التداخلات الإقليمية والدولية وآفاق حل المسألة السورية


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5065 - 2016 / 2 / 4 - 15:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

التداخلات الإقليمية والدولية وآفاق حل المسألة السورية
يبدو أنّ الحالة السورية قد خرجت من أيدي السوريين، نظاماً ومعارضة، وباتت قضية تبحث مصيرها دول أخرى لها مصالح، ليس في سورية فقط بل في المنطقة العربية والعالم.
وبالرغم من التجميد المؤقت لمؤتمر جينيف3 يمكن القول أنه لأول مرة ينجح تضافر جهود القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في وضع خطة تفصيلية للحلِّ، وإلى الحاجة لوضع حدٍّ للمحنة السورية المستمرة منذ حوالي خمس سنوات. وهي تمتحن إرادة المنادين بالحلول السياسية، وتختبر نياتهم ومدى جديتهم. فالبنود التسعة وخطة الطريق، التي انبثقت عن اجتماعات فيينا، والمحددات السبعة لمؤتمر الرياض للمعارضة، والتصويت بالإجماع على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 تلبِّي الشروط الأساسية لأية عملية تصبو إلى تحقيق السلام في بلد يسير نحو الاندثار.
إنّ قرار مجلس الأمن حول سوريا هذه المرة يجب ألا يُستخف به كما تعودت منطقتنا في التعامل مع قرارات المنظمة الدولية. وقد جاء هذا القرار نتاجاً لعدة متغيّرات حصلت في المشهد السوري وجعلته أكثر استعداداً للتسويات السياسية عما كان عليه عشية انعقاد مؤتمر " جنيف 2 " في أوائل عام 2014: أولها، الانخراط الروسي المباشر في الصراع السوري. وثانيها، تنامي الحاجة لدى حلفاء النظام لتمرير حل سياسي يخرجهم من حالة الاستنزاف المنهكة. وثالثها، تزايد الضغط الإقليمي لإطفاء بؤرة التوتر السورية، بعد أن أضحى التخوُّف على أشده مما تخلِّفه هذه البؤرة من استقطابات حادة واحتقانات مذهبية وطائفية، ومن أخطار اجتماعية واقتصادية على بلدان الجوار نتيجة الازدياد المتواتر لأعداد اللاجئين السوريين على أراضيها. ورابعها، موجة اللجوء السوري نحو أوروبا. وخامسها، تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية وشيوع رغبة عارمة وضاغطة لدى السوريين بضرورة الخلاص من هذا التردي المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، ربطاً بتنامي استعداد المعارضة السياسية للتوصل إلى حلول تخفف من دوامة العنف وتحفظ وحدة البلاد ومؤسسات الدولة.
ويبدو أنّ المسار العام لتطور الموقف الروسي من الأزمة السورية، والتقارب المتنامي بين واشنطن وموسكو، يؤشران إلى متغيّرات كبيرة مقبلة في الأزمة السورية، وتعزيز قوة الدفع الدولية للبدء بمرحلة انتقالية جدية. ولكن ثمة عقبات تعترض انطلاق الحل، بينها استمرار الخلافات على آليات التغيير والفترة الانتقالية ودور رأس النظام، وسبل الحفاظ على هياكل الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، وتوفير الحقوق والحماية لجميع المكوِّنات.
وعليه صارت روسيا أمام اختبار قدرتها على ترشيد النظام السوري وحلفائه الإيرانيين وانتزاع منهم التنازلات الضرورية لإمرار التسوية وفرض تصورها للحل، في مقابل أن يفرض الغرب أمراً واقعاً على المعارضة المسلحة وداعميها ومموليها لوقف النار والإعداد لطاولة المفاوضات.
لا يُتوقع أن يكون مسار المفاوضات بعد تأجيلها إلى 25 فبراير/شباط الجاري، سهلاً وسلساً، وذلك لعدة أسباب، منها أنّ المسألة السورية، بكل تناقضاتها وتشعباتها، أصبحت مسرحاً لكل التناقضات المحلية والإقليمية والدولية. مما يفترض تشكيل الإدارة الدولية للمرحلة الانتقالية بقرار يتبلور في مجلس الأمن الدولي، بإرسال قوات دولية تكون الأداة الفاعلة لإدارة عملية الانتقال السياسي.
