه الأجوبة عنها.ما نود التأكيد عليه قبل البحث في ممكنات الديمقراطية في الدول العربية هو أن أية إجابة عن الأسئلة السابقة ،وغيرها مما له علاقة بالديمقراطية ،لا بد أن تنبع من الواقع المشخص ،وليس من خلال النظرة التأملية المجردة ،التي اختبرناها في الخطاب القومي ،وفي الخطاب الماركسي، ونختبرها الآن أيضا في الخطاب الديني المستنفر، وجرّت علينا ولا تزال مزيدا من الفشل والإحباط .