وبين كل الاحتمالات يبدو أنّ مآل الحل الواقعي والمنطقي، الذي يتفق مع مصلحة السوريين، السعي لإنهاء الوضع الكارثي السوري بحل سياسي تفاوضي يقيم حكماً انتقالياً بكامل الصلاحيات، بالتشارك بين من لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين من أهل النظام وممثلي المعارضة السورية، يوقف إطلاق النار ويقود عملية انتقالية تمر بدستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وعودة المهجَّرين وإعادة الإعمار ومواجهة المنظمات الإرهابية، وكل من لا يقبل بوقف القتال والاحتكام لعملية سياسية ديمقراطية.
ولا شك أنّ الحلول التي تُبنى على أساس التوازنات الإقليمية والدولية هي، بالضرورة، حلول مؤقتة، لا تحقق الاستقرار. ويفترض بالمعارضة السورية العمل جدياً على خلق دينامية سورية داخلية للحل، بعد أن اعتمدت، طوال خمس سنوات، على ما تقدمه الدول من تصورات ومبادرات.
وبناء على ما تقدم، يبقى العامل الذاتي الوطني حجر الأساس في أيِّ تعامل مع المبادرات والجهود التي تقارب المسألة السورية. فمن دون قيادة سياسية متماسكة للمعارضة تمتلك رؤية سياسة واضحة ومطمئنة لسائر المكوِّنات السورية، على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وتكون بعيدة كل البعد من التعصب والتطرف، وتأخذ في اعتبارها المعادلات الإقليمية والدولية، وتؤكد للجميع أنّ سورية المستقبل ستكون عامل استقرار وانسجام لمصلحة الجميع، ستبقى الأمور عائمة، مفتوحة على غير ما هو منشود.
ويستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، العودة إلى ذاتنا، واستعادة روح الثورة والمبادئ التي كانت تمثلها، في الحرية والكرامة وحق الشعب في تقرير مصيره، ورفض المساومة على القضية التي ضحَّى من أجلها ملايين السوريين، بعضهم بأرواحه وبعضهم بمستقبله وكل ما يملك، فمن دون إحياء روح الثورة من جديد، وتعميم إشعاعها في قلوب أغلب السوريين، لن يبقى هناك أيُّ معنى، وسيتحول الكفاح البطولي المرير للشعب السوري، منذ خمس سنوات، إلى اقتتال مجاني، عبثي.
ولعلَّ التوافق الوطني، الذي انبثق عن مؤتمر الرياض، يعدّل من وضعية الحالة السورية. خاصة بعد إعلان المبادئ السبعة: وحدة سورية أرضاً وشعباً، سورية دولة ديموقراطية ومدنية، احتكار الدولة حصر السلاح واستخدامه، رفض الإرهاب بكل أشكاله، بما فيه إرهاب الدولة، رفض وجود كافة المقاتلين الأجانب والمطالبة بانسحابهم، التزام مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة وسيادة القانون، والحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة الأمن والجيش.
تبقى الكرة الآن في ملعب من لم تتلطخ أياديهم، من أهل النظام، بدماء السوريين ومعارضة مؤمنة بالدولة المدنية الديمقراطية، وقد فوضتهم القوى المؤثرة إعادة بناء دولتهم على أسس جديدة، مع إبقاء عقدة الأسد في دواليب أي تقدم نحو الحلِّ، وتحوُّله إلى عبء على الجميع. لذلك يجدر بالمعارضة أن تَدَعَ الأسد يرفض، وأن تتخذ هي مواقف غير عدمية، قد تفتح الأفق أمام تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة. ولعلَّ الخلاف بين حلفاء الأسد الإيرانيين والروس سيرسم المصير البائس له، طالما أنّ مصيره سيبقى لدى الروس في دائرة " الغموض البنّاء ".
يجب البناء على قرار مجلس الأمن والاستفادة القصوى من التوافق الذي حصل عليه على طريقة " خذ وطالب "، ولئن كانت الصياغة تمت بتوافق أمريكي روسي، فإن ثمة دولاً عديدة في أوروبا وحول العالم تدعم حقوق الشعب السوري، وتدعم المعارضة السورية المعتدلة وترفض استمرار بشار في السلطة، وهي بالتعاون مع الدول العربية الداعمة لحقوق الشعب السوري يمكن أن تقدم دعماً غير محدود للمعارضة السورية الموحدة.
وفي سياق مواجهة التحديات والمخاطر المقبلة، وهي عديدة وعلى المستويات كافة، ينبغي على قوى المعارضة السورية الانتباه إلى نقطة مركزية، وهي أنّ هناك حاجةً عالمية إلى دور سوري، مهما بلغت شدّة التدخلات الخارجية والإقليمية، المعوقة والسلبية، فمن دون هذا الدور، لا يوجد حل دائم، ولا يمكن تغطية هذا الحل برعاية الدول. وهذا يعني عدم التفريط بأساسيات الحل المقبول.

تونس في 4/2/2016 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